ارتفاع حالات العنف الأسري في العراق... والضحايا هم الأطفال

مجموعة من الأطفال أعلى سطح إحدى بنايات بغداد (أ.ب)
مجموعة من الأطفال أعلى سطح إحدى بنايات بغداد (أ.ب)
TT

ارتفاع حالات العنف الأسري في العراق... والضحايا هم الأطفال

مجموعة من الأطفال أعلى سطح إحدى بنايات بغداد (أ.ب)
مجموعة من الأطفال أعلى سطح إحدى بنايات بغداد (أ.ب)

دخل أمجد حميد (39 عاماً) إلى منزله بالعاصمة العراقية بغداد، ليُفاجأ بآثار ضرب مبرح على جسد ابنته ذات الأعوام العشرة. لم يخطئ ظنه في اتهام زوجته التي اقترن بها مؤخراً بعد الانفصال عن أم ابنته، حيث وجدت الزوجة الجديدة في تعنيف الطفلة متنفساً لمشاعر كره وغيرة تعتمل في نفسها.

يقول حميد، وهو أب لطفلين، لوكالة أنباء العالم العربي: «بعد الانفصال عن زوجتي تزوجت بأخرى للعناية بالطفلين. أوصيتها بتدبير أمورهما وعدم التقصير معهما، وبالمقابل سأوفر لها كل ما تحتاج إليه، فأنا ميسور الحال».

ويكمل: «بعد فترة، بدأت تظهر ملامح التعنيف على جسد الطفلين، وعندما تحدثت معها فاجأتني بأنها تشعر بالغيرة من ابنتي، حتى كادت تقتلها ذات مرة لتعلقي بها، فكان الطلاق مرة أخرى».

قصة تعنيف أخرى بالعراق عجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في الأيام الماضية، هي قصة الطفل موسى ولاء (7 أعوام) الذي أنهت زوجة أبيه حياته بعد تعذيب على مدى شهور.

وأوردت اعترافات المتهمة التي نشرتها وزارة الداخلية أساليب مروعة، مثل إجبار الطفل على التهام أكثر من كيلوغرام من الملح وتعذيبه بالكهرباء والضرب. كما روى شقيقه وقائع تعذيب مرعبة مسترجعاً تفاصيل وفاته أمام عينيه.

وقبل أيام، تعرض طفل يدعى حيدر إلى التعذيب من قبل والده وزوجته التي كانت تضربه بممسحة الأرض ومنفضة السجائر، حتى وصل الأمر إلى رميه من أعلى السلم. وبعد نقله للمستشفى اكتشف الطبيب آثار التعذيب، ولم يقتنع برواية سقوطه عَرَضاً من فوق السلم.

واعتقلت الشرطة والد الطفل وزوجة أبيه، وتحدثت أخته أيضاً عن التعذيب الذي كان يتعرض له شقيقها.

إجبار الطفل على التهام أكثر من كيلوغرام من الملح وتعذيبه بالكهرباء والضرب

اعترافات المتهمة

زيادة معدلات الطلاق

خلال الأعوام القليلة الماضية، شهد العراق الكثير من حالات تعنيف الأطفال على أيدي ذويهم، وكانت هناك جرائم صورتها الكاميرات، ما حوّلها لقضايا رأي عام سارعت الأجهزة القضائية والأمنية العراقية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها.

ويبدو أن حالات استخدام العنف مع الأطفال تزداد كلما زادت معدلات الطلاق، فغالباً ما يُصبح الأبناء هم الضحية الأولى لقرار الزوجين.

إحدى حالات الطلاق حالة إسراء عباس (27 عاماً) التي انفصلت عن زوجها، ثم أحسّت بثقل العيش في منزل أهلها بعد شهر واحد من الانتقال إليه مع ابنتها الوحيدة، خصوصاً أن العائلة محدودة الدخل. وفكرت في الزواج مرة أخرى بوصفه طوق نجاة، خصوصاً أن طليقها تركها دون نفقة لها أو لابنته.

وقالت: «وافقت على الزواج بأحد المتقدمين لخطبتي، كان هو أيضاً منفصلاً ولديه طفلان. وبعد الزواج بدأت المشكلات تنشب بسبب الأطفال».

اتهمها الزوج بأنها مهتمة بابنتها أكثر من ولديه، وهو ما نفته تماماً، وشكت من سوء معاملته لها وابنتها.

وأضافت لوكالة أنباء العالم العربي: «بدأ يعنّف الطفلة ويقسو عليها، في حين كان يعامل أطفاله بأسلوب مختلف، ما اضطرني إلى طلب الطلاق والرجوع إلى بيت أهلي مرة أخرى».

يشار إلى أن البرلمان العراقي انتهى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من القراءة الأولى لمشروع قانون حماية الطفل، وسط اعتراضات بعض الكتل السياسية على بنود؛ منها وضع آليات تتيح للطفل تقديم شكوى ضد ذويه، وتخويل وزير العمل والشؤون الاجتماعية اختيار عائلة بديلة لأي طفل تعرض لاعتداء أو فقد أحد والديه.

وترددت في الآونة الأخيرة أنباء عن موافقة المرجعية الدينية في محافظة النجف على القانون المذكور، لكن سرعان ما نفى مكتب المرجع الديني للمكوّن الشيعي علي السيستاني اطلاعه على القانون أو موافقته عليه.

 

حالات العنف الأسري ضد الأطفال ارتفعت بشكل كبير حتى وصلت إلى القتل

زينب جمعة الموسوي عضو البرلمان العراقي

انتشار يدق جرس إنذار

تقول زينب جمعة الموسوي، عضو البرلمان عن كتلة «صادقون»: «حالات العنف الأسري ضد الأطفال ارتفعت بشكل كبير حتى وصلت إلى مرحلة قتل الأطفال الأبرياء، وغالباً مَن تُتهم بارتكاب هذه الجرائم زوجات الأب».

وتضيف: «هذا مؤشر خطير يستوجب الوقوف عنده. ونحن في داخل البرلمان شخّصنا هذه الظاهرة ونعمل على معالجتها بشكل نهائي من خلال تشريع قوانين تدعم الطفولة وتنهي حالة العنف الأسري الذي اجتاح أغلب منازل العراقيين».

وهي تشبّه الظاهرة «بمعول لهدم المجتمع، فالعنف الأسري يجعل من ضحاياه مستقبلاً قنابل موقوتة. وفي حال نجاتهم ووصولهم لسن المراهقة سيسلكون طريق المخدرات والإجرام، وهذا ما يجب ألا نسمح به إذا أردنا ضمان مستقبل العراق».

ويرى الباحث الاجتماعي أحمد الذهبي أن ظاهرة تعنيف الأطفال أصبحت خطيرة وواسعة الانتشار. ويقول: «نحن في المجتمعات العربية نحتاج إلى تربية الآباء قبل الأبناء».

وتابع بقوله: «إدارة الأسرة أو تكوينها مسؤولية كبيرة وتحتاج إلى فن القيادة، وهذا غير موجود حالياً. لذلك لا نستغرب وجود الكثير من حالات التعنيف التي وصل بعضها إلى حد قتل الأطفال الأبرياء من قِبل آباء وأمهات بعيدين عن الإنسانية».

واستطرد: «من بين الأسباب التي تدفع لمثل هذه الحالات الخواء النفسي والروحي، إذ أصبحت النفوس متوحشة، ونحتاج إلى إرشادات وتطبيب للنفوس المريضة».

يذكر أن العراق من أولى الدول العربية التي وقعت اتفاقية حقوق الطفل التي أقرت عام 1989، واعترف ببنودها وأصبح عضواً فاعلاً فيها. ويضمن الدستور العراقي عدداً من الأحكام التي تؤكد على كفالة الدولة لحقوق الطفل والمرأة والأسرة.


مقالات ذات صلة

كينيا تعلن عن خطة لمكافحة العنف ضد النساء بعد قتل 100 امرأة

أفريقيا نساء كينيات في مقاطعة سامبورو الشمالية (رويترز)

كينيا تعلن عن خطة لمكافحة العنف ضد النساء بعد قتل 100 امرأة

أعلنت كينيا، الخميس، أن «العنف القائم على النوع» هو التهديد الأمني الأكثر إلحاحاً الذي تتعرض له البلاد، حيث قُتلت 100 امرأة في الأشهر الأربعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023 معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ

«الشرق الأوسط» (فيينا)
يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)

الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أ.ف.ب)
القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أ.ف.ب)
TT

الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أ.ف.ب)
القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أ.ف.ب)

أكد القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، اليوم (الأحد)، أن كل الأسلحة في البلاد ستخضع لسيطرة الدولة بما فيها سلاح القوات التي يقودها الأكراد.

وقال الشرع خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق «ستبدأ الفصائل بالاعلان عن حل نفسها والدخول تباعا في الجيش»، مضيفاً «لن نسمح على الإطلاق أن يكون هناك سلاح خارج الدولة سواء من الفصائل الثورية أو من الفصائل المتواجدة في منطقة قوات سوريا الديموقراطية (قسد)».

وتعهد الشرع، في وقت سابق اليوم، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور، خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.

وأكد الشرع الذي تولى السلطة إثر الإطاحة بالرئيس بشار الأسد قبل أسبوعين أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه، واستقلال قراره واستقراره الأمني»، مضيفاً أن بلاده «تقف على مسافة واحدة من الجميع».