كوارث بالجملة في «يوليو الملتهب»

عشرات الضحايا في شمال أفريقيا... وأوروبا تتهيأ للأصعب

TT

كوارث بالجملة في «يوليو الملتهب»

حريق قرب باليرمو بإيطاليا الثلاثاء (أ.ف.ب)
حريق قرب باليرمو بإيطاليا الثلاثاء (أ.ف.ب)

لا تزال موجة الحر الشديدة تحدث الفوضى وتتسبب بالحرائق وبأضرار بشرية كبيرة في أنحاء الكوكب، مع تحطيم درجات الحرارة الأرقام القياسية؛ ففي دول شمال أفريقيا تجتاح موجة حر كبيرة، إذ سجلت المنطقة درجات حرارة تصل إلى 49 درجة مئوية في بعض بلدات تونس، التي اجتاحت فيها الحرائق مساحات من الغابات، مما أجبر مئات العائلات على الفرار. فيما تكافح الجزائر لاحتواء ما تبقى من غابات مدمَّرة وتشيّع في الوقت نفسه موتاها الذين قضوا في الحرائق المستعرة.

دول أوروبا ليست أفضل حالاً، وهي أيضاً تعاني من «تداعيات أزمة المناخ» من الحرائق العنيفة، حيث حذّر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، من أن اليونان تمر بـ«صيف صعب». وفي إيطاليا، ضربت عواصف رعدية عنيفة شمال البلاد وهبَّت رياح عاتية وهطلت أمطار غزيرة وزخّات من البرد على مدينة ميلانو، العاصمة الاقتصادية للبلاد، فغمرت المياه الشوارع وسقطت الأشجار على الطرق.

الجزائر: تشييع ضحايا وانتقادات غاضبة للسلطة

قالت السلطات الجزائرية، الثلاثاء، إنها تكافح لاحتواء ما تبقى من حرائق غابات مدمَّرة في جحيم أدى إلى مقتل 34 شخصاً على الأقل، مشيرةً إلى أنها تمكنت من إخماد 80 في المائة من الحرائق حتى الآن. وقالت وزارة الداخلية الجزائرية في بيان صحافي، أوردته الإذاعة الجزائرية: «تحققت هذه النتائج الإيجابية بفضل فعاليات التدخلات الجوية من خلال طائرات الإطفاء المقحمة، التي حققت نتائج ملموسة، وبلغت نجاعتها القصوى بعد التحسن النوعي للظروف المناخية، وانخفاض سرعة الرياح ودرجة الحرارة». واندلعت الحرائق في عدة ولايات بالجزائر (الاثنين) وتضررت غابات ومحاصيل زراعية. ونشرت السلطات الجزائرية أكثر من 8000 من رجال الإطفاء سعياً للسيطرة على النيران. وقالت خدمات الحماية المدنية إن هناك 15 حريقاً في ثماني مناطق بالدولة (الثلاثاء) في سكيكدة وجيجل والبويرة وبجاية وتبسة والمدية وسطيف والطرف.

حريق في تونس قرب الحدود مع الجزائر الاثنين (أ.ف.ب)

وكان عشرة من الضحايا البالغ عددهم 34 الذين تم الإبلاغ عنهم (الاثنين) من الجنود. وشيَّعت بلدات ولاية بجاية بشرق الجزائر، الثلاثاء، موتاها، الذين قضوا في الحرائق المستعرة التي ضربت المنطقة ليل الأحد. ووقف سكان المناطق المنكوبة على حجم الخسائر التي لحقت بالبيوت والمزارع، في جو جنائزي كئيب، وسط تضامن واسع من كل مناطق البلاد، حتى التي تضررت من النيران، لكن لم تشهد خسائر في الأرواح. وقال أحد الناجين من هول الكارثة إنه فقد 16 من عائلته وأبناء عمومته، من بينهم والدته المسنة، وأكد في صور فيديو تداولها ناشطون في منصات الإعلام الاجتماعي أن النيران باغتتهم وهم في بيوتهم بقريتهم بأعالي بجاية (250 كلم شرق العاصمة)، مبديا حسرة كبيرة على المصير الذي آلت إليه المنطقة، التي تحولت إلى أرض قاحلة بعدما كان يكسوها الغطاء النباتي والغلال منتشرة بها. وأبدى كثير ممن تكبدوا خسائر جراء النيران غضباً من ضعف الإمكانات الخاصة بمواجهة الحرائق محلياً.

كما أكد بعضهم، في شهادات للصحافة، أن فرق الإنقاذ وصلت «بعد فوات الأوان»، أو لم تأتِ أصلاً في بلدات أخرى. كما تساءل آخرون عن «مصير» وعود الحكومة بشراء طائرات إخماد النيران، قبل عامين، عندما أكلت الحرائق محافظات بالشرق، مخلفةً 42 قتيلاً ودماراً هائلاً في الأملاك. ونشر شباب جمعيات ثقافية ببجاية صوراً مروعة عن مواقع سياحية وهي تحترق، أهمها «شلالات كفريدة» في مدينة درقينة، وفي المنطقة الغابية المطلة على بني كسيلة، وهي أحد أجمل سواحل بجاية. كما جرى تداول صور زيامة منصورية الساحرة بمناظرها الطبيعية، بمحافظة جيجل المجاورة، والتي بات لونها رمادياً، واختفت زُرقة السماء التي تميزها طوال أشهر السنة، خصوصاً في فصل الصيف، حيث يأتي سكان المحافظات للاستمتاع بجمالها وجوها المعتدل.

طائرة إطفاء تشارك في إخماد حريق في جزيرة رودس الثلاثاء (أ.ب)

وقد أحصت بجاية وحدها 22 قتيلاً، من بينهم 10 جنود وصلت النيران إلى ثكنتهم ببني كسيلة. كما أُصيب 25 عسكرياً آخر بجروح. وفسرت وزارة الدفاع ما حدث بـ«قوة الرياح التي تسببت في تغيير اتجاه النيران بشكل عشوائي نحو مكان وجود مفرزة الجيش». ونُقل العسكريون الضحايا إلى المناطق التي يتحدرون منها لدفنهم. وقد كانوا في غالبيتهم ببجاية، يقضون فترة الخدمة العسكرية التي تدوم عاماً. وشوهدت طائرات متخصصة في إطفاء الحرائق، أمس، تحطّ على شواطئ بجاية لملء خزاناتها بمياه البحر، ثم التحليق إلى المناطق المنكوبة في الأعالي. ووفق تقرير نشره الدفاع المدني، في الساعة الثامنة والنصف صباح اليوم بالتوقيت المحلي، أُحصي 15 حريقاً في ثماني محافظات، هي: بجاية وسكيكدة وجيجل والبويرة، وتبسة وسطيف والطارف، بشرق البلاد، وفي المدية بالوسط الغربي. وكانت وزارة الداخلية قد أكدت في حصيلة أولية أن عدد القتلى 25. ولاحقاً تبين أن عددهم 34. وقد فقد الكثير من سكان البلدات المتضررة، الاتصال بذويهم وجيرانهم لانقطاع شبكة الهاتف. كما أعلنت اليوم (الثلاثاء)، نجاح الحماية المدنية في إخماد 80 في المائة من الحرائق، التي نشبت في عدّة ولايات شمالي البلاد.

تونس: جهود لمواجهة سلسلة حرائق

واصلت فرق الإطفاء جهودها في تونس، الثلاثاء، للسيطرة على حريق هائل في طبرقة وجبل ملولة بولاية جندوبة غرب البلاد، ومناطق أخرى، عقب ارتفاع قياسي وغير مسبوق لدرجات الحرارة. وفي طبرقة، القريبة من الحدود الجزائرية غرباً، استمرت النيران في منطقة «عين الصبح» وقد توسعت بفعل الرياح والحرارة الشديدة (الاثنين). وتكافح فرق الإطفاء ووحدات من الجيش بمساعدة مروحيات عسكرية وطائرة إطفاء متخصصة للحيلولة دون تمدد الحرائق. وأظهرت صور موثَّقة للحرائق ألسنة لهب هائلة متصاعدة ودخاناً كثيفاً في عدة نقاط متفرقة من المنطقة، وقال المتحدث باسم الحماية المدنية معز تريعة، إن النيران اقتربت من مطار طبرقة.

عائلة جزائرية خارج منزلها المحترق في بجاجة الثلاثاء (رويترز)

كما تواصلت الجهود لاحتواء حريق جبل ملولة المشتعل منذ نحو أسبوع، على مقربة من المعبر الحدودي مع الجزائر. وقال المتحدث باسم الحماية المدنية لوكالة الصحافة الألمانية، إن 156 شخصاً واجهوا صعوبات في التنفس جرى إجلاؤهم ونقلهم إلى المستشفى الجهوي في طبرقة. كما أجلى الجيش أكثر من 300 شخص من قرية ملولة عبر البحر. وشهدت تونس موجة حر شديدة في منذ بداية الشهر الجاري، بلغت ذروتها أمس (الاثنين)، مع بلوغ درجات مستوى ناهز 50 درجة، وسجلت عدادات في الشوارع والسيارات على الطرق مستويات أعلى بالفعل. وقال معهد الرصد الجوي إنه من المتوقع أن تستمر الحرارة بنفس المستوى اليوم (الثلاثاء)، قبل أن تسجل انخفاضاً ملحوظاً في اليومين القادمين. وأضاف تريعة موضحاً اندلاع حرائق في ثلاث مناطق مختلفة من ولايات الجمهورية، فجر الثلاثاء، مؤكداً فتح تحقيقات في الغرض للكشف عن ملابسات اندلاع الحرائق، خصوصاً أن التسلسل الزمني والمكاني يثير الريبة والشبهات حول إمكانية أن تكون الحرائق بفعل فاعل.

من جهته، كشف المدير الجهوي للحماية المدنية بتونس، منير الريابي، الثلاثاء، أنّ «7 حرائق تزامنت أمس بتونس العاصمة، جرّاء موجة الحرّ الشديدة التي ضربت البلاد»، مشيراً إلى أنّ «أمس كان عصيباً ومرعباً». وأوضح الريابي أنّ حريق عين زغوان كان الأكبر، حيث أتى على 4 هكتارات من الغابات، وكان مجاوراً لعدة مساكن بالجهة، لافتاً إلى أنّه تمت السيطرة عليه. ودعا المدير الجهوي للحماية المدنية بتونس المواطنين إلى توخّي الحذر، والابتعاد عن مصادر النار خصوصاً الغابة، مُشدّداً على أنّ تداعيات هذه الحرائق يمكن أن تكون كارثية.

المغرب: 183 حريقاً

أعلنت الوكالة الوطنية للمياه والغابات في المغرب (مؤسسة حكومية تهتم بالغطاء الغابوي) أن عدد الحرائق المسجلة على الصعيد الوطني منذ أول يناير (كانون الثاني) الماضي حتى حدود العاشر من يوليو (تموز) الجاري بلغ 182 حريقاً اجتاح 1251 هكتاراً، مشيرةً إلى أن 54 في المائة من هذه المساحة عبارة عن أعشاب ثانوية. وذكر بيان للوكالة أن جهاز المراقبة والتدخل التابع لها ما زال عند مستواه الأقصى على اعتبار أن الأيام المقبلة هي فترات الخطر الأكبر لاندلاع الحرائق، في سياق يتسم بارتفاع درجة الحرارة خلال الصيف. ودعت جميع مستعملي ومرتادي المجالات الغابوية إلى توخي أقصى درجات الحيطة والحذر، وعدم إشعال النار طوال الفترة الصيفية.

إطفائي قرب حريق في جزيرة رودس الثلاثاء (أ. ف. ب)

اليونان: الآتي صعب

حذَّر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، الثلاثاء، من أن اليونان تمر «بصيف صعب»، وتعاني من «تداعيات أزمة المناخ» من الحرائق العنيفة التي اندلعت بسبب موجة الحر والرياح التي اجتاحت قسماً من البلاد. وقال رئيس الوزراء المحافظ خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي بث التلفزيون العام بدايته إن «مكافحة الحرائق ستكون صعبة على الدوام لأننا نعيش تداعيات أزمة المناخ». وقدّر أنه في المستقبل سيكون الوضع «أسوأ» مع «درجات حرارة أعلى ومزيد من الجفاف ورياح أقوى فيما تصعّب التضاريس الجيولوجية للبلاد مكافحة الحرائق». وحذر كيرياكوس ميتسوتاكيس من أنه «ما زال أمامنا صيف صعب»، مؤكداً أن السلطات «ستكون في حالة يقظة مطلقة». حسب تقديرات القسم اليوناني من منظمة (WWF) غير الحكومية فإن النيران أتت على 35 ألف هكتار من الغابات والأشجار. واجتاحت الحرائق بشكل خاص جزيرتَي رودوس في جنوب شرقيّ بحر إيجة وكورفو في البحر الأيوني.

على مسافة مائة كلم من أثينا، اشتعلت النيران أيضاً في جزيرة إيفيا. وفي العاصمة التي تشهد موجة حر منذ أكثر من أسبوع، يُرتقب أن تصل درجات الحرارة إلى 41 درجة مئوية فيما يُتوقع أن تبلغ 44 درجة في وسط البلاد كحد أقصى.

إيطاليا: عواصف رعدية وحرارة عالية

وفي هذا الوقت، ضربت عواصف رعدية عنيفة شمال إيطاليا. وهبَّت، فجر الثلاثاء، رياح عاتية وهطلت أمطار غزيرة وزخّات من البرد على مدينة ميلانو، العاصمة الاقتصادية للبلاد، فغمرت المياه الشوارع وسقطت الأشجار على الطرق. وقالت شركة النقل العام إن أضراراً جسيمة لحقت بشبكة الكهرباء، في حين أشار صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية إلى انقطاع مؤقت في المياه في المركز التاريخي للمدينة.

وفي منطقة بريشيا بالشمال، قُتلت فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً عندما سقطت شجرة على خيمتها في مخيم للكشافة، حسبما أفادت وكالات الأنباء. وقام رجال الإطفاء بإجلاء أعضاء المجموعة الآخرين إلى صالة ألعاب رياضية قريبة.

وإلى جانب سوء الأحوال الجوية الذي يضرب شمال البلاد، يتأثر الجنوب بموجة حرّ مع تسجيل 47.6 درجة مئوية (الاثنين) في كاتانيا بصقلية، وفقاً للحماية المدنية. وكافح رجال الإطفاء في صقلية خلال الليل عدة حرائق وصل أحدها إلى موقع قريب من مطار باليرمو الذي أغلق عدة ساعات في الصباح. كما تأثرت حركة النقل بالسكك الحديد بهذه الحرائق.


مقالات ذات صلة

«اليونيسيف» تحذر من أن مستقبل الأطفال «في خطر»

العالم طفل فلسطيني أثناء فرز القمامة في مكب نفايات بقطاع غزة (أ.ب)

«اليونيسيف» تحذر من أن مستقبل الأطفال «في خطر»

حذّرت منظمة «اليونيسيف» من التحول الديموغرافي والتداعيات المتزايدة لظاهرة الاحترار وتهديد التكنولوجيا المتصلة، وكلها «توجهات كبرى» ترسم مستقبلاً قاتماً للأطفال.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة (أميركا))
بيئة رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

تشير دراسة جديدة إلى أن موجات الحر قد تزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب في ضربات القلب، إلى ضعفين أو 3 أضعاف، لا سيما إذا لم يكن القلب بصحة جيدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تغير المناخ يرفع درجات الحرارة إلى مستويات جديدة خطيرة (أ.ف.ب)

تقرير: مستويات قياسية من الوفيات المرتبطة بالحرارة في عام 2023

حذّر تقرير جديد أعدّه مجموعة من الأطباء وخبراء الصحة من أن تغير المناخ يرفع درجات الحرارة إلى مستويات جديدة خطيرة، كما يفاقم مشكلة الجفاف والأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير.

«الشرق الأوسط» (باريس)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

في سياق تكثيف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار، ناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي بهدف تقليل تأثيرات وخسائر الحرب السودانية، ودعم الأمن الغذائي بين البلدين.

واستضافت العاصمة المصرية القاهرة فعاليات «الملتقى المصري - السوداني الأول لرجال الأعمال»، اليوم السبت، بعد أيام من انعقاد «المؤتمر الاقتصادي الأول» في السودان، وناقش مسؤولون ورجال أعمال من البلدين فرص التوسع في الشراكات الاقتصادية.

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «نحو 13 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء المصري، ووزير النقل والصناعة، كامل الوزير، في كلمته بالملتقى، أن التحديات التي تواجهها مصر والسودان «تفرض التعاون المشترك في مختلف المجالات»، لافتاً إلى حرص بلاده على «دعم السودان لتجاوز محنة الحرب وعودة الاستقرار».

وعدد الوزير المصري مجموعة من الفرص، التي يمكن استثمارها لدفع مجالات التجارة والصناعة والاستثمار في البلدين، منها «ثلاثة محاور للنقل البري، والمواني الجافة على الحدود المشتركة في معبري (قسطل وأرقين)»، إلى جانب ميناء للملاحة النهرية بين بحيرة ناصر (جنوب مصر) إلى وادي حلفا (شمال السودان)، معلناً عن مخطط مصري لمد مشروع خط القطار السريع «أبو سمبل - الإسكندرية» إلى السودان في منطقة «وادي حلفا»، ومؤكداً أن دراسات المشروع «باتت جاهزة للتنفيذ وتتبقى موافقة الجانب السوداني».

ويربط مصر والسودان منفذان بريان، هما معبرا «أرقين»، و«أشكيت» (ميناء قسطل) بوادي حلفا بالولاية الشمالية، ويعتمد البلدان على المعبرين في التبادل التجاري ونقل الأفراد.

وزير النقل المصري خلال كلمته بـ"الملتقى المصري-السوداني" (مجلس الوزراء المصري)

ودعا كامل الوزير المستثمرين السودانيين لتوسيع أعمالهم في السوق المصرية، مشيراً إلى أن حكومة بلاده «مستعدة لإزالة أي عقبات أمام الشركات السودانية للاستفادة من الفرص المتاحة في قطاعات التجارة والقطاعات الإنتاجية»، ومنوهاً بـ«إجراءات تحسين مناخ الاستثمار بمصر لتسهيل تأسيس الشركات، وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة».

وأضاف الوزير موضحاً أن «ملتقى رجال الأعمال المصري - السوداني» سيشكل «نواة للشراكة في المجال الصناعي بين البلدين، بما يعزز من التكامل الإقليمي، مع التعاون في مجال الأمن الغذائي».

وشارك في الملتقى وفد حكومي سوداني، ضم وزراء الصناعة والنقل والتموين والنفط والكهرباء، إلى جانب ممثلين من مجتمع الأعمال المصري - السوداني، وروابط الجالية السودانية بمصر.

وحسب تقديرات رسمية، تستضيف مصر نحو مليون و200 ألف سوداني، فروا من الحرب الداخلية، إلى جانب آلاف آخرين من الذين يعيشون في المدن المصرية منذ سنوات.

وعدّ السفير السوداني بمصر، عماد الدين عدوي، أن مبادرة انعقاد (ملتقى رجال الأعمال) بين البلدين «تستهدف تدشين شراكة لإعادة الإعمار في بلاده بعد الحرب»، مشيراً إلى أن الشركات المصرية (حكومية وخاصة) «هي الأجدر والأقدر على القيام بعملية الإعمار، وإعادة بناء ما دمرته الحرب».

كما أشار عدوي إلى أن الحرب «أثرت على النشاط الاقتصادي لبلاده، وحدّت من فرص التبادل التجاري»، غير أنه لفت إلى أن «نسب التجارة المصرية - السودانية لم تتأثر كثيراً، إذ حافظت على استقرارها عامي 2022 و2023»، وقال إن من أهداف الملتقى «دفع الشراكة لتحقيق الأمن الغذائي».

وسجل حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان نحو 1.4 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 1.5 مليار دولار عام 2022، بنسبة انخفاض قدرها 6.4 في المائة، وفق إفادة لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر، في مارس (آذار) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

مشاركات واسعة في "الملتقى المصري-السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة" (مجلس الوزراء المصري)

من جانبه، تحدث وزير التموين المصري، شريف فاروق، عما تنفذه بلاده من مشروعات بنية تحتية ولوجيستية، وقال إن تلك المشروعات «تمنح فرصاً للمستثمرين المصريين والسودانيين لتعزيز شراكتهم واستثماراتهم».

بينما أشار وزير التموين والتجارة السوداني، عمر محمد أحمد، إلى تأثير الحرب الداخلية على القطاعات الإنتاجية في بلاده، لافتاً في كلمته بالملتقى إلى «حاجة بلاده لمزيد من الاستثمارات في الأمن الغذائي»، ودعا إلى «تأسيس تحالف استراتيجي اقتصادي تجاري بين البلدين».

وناقش الملتقى ورقتي عمل حول عملية «إعادة الإعمار في السودان»، وفرص «تحقيق الأمن الغذائي بين البلدين»، وقدّر مدير «مركز التكامل المصري - السوداني»، عادل عبد العزيز، حجم خسائر القطاع الاقتصادي في السودان بسبب الحرب بنحو «89 مليار دولار»، من دون احتساب خسائر تدمير البنية التحتية والمنشآت، وقال في كلمته بالملتقى إن السودان «يواجه إشكالية مع المجتمع الدولي، ويعوّل على الشراكة مع الدول الصديقة مثل مصر لتجاوز أي تحديات».

وخلال فعاليات الملتقى، تحدث ممثلون عن المستثمرين ورجال الأعمال بالبلدين، وأشار ممثل مجتمع الأعمال السوداني، سعود مؤمن، إلى أن الملتقى «يروم تكامل جهود البلدين في إعادة الإعمار، وتوفير احتياجات السودان من السلع الضرورية»، منوهاً بـ«رغبة القطاع الخاص السوداني في تدشين تجمعات اقتصادية مع نظرائهم بمصر في مجال الصناعات الغذائية».

كما أشار رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، إلى أن «الزراعة تعد من أكثر المجالات جذباً للاستثمار بالسودان لتوافر المياه والأرض الصالحة»، فيما رأى ممثل مجتمع الأعمال المصري، أحمد السويدي، أن «التصنيع الزراعي أحد المجالات التي يمكن الاستثمار بها في السودان».