جسور وطائرات قادرة على إصلاح «عيوبها» ذاتياً

كشف علمي يمكن أن يوفر مليارات الدولارات سنوياً

الباحث ريان شويل في أثناء استخدام المجهر الإلكتروني (الكريديت: كريج فريتز - مختبرات سانديا الوطنية)
الباحث ريان شويل في أثناء استخدام المجهر الإلكتروني (الكريديت: كريج فريتز - مختبرات سانديا الوطنية)
TT

جسور وطائرات قادرة على إصلاح «عيوبها» ذاتياً

الباحث ريان شويل في أثناء استخدام المجهر الإلكتروني (الكريديت: كريج فريتز - مختبرات سانديا الوطنية)
الباحث ريان شويل في أثناء استخدام المجهر الإلكتروني (الكريديت: كريج فريتز - مختبرات سانديا الوطنية)

اكتشف علماء للمرة الأولى شقوقاً معدنية تندمج معاً دون أي تدخل بشري، مما عدّوه «اكتشافاً قد يغيّر النظريات العلمية الأساسية في هذا المجال». فإذا استطعنا تسخير هذه الظاهرة المكتشفة حديثاً، يمكن أن تؤدي إلى «ثورة هندسية» يمكن فيها للمحركات والجسور والطائرات أن تُصلح عيوبها ذاتياً وعكس الأضرار الناجمة عن التآكل والتلف، ما يجعلها أكثر أماناً وقدرة على العمل لفترات زمنية طويلة الأمد.

يعود الكشف لفريق بحثي من «مختبرات سانديا الوطنية» وجامعة «تكساس إيه آند إم» الأميركيين، الذي نُشرت النتائج التي توصلوا إليها بدورية «نيتشر»، 19 يونيو (حزيران). يقول مايكل ديمكوفيتش، الباحث الرئيسي بالدراسة والأستاذ في جامعة «تكساس إيه آند إم»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «يوضح هذا الأمر أن التشققات في المعادن يمكن أن تلتئم دون تدخل خارجي مباشر».

والتلف الناتج عن الإجهاد هو إحدى الطرق التي تتلف بها الآلات وتنكسر في النهاية. ويتسبب الإجهاد أو الحركة المتكررة في تكوين تشققات مجهرية. بمرور الوقت، تنمو هذه الشقوق وتنتشر حتى تنفجر، مسببةً عطب الجهاز كله.

كان الشق الذي رآه عالم المواد في جامعة «سانديا الوطنية»، براد بويس، وفريقه البحثي، يختفي، واحداً من شقوق أخرى صغيرة متتابعة – تقاس بالنانومتر. قال بويس، في بيان صحافي صادر مع الدراسة: «كان هذا مذهلاً للغاية». وأضاف: «ما أكدناه هو أن المعادن لها قدرتها الذاتية والطبيعية على شفاء نفسها، على الأقل على المستوى النانوي».

وأوضح: «من مفاصل اللحامات في أجهزتنا الإلكترونية إلى محركات سياراتنا وإلى الجسور الضخمة، غالباً ما تتعطل هذه الهياكل بشكل غير متوقع بسبب التحميل الدوري الذي يؤدي لبدء التشقق والكسور في نهاية المطاف».

وتابع: «عندما تقع المشكلة، يتعين علينا تحمل تكاليف الاستبدال والوقت الضائع، أو حتى تحمل عواقب الإصابات أو الخسائر بالأرواح»، مشدداً على أن التأثير الاقتصادي لهذه الإخفاقات يُقاس بمئات المليارات من الدولارات كل عام في الولايات المتحدة.

ورغم أن العلماء ابتكروا بعض المواد القادرة على علاج عيوبها ذاتياً، لكن معظمها كان من البلاستيك، إلا أن فكرة المعدن القادر على علاج عيوبه ذاتياً كانت إلى حد بعيد تعدّ من الخيال العلمي. وأوضح بويس: «كان من المتوقع دائماً أن تزداد شروخ المعادن، لا أن تقل، حتى بعض المعادلات الأساسية التي نستخدمها لوصف نمو تلك التشققات تَحول دون إمكانية حدوث ذلك».

رؤية غير مسبوقة

عام 2013 بدأ مايكل ديمكوفيتش، الذي كان آنذاك أستاذاً مساعداً في قسم علوم وهندسة المواد بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في دراسة «نظرية المواد التقليدية»، دراسة تحليلية قادته إلى نشر نظرية جديدة، بناءً على النتائج التي توصلت إليها عمليات المحاكاة الحاسوبية، مفادها أنه «في ظل ظروف معينة، يجب أن يكون المعدن قادراً على لحام الشقوق الناتجة عن عمليات الاهتراء والتلف». ليتم التدليل العملي على صحة نظريته، عن غير قصد، في مركز تقنيات النانو المتكاملة، وهي منشأة تابعة لوزارة الطاقة الأميركية وتديرها مختبرات سانديا ولوس ألاموس الوطنية بشكل مشترك.

خالد عطار، الأستاذ المشارك في جامعة تينيسي، الذي يعمل الآن أيضاً في مكتب الطاقة النووية التابع لوزارة الطاقة الأميركية، كان يدير تجربة لتقييم كيفية تشكل الشقوق وانتشارها من خلال قطعة من البلاتين بمقياس نانوي، باستخدام مجهر إلكتروني طوّروه لسحب نهايات المعدن بشكل متكرر 200 مرة في الثانية، في الوقت ذاته الذي تم فيه هذا الاكتشاف الجديد.

المثير للدهشة، أنه بعد نحو 40 دقيقة من التجربة، عكس الضرر المسار. اندمج أحد طرفي الشقوق معاً كما لو كان يستعيد وضعيته الأولى. بمرور الوقت، عاد الشق ولكن في اتجاه مختلف، ما أطلق عليه عطار آنذاك: «رؤية غير مسبوقة».

شارك بويس الذي كان على دراية بالنظرية نتائجه مع ديمكوفيتش. قال ديمكوفيتش: «كنت سعيداً جداً لسماع ذلك، بالطبع». ثم أعاد ديمكوفيتش صياغة التجربة على نموذج حاسوبي، مؤكداً أن الظاهرة التي شهدتها سانديا كانت هي نفسها التي وُضِعت نظريتها قبل سنوات.

وأضاف: «نعتقد أنه يمكن صنع مواد جديدة تعالج الشقوق لتقليل حالات الإجهاد. فالمواد التي تعالج التشققات يمكن أن تكون مقاومة للإجهاد».

يشير اللون الأخضر إلى البقعة التي تَشكّل فيها الشق قبل أن يندمج مرة أخرى... وتشير الأسهم الحمراء لاتجاه قوة السحب التي أدت إلى حدوث هذه الظاهرة (دان طومسون - مختبرات سانديا الوطنية)

يدعم هذا العمل البحثي، مكتب العلوم وعلوم الطاقة الأساسية التابع لوزارة الطاقة الأميركية؛ والإدارة الوطنية للأمن النووي والمؤسسة الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة. يقول بويس: «من المرجح أن يصبح مدى قابلية تعميم هذه النتائج موضوع بحث مكثف». وأضاف: «نُظهر أن هذا يحدث في المعادن النانوية في الفراغ. لكننا لا نعرف ما إذا كان يمكن أن يحدث هذا أيضاً في المعادن التقليدية في الهواء»، مشدداً على أنه رغم أن تلك الأمور لا تزال مجهولة، يظل الاكتشاف قفزة للأمام في علوم المواد.

وأضاف ديمكوفيتش: «التجارب التي أبلغنا عنها أُجريت في الفراغ. نحن مهتمون بمعرفة ما إذا كانت الشقوق المعرَّضة للهواء يمكن أن تلتئم أيضاً». قبل أن يختتم كلامه: «آمل أن تشجع هذه النتيجة الباحثين على النظر في أنه في ظل الظروف المناسبة، يمكن للمواد أن تفعل أشياء لم نتوقعها منها أبداً».


مقالات ذات صلة

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

علوم مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

قبل 50 عاماً ظهرت توقعات الحرب النووية والطفرة السكانية التي ستتجاوز قدرة الكوكب على إطعام سكانه.

«الشرق الأوسط»
علوم جدل علمي حول عدد القارات

جدل علمي حول عدد القارات

تقسيم القارات إلى «ثقافي» أكثر منه «علمياً»

يوميات الشرق آفاق العلم شاسعة (رويترز)

أحفورة عمرها 237 مليون عام تُضيء على صعود الديناصورات

يعتقد علماء أنّ حفرية من أقدم الحفريات على الإطلاق ربما تساعد في تفسير ظهور الديناصورات. فماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

تضارب الآراء في «الفيدرالي» بشأن وتيرة خفض الفائدة

لم يكن هناك إجماع كامل في «الاحتياطي الفيدرالي» عندما صوت الأسبوع الماضي لتخفيض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، حيث اعترض صانع سياسة واحد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
يوميات الشرق أصابع روبوتية تعيد حاسة اللمس للمصابين بفقدان الإحساس

أصابع روبوتية تعيد حاسة اللمس للمصابين بفقدان الإحساس

تمكن باحثون في جامعة كلية لندن (UCL) من تحقيق اختراق علمي جديد قد يُحدِث تحولاً كبيراً في علاج الأشخاص الذين يعانون فقدان حاسة اللمس، مثل مرضى متلازمة النفق…

«الشرق الأوسط» (لندن)

يسري نصر الله: أفلامي إنسانية وليست سياسية

كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين
كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين
TT

يسري نصر الله: أفلامي إنسانية وليست سياسية

كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين
كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين

قال المخرج المصري يسري نصر الله، إنه لم يقدم أفلاماً سياسية في مسيرته سوى فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن» الذي تحدث عن العيش والحرية والكرامة، لكن أفلامه الأخرى كانت إنسانية؛ عن الناس الذين يعيشون في ظل أحداث معينة، وكيف تأثروا بها.

وأكد خلال «ماستر كلاس» عُقد معه، مساء السبت، في إطار تكريمه خلال الدورة الـ45 بمهرجان القاهرة السينمائي، ومنحه جائزة «الهرم الذهبي» لإنجاز العمر، أنه تعلم من المخرج الراحل يوسف شاهين «الصنعة»، لكنه تأثر في الوقت نفسه بكل الأفلام التي شاهدها.

ووصف صناعة السينما في مصر حالياً بأنها «مريضة»، وأبدى تعجبه من منع عرض فيلم «الملحد» رغم حصوله على ترخيص رقابي.

وتحدث نصر الله عن شغفه بالإخراج منذ طفولته حين سأل والده: من يصنع الفيلم؟ فقال له المخرج، وأنه من وقتها أراد أن يكون مخرجاً، قائلاً إن طفولته كانت صعبة، وإن الوقت الوحيد الذي كان يشعر فيه بالأمان عندما كان يشاهد فيلماً.

وكشفت المحاضرة التي قدمها عن وجود نقاط اتفاق واختلاف بينه وبين المخرج الكبير يوسف شاهين الذي عَدَّه أستاذه، وروى نصر الله: «كنت قد جئت من بيروت حيث عملت ناقداً سينمائياً بصحيفة (السفير) اللبنانية، وكنت أقوم بتغطية تصوير الفيلم لصالحها، وأتدرب مساعداً رقم 15 مع شاهين، وذات يوم طلب المساعد الأساسي أن أتابع تصوير أحد المشاهد مع شاهين، وكان لممثلة شابة، وقد أعادت المشهد 11 مرة، فقال لي شاهين بانفعال كفى فكل ممثل له حدود».

وواصل موضحاً: «حينما قمت بصناعة أفلامي شغلني هذا الأمر كثيراً، لكن ما أعرفه أنني حين أختار ممثلاً أكون متيقناً من أنه يكون مناسباً له، وأتذكر مثلاً أن الفنان أحمد زكي وهو ممثل عظيم كان يرغب في العمل معي في فيلم (مرسيدس)، لكن لم يكن يصلح للدور لأن الشخصية لرجل أبيض البشرة، لذا أختار الممثل الملائم للدور، وأثق بأنه سيضيف له، وبالتالي كل الممثلين الذين عملت معهم لم أضع لهم حدوداً».

يسري نصر الله خلال محاضرته بمهرجان القاهرة مع المخرج تامر عشري

وأشار إلى أنه كان يحب مواقع التصوير في أفلام شاهين؛ لأنها كانت تتضمن بهجة غير عادية وإحساساً بأنك تصنع جمالاً، فإذا افتقدت هذا مخرجاً أو فناناً فلا تعمل، لافتاً إلى أنه «لم يتعاطف أبداً مع من يقولون لقد تعبنا جداً في هذا الفيلم، فمتعة العمل مهمة جداً».

وتطرق نصر الله إلى تجربته الأولى في فيلم «سرقات صيفية» التي استعان فيها بممثلين غير معروفين مؤكداً أنه كان مفتوناً بالتجارب السينمائية في أميركا اللاتينية وفرنسا التي تقدَّم بممثلين ليست لهم تجارب سابقة، وأنه حينما عرض أدواراً على بعض النجوم اعتذروا كونه يتحدث عن عائلة إقطاعية، وأن يوسف شاهين نصحه بأن يعمل الفيلم بنفسه، وتم ذلك بدعم من عائلته، فاستعان بأشخاص يمثلون لأول مرة بجانب الفنانة عبلة كامل التي كانت قد قدمت بعض أدوار مسرحية.

ويكشف نصر الله أن النجوم الذين رفضوا الفيلم اكتشفوا بعد ذلك أنه مخرج يحب الممثلين، وأنه يختارهم لأنهم الأنسب للدور، ما سهَّل علاقاته مع النجوم فيما بعد.

صناع أفلام شباب حرصوا على حضور لقاء يسري نصر الله

وقدم يسري نصر الله عبر بعض أفلامه أحداثاً سياسية تنطلق منها شخصياته كما في «سرقات صيفية» و«مرسيدس»، لكنه نفى أنه قدم أفلاماً سياسية، فيما عدا «الماء والخضرة والوجه الحسن» الذي كان يتناول العيش والكرامة، أما أفلامه الأخرى فقد انطلقت من أحداث سياسية، ففيلم «سرقات صيفية» لم يكن ضد جمال عبد الناصر ولا معه، بل كان عن عائلة مصرية تعيش لحظة معينة.

ونفى أن يكون فيلم «باب الشمس» عن القضية الفلسطينية، بل كان عن الناس الذين يعيشون في ظل ظروف معينة وما يفعلونه في هذا الوضع هو ما يكون شغوفاً به.

وخلال محاضرة نصر الله؛ تحدث الفنان باسم سمرة مؤكداً أنه «كان محظوظاً بالعمل مع المخرج الكبير في أكثر من عمل، وقد تعلم منه على المستويين الإنساني والفني»، ووجَّه سمرة كلمة للمسؤولين عن صناعة السينما قائلاً: «نحن نرجع للخلف على مستوى الاستوديوهات التي تحترق، والمنع الذي يسبب إحباطاً».

لكن يسري أبدى تفاؤله قائلاً: «هذا العام شهد عرض أكثر من فيلم رائع، وهناك فنانون قادرون على العمل رغم روتين المؤسسات الرقابية»، مضيفاً: «صناعة السينما المصرية مريضة اليوم، لكنني لا أخشى على السينمائي لأنه حتماً سيجد طريقة لعمل فيلمه».

وأشار إلى أنه «منذ الثمانينات ونحن نحذر من وجود كارثة في صناعة السينما، ومنذ 2011 ونحن نعقد اجتماعات، ونكتب تقارير لإصلاح الأحوال، ثم توضع في أدراج لجنة السينما... لا أطلب تمويل أفلام، لكن أعطونا فرصة لكي ننفذ أفلامنا».

وعن أحدث أعماله قال، لديَّ فيلم محتجَز في الرقابة، وآخر تَعَطَّلَ لأسباب إنتاجية، وسُحِبت إجازته، «وهذا من العبثيات»، وفق تعبيره.