اللبنانيون يلوذون بالشمس عن كهرباء الدولة

سباق على زيادة التغذية بين المؤسسة الرسمية والشبكة الموازية

TT

اللبنانيون يلوذون بالشمس عن كهرباء الدولة

ألواح الطاقة الشمسية تغزو أسطح منازل اللبنانيين (الوكالة المركزية)
ألواح الطاقة الشمسية تغزو أسطح منازل اللبنانيين (الوكالة المركزية)

استغنى اللبناني وسيم عن اشتراك الكهرباء في متجره لبيع الهواتف الجوالة، من صيف 2021، منذ ثبَّت نظام توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية. منحه النظام الجديد استغناءً كاملاً عن الشبكة الموازية، كما قلَّص اعتماده على كهرباء الدولة. «لا أكترث لساعات تغذية الكهرباء بتاتاً»، يقول لـ«الشرق الأوسط»؛ ذلك أن الأزمة التي أدت إلى انطفاء كامل للشبكة قبل عامين «حفزتنا على البدائل».

والطاقة الشمسية مثلت أبرز البدائل التي لجأ إليها اللبنانيون، إثر أزمة متواصلة بانقطاع التيار الكهربائي تفاقمت في صيف 2021، وتزامنت مع انقطاع مماثل في مادة «الديزل»، مما أدى إلى إطفاء مولدات الشبكة الموازية. عاش اللبنانيون على الظلام لأشهر، قبل أن تستأنف البلاد تعافيها إثر تسعير المازوت على الدولار في خريف 2021، ودولرة أسعار الكهرباء التي ارتفعت نحو 50 مرة في خريف 2022، مما مكَّن وزارة الطاقة من استئناف التغذية لمدة تتخطى الخمس ساعات يومياً في هذا الوقت، حسب المناطق اللبنانية.

لولا الأزمة لما فكَّر وسيم في تركيب نظام طاقة شمسية؛ يقول: «في هذا الوقت من السنة، أطفئ عداد كهرباء الدولة بالكامل، فيما أحتاج إليه في الشتاء لساعات قليلة»، وبذلك يكون قد قلص فاتورة استهلاك الطاقة، وحقق وفراً إضافياً في ظل ارتفاع أسعار الكهرباء.

لطالما اعتاد اللبنانيون البحث عن بدائل للطاقة، منذ تقلص التغذية الكهربائية، وانتشار ظاهرة التقنين الحاد قبل 15 عاماً. يومها، كانت الشبكة الموازية التي توفرها مولدات الكهرباء في الأحياء والبلدات بديلاً عملياً عن التقنين، وتغطي حاجة اللبنانيين للطاقة لحظة انقطاع الكهرباء. لكنها كانت عاملاً مساعداً، قبل عام 2021، حيث انطفأت إلى حد شبه كامل شبكة الكهرباء الرسمية، في ظل امتناع الحكومة عن صرف اعتمادات لـ«شركة كهرباء لبنان»، مما دفع وزارة الطاقة إلى رفع أسعار الكهرباء.

ألواح للطاقة الشمسية في محاذاة معمل لكهرباء لبنان شرق بيروت (أ.ف.ب)

ومع أن اللبنانيين يشكون من ارتفاع أسعارها؛ كون فاتورة الكهرباء باتت تتخطى قدرات موظفي القطاع العام وتشكل نسبة 20 في المائة تقريباً مما تجنيه أغلبية الموظفين شهرياً، فإن استئناف التغذية ساعد اللبنانيين في الاستغناء عن شبكة المولدات التي يصل سعرها إلى أضعاف ما تسعّره شركة الكهرباء الرسمية؛ فسعر الكيلوواط/ ساعة في «مؤسسة الكهرباء» يتراوح بين 0.10 و0.27 دولار، حسب سلم الاستهلاك، بينما يتراوح سعر الكيلوواط/ ساعة في الشبكة الموازية بين 0.45 و0.70 دولار. لكن الجديد أن تغذية اشتراكات المولد ارتفعت في الفترة الأخيرة، لتغطي النقص في تغذية شبكات الدولة.

أمام هذا الواقع، لجأ كثيرون إلى خيار توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية. تتخطى نسبة اللبنانيين الذين ثبتوا هذا النظام، 40 في المائة من السكان، في أعلى معدل في المنطقة لتوليد الطاقة النظيفة، لكن ذلك لم ينطلق من معايير بيئية، بل «معايير الحاجة»، حسبما يقول خبراء ومسؤولون في الوزارات اللبنانية. ويمكن ملاحظة ألواح الطاقة المثبتة على قسم كبير من المباني في الأرياف، وقرب منشآت استخراج المياه لأغراض الري وتأمين مياه الشفة ضمن نطاق البلديات، في حين ساعد الدعم الدولي بتأمين محطات التوليد على الطاقة الشمسية لاستخراج المياه من الآبار وتوفيرها للسكان.

ألواح الطاقة الشمسية تغزو أسطح منازل اللبنانيين (الوكالة المركزية)

ودفع هذا الجانب الذي يُوصَف بـ«البديل العملي»، إلى سباق لتوفير الطاقة الكهربائية في البلاد. فبينما يوفر أصحاب المولدات تغذية تصل إلى 16 ساعة يومياً في بعض الأحياء، تسعى وزارة الطاقة لزيادة إنتاج الكهرباء عبر تأمين مصادر تمويل وقروض مؤجلة، أبرزها من العراق.

ووقَّع وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، الجمعة، مذكرة تفاهم مع وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، لتزويد لبنان بالمشتقات النفطية، تقضي بتمديد اتفاقية تزويد لبنان بزيت الوقود العراقي مع زيادة الكمية، إضافة إلى إبرام اتفاق تجاري جديد لتزويد لبنان بكميات من النفط الخام لاستبدالها بما يناسب من المشتقات النفطية لزوم تشغيل معامل إنتاج الكهرباء في لبنان».

وتنص الاتفاقية الجديدة على تزويد لبنان بكمية سنوية تصل إلى مليوني طن من النفط الخام تقوم وزارة الطاقة بتبديلها بما يناسب مواصفات معامل إنتاج الكهرباء، ما يعني مضاعفة الكمية من مليون إلى مليوني طن سنوياً، مما يوفر تغذية كهربائية تتخطى الـ10 ساعات يومياً من محطات الإنتاج العاملة على الفيول.


مقالات ذات صلة

مدينة أميركية تتجمّد... وحرارتها تهبط إلى ما دون المريخ!

يوميات الشرق المريخ أكثر دفئاً من الأرض ليوم واحد (ناسا)

مدينة أميركية تتجمّد... وحرارتها تهبط إلى ما دون المريخ!

شهدت مدينة منيابوليس، كبرى مدن ولاية مينيسوتا الأميركية، انخفاضاً لافتاً في درجات الحرارة الشهر الماضي، حتى باتت، لبرهة، أبرد من كوكب المريخ نفسه.

«الشرق الأوسط» (مينيسوتا (الولايات المتحدة))
صحتك اكتئاب الشتاء  يتميز بانخفاض الحالة المزاجية وتقلبات الشهية (بيكسيلز)

7 نصائح للتغلب على اكتئاب الشتاء

مع تغيير التوقيت وحلول الظلام باكراً بعدة مناطق حول العالم يضطر الكثير منا للذهاب إلى العمل والعودة منه في عتمة الليل مما قد يسبب انزعاجاً

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك هناك أشخاص أكثر حساسية لدرجات الحرارة الباردة من غيرهم (رويترز)

10 أسباب للشعور الدائم بالبرد... وماذا تفعل لتشعر بالدفء

عدم تحمُّل البرد يعني أنك أكثر حساسية لدرجات الحرارة الباردة من غيرك. وقد تشير أسباب الشعور الدائم بالبرد إلى حالة مرضية كامنة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
بيئة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للقادة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بولاية بارا بالبرازيل 6 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

غوتيريش للدول في قمة المناخ: إما أن نقود أو نُساق إلى الدمار

رأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، أن العالم فشل في الوفاء بالتزاماته للحد من ارتفاع حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
يوميات الشرق مطعم يظهر في منطقة الميناء القديم في ريكيافيك بآيسلندا (رويترز)

بعد ارتفاع قياسي في درجات الحرارة... العثور على البعوض في آيسلندا للمرة الأولى

عُثر على بعوض في آيسلندا لأول مرة بعد أن شهدت البلاد درجات حرارة قياسية هذا الربيع، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

«الشرق الأوسط» (ريكيافيك)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني، هو «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار».

وتأتي مواقف قاسم في وقتٍ لم يعلن فيه رئيس البرلمان نبيه بري اعتراضاً على تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، إنما أكد على ضرورة حصر دوره بالإطار التقني وعدم توسيعه إلى مستويات تفاوضية أو سياسية، وهو ما يعكس تمايزاً واضحاً حول هذا القرار بين الحليفين.

تقديم تنازلات في لحظة حساسة

ووصف قاسم في كلمة له خطوة تعيين مدني بـ«سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة 5 أغسطس (قرار الحكومة لحصرية السلاح)» معتبراً أنّه «بدلاً من اتخاذ خطوات إلى الأمام تُقدَّم تنازلات لن تنفع مع إسرائيل»، داعياً الحكومة للتراجع عن القرار، وأن «يجري تفاهم داخلي على قاعدة عدم السماح بأي تنازل حتى تطبق إسرائيل ما عليها».

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (أرشيفية - رويترز)

«السفينة الغارقة»

واعتبر قاسم أنّ الحزب «قام بما عليه ومكّن الدولة من فرض سيادتها في إطار الاتفاق»، قبل أن ينتقل إلى تشبيه لبنان بـ«السفينة»، معتبراً أنّ «التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، وعندها يغرق الجميع».

وقال إنه يجب مواجهة العدوان الإسرائيلي التوسعي بكل الوسائل والسبل، مضيفاً: «هناك اتفاق لم يتم الالتزام به رغم التزام لبنان، الاعتداءات ليست من أجل السلاح، بل من أجل التأسيس لاحتلال لبنان ورسم إسرائيل الكبرى من بوابة لبنان».

وفي المقابل، أكد قاسم أنّ «الدولة اختارت طريق الدبلوماسية لإنهاء العدوان، ونحن معها أن تستمر في هذا الاتجاه». لكنه شدد على أنّه «لا علاقة لأميركا وإسرائيل بكيفية تنظيم شؤوننا الداخلية، ولا علاقة لهما بما نختلف عليه أو نقرره في لبنان».

وشدّد على أنّ «الحدّ الذي يجب الوقوف عنده هو حدود الاتفاق الذي يتحدث حصراً عن جنوب نهر الليطاني، ولا وجود لما يسمى ما بعد جنوب نهر الليطاني».

وتابع قاسم: «هم يريدون إلغاء وجودنا»، لكن «سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا، ونحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».


الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.