«ديون الشركات» العالمية... قنبلة موقوتة بانتظار الحل

تقدر بنحو 270 تريليون دولار

مشاة على ضفة نهر التيمس المواجهة لحي المال والأعمال في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
مشاة على ضفة نهر التيمس المواجهة لحي المال والأعمال في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
TT

«ديون الشركات» العالمية... قنبلة موقوتة بانتظار الحل

مشاة على ضفة نهر التيمس المواجهة لحي المال والأعمال في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
مشاة على ضفة نهر التيمس المواجهة لحي المال والأعمال في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)

منذ عدة سنوات، تتنامى أزمة ديون الشركات العالمية في الأسواق، خاصة عقب سلسلة حادة من التشديد النقدي اتبعتها البنوك المركزية الكبرى حول العالم بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والتي هددت بارتفاع هائل لاحتمالات التخلف عن سداد الديون.

ووفقاً لتقرير حديث صادر عن مؤسسة «ستاندرد آند بورز»، تبلغ تقديرات ديون الشركات العالمية حوالي 270 تريليون دولار، بما يمثل نحو ضعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وترتفع هذه الديون بشكل مطرد منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وقد زادت بشكل خاص خلال جائحة «كوفيد - 19»، حيث لجأت الشركات إلى الاقتراض لتمويل عملياتها.

وكانت السنوات التي سبقت الجائحة، مع عصر التيسير النقدي الهائل في العالم، بمثابة باب مفتوح لزيادة حجم ديون الشركات بفائدة قليلة. ومع زيادات الفائدة المتواصلة، وتراجع الحالة الاقتصادية العام الماضي، فإن سداد هذه الديون أصبح عبئاً لا يمكن لكثير من الشركات الكبرى أو الصغرى على السواء تحمله.

ويُشكل ارتفاع ديون الشركات العالمية قلقا كبيرا للاقتصاد العالمي، فإذا لم تستطع الشركات سداد ديونها، فقد يؤدي ذلك إلى موجة من حالات الإفلاس التي يمكن أن تؤدي إلى ركود اقتصادي.

ويرى اقتصاديون أن الشركات ينبغي أن تبقى حذرة فيما يتعلق بمستوى الدين الذي تتحمله، بينما ينبغي على الحكومات والمؤسسات المالية العمل على تخفيف أعباء الديون، سواء بمزيد من التحركات لهيكلتها، أو عبر توفير مزيد من الدعم المالي.

وفي الوقت الحالي، تتعرض الشركات المثقلة بالديون لضغوط متزايدة من ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، وفي الوقت ذاته فإن المزيد منها تشهد تخفيضا من قبل وكالات التصنيف إلى درجة «غير جدير بالائتمان»، مما يعرضها لتكلفة اقتراض أعلى نتيجة لذلك، ويقلص من فرص تعديل وضعيتها.

ومن المتوقع أن ترتفع معدلات التخلف عن السداد للشركات في الولايات المتحدة وأوروبا دون مستوى الاستثمار إلى 4.25 في المائة و3.6 في المائة على التوالي بحلول مارس (آذار) 2024، صعودا من مستويات 2.5 في المائة و2.8 في المائة في مارس (آذار) من هذا العام، وفق تقديرات لـ«رويترز».

وبينما تكثف الشركات من محادثات مع الدائنين لمحاولة إعادة هيكلة الديون، فإن المحللين يلاحظون أن المستثمرين في الأسواق لا يزالون يتجاهلون المشكلة حالياً بشكل كبير. ويرى هؤلاء أن الأسباب قد تكمن في الآمال المرتفعة حالياً لكسر سلسلة التشديد النقدي من جهة، أو نظرا لأن مكاسب بعض القطاعات، خاصة التكنولوجيا، تغطي على الأزمة حالياً.

وقال غاي ميلر، كبير استراتيجيي السوق في مجموعة «زيوريخ للتأمين»، لـ«رويترز» إن فروق الائتمان للشركات لا تزال ضيقة للغاية، ولا تعكس المخاطر التي تواجهها، مشيراً إلى أن «نحو 122 شركة عامة وخاصة في الولايات المتحدة لديها مطالبات تزيد على 50 مليون دولار قد تقدمت بالفعل بطلب الحماية من الإفلاس هذا العام، مما يعني أن معدل الإفلاسات سيتجاوز 200 شركة بحلول نهاية العام، وهو ما يقارن بما حدث خلال الأزمة المالية العالمية وجائحة (كورونا)».

وفي أوروبا، لا تبدو الحال أفضل كثيرا، إذ تشير تقارير إلى أن سندات الشركات وشيكة الاستحقاق بلغت مستويات قياسية، ومع ارتفاع معدلات الفائدة الحالية، فإن الأزمة تطل برأسها بقوة، خاصة إذا ما فاقم تراجع الأرباح أوضاع هذه الشركات.

كما وصل جانب من الأزمة إلى الحدود الصينية، خاصة في القطاع العقاري. وأعلنت شركة العقارات الصينية العملاقة «إيفرغراند» الاثنين الماضي خسارة صافية تزيد على 113 مليار دولار في 2021 و2022، ونحو 340 مليار دولار من الديون. وقالت «إيفرغراند» في تقرير إن الخسارة أظهرت «وجود شكوك جوهرية قد تلقي بظلال من الشك على قدرة المجموعة على الاستمرار».

كُشف عام 2021 أن الشركة التي كانت الأكبر في الصين في قطاع العقارات تغرق في ديون تزيد قيمتها على 300 مليار دولار، ما أدى إلى أزمة عقارات على مستوى البلاد لها تداعيات عالمية. وتم تعليق التداول في أسهم الشركة المدرجة في بورصة هونغ كونغ منذ مارس (آذار) 2022.

وأماطت «إيفرغراند» اللثام هذا العام عن اقتراح إعادة هيكلة طال انتظاره، تقدم بموجبه للدائنين خياراً لمبادلة ديونهم بسندات جديدة صادرة عن الشركة وأسهم في شركتين تابعتين لها. وقالت الاثنين الماضي إنه «من المتوقع أن يكون تاريخ بدء إعادة الهيكلة هو الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتاريخ الانتهاء هو 15 ديسمبر (كانون الأول) 2023».


مقالات ذات صلة

مصر تتطلع إلى موافقة صندوق النقد على صرف شريحة جديدة من القرض

الاقتصاد وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)

مصر تتطلع إلى موافقة صندوق النقد على صرف شريحة جديدة من القرض

قال وزير المالية المصري إن بلاده تتطلع إلى موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري يوم 29 يوليو الحالي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزير المالية الباكستاني محمد أورنجزيب (أ.ف.ب)

وزير المالية الباكستاني في بكين سعياً لتخفيف عبء الديون

قال مصدران حكوميان إن وزير المالية الباكستاني محمد أورنجزيب، وصل الخميس إلى بكين لبدء محادثات بشأن الإصلاحات الهيكلية لقطاع الكهرباء التي اقترحها صندوق النقد.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

محللون يتوقعون نمو الاقتصاد المصري 4 % في السنة المالية الجديدة

توقع اقتصاديون أن يكون نمو الاقتصاد المصري أبطأ قليلاً في السنة المالية الجديدة، عند 4 % عما كان متوقعاً في أبريل (نيسان) الماضي، عند 4.3 %.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الناس يتسوقون في البازار الكبير بإسطنبول (رويترز)

«موديز» ترفع التصنيف الائتماني لتركيا إلى «بي 1»

رفعت وكالة «موديز» التصنيف الائتماني لتركيا، للمرة الأولى خلال أكثر من عقد، ما يمثل أحدث علامة على تقدم جهود البلاد للعودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد شعار اجتماع وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية لمجموعة السبع في محطة نيغاتا (رويترز)

الديون تُقيّد الأسواق... مخاوف الاقتراض تطارد أكبر اقتصادات العالم

تثير أكوام الديون الضخمة بين أكبر اقتصادات العالم قلق الأسواق المالية مرة أخرى، حيث تلقي الانتخابات بظلالها على التوقعات المالية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصر تتطلع إلى موافقة صندوق النقد على صرف شريحة جديدة من القرض

وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتطلع إلى موافقة صندوق النقد على صرف شريحة جديدة من القرض

وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
وزير المالية المصري أحمد كجوك خلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)

قال وزير المالية المصري أحمد كجوك، إن بلاده تتطلع إلى موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري يوم 29 يوليو (تموز) الحالي، «ونستهدف استمرار المراجعات القادمة بنجاح، والعمل على مسار الحصول على تمويل من صندوق المرونة والاستدامة».

وأكد الوزير، في بيان صحافي، السبت: «إننا نتعامل في مصر بتوازن شديد مع تداعيات جيوسياسية مركبة، في إطار برنامج شامل لتحسين الأداء الاقتصادي».

وأجرت بعثة من صندوق النقد الدولي، زيارة إلى القاهرة في مايو (أيار) الماضي، لإجراء المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. لكنه أجّل مناقشة صرف الشريحة الثالثة من القرض الممنوح لمصر بقيمة 820 مليون دولار، إلى 29 يوليو الحالي، بعدما كانت على جدول اجتماعاته المقررة 10 يوليو.

واعتمد مجلس الصندوق في نهاية مارس (آذار) الماضي، المراجعتين الأولى والثانية، في إطار تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إجماليها إلى 8 مليارات دولار، ما سمح لمصر بسحب سيولة من الصندوق بنحو 820 مليون دولار على الفور.

وخلال لقائه كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي، على هامش اجتماعات «مجموعة العشرين» في البرازيل، قال الوزير: «إننا ملتزمون بتحقيق الانضباط المالي من أجل وضع مسار دين أجهزة الموازنة للناتج المحلي في مسار نزولي، ونستهدف خلق مساحة مالية كافية تتيح زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، ونعمل أيضاً على خفض معدلات التضخم لضمان استقرار الأسعار لتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، ومساندة تنافسية الشركات».

وأشار الوزير إلى أن أولوية الحكومة خلال الفترة المقبلة زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص ودفع الأنشطة الإنتاجية والتصديرية، وكذلك تطوير بيئة الأعمال لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لافتاً إلى «أننا نعمل على تبسيط الإجراءات الخاصة بمنظومتي الضرائب والجمارك لإعادة بناء الثقة بين مجتمع الأعمال والإدارة الضريبية وتحسين الخدمات للممولين».

وأوضح كجوك، أن بلاده حريصة على دفع الإصلاحات الهيكلية ودفع الاستثمارات الخاصة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا وتحلية المياه والبنية التحتية، مشيراً إلى العمل أيضاً على «اتساق السياسات الاقتصادية من خلال وضع سقف لإجمالي الاستثمارات العامة والضمانات الحكومية ونسبة دين الحكومة العامة للناتج المحلي».

على صعيد موازٍ، عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية، لقاءاتٍ مكثفة مع وزراء الاقتصاد والتنمية والتعاون الدولي، إلى جانب مسؤولي مؤسسات التمويل الدولية، المُشاركين في الاجتماع الوزاري لـ«مجموعة العشرين» بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، وذلك لبحث أولويات التعاون المشترك وتعزيز الشراكات المستقبلية في ضوء أولويات وبرنامج الحكومة.

والتقت المشاط بكل من: أحمد حسين وزير التنمية الدولية الكندي، وإيفا جرانادوس وزيرة الدولة للتعاون الدولي الإسبانية، وريم الهاشمي وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي في حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيفينا شولز الوزيرة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، وأنيليز جين دودز وزيرة الدولة لشؤون المرأة والمساواة في المملكة المتحدة، وخوسيه دي ليما وزير الدولة للاقتصاد الأنغولي، وكريسولا زاكاروبولو وزيرة الدولة للتعاون الإنمائي بفرنسا.

كما عقدت الوزيرة لقاءً مع جوتا أوربيلينين المفوضة الأوروبية للشراكات الدولية، وسيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، وريبيكا جرينسبان الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، كما التقت أنيل كيشورا نائب الرئيس والمدير التنفيذي لبنك التنمية الجديد (NDB)، وألفارو لاريو رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد).

وخلال اللقاءات ناقشت المشاط، فُرص التعاون المستقبلي مع الاتحاد الأوروبي استمراراً للشراكة الاستراتيجية بين الجانبين وجهود تعزيز الاستثمارات من خلال آلية ضمان الاستثمار التي يجري تنفيذها، وكذلك تعزيز جهود الإصلاحات الهيكلية.