موسكو تحبط هجوماً تفجيرياً في القرم... وتواجه «تصاعد الخطر الإرهابي» في جنوب روسيا

ملف استئناف المفاوضات على طاولة لقاء إسطنبول... وبيلاروسيا تتوقع تقدماً قبل الخريف

جسر كيرتش الذي جرى تفجيره (إ.ب.أ)
جسر كيرتش الذي جرى تفجيره (إ.ب.أ)
TT

موسكو تحبط هجوماً تفجيرياً في القرم... وتواجه «تصاعد الخطر الإرهابي» في جنوب روسيا

جسر كيرتش الذي جرى تفجيره (إ.ب.أ)
جسر كيرتش الذي جرى تفجيره (إ.ب.أ)

بعد مرور يومين على إعلان هيئة (وزارة) الأمن الفيدرالي الروسي عن اتخاذ تدابير إضافية لمواجهة ما وصف بأنه «تصاعد الخطر الإرهابي» في مناطق جنوب روسيا، أعلنت المؤسسة الأمنية عن اعتقال «مخرب» كلفته الأجهزة الخاصة الأوكرانية بتنفيذ سلسلة هجمات على منشآت حساسة في شبه جزيرة القرم. وكشفت الهيئة أن وحداتها نجحت في إحباط مخطط تفجيري كان يستهدف الإضرار بمسارات السكك الحديدية في شبه الجزيرة.

أحد الجسور التي تصل خيرسون بشبه جزيرة القرم تعرض لهجوم أوكراني (رويترز)

ووفقاً للبيان الأمني فقد اعتقل عناصر الجهاز في مدينة سيمفيروبول عميلاً للمخابرات العسكرية الأوكرانية قام بزرع عبوات ناسفة على مسارات خطوط السكك الحديدية في شبه جزيرة القرم في فبراير (شباط)، وهو الهجوم الذي أسفر عن تعطيل جزئي لحركة القطارات في المنطقة.

مجندون روس في قاعدة روسية في عاصمة شبه جزيرة القرم (رويترز)

واتضح أن المعتقل مواطن روسي من مواليد 1998، نشط بالتعاون مع شبكة من العملاء، بناءً على «تعليمات من أجهزة الخدمات الخاصة الأوكرانية».

ولم توضح الجهات الأمنية تفاصيل عن نشاط الشبكة، لكنها نشرت تفاصيل عن المعتقل الذي قالت إنه «غادر الأراضي الروسية بعد بدء العملية الخاصة في فبراير 2022، متوجهاً إلى أوديسا، حيث جُند من قبل موظفي مديرية المخابرات الرئيسية بوزارة الدفاع الأوكرانية، وخضع لدورة استطلاع وتدريب تخريبي، وبعد ذلك أُرسل إلى شبه جزيرة القرم... وبناءً على تعليمات الجانب الأوكراني، قام بتقويض مسار السكك الحديدية في قطاع تشيستينكو - بوتشتوفوي في منطقة باخشيساراي في القرم باستخدام عبوة ناسفة؛ ما ألحق أضراراً بحركة القطارات في المنطقة.

جسر تشونغار الذي يربط بين شبه جزيرة القرم والجزء الذي تحتلّه القوات الروسية من إقليم خيرسون الأوكراني (رويترز)

وأشار البيان إلى أن المعتقل أعد لسلسلة هجمات مماثلة، و«أدلى باعترافات بشأن التعاون مع الخدمات الخاصة لأوكرانيا وارتكاب أعمال تخريبية وإرهابية». وجرى وفقاً للجهاز الأمني فتح قضية جنائية ضده بموجب مادة مكافحة التخريب التي تتراوح فيها العقوبة بالسجن ما بين 10 إلى 20 سنة. هذا الإعلان جاء بعد مرور يومين على تحذير الهيئة الأمنية من تصاعد خطر الهجمات الإرهابية في كل مناطق جنوب روسيا، وقالت في بيان إنها اتخذت تدابير إضافية لملاحقة المتورطين في الهجمات.

واللافت في التحذير أن البيانات الأمنية الروسية تحدثت بالدرجة الأولى عن خطر «شبكات تضم مواطنين روساً يعملون بالتعاون مع الأجهزة الخاصة الأوكرانية».

قوات روسية من المتطوعين موالية لأوكرانيا توغلت في الأراضي الروسية (أ.ف.ب)

وفي الوقت نفسه، كشف سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، عن تصاعد حجم ونوعية الهجمات التي تشنها أوكرانيا بشكل مباشر على منطقة شبه جزيرة القرم.

ووفقاً له فقد تزايدت الهجمات التي «شنها نظام كييف باتجاه القرم باستخدام المسيرات خلال العام الحالي».

وقال باتروشيف خلال اجتماع في مدينة كراسنودار القريبة من الحدود مع أوكرانيا، كرس لمناقشة آليات ضمان الأمن القومي في أقاليم المنطقة الفيدرالية الجنوبية، إن كييف نفذت هذا العام فقط، باتجاه القرم أكثر من 70 هجوماً باستخدام الطائرات المسيرة.

وأضاف باتروشيف: «تمثل محاولات الهجمات باستخدام المسيرات الجوية والمائية، وكذلك القصف الصاروخي والمدفعي من قبل القوات المسلحة الأوكرانية، تهديداً خاصاً لأمن السكان. وكقاعدة عامة، الأهداف هي منشآت الطاقة والبنية التحتية الصناعية، والتي يهدد تدميرها أو الضرر بها حياة المدنيين وصحة الناس».

وحذر باتروشيف من أن «نظام كييف الذي يعد لهجمات إرهابية وعمليات تخريب على الأراضي الروسية، يستخدم أساليب استخبارات (الزعيم النازي أدولف هتلر)».

وأضاف: «ما زلنا نتلقى الكثير من الحقائق التي تؤكد الطبيعة النازية الجديدة، بما في ذلك التحضير لشن هجمات إرهابية وأعمال تخريب ضد المدنيين على أراضينا».

وكانت موسكو قد حذرت من تصعيد واسع في حجم النشاطات الهجومية باتجاه الأراضي الروسية إما باستخدام المسيرات الانتحارية وإما عن طريق عمليات تخريب وتفجير عبر مجموعات مسلحة تتلقى تعليماتها من الاستخبارات الأوكرانية.

فياتشيسلاف جلادكوف حاكم بيلغورود الروسية يتحدث لأهالي المنطقة بعد تعرضها لضربات (أ.ف.ب)

فيما أعلنت فصائل روسية منشقة تتخذ من المناطق الحدودية الأوكرانية منطلقاً لهجماتها أكثر من مرة مسؤوليتها عن هجمات تفجيرية داخل العمق الروسي. وكان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي قد أعلن قبل أيام أنه أحبط محاولة اغتيال رئيس شبه جزيرة القرم، سيرغي أكسيونوف. ووفقاً لبيان صادر عن جهاز الأمن الفيدرالي فقد اعتُقل مواطن روسي جندته أجهزة المخابرات الأوكرانية، ودُرّب في أوكرانيا على استخدام المتفجرات والألغام.

وخطط الرجل لتفجير سيارة أكسيونوف، وقُبض عليه وبحوزته العبوة الناسفة قبل أن ينفذ المخطط، وفُتحت قضية ضده بتهمة محاولة ارتكاب عمل إرهابي وحيازة متفجرات بشكل غير قانوني.

وعلى صعيد آخر، نقلت وكالة أنباء «تاس» الحكومية عن مصادر توقعت بأن يكون ملف استئناف المفاوضات الروسية الأوكرانية على أجندة محادثات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى تركيا الجمعة.

كما سيناقش مع نظيره التركي، كما صرحت مصادر تركية أمس الأربعاء «آفاق حل الأزمة الأوكرانية وتمديد صفقة الحبوب إلى جانب موضوعات أخرى»، مثل انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأفادت نقلاً عن مصادر تركية بأن جولة المحادثات سوف تعقد «وجهاً لوجه» في لقاء ثنائي يجمع الرئيسين، ثم خلال لقاء موسع تحضره وفود البلدين. اللافت في توقيت الزيارة أنها تأتي بعد تلويح موسكو بأنها لن تمدد صفقة الحبوب التي ينتهي مفعولها بعد أيام، إلا إذا نُفذت الشروط الروسية التي تنص على تفعيل الشق المتعلق برفع القيود عن حركة السفن الروسية، وإنهاء الحظر على تعاملات بنوك روسية في نظام «سويفت» المالي الدولي. لكن كييف استبقت الزيارة بتأكيد أنها «لن تقدم تنازلات لموسكو في شأن صفقة الحبوب»، كما قال وزير الخارجية ديمتري كوليبا الذي يرافق زيلينسكي في جولته الحالية.

لكن العنصر الثاني الذي برز على جدول أعمال الزيارة يرتبط بمحاولة تركية لدفع مسار استئناف المفاوضات السياسية بين موسكو وكييف. وكان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو قد قال قبل يومين إنه يتوقع استئنافاً للحوار السياسي قبل حلول الخريف المقبل على خلفية تطورات الوضع الميداني. ودعا رئيس بيلاروسيا نظيره الأوكراني إلى «الجلوس إلى طاولة المفاوضات» و«استغلال الفرصة المتاحة حالياً في ظل الهجوم المضاد».

وقال لوكاشينكو أمام صحافيين: «اليوم (قادة كييف) يحتاجون إلى التفكير مرة أخرى. بينما هناك مجموعة من الملفات مطروحة على الطاولة، مجموعة كاملة من القضايا يمكن الاتفاق عليها. غداً سيكون الأمر مستحيلاً. فبعد ما يسمى بالهجوم المضاد، سيتغير الوضع». وأضاف: «يجب التوقف الآن، والجلوس إلى طاولة المفاوضات. دون شروط مسبقة. يجب تقرير وبحث كل شيء على طاولة المفاوضات».

وزاد لوكاشينكو أن زيلينسكي «أدرك أخيراً أنه لن يفوز، وأن هذا الهجوم المضاد لن ينتهي بشيء، باستثناء موت الآلاف والآلاف من الناس. لذلك، بدأ زيلينسكي بالفعل باتخاذ خطوات للخروج من هذا الوضع تدريجياً». وأضاف لوكاشينكو أنه «من المرجح أن تبدأ المفاوضات بحلول فصل الخريف».


مقالات ذات صلة

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

تحليل إخباري الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز».

أنطوان الحاج
أوروبا يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمس (الجمعة)، أن الدرع الواقية في محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا لم تعد بإمكانها أداء وظيفتها الرئيسية

«الشرق الأوسط» (فيينا)
الولايات المتحدة​ المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (أ.ب)

الولايات المتحدة وأوكرانيا تؤكدان أن أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا

يعقد مفاوضون أوكرانيون ومبعوثو الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوماً ثالثاً من المحادثات في ميامي السبت، مؤكدين أن إحراز أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا.

«الشرق الأوسط» (ميامي)
أوروبا المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)

قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

كشفت تقارير مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأوكراني

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

اعتبر نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن عقد جلسات استماع في غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وارد.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)

البابا: لن نقف مكتوفي الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان

البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
TT

البابا: لن نقف مكتوفي الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان

البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)

أكد البابا ليو الرابع عشر أمام سفراء جدد، اليوم (السبت)، أن الفاتيكان لن يقف مكتوف الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان في أنحاء العالم.

وهذه من أوضح التصريحات التي تكشف حتى الآن عن فلسفة البابا الأميركي، الذي انتُخب على رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم في مايو (أيار) عقب وفاة البابا فرنسيس.

وقال البابا أمام مجموعة السفراء الـ13: «أود أن أؤكد مجدداً أن الكرسي الرسولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام التفاوتات الجسيمة، والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية في مجتمعنا العالمي الذي يزداد انقساماً وعرضة للصراعات».

و«الكرسي الرسولي» هو الهيئة الحاكمة للكنيسة التي يقودها البابا، ويمتلك سلطة روحية على 1.4 مليار كاثوليكي.

وأكد البابا أن «دبلوماسية الكرسي الرسولي تتجه باستمرار نحو خدمة خير البشرية، لا سيما من خلال مناشدة الضمائر، والإصغاء لأصوات الفقراء، أو الذين يعيشون في أوضاع هشّة، أو الذين يُدفعون إلى هامش المجتمع».

وبتركيزه على عدم المساواة، يبني ليو على أولويات سلفه البابا فرنسيس، الذي دافع عن حقوق المهاجرين وغيرهم من الفئات المستضعفة خلال حبريته.

وانتقد ليو، الذي أمضى قرابة 20 عاماً مبشّراً في البيرو، معاملة المهاجرين «غير المحترمة» في الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب.

والسفراء الجدد المعتمدون الذين استقبلهم الفاتيكان السبت، من أوزبكستان ومولدوفا والبحرين وسريلانكا وباكستان وليبيريا وتايلاند وليسوتو وجنوب أفريقيا وفيجي وميكرونيزيا ولاتفيا وفنلندا.


استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
TT

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

لم يكن مفاجئاً مضمون استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترمب للأمن القومي الأميركي التي تُصوّر الحلفاء الأوروبيين بوصفهم ضعفاء، وتسعى إلى إعادة تأكيد هيمنة الولايات المتحدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول) 2025 عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز» في شأنَي الهجرة، وحرية التعبير، إذ تُشير إلى أنهم يواجهون «احتمال امّحاء حضاريّ»، وتشكّك في مدى موثوقيتهم بأنهم شركاء للولايات المتحدة على المدى الطويل.

وتُجدّد الوثيقة، بلغة لا تخلو من البرودة، والنبرة التصادمية، تأكيد فلسفة ترمب القائمة على مبدأ «أميركا أولاً» الذي يعني عملياً عدم التدخل في الخارج، وتُعيد تقييم عقود من الشراكات الاستراتيجية، وتضع المصالح الأميركية فوق كل اعتبار.

هذه أول استراتيجية للأمن القومي -وهي وثيقة يُلزم القانون الإدارة بإصدارها- منذ عودة الرئيس الجمهوري إلى السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) 2025. وتمثل سطورها قطيعة واضحة مع النهج الذي اعتمدته إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والتي سعت إلى إعادة تنشيط التحالفات بعد أن كانت قد تزعزعت خلال الولاية الأولى لترمب، وإلى كبح جماح روسيا الناهضة اقتصادياً بفضل صادراتها من النفط، والغاز.

*دور متراجع

سعى ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض إلى التوسّط لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ نحو أربع سنوات في أوكرانيا، وهو هدف تؤكد الاستراتيجية الجديدة أنه يدخل ضمن المصالح الحيوية لواشنطن الراغبة في تحسين علاقاتها مع موسكو بعد سنوات من التعامل مع روسيا بوصفها دولة منبوذة دولياً، وبالتالي يغدو إنهاء الحرب مصلحة أميركية أساسية من أجل «إعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا».

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)

وتنتقد الوثيقة حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين الذين وجدوا أنفسهم هذا العام الذي يطوي أيامه الأخيرة أمام قساوة إصرار ترمب على التخلص من أعباء الحرب الروسية-الأوكرانية، بينما يواجهون تحديات اقتصادية داخلية، إضافة إلى أزمة وجودية، و«حضارية»، وفق واشنطن.

الواقع أنه ليس مستغرباً أن يضمر «حجم» أوروبا في التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة. فالتاريخ يُظهر أن الاستراتيجية الكبرى الأميركية التي كانت في الغالب تتمحور على أوروبا لا بد أن تعكس تراجع خطر هيمنة قوة واحدة على القارة القديمة منذ مطلع الألفية، وظهور مراكز أخرى للنفوذ الجيوسياسي، والرهانات الجيواقتصادية. وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى إعطاء مناطق أخرى من العالم أهمية متزايدة. فبينما ركّز الرئيس جورج بوش الابن على الشرق الأوسط، أعلن كل رئيس جاء بعده -حتى وإن لم يُنفَّذ الأمر بشكل كامل- سياسات تهدف إلى «التحوّل نحو آسيا». وفي عهد ترمب، أضيفت أميركا اللاتينية إلى آسيا، وما قاله الرجل عن بنما، وما يفعله حيال فنزويلا، وبدرجة أقل نحو كولومبيا خير دليل على ذلك.

*جيل أميركي مختلف

تُظهر التحوّلات الديموغرافية في الولايات المتحدة أنّ «جيل الحرب الباردة»، الذي كان يميل تلقائياً بشيء من الحنين إلى «الأطلسية»، والجسور الثقافية الممتدة إلى الجزر البريطانية، واليابسة الأوروبية، يقترب من «التقاعد»، ويحلّ محلّه جيلٌ أصغر سناً، وأكثر تنوّعاً من الناحية العرقية، ويعيد النظر في الدور الأميركي على مستوى العالم. ونظراً للحذر العميق الذي يعتمل في نفس ترمب حيال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي، كان طبيعياً أن يعمد في ولايته الثانية إلى إنزال أوروبا درجات في سلّم الأولويات، ومعها «الناتو» الذي أُنشئ عام 1949 للوقوف في وجه الاتحاد السوفياتي، ومنعه من مدّ نفوذه إلى أوروبا الغربية. فالتفاهم مع موسكو بشأن أوروبا ومناطق أخرى من الكوكب أفضل من إنفاق الأموال على حماية أوروبا «الاتكالية».

مبنى بيرلايمونت حيث مقر المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (أ.ف.ب)

خالف هذا التوجه تمسّك جميع الرؤساء الذين تولّوا الحكم في واشنطن بعد الحرب الباردة بالموقع الرئيس لأوروبا في الاستراتيجية الأميركية. فقد كانت أوروبا تُعدّ سوقاً رئيسة للبضائع، والخدمات الأميركية (خصوصاً الدفاعية)، وكان يمكن للحلفاء الأوروبيين أن يشكّلوا قوة مضاعِفة للنفوذ الأميركي في مناطق أخرى من العالم. وفي المقابل، كانت روسيا تهديداً لأمن أوروبا، وللنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، بما يشمل منطقة المحيط الهادئ، حيث تعمل موسكو على تعزيز مصالحها الخاصة، وتتماهى في مواقفها مع الصين.

*التحديات الثقيلة

جاء في وثيقة الاستراتيجية الأميركية أن «الركود الاقتصادي في أوروبا يقل أهمية عن الاحتمال الحقيقي والأكثر حدّة لحصول امّحاء حضاريّ».

وترى واشنطن أن أوروبا تضعف بسبب سياسات الهجرة التي تعتمدها، وتراجع معدلات الولادة، و«قمع حرية التعبير، وكبح المعارضة السياسية»، فضلاً عن «فقدان الهويات الوطنية، والثقة بالنفس».

تضيف الوثيقة: «إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن القارّة ستكون مختلفة تماماً في غضون 20 عاماً أو أقل. بالتالي، ليس من الواضح إطلاقاً ما إذا كانت بعض الدول الأوروبية ستملك اقتصادات وجيوشاً قوية بما يكفي لتبقى من الحلفاء الموثوقين (...). نحن نريد لأوروبا أن تبقى أوروبية، وأن تستعيد ثقتها الحضارية بنفسها».

إذا سلمنا بصحة هذا التصوّر، فإننا نستنتج فوراً أن على أوروبا أن تصدّ أو تلطّف تداعيات الخروج الأميركي المرجَّح من معمعة الحرب الروسية–الأوكرانية. فالقارة لا تملك القوة الكافية لرفد كييف بما يمكّنها من مواصلة الحرب، ومجاراة القوة العسكرية الروسية. ولا فائدة من رفع الإنفاق العسكري في دول أوروبية عديدة لإقامة توازن مستحيل مع القوة الروسية، في موازاة استنزاف اقتصادات متعثرة تعاني عجزاً هائلاً بـ«قيادة» ألمانيا التي يبلغ دينها العام 2.55 تريليون يورو، وهو ما يعادل نحو 62.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفرنسا (3.416 تريليون يورو، أي ما يعادل 115.8في المائة من الناتج المحلي).

لا شك في أنه يحق للاتحاد الأوروبي أن يشغل مقعداً إلى طاولة المفاوضات الجارية على قدم وساق بين واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي تكتفي –رغم محاولات التجميل– بدور المتلقي. فالحرب مسرحها أوروبي، و«أهل الدار» معنيون بما يجري على أرضهم.

*التواصل أجدى من القطيعة

لن يتحقق المطلب الأوروبي إلا بإقامة خطوط اتصال بين بروكسل وموسكو، فبغير ذلك لا انخراط لأوروبا في صَوغ القرارات التي ستُتّخذ لإنهاء حرب أوكرانيا مع ما لذلك من انعكاسات على الأمن الأوروبي. وإن لم يحصل هذا الأمر فسيجد الأوروبيون أنفسهم يكتفون بردّ الفعل على تطوّرات تقودها واشنطن وموسكو، وبدرجة أقل كييف.

جنود من المشاة خلال تدريب عسكري فرنسي - بلجيكي مشترك في منطقة مفتوحة قرب بلدة سيسون بشمال شرقي فرنسا (أ.ف.ب)

أوروبا كبيرة، وغنية رغم العثرات الحالية، ومتقدمة تكنولوجياً. وهي تحتاج بالفعل إلى برنامج إعادة تسليح قوي يقنع موسكو -التي لا تريد حرباً مع أوروبا كما قال فلاديمير بوتين لكنها مستعدة لها– بالتفاوض الجدّي.

أما الورقة الثانية للإقناع فتكون بكسر الجمود بشأن الأصول الروسية المجمدة والمحتجَزة بموجب العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي على دفعات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. فموسكو ستَنشد حلاً لتحرير أصولها الأوروبية التي تقدَّر قيمتها بـ210 مليارات دولار. أما الرأي الأوروبي القائل بضرورة استخدام هذه الأصول لدعم أوكرانيا، فمؤداه إطالة عمر الحرب، ووضع القارة في حالة مواجهة مع روسيا هي في غنى عنها.

ثمة من يقول إن الكرملين لا يفهم سوى لغة القوة، والبيت الأبيض لا يفهم سوى لغة الأعمال، وعلى أوروبا أن تتقن اللغتين. وثمة من يردّ على ذلك بالقول إن ما ورد عن البيت الأبيض صحيح، في حين أن ما ورد عن الكرملين مضلِّل.

ولعلّ الحقيقة أن كل هذه المعادلة لا ضرورة لها، وليس على أوروبا أن تتقن لغتين، بل عليها أن تُحسن إنجاب قادة حقيقيين يعرفون التاريخ ليضعوا رؤى لمستقبل يقيهم شرّ «الامّحاء الحضاري»، و«تلاشي الهويات»، فهل تتحقق «المعجزة»؟...


«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
TT

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمس (الجمعة)، أن الدرع الواقية في محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا، التي تم بناؤها لاحتواء المواد المشعة الناجمة عن كارثة 1986، لم تعد بإمكانها أداء وظيفتها الرئيسية للسلامة، بعد تعرضها لأضرار بسبب طائرة مسيرة، وهو ما اتهمت أوكرانيا روسيا بالمسؤولية عنه، بحسب «رويترز».

وقالت الوكالة إن عملية تفتيش الأسبوع الماضي لهيكل العزل الفولاذي الذي اكتمل في عام 2019، وجدت أن تأثير الطائرة المسيرة في فبراير (شباط)، أي بعد 3 سنوات من الصراع الروسي في أوكرانيا، أدى إلى تدهور الهيكل.

وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة في بيان، إن «بعثة التفتيش أكدت أن (هيكل الحماية) فقد وظائف الأمان الأساسية، بما في ذلك القدرة على الاحتواء، ولكنها خلصت أيضاً إلى أنه لم يكن هناك أي ضرر دائم في هياكله الحاملة أو أنظمة المراقبة».

وأضاف غروسي أنه تم بالفعل إجراء إصلاحات «ولكن لا يزال الترميم الشامل ضرورياً لمنع مزيد من التدهور، وضمان السلامة النووية على المدى الطويل».

وذكرت الأمم المتحدة في 14 فبراير، أن السلطات الأوكرانية قالت إن طائرة مسيرة مزودة برأس حربي شديد الانفجار ضربت المحطة، وتسببت في نشوب حريق، وألحقت أضراراً بالكسوة الواقية حول المفاعل رقم 4 الذي دُمر في كارثة عام 1986.

وقالت السلطات الأوكرانية إن الطائرة المسيرة كانت روسية، ونفت موسكو أن تكون قد هاجمت المحطة.

وقالت الأمم المتحدة في فبراير، إن مستويات الإشعاع ظلت طبيعية ومستقرة، ولم ترد تقارير عن تسرب إشعاعي.

وتسبب انفجار تشرنوبل عام 1986 في انتشار الإشعاع بجميع أنحاء أوروبا، ودفع السلطات السوفياتية إلى حشد أعداد هائلة من الأفراد والمعدات للتعامل مع الحادث. وتم إغلاق آخر مفاعل يعمل بالمحطة في عام 2000.

واحتلت روسيا المحطة والمنطقة المحيطة بها لأكثر من شهر في الأسابيع الأولى من غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، حيث حاولت قواتها في البداية التقدم نحو العاصمة الأوكرانية كييف.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أجرت التفتيش في الوقت نفسه الذي أجرت فيه مسحاً على مستوى البلاد للأضرار التي لحقت بمحطات الكهرباء الفرعية، بسبب الحرب التي دامت نحو 4 سنوات بين أوكرانيا وروسيا.