المتاحف البريطانية تتحول إلى الداعمين مع انخفاض التمويل

معرض الصور الوطني البريطاني «ناشونال بورتريه غاليري» بلندن الذي فتح أبوابه الخميس الماضي بعد عملية تجديد تكلفت 53 مليون دولار.

صورة للمغني ديفيد بوي من معروضات «ناشونال بورتريه غاليري» تعرض بالقرب من المعرض (توم جاميسون / نيويورك تايمز)
صورة للمغني ديفيد بوي من معروضات «ناشونال بورتريه غاليري» تعرض بالقرب من المعرض (توم جاميسون / نيويورك تايمز)
TT

المتاحف البريطانية تتحول إلى الداعمين مع انخفاض التمويل

صورة للمغني ديفيد بوي من معروضات «ناشونال بورتريه غاليري» تعرض بالقرب من المعرض (توم جاميسون / نيويورك تايمز)
صورة للمغني ديفيد بوي من معروضات «ناشونال بورتريه غاليري» تعرض بالقرب من المعرض (توم جاميسون / نيويورك تايمز)

في جولة قام بها مؤخراً في معرض الصور الوطني (ناشونال بورتريه غاليري) في لندن، أشار نيكولاس كولينان، مدير المعرض، إلى بعض الشخصيات البريطانية الرئيسية من التاريخ والثقافة الشعبية الذين اصطفت تصاوير أمثالهم على الجدران: شكسبير، والملك هنري الثامن، وآنا وينتور محررة مجلة «فوغ».

وأشار، ما بين التباهي بالصور، إلى بعض الأعضاء غير المألوفين (أو الأقل شهرة) في المجتمع البريطاني الراقي.

إذ وُضعت على اللوحات التي رُسمت على الجدران أسماء المتبرعين الذين دفعوا جزءاً كبيراً من تكاليف تجديد مؤسسته بقيمة بلغت 53 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

جناح بلافاتنيك سمي على اسم رجل أعمال أوكراني المولد أعطى المتحف ما يقرب من 13 مليون دولار (توم جاميسون/ نيويورك تايمز)

مع إعادة افتتاح المُتحف للجمهور، يدخل الزائرون معرض الصور الوطني عبر «ساحة روس»، التي سُميت على اسم أحد أقطاب البيع بالتجزئة الذي تبرع بأكثر من 5 ملايين دولار للتجديد. ويُطلق على أحد الطوابق الآن مسمى «جناح بلافاتنيك»، نسبة إلى رجل أعمال أوكراني المولد تبرع للمتحف بما يقرب من 13 مليون دولار. كما سُميت الفصول الدراسية الثلاثة الجديدة في الموقع، المصممة للزيارات المدرسية، باسم مختلف المتبرعين.

قال كولينان: «إن نموذج تمويل المتاحف البريطانية يتغير». وأضاف: «بالتأكيد، يتعين علينا أن نصبح أفضل بكثير في جمع التبرعات».

حتى وقت قريب، عندما كانت المتاحف البريطانية الرئيسية تخطط لمشروع كبير، كان أول منفذ تمويلي لها في الغالب هو الحكومة الوطنية أو المحلية. في عام 2007، على سبيل المثال، منحت وزارة الخزانة البريطانية 50 مليون جنيه إسترليني، أي حوالي 100 مليون دولار في ذلك الوقت، نحو توسيع نطاق مُتحف «تيت مودرن».

الآن، بات من الصعب للغاية تلبية مثل هذه العروض. ففي العام الماضي، خفضت الحكومة التمويلات الفنية للعديد من المؤسسات في لندن، ومع ارتفاع معدلات التضخم إلى عنان السماء، صارت المتاحف بمختلف أنحاء البلاد تعتمد بصفة متزايدة على التبرعات الخيرية لتغطية تكاليف التشغيل اليومية، ناهيكم عن المشروعات الكبرى. (منح صندوق التراث الوطني لليانصيب في بريطانيا - وهو هيئة عامة ممولة من عائدات اليانصيب - معرض البورتريه الوطني ما يقرب من 10 ملايين جنيه إسترليني لتجديده، لكن الحكومة لم تساهم بصورة مباشرة في هذه الجهود).

«ناشونال بورتريه غاليري» في لندن (توم جاميسون / نيويورك تايمز)

قالت ليزلي راموس، مؤلفة كتاب يصدر قريباً حول العطاء الفني، إن بريطانيا «لا تملك ثقافة العمل الخيري مثل الولايات المتحدة، لا سيما بالنسبة للفنون». وأضافت أن العديد من الرعاة الرئيسيين لقوا حتفهم مؤخراً، ولم يسد المتبرعون الأصغر سناً تلك الفجوة. وقالت إنهم يفضلون التبرع من أجل قضايا العدالة الاجتماعية، أو المنظمات الناشطة في مجال التغير المناخي.

قال بول رامسبوتوم، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «وولفسون»؛ واحدة من أكبر الجهات المانحة للفنون المؤسسية في بريطانيا، التي قدمت نحو 630 ألف دولار لتجديد معرض الصور الوطني، إن صناديق مثل مؤسسته تشهد «موجة متصاعدة» من الطلبات التي لا يمكنهم تلبيتها.

يأتي هذا الاعتماد المتزايد على المانحين مع بدء العديد من المتاحف البريطانية الرئيسية في إجراء إصلاحات متعددة السنوات. ومن المتوقع أن يعلن المتحف البريطاني قريباً عن عملية تجديد قالت صحيفة «فايننشال تايمز» إن تكلفتها سوف تبلغ مليار جنيه إسترليني، أي حوالي 1.3 مليار دولار. كما يحاول المعرض الوطني جمع 95 مليون جنيه للتجديد. وفي مايو، قالت آنه نغوين، مديرة التطوير في المتحف، أمام جمهور من المتبرعين والصحافيين، إن محاولة تأمين الأموال جعلتها تمر «بليالٍ بلا نوم» و«خفقان في القلب».

وقال كولينان، مدير معرض الصور الوطني، إن مفتاح جذب اهتمام المانحين هو وجود مشروع مثير للاهتمام. وقال إنه قبل التجديد كان معرض الصور الوطني - الذي تأسس عام 1856 وفكرة عرض صور لأبرز الشخصيات في بريطانيا - مؤسسة محبوبة للغاية، بيد أن هناك مجالاً واضحاً للتحسين. ويمكن للزوار أن يفوتوا بسهولة المدخل السابق، وهو مدخل صغير في شارع مزدحم. وأضاف أنه في الداخل، غالباً ما تشعرك ممرات المتحف بأنها أشبه بمتاهة من حجور الأرانب، وبعض معروضاته «لم تُمس منذ 30 عاماً».

قال كولينان إن معروضاته لم تكن تمثل بريطانيا المعاصرة: وإنما 3 بالمائة فقط من الصور على الجدران كانت لأشخاص من ذوي البشرة الملونة. (بعد التجديد، ارتفعت النسبة إلى 11 بالمائة).

قال كولينان إن فريق جمع التبرعات التابع للمتحف الذي يضم 13 عضواً أخبر الجهات المانحة أنهم يريدون تحقيق «تحول كامل» في بنائه ومجموعاته وبرامجه التعليمية.

برغم أن معرض الصور الوطني قد جمع في نهاية المطاف ما يكفي لأجل التجديد، إلا أنه واجه صعوبات في حملات أخرى لجمع التبرعات. وخلال العام الماضي، حاول تأمين 50 مليون جنيه أخرى لشراء لوحة «ماي (أوماي)» لجوشوا رينولدز. ويصور هذا العمل، الذي رُسم حوالي عام 1776، رجلاً بولينيزياً، يرتدي عباءات بيضاء متدفقة، وصار شخصية مجتمعية خلال زيارة إلى لندن. وتعد على نطاق واسع واحدة من أهم صور الأشخاص الملونين في تاريخ الفن البريطاني.

ذكرت سارة هيليام، مديرة التطوير في معرض الصور الوطني، أنها عرضت اللوحة على حوالي 40 متبرعاً محتملاً أثناء محاولة المتحف الحصول عليها، وقال لها العديد من الناس إن «هذا هو أسوأ وقت للقيام بمثل هذه الأعمال الفنية» منذ أن كان تجديد المتحف جارياً.

في النهاية، توصل المتحف إلى اتفاق غير عادي مع متحف «جيه بول غيتي» في لوس أنجليس للاشتراك في شراء اللوحة. وقالت هيليام إنه بموجب بنود الاتفاقية، سوف تقضى لوحة «ماي (أوماي)» ثلاث سنوات في لندن قبل التوجه إلى لوس أنجليس لفترة مماثلة. وأضافت هيليام أن التعاون عبر المحيط الأطلسي كانت تجربة رائدة مفعمة بالأمل للمتاحف الأخرى التي تكافح لشراء روائع الأعمال الفنية.

صورة «ماي (أوماي)» لجوشوا رينولدز، معروضة في «ناشونال بورتريه غاليري» بلندن الذي فتح أبوابه الخميس الماضي بعد عملية تجديد تكلفت 53 مليون دولار. (توم جاميسون / نيويورك تايمز)

لم يقل أي من المطلعين في المتحف الذين تقابلنا معهم لهذه المقالة أن هناك طرقاً واضحة لتسهيل جمع التبرعات في بريطانيا. وقالت نجوين من «ناشونال غاليري» إن الإعفاءات الضريبية الأكثر سخاءً للمتبرعين، مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة، سوف تساعد في ذلك. لكنها أضافت أن المزيد من الدعم المالي من الحكومة «سوف يكون موضع ترحيب» أيضاً.

قال رامسبوتوم، من مؤسسة «وولفسون»، إنه «سيكون من المفيد إجراء نقاش عام» حول مستويات العطاء، لا سيما أنه قال إن الدراسات أظهرت أن أكثر الناس ثراءً في بريطانيا لا يزيدون من تبرعاتهم بما يتماشى مع دخولهم المزدهرة. لكنه أضاف أن الكثيرين في بريطانيا يعتقدون ببساطة أن الحكومة يجب أن تدفع تكاليف الحياة الثقافية للبلاد.

وقال رامسبوتوم، إنه في الوقت الحالي صارت المتاحف عالقة في «عاصفة كاملة» من ارتفاع التكاليف وزيادة المنافسة على المانحين. وأضاف أن تجديد معرض الصور الوطني كان «كشفاً للعيان»، لكن الوضع الأوسع كان «مصدر قلق حقيقي للقطاع وللتراث في المملكة المتحدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق مدخل جناح نهاد السعيد الجديد الملاصق للمتحف الوطني (جناح نهاد السعيد للثقافة)

جناح جديد لـدعم «المتحف الوطني اللبناني»

أراد القيّمون على جناح «نهاد السعيد للثقافة»، الجناح الجديد للمتحف الوطني اللبناني، أن يكون وجوده دعماً للتراث الذي يتعرّض اليوم للقصف والخراب.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق لوحة تشير لمتحف الفنان نبيل درويش (إدارة المتحف)

أزمة هدم متحف الخزاف المصري نبيل درويش تتجدد

تجددت أزمة متحف الخزاف المصري نبيل درويش (1936 – 2002) الصادر قرار بهدمه؛ لدخوله ضمن أعمال توسعة محور المريوطية بالجيزة (غرب القاهرة).

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق عائشة القذافي ابنة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي تعرض أعمالها الفنية الجديدة المخصصة لأخيها وأبيها القتيلين خلال معرض «ابنة ليبيا» في متحف الشرق بموسكو17 أكتوبر 2024

«ابنة ليبيا»: معرض لعائشة القذافي في موسكو تمجيداً لذكرى والدها

افتتحت عائشة القذافي، ابنة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، معرضاً فنياً في موسكو خصصته لتخليد ذكرى والدها، الذي حكم ليبيا لأكثر من أربعة عقود.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق حساء الطماطم على لوحة «زهور عباد الشمس» لفان جوخ (غيتي)

نفد الصبر... «ناشونال غاليري» يضاعف إجراءاته الأمنية ضد محتجي المناخ

على مر الزمن كانت حركات الاحتجاج تلجأ إلى وسائل مستفزة وصادمة مثل إيقاف المرور في الطرق السريعة، أو استخدام الصمغ لإلصاق الأيدي بالحواجز وواجهات المحال…

عبير مشخص (لندن)

«هيئة المكتبات» السعودية تنظم معرضاً لمجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية

يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
TT

«هيئة المكتبات» السعودية تنظم معرضاً لمجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية

يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)

تنظم هيئة المكتبات «معرض المخطوطات السعودي» في العاصمة الرياض خلال الفترة من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي إلى 7 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تحت شعار «حكايات تُروى لإرث يبقى»، الذي يتضمن مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى، التي تغطي مجالات معرفية متعددة.

ويضمُّ المعرض باقة متنوعة من الفعاليات المصاحبة، تشمل ورش عمل يقدمها نُخبةٌ من العلماء والباحثين، وتحظى بمشاركة المهتمين بالتراث المخطوط؛ لمعرفة أهمية المخطوطات، وتقنيات حفظها وترميمها، ورقمنتها وأرشفتها، إلى جانب دراستها وتحليلها.

كما يُقدم المعرض تجربةً إثرائية فريدة للزائر عبر أقسامه المختلفة، وعبر التجارب الرقمية وصناعة المحتوى، والاطلاع على جدارية المخطوطات.

ويسعى «معرض المخطوطات السعودي» إلى استضافة كثير من الزوار والمهتمين بالمخطوطات على مستوى محلي وإقليمي ودوليّ، سواءً كانوا من القُرّاء والباحثين، أو مُلّاك المخطوطات من الأفراد والمؤسسات، أو صناع المحتوى الذي يتناسب مع هذا المجال، بالإضافة إلى منسوبي المكتبات السعودية والعالمية، والجهات ذات العلاقة، وذلك لتوسيع دائرة التركيز على هذا المجال الفريد، وإضفاء مزيد من التواصل للإبقاء على رونقه والاهتمام به.

يأتي تنظيم هيئة المكتبات للمعرض بهدف إبراز دور السعودية في الاهتمام بحفظ التراث الثقافي المخطوط محلياً ودولياً، وعكس أهمية حفظ التراث المخطوط، وتيسيره، ونشره محلياً وعربياً، والإسهام في النمو الثقافي والاقتصادي للقطاع في مجال المخطوطات، وتسليط الضوء على الخبرات الوطنية في علم المخطوطات وترميمها، وتعزيز الوعي المعلوماتي حول قيمة المخطوطات وتاريخها الثقافي بوصفها إرثاً ثقافياً مُمتداً.