عراقيون يبحثون عن الأمان في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا

تكلف الرحلة كاملة من العراق إلى أوروبا الغربية 7 آلاف دولار

عراقيون يبحثون عن الأمان في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا
TT

عراقيون يبحثون عن الأمان في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا

عراقيون يبحثون عن الأمان في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا

لم يكن يعلم فواز النجماوي ابن مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار جنوب بغداد، أن مصيره سيكون الموت غرقًا، بعد أن فرّ من العراق مهاجرًا وباحثًا عن بلد يؤويه، ويكون فيه حياة جديدة بعيدًا عن الدولة التي عاش وترعرع فيها، وذلك بسبب ضغوط البطالة.
وصلت جثة فواز، الذي قضى نحبه غرقا في بحر ايجه بين تركيا واليونان، أثناء رحلة تهريب على قارب صيد صغير، قبل أيام قليلة إلى مدينته الأصلية ليُدفن. وقال مبارك النجماوي، ابن عم فواز في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «حال فواز حال كثير من الشباب في مدن وسط العراق وجنوبه، حيث تعد هذه المدن الأكثر في عدد السكان، لكن الفساد وسوء إدارة الدولة للموارد والفقر وعدم وجود فرص للعمل، وإن وجدت فإنها تكون إما بالجيش أو الشرطة حيث المواجهة الحتمية مع الموت بسبب الإرهاب الذي يشهده العراق، دفع بالكثير منهم إلى التفكير بالهجرة». وأضاف أن «فواز مات غرقًا بسبب هؤلاء السياسيين.. فالعراق بلد غني فكيف يفكر شبابه بالهجرة؟ الخلل يكمن في عدم وجود حلول لدى الحكومات التي أتت للعراق منذ 40 عاما، فالعراقيون يهجرون وطنهم منذ زمن بعيد».
تبدأ رحلة الموت من تركيا نحو اليونان ومنها إلى مقدونيا وصربيا ثم إلى المجر فبلدان غرب أوروبا، وهي رحلة تكمن خطورتها عند العبور بصفة غير شرعية من الأناضول التركية إلى اليونان، حيث أمواج بحر ايجه التي تسببت في موت الكثير من المهاجرين.
وقال علي سالم، أحد المهاجرين العراقيين الذين وصلوا أخيرا إلى فنلندا في حديث عبر الهاتف، إن «الرحلة تبدأ من تركيا، حيث نصل بشكل شرعي إلى مدينة أزمير؛ فهناك فنادق خاصة يلتقي بها المهربون فنتفق على الصعود إلى قارب صغير مقابل مبلغ 2300 دولار يقلنا من الأناضول إلى اليونان. وتستغرق الرحلة 50 دقيقة إذا كان الجو صحوًا، أما إذا كانت هناك أمواج عالية فإنها تستغرق 3 ساعات. أما القارب فيتحمل 30 شخصا، لكن المهربين يضعون فيه 90 شخصا، ما يتسبب في حوادث الغرق». ويضيف: «المهرب يضع الشباب على أطراف القارب والعائلات من النساء والأطفال في الوسط، وتبدأ الرحلة ويبدأ الماء بالدخول إلى القارب ونفرغه بأوانٍ حتى لا نغرق». وتابع: «عند الوصول إلى اليونان، ننتظر ورقة من السلطات تسمى (الخارطة) حتى يتسنى لنا التنقل في البلد والسكن في الفنادق وننتقل بعد ذلك إلى مقدونيا عبر الحدود اليونانية مشيا على الأقدام. ثم عند دخولنا للبلد، ننتظر كذلك الخارطة حتى نتوجه نحو الحدود الصربية». وأفاد على سالم أن «المهاجر يتوجه نحو الحدود المجرية بعد الحصول على (الخارطة) من صربيا، ومن ثم يكمن الخطر إذا ما قامت السلطات المجرية بإلقاء القبض عليه». ومن الحدود المجرية يتوجه المهاجرون إلى ألمانيا لطلب اللجوء، أو يتوجهون نحو النمسا ومنها إلى الدول الإسكندنافية. ويقول سالم تعليقا على مخاطر العبور: «كنا نتوقع الموت في كل لحظة، إذ إن الخطر موجود طوال الرحلة، وهذه الأخيرة تكلف بحدود 7000 آلاف دولار كاملة من العراق إلى أوروبا الغربية».
وشهدت محافظة ذي قار، وهي رابع محافظة عراقية من حيث عدد السكان، في الفترة الأخيرة، هجرة كبيرة من قبل الشباب والعائلات نحو بلدان غرب أوروبا. وأعرب محافظ ذي قار يحيى الناصري في حديث عن قلقه من تزايد أعداد المهاجرين من شريحة الشباب، داعيا إلى تبني إصلاحات اقتصادية واسعة تتيح توفير فرص العمل للخريجين والعاطلين وتعمل على تحريك عجلة الإنتاج في جميع المفاصل الاقتصادية. وأضاف أن «أسباب هجرة الشباب التي تحصل في محافظة ذي قار والمحافظات العراقية الأخرى تعود لعدة عوامل، من بينها عوامل اقتصادية وأمنية». وتابع أن «الأوضاع الاقتصادية باتت مرهقة جدا، في ظل الأزمة المالية الحالية، ولا سيما بالنسبة للشباب المقبلين على تأسيس حياة أسرية جديدة».
ودعا محافظ ذي قار، الذي اعتبر ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين والشباب من أهم محفزات اللجوء إلى الدول الأوروبية ودول الجوار، إلى إدخال إصلاحات جذرية على مجمل المنظومة الاقتصادية بما يوفر المزيد من فرص العمل للقوى العاملة والخريجين الشباب.
ومن جانبها، قالت عضو لجنة الهجرة في البرلمان العراقي لقاء وردي، إن «الكثير من النازحين في خارج البلاد بدأوا يتجهون للحصول على لجوء بالدول الأوروبية بطرق الهجرة غير الشرعية»، مبينة أن «هناك وسائل إعلام تناولت صورا تظهر غرق 30 عراقيا خلال الأيام الماضية، ونبحث للتأكد من صحة ذلك». وأضافت أن أسبابا كثيرة دفعت النازحين للهجرة بطرق غير شرعية، ومنها صعوبة العيش في العراق وعدم توفر الأمن لهم، داعية وزارة الهجرة والحكومة العراقية إلى «التنبه لهذه الظاهرة ووضع حلول لها».
وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أكدت، في الخامس من أغسطس (آب) الحالي، أن أكثر من 17 عراقيًا لقوا حتفهم خلال هروبهم من تركيا إلى الدول الأوروبية خلال الشهر الماضي، في حين بينت أن أكثر من 400 ألف مهاجر عراقي إلى تركيا يسعون للهجرة منها بصورة غير مشروعة، وحذرتهم من المخاطر المترتبة على حياتهم جراء ذلك.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.