دارت معارك عنيفة، صباح الأربعاء بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في مدن العاصمة الثلاث، مع تحليق الطيران الحربي فور انتهاء سريان وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام... ورغم ذلك، توقع مسؤول في قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) الإعلان عن هدنة جديدة خلال عيد الأضحى وتمتد لما بعد العيد
وقال مصطفى إبراهيم، عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات «الدعم السريع»، إن «الهدنة الجديدة تهدف إلى تمكين المواطنين من السفر إلى الولايات والمناطق السودانية، لحضور عيد الأضحى مع عوائلهم وأقربائهم، والسماح للقوافل الإغاثية بالتنقل والوصول للمناطق المتضررة».
وذكر إبراهيم أن الهدنة التي انتهت الأربعاء، «لم تمكن المواطنين من التنقل وقضاء احتياجاتهم، ولا الخروج الآمن إلى الولايات الأخرى، بل حتى لم تمكن المنظمات الإنسانية من جلب المساعدات وتوزيعها على المحتاجين».
وحول حديث وزارة الصحة السودانية وجهات طبية أخرى، عن عدم وجود أي ممرات آمنة خلال الهدنة الأخيرة، أرجع عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات «الدعم السريع» السبب في ذلك، إلى أن تلك الجهات «لم تتحرك ولم تنسق معنا لكي تتأكد من وجود ممرات آمنة». وتابع: «هذه الهيئات تأخذ المعلومات من مصادر غير صحيحة، حيث إنني قمت بالتجول بسيارتي في ولاية الخرطوم، ولم يكن هناك أي اعتراض أو مشاكل أمنية».
وأشار إبراهيم أيضاً في حديثه إلى «وكالة أنباء العالم العربي»، إلى «أن لدى المنظمات الدولية معلومات غير دقيقة حول الأوضاع الأمنية في ولاية الخرطوم، ولم تتحرك ولم ترسل أي قوافل مساعدات ولم تتواصل معنا حتى الآن».
واستطرد قائلاً: «الجيش السوداني يعتبر كل من ينقل حقيقة ما يجري على الأرض في السودان، داعماً لقوات (الدعم السريع)، لذلك الكل يتجنب التواصل معنا على الأرض مخافة الاصطدام مع الجيش».
وفيما يتعلق بجهود نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، لعقد لقاء بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قال إبراهيم إن «عقار حريص على إنهاء الحرب، لكن البرهان لا يستطيع أن يتحرك بسبب مخاوف أمنية». وأضاف: «القرار ليس بأيدي الجيش بل بأيادٍ أخرى، لذلك لا أعتقد أن اللقاء سيعقد، وفي حال انعقاده لن يسفر عن أي شيء».
وذكر شهود عيان أن الطيران الحربي قصف معسكرات «الدعم السريع» بالمدينة الرياضية بجنوب الخرطوم، وضاحية سوبا في جنوب شرقي العاصمة، وأن اشتباكات بالأسلحة الخفيفة دارت بجنوب الخرطوم. كما دارت معارك بين الطرفين شمال مدينة بحري.
وشب حريق، مساء الثلاثاء، في مقر الاستخبارات في العاصمة، واتهم مصدر في الجيش في تصريح لوكالة «الصحافة الفرنسية» قوات «الدعم السريع» «بقصف المبنى»، في خرق للهدنة. ورد مصدر قائلاً إن «مسيّرة تابعة للجيش قصفت المبنى حيث تجمّع عناصر في قوات (الدعم السريع)»، وأشار إلى أن القصف «أدى إلى حريق ودمار جزئي في مقر الاستخبارات».
وبث الجيش السوداني فيديوهات على صفحته الرسمية بـ«فيسبوك»، تظهر انتشاراً كبيراً للقوات الخاصة في ضواحي مدينة أم درمان، وذكر في بيان أن تلك القوات أجرت عمليات تمشيط واسعة في المنطقة، واستولت على سيارات مدرعة بعد فرار قوات «الدعم السريع». وفي وقت سابق أعلن الجيش أنه يخوض معركة حاسمة للقضاء على تمرد قوات «الدعم السريع» في الخرطوم.
وقال عبد الله النيل، من سكان أم درمان لــ«الشرق الأوسط» فور انتهاء الهدنة، صبيحة الأربعاء، إنه «اندلعت مواجهات شرسة وضرب مكثف باتجاه سلاح المهندسين التابع للجيش السوداني».
وأفادت مصادر محلية بأن الطيران الحربي شن هجمات متتالية استهدفت قوات الدعم التي تتمركز في مناطق شرق النيل، على بعد نحو 13 كيلومتراً عن العاصمة الخرطوم.
وبحسب متابعات «الشرق الأوسط»، فقد توسعت المواجهات العسكرية في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم، وأبلغ شهود عيان بقصف مدفعي متبادل بين القوتين المتحاربتين في أحياء امتداد ناصر وبري شرق الخرطوم، التي تقع على بعد كيلومترات قليلة من المقر الرئيسي للقيادة العامة للجيش السوداني.
ووفقاً للشهود، دمرت عشرات المنازل بالضاحيتين، حيث لا تزال أعداد كبيرة من الأسر تقيم في المنطقة، رغم الاشتباكات العنيفة والمستمرة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
وقالت مصادر محلية إن دوي انفجارات قوية هز مدينة بحري، وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد في ضاحية كافوري التي توجد فيها قوات «الدعم السريع» بكثافة، كما جرت اشتباكات في منطقة الحاج يوسف، شرق الخرطوم.
أما خارج العاصمة فقد ذكر سكان في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، أن الجيش تصدى فجر الأربعاء، لهجوم شنته «الحركة الشعبية» بقيادة عبد العزيز الحلو.
وإلى ذلك، قالت المتحدثة باسم الصليب الأحمر في أفريقيا، أليونا سينينكو، إن الأعمال العدائية في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان تسببت في خسائر فادحة في البنية التحتية المدنية «لا سيما في العاصمة الخرطوم وما حولها ودارفور».
وذكرت سينينكو في حديث خاص لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، أن محطات الطاقة والمياه تضررت بشدة، ولم يتمكن الموظفون الفنيون من الوصول إليها بأمان وإجراء الإصلاحات اللازمة. وأضافت: «هذا يجعل من الصعب على السكان الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية».
وعن تسهيل وصول المساعدات الإنسانية والطبية إلى المناطق المتضررة في العاصمة والولايات خلال الهدنة، قالت إنه منذ بدء القتال «كان تركيزنا على دعم الرعاية الصحية، ومحاولة تحسين الوصول إلى الخدمة الأساسية مثل المياه، وعلى سبيل المثال، قمنا بتوزيع الإمدادات الجراحية الكافية لعلاج أكثر من ألف مريض مصاب على 15 مستشفى في الخرطوم ودارفور وأجزاء أخرى من السودان».
وأضافت: «تبرعنا أيضاً بتسعة أطنان من الكلور لسلطات المياه في الخرطوم لتغطية احتياجات مليون شخص لمدة 60 يوماً».
وتحدثت سينينكو عن أهمية تعاون «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» مع «جمعية الهلال الأحمر» السوداني، وقالت: «تبرعنا بأكثر من 100 كيس جثث لمساعدة المتطوعين على جمع الجثث جنباً إلى جنب مع الهلال الأحمر السوداني».
وأشارت إلى تقديم حقائب صحية لأكثر من 400 أسرة نازحة في ود مدني، إلى جانب توفير الأدوات المنزلية الأساسية لنحو 170 أسرة في الفاشر.
ولفتت إلى مجال آخر يعمل فيه الصليب الأحمر، وهو «المساعدة في إعادة التواصل» بين أفراد العائلات الذين فرّقهم النزاع، قائلة: «لقد سهلنا أكثر من ألفي مكالمة هاتفية بين أفراد الأسر المتفرقين في ولايات الجزيرة وكسلا والولاية الشمالية والقضارف وشرق دارفور».
وتابعت: «في وقت سابق من هذا الشهر قمنا أيضاً بإجلاء أكثر من 300 طفل و70 من مقدمي الرعاية من دار أيتام المايقوما في الخرطوم إلى ود مدني». وذكرت أن جميع موظفي «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» آمنون. ودعت طرفي النزاع في السودان إلى توفير مساحة إنسانية آمنة «إذ يحمي القانون الإنساني الدولي، الجرحى والمستجيبين الأوائل».