داخل مطبخ مطعمه في كابل، يوزّع وحيد الذي يُعَدّ أحد آخر الطهاة الذين يتقنون تحضير طبق «شيناكي» التقليدي المؤلّف من قطع اللحم ودهن الخروف، داخل نحو مائتي إبريق شاي متنوّع ستُطهى فيها المكوّنات على نار هادئة لساعات.
ويبدأ وحيد بتحضير الأطباق منذ الفجر، مستخدماً فرناً ترابياً يوزّع فوقه أباريق الشاي ذات الأطراف المتكسرة، ولا ينسى التحقّق من أنّه وضع داخل كل إبريق الكميات الصحيحة من اللحم والدهن، والتي تختلف بحسب ذوق الزبائن.
ويقول وحيد (45 عاماً) الذي يستطيع تحضير الوصفة لكل زبون استناداً إلى ذوقه بفضل العدد الكبير من الأباريق: «لم أضف أي زيت نباتي، ولا يحوي الطبق سوى لحم ودهن الخروف».
ويرشّ الطاهي كمية من الملح فوق كل طبق ثم يضيف العدس ويسكب صلصة الطماطم فوقها. وبعد الانتهاء من وضع كل هذه المكوّنات، يغطّي الأباريق ويشعل النار تحتها لتبدأ بالغليان على نار هادئة.
ويقول وحيد الذي لم يرغب في ذكر كنيته إنّ «الوصفة هي نفسها منذ أكثر من 60 عاماً، فوالدي نقلها إلي، بعد أن ورثها بدوره من جدّي»، مضيفاً: «لم أغيّر أي تفصيل فيها».
وسرعان ما يصبح المطبخ المتواضع حارّاً وعابقاً برائحة اللحم الممزوجة مع رائحة الفحم.
وبعد خمس ساعات من الطهي ومراقبة الأطباق من قرب وإضافة التوابل، ينتهي تحضير الـ«شيناكي»، ويصبح بإمكان الزبائن الذين يتّخذون وضعية القرفصاء جالسين حول الأطباق أو على كرسي أمام إحدى الطاولات، أن يستمتعوا بالطبق الذي يبلغ سعره 200 أفغاني (2,33 دولار).
طبق شهير
ويثني ذبيح الله، وهو زبون يرتاد المطعم منذ 15 سنة، على الطبق الذي استوحي اسمه من كلمة «شيناك»، أي إبريق الشاي بلهجات أفغانية عدة، «عندما أتناول الطبق أشعر بالنشاط حتى المساء».
ويضيف الرجل الذي يزور المطعم مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً إنّ «اللحوم متأتية من بلدنا (...) وهي خفيفة جداً بالنسبة إلينا».
والطاهي هو الوحيد في عائلته الذي يُدرك تفاصيل المكونات التي جعلت طبقه يحظى بشهرة ودفعت نجوماً كثيرين في المجال التلفزيوني والسياسي إلى تذوقه، فضلاً عن السياح الأجانب الذين يمرّون عبر العاصمة الأفغانية.
ووحيد الذي ترك المدرسة بعد المرحلة الابتدائية، بدأ منذ أن كان في الثالثة عشرة يتدرّب في مطاعم والده التي تعرّف فيها على أسرار هذه الوصفة التي يحتفظ بها بعناية، إلا أنه يبدي قلقاً من الكشف عنها لمنافسيه بسبب تغطيتها إعلامياً، على ما يقول لوكالة الصحافة الفرنسية.
وعقب وفاة والده، تولّى بصورة تامة زمام الأمور وكان يبلغ آنذاك الخامسة والعشرين. وقد يكون وحيد آخر أفراد العائلة الذين يحافظون على هذا التقليد، إذ من بين أبنائه العشرة، ليس متوقّعاً أن يرث أحد هذا العمل.
ويقول وحيد: «إنهم يتابعون دراستهم، ولا يظهرون صبراً للقيام بهذه المهمة».
وبالكاد يحظى وحيد بوقت لتناول طبق من «شيناكي» الذي يأكله يومياً، لأنه يتعيّن عليه العودة إلى تقطيع كيلوغرامات من اللحوم التي ستُطهى في اليوم التالي داخل أباريق الشاي.
ويقول: «سأواصل العمل ما دمت قادراً على ذلك، لأنه بمثابة ذكرى من والدي (...)»، مضيفاً: «كان طبقه أفضل ممّا أُحضّر، فلا يمكن لأي تلميذ أن يحلّ مكان معلّمه، ولا يمكن تالياً أن أحلّ محلّ والدي».