مازن كيوان لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد الإصغاء وعمق الصلة بالطبيعة

مشروعه «كون» الفني يشكّل جسراً بين الصمت والصخب

يُقام المشروع حيث يجمع الطبيعة بالفن (الشرق الأوسط)
يُقام المشروع حيث يجمع الطبيعة بالفن (الشرق الأوسط)
TT

مازن كيوان لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد الإصغاء وعمق الصلة بالطبيعة

يُقام المشروع حيث يجمع الطبيعة بالفن (الشرق الأوسط)
يُقام المشروع حيث يجمع الطبيعة بالفن (الشرق الأوسط)

يفتتح الكوريغراف اللبناني مازن كيوان، في 24 يونيو (حزيران) الحالي، المشروع الحلم. الفكرة قديمة، استمدّها من تجربة شخصية. انخرط في المدينة وظلّ بحاجة إلى سكينة الجبال. راح يتخبّط بين العيش في الصخب وإلحاح الإبداع المُستقى من الصمت. سمّى المشروع، الرابض في قلب طبيعة قضاء الشوف المذهلة، «كون». يقصد به «كُن النسخة الفضلى عن نفسك». فضَّل «كون» بالمحكية، على «كُن» بالفصحى لتفادي وَقْع فعل الأمر. يبدأ حواره مع «الشرق الأوسط» بتوضيح القصد: «أردنا هذه المساحة الفنية دعوة للجميع ليكونوا حقيقيين من الداخل».

لمازن كيوان خبرة في الرقص والمسرح تزيد على 30 عاماً. تخمّرت فيه سطوة الأماكن على المرء. من جهة، أكسبته بيروت إيقاعات الحياة، ومن أخرى افتقد أصله الإنساني خارج روح الطبيعة. يقول: «غرفتُ من المدينة صداها الإيجابي، نبضها الثقافي وإيقاعاتها، فرسمتُ مساري الفني. مع ذلك، ظللتُ في حاجة إلى سكون، وحدها الطبيعة تتيحه». على ارتفاع 1400 متر، حيث البحر البعيد يرسم لوحة خلابة لحظة غروب الشمس، راودته فكرة يحلو له وصفها بـ«الجسر»: «جسر بين المدينة ونبضها الثقافي، ونبض من نوع آخر، تغمر به الجبال ساكنيها».

مازن كيوان يتطلّع لمشروع يصبح ملتقى الفنانين (الشرق الأوسط)

العملية أشبه بالعبرة من الغطس. كأنْ يبدو البحر عاصفاً، عاليَ الموج، ومتى أبحر الإنسان إلى أعماقه، بلغ الصفاء الذهني. اختلاف الحياة بين المدن والجبال، جعل المشروع مُلحّاً: «أردتُ مكاناً يستمد من المدينة تدفّق الأفكار، ومن الجبل القدرة الفريدة على فلترتها. المكان عامل أساسي في عملية الإبداع».

كثُرت الصعوبات، فالمشروع لم يولد بالسهل. إنها «الأوضاع» وما تُرتّبه على الأحلام والطموح. يُضاف إليها «عدم الاهتمام بالبنى التحتية». ينوّه كيوان برئيس بلدية جباع - الشوف إيهاب حماد لـ«جهده الشخصي»، ورئيس محمية الشوف نزار الهاني للمساهمة في تعبيد الطريق إلى «كون». يتابع: «باقي المسائل من كهرباء وماء، تولّيتها بنفسي. لو طُرح المشروع في بلد أوروبي مثلاً، للاقى اهتماماً كبيراً، خصوصاً لكونه صديقاً للبيئة، يحمل تأثيرات فنية، ثقافية، اجتماعية، وأيضاً اقتصادية، من خلال توظيف عاملين من المنطقة».

منذ «الكوفيد»، والإنسان يجدد علاقته بالطبيعة ويلجأ إليها لتفادي الزحمة. هذه العودة إلى الأصل، تطبع مشروع مازن كيوان. من تجربته يقول: «تعلّمتُ من المدينة وانخرطتُ في فنونها. لكنّ كثراً من أبناء الجبال يعانون فرصاً أقل. أحد أهداف (كون) هو جعلهم على تماس مع الفن بأنواعه لبناء خبراتهم؛ مسرح ورقص وسينما وموسيقى ونشاطات رياضية روحية. كلها طرق مؤدّية إلى الداخل».

مشهد من الطبيعة الخلابة في منطقة الشوف اللبنانية (الشرق الأوسط)

يرى مصمّم الرقص أنّ المناهج التعليمية والقوانين الاجتماعية تؤطّر الإنسان وتساهم في محدوديته: «يصبح التحدي استعادة الذات. نحن جزء من الطبيعة، لا نستطيع فصل أنفسنا عنها. وسط الضجيج، افتقدنا متعة الإصغاء. يا لها من كلمة رائعة، الإصغاء! وهو لا يتحقق ما لم يحلّ الصمت. يستحيل الإصغاء في الصخب. (كون) مكان متكئ على جبل عالٍ ضمن السلسلة الغربية لجبال لبنان، يملك امتياز الانشراح على البحر بمدى أكثر من 180 درجة. في محيط مُشابه، يزيل الإنسان طبقات الغضب المتراكمة. تسقط ستارة (السترس) الغليظة لتحلّ قدرة عميقة على التواصل، بدل الندوب والجراح وما نحمله فيُثقل».

هل تصبح الحياة في بيروت مستحيلة بالنسبة إليه، ليحلّ الحيّز الموازي والفسحة البديلة؟ يجيب: «بيروت ملهمة جداً. وهي رائعة بتسليم وجوهها للبحر. مشهدها ليس واحداً، وأحياؤها مختلفة. حين دعوتُ أصدقاء أجانب إلى مهرجان التانغو، لفتهم نبضها الحيوي. قالوا لي إنها مليئة بالطاقة (It’s vibrating! Full of energy)، مع ذلك مُتعب الصخب طوال الوقت. لا بدّ من الهدوء لصفاء الرؤية».

تكاد الحياة أن تشبه كوباً من الماء يطفح بالترسبات؛ وحل ورمل وحجارة... الحركة الدائمة تُصعّب ركود هذه العناصر الشاقة، ولمجرّد أن تستريح، يتّسم المشهد بالوضوح. يتحدّث كيوان عن الامتلاء: «كأنْ لا يبقى مكان في الداخل بعدما يطفح الكيل. من خلال (كون) يتخذ العصف الذهني (Brainstorming) مسلكاً آخر. يصبح الذهن منشغلاً بالتجربة الفنية وتطويرها، بالتلاقي مع الغير، بالسؤال والجواب».

المشروع صيفيّ في مرحلته الأولى، ويطمح لملء أيام السنة بالنشاطات. «ينبغي تأمين الدعم، خصوصاً أنّ الثلوج تغمر المكان. نتطلّع لتصميم يتكيّف وتقلّبات الطبيعة، فيحضر كتّاب ومسرحيون وموسيقيون وسينمائيون، للتأمل والتأليف. حلم (كون) التحوّل إلى ملتقى لفنانين متمرّسين ومواهب تتطلّع للتقدّم».

يعطي لمحة عن البرنامج: «الفنانون من خارج البريق الخدّاع والشهرة الزائفة. أردتهم حقيقيين، يستمدّون التجدّد من الطبيعة، ويكترثون للحظات سامية من خلال الفن. الافتتاح في 24 من الشهر الحالي مع الفنان اللبناني خالد الهبر. إنه ملتزم بنصّه وموسيقاه، وفنان بإنسانيته. من الضيوف، التينور إيليا فرنسيس، والفنانة رانيا الحاج. وأيضاً بشار مارسيل خليفة البارع على البيانو». يكمل أنّ «كون» سيشهد لقاءات بين الجمهور وممثلين ومخرجين معروفين، إلى ورش عمل مع ندى أبو فرحات وزينة دكاش، وعروض أفلام، تليها جلسات نقاش. ذلك الوادي بين الفنان والناس، يشاء كيوان ردمه، فيلتقي الجميع على خشبة.


مقالات ذات صلة

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يوميات الشرق يهدف الحفل إلى تزويد اللبنانيين بجرعات أمل من خلال الموسيقى (الجامعة الأميركية)

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يمثّل الحفل لحظات يلتقي خلالها الناس مع الفرح، وهو يتألّف من 3 أقسام تتوزّع على أغنيات روحانية، وأخرى وطنية، وترانيم ميلادية...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)

عائلة إنجليزية تُحوِّل كهفاً عمره 350 مليون سنة مَعْلماً سياحياً

مهنة مبلَّلة بالغرابة (صور ليزا بويرمان)
مهنة مبلَّلة بالغرابة (صور ليزا بويرمان)
TT

عائلة إنجليزية تُحوِّل كهفاً عمره 350 مليون سنة مَعْلماً سياحياً

مهنة مبلَّلة بالغرابة (صور ليزا بويرمان)
مهنة مبلَّلة بالغرابة (صور ليزا بويرمان)

عندما كان أوليفر بويرمان في الخامسة، أخبره والداه بأنهم سينتقلون للعيش في كهف. لم يكن الأبوان يسعيان إلى محاكاة حياة إنسان «النياندرتال» البدائي، وإنما كانا قد اشتريا مكاناً في منطقة ديلز بمقاطعة يوركشاير الإنجليزية لتحويله وُجهةً سياحية. تروي «بي بي سي» أنّ العائلة كانت قد استجابت لإعلان بإحدى الصحف يبحث عن مالك جديد لكهوف «ستامب كروس» قرب منطقة باتلي بريدج، واصفاً الأمر بأنه «فرصة نادرة لا تتكرّر سوى مرّة في جيل كامل».

أوليفر بويرمان ووالدته (صور ليزا بويرمان)

بدايةً، ظنَّ أوليفر أنه سيبدأ حياة جديدة في العصر الحجري؛ وبعد 22 عاماً، يستعدّ الآن لتولّي إدارة الكهف بنفسه. قال: «أذكر عندما نزلتُ أول مرة؛ كنتُ خائفاً، وعدتُ مباشرة إلى سطح الأرض. هناك، رأيتُ صورة حيوان دُبّ الظربان، فظننتُ أنه سيكون في الكهف ويلتهمنا». مع ذلك، سرعان ما أحبَّ الحياة في الكهف العائد تاريخه إلى 350 مليون سنة. وعندما بلغ السابعة، كان قد استكشف المكان أكثر من 100 مرّة. علَّق: «يصبح الأمر طبيعياً. لا تعود تفكر كثيراً في الكهوف؛ لأنك تعتادها».

أوليفر بويرمان نشأ في الكهف (صور ليزا بويرمان)

وتابع أوليفر أنّ أصدقاءه عدُّوا هذه الحياة «رائعة»، كما صوَّر فيديو موسيقياً مع فرقته داخله. وأضاف: «أعتقد أنّ الأمر ازداد إثارة عندما التحقتُ بالجامعة، وبدأ الناس يسألون عن عمل والدي. كلما أجبتهم: (نحن نملك كهفاً)، ظهرت على وجوههم نظرة مثيرة». بعد تخرّجه في قسم علم النفس، بدأ يساعد في إدارة عمل الكهف إلى جانب والدته ليزا بويرمان التي ذكرت أنها كانت في عطلة عندما أخبرت أطفالها الثلاثة أنهم اشتروا مَعْلماً سياحياً مع كهف مُلحق. وتابعت: «لم تكن لديهم أدنى فكرة عمّا هو الكهف».

بعد 22 عاماً يستعدّ أوليفر بويرمان لتولّي إدارة الكهف بنفسه (صور ليزا بويرمان)

وبعد أكثر من 20 عاماً، أكدت ليزا أنهم فخورون بما تحقَّق، وأنها مستعدّة الآن لتسليم القيادة إلى أوليفر، مضيفة: «لا أزال أتولّى توجيهه، فأنا أمه في النهاية، لكننا نعمل معاً بشكل جيد». ومن المقرَّر أن تتفرَّغ ليزا للجانب الإبداعي والتعليمي من العمل، بينما يتولّى أوليفر مسؤولية القرارات التجارية.

يُذكر أنّ اكتشاف الكهف يعود إلى عمّال المناجم في القرن الـ19؛ وعُثر لاحقاً على حفريات كاملة لحيوان الرنّة. وباع مالكو الأرض الموقع عام 1926 إلى سيبتيماس راي، وهو رجل أعمال بمجال الحدائق الترفيهية، وقد بدأ فتح المغارات للزوار.

يعود تاريخ الكهف إلى 350 مليون سنة (صور ليزا بويرمان)

ظلَّت المغارات ملكاً لأبنائه وحَفَدَته حتى عام 2003، عندما اشتراها آل بويرمان.

من ناحية أخرى، تتضمَّن رؤية أوليفر الجديدة لمغارات «ستامب كروس» إتاحة قسم جديد منها للجمهور، كان يُسمَح الدخول إليه، سابقاً، لمغامري الكهوف فقط. علَّق: «أمر مثير أن نتيح للناس مشاهدة ما رأيناه. إنها فرصة للنظر خلف الستار لمشاهدة هذه الكهوف المدهشة». وعلى مدار العامين المقبلين، بدءاً من يناير (كانون الثاني) المقبل، سيحفر فريق الكهف لإزالة بعض الصخور والتربة. ختمت ليزا: «كنتُ أفكر في عبء العمل وكيف سيُدار، لكنّ النتيجة رائعة. نجحنا في التنظيم ونتحرّق شوقاً للمستقبل».