البنك الدولي يحذر من تباطؤ عالمي حاد وزيادة المخاطر المالية

خفض توقعات نمو الأسواق الناشئة والنامية والمتقدمة

سيدة تسير في أحد ممرات البنك الدولي في واشنطن فيما حذر البنك من تباطؤ النمو العالمي بشكل حاد (أ.ب)
سيدة تسير في أحد ممرات البنك الدولي في واشنطن فيما حذر البنك من تباطؤ النمو العالمي بشكل حاد (أ.ب)
TT

البنك الدولي يحذر من تباطؤ عالمي حاد وزيادة المخاطر المالية

سيدة تسير في أحد ممرات البنك الدولي في واشنطن فيما حذر البنك من تباطؤ النمو العالمي بشكل حاد (أ.ب)
سيدة تسير في أحد ممرات البنك الدولي في واشنطن فيما حذر البنك من تباطؤ النمو العالمي بشكل حاد (أ.ب)

حذر تقرير للبنك الدولي عن الآفاق الاقتصادية العالمية، من تباطؤ النمو العالمي بشكل حاد وزيادة مخاطر الإجهاد المالي في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية وسط ارتفاع أسعار الفائدة.

وتوقع التقرير الصادر صباح الثلاثاء أن يتباطأ النمو العالمي من 3.1 في المائة في 2022، إلى 2.1 في المائة في 2023، خاصة في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية باستثناء الصين، حيث من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 2.9 في المائة هذا العام، من 4.1 في المائة العام الماضي. وتعكس هذه التوقعات تخفيضات واسعة النطاق، حيث تم تخفيض توقعات النمو في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية وجميع الاقتصادات المتقدمة تقريباً.

وأشار التقرير إلى أن الضغوط المصرفية الأخيرة التي واجهت الاقتصادات المتقدمة أدت إلى أضرار محدودة في معظم بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، لكنها تبحر الآن في مياه خطرة، في ظل ظروف الائتمان العالمية التقييدية المتزايدة.

وقال التقرير إن واحداً من كل أربعة بلدان من بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، فقد قدرة الوصول فعلياً إلى أسواق السندات الدولية. ويعد هذا الضغط حاداً بشكل خاص بالنسبة لبلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية التي تعاني من نقاط ضعف أساسية؛ مثل الجدارة الائتمانية المنخفضة. وقلل التقرير من توقعات النمو لهذه الاقتصادات لعام 2023 عن نصف تلك التي كانت متوقعة قبل عام، مما يجعلها شديدة التأثر بصدمات إضافية.

وتوقع التقرير أن يتباطأ النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.2 في المائة في عام 2023، قبل أن ينتعش ويرتفع مرة أخرى إلى 3.3 في المائة في عام 2024، أما منطقة أفريقيا وجنوب الصحراء، فمن المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 3.2 في المائة في عام 2023 ويرتفع إلى 3.9 في المائة في عام 2024.

وفي منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي، توقع خبراء البنك الدولي أن يرتفع النمو إلى 5.5 في المائة في عام 2023، ثم يتباطأ إلى 4.6 في المائة في عام 2024. وفي جنوب آسيا، من المتوقع أن ينخفض معدل النمو إلى 5.9 في المائة في عام 2023، ثم إلى 5.1 في المائة في عام 2024. وفي أوروبا وآسيا الوسطى، توقع التقرير أن يرتفع معدل النمو قليلاً إلى 1.4 في المائة في عام 2023، قبل أن يرتفع إلى 2.7 في المائة في عام 2024. أما أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، فمن المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 1.5 في المائة في عام 2023، قبل أن ينتعش إلى 2 في المائة في عام 2024.

مشهد من الصراع في إقليم دونيتسك في أوكرانيا... وهي الحرب التي يرى البنك الدولي أنها تسببت في جانب كبير من الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية (أ.ب)

انتكاسة للدول النامية

وتشير التوقعات إلى أن الصدمات المتداخلة لوباء «كوفيد - 19»، والغزو الروسي لأوكرانيا، والتباطؤ الحاد وسط الظروف المالية العالمية الصعبة، قد تسببت في انتكاسة دائمة للتنمية في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، والتي ستستمر في المستقبل المنظور.

وقال التقرير إنه بحلول نهاية عام 2024، من المتوقع أن يكون النشاط الاقتصادي في هذه الاقتصادات أقل بحوالي 5 في المائة من المستويات المتوقعة عشية انتشار الوباء. وفي البلدان منخفضة الدخل - وخاصة الأكثر فقراً - الضرر صارخ، ففي أكثر من ثلث هذه البلدان، سيظل دخل الفرد في عام 2024 أقل من مستويات عام 2019. هذه الوتيرة الضعيفة لنمو الدخل سترسخ الفقر المدقع في كثير من البلدان منخفضة الدخل.

ويكافح كثير من الاقتصادات النامية للتعامل مع معدلات النمو الضعيف، والتضخم المرتفع باستمرار، ومستويات الديون القياسية. ويشير أيهان كوس، نائب كبير الاقتصاديين في مجموعة البنك الدولي، إلى أن المخاطر الجديدة - مثل احتمال حدوث تداعيات على نطاق واسع من تجدد الضغوط المالية في الاقتصادات المتقدمة - يمكن أن تجعل الأمور أسوأ بالنسبة لهم. وشدد على أنه «يجب على صانعي السياسات في هذه الاقتصادات العمل على الفور لمنع العدوى المالية، وتقليل نقاط الضعف المحلية على المدى القريب».

تراجع كبير في أميركا وأوروبا

وتوقع التقرير أن يتباطأ النمو بصورة كبيرة في الاقتصادات المتقدمة، من 2.6 في المائة في عام 2022، إلى 0.7 في المائة العام الحالي، ويظل ضعيفاً في عام 2024.

ووفقاً للتقرير، بعد النمو بنسبة 1.1 في المائة في عام 2023، من المقرر أن يتباطأ الاقتصاد الأميركي إلى 0.8 في المائة في عام 2024، ويرجع ذلك أساساً إلى التأثير المستمر للارتفاع الحاد في أسعار الفائدة على مدار العام ونصف العام الماضيين. في منطقة اليورو، من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 0.4 في المائة في عام 2023، من 3.5 في المائة في عام 2022، بسبب التأثير المتأخر لتشديد السياسة النقدية وزيادة أسعار الطاقة.

ويقدم التقرير أيضاً تحليلاً لكيفية تأثير الزيادات في أسعار الفائدة الأميركية على بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية. وكان معظم الارتفاع في عوائد سندات الخزانة لأجل عامين على مدار العام ونصف العام الماضيين مدفوعاً بتوقعات المستثمرين للسياسة النقدية الأميركية المتشددة للسيطرة على التضخم. ووفقاً للتقرير، يرتبط هذا النوع المحدد من الزيادات في أسعار الفائدة بآثار مالية سلبية في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، بما في ذلك الاحتمال الأكبر بحدوث أزمة مالية.

علاوة على ذلك، تكون هذه الآثار أكثر وضوحاً في البلدان التي تعاني من ضعف اقتصادي أكبر. على وجه الخصوص، تميل الأسواق الحدودية - تلك التي لديها أسواق مالية أقل تطوراً ولديها وصول محدود إلى رأس المال الدولي - إلى رؤية زيادات كبيرة في تكاليف الاقتراض؛ حيث تميل فروق المخاطر السيادية في الأسواق الحدودية إلى الارتفاع بأكثر من ثلاثة أضعاف تلك الموجودة في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأخرى.

مشاة في إحدى الحدائق العامة في العاصمة الصينية بكين بينما يمكن أن يمثل انتعاش الاقتصاد الصيني قاطرة جيدة للاقتصاد العالمي (أ.ب)

ديون الدول النامية

ويقدم التقرير تقييماً شاملاً لتحديات السياسة المالية التي تواجه الاقتصادات منخفضة الدخل. ويقول: «هذه البلدان في حالة يُرثى لها، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تدهور الأوضاع المالية على مدى العقد الماضي. يبلغ متوسط الدين العام الآن حوالي 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتلتهم مدفوعات الفائدة حصة متزايدة من الإيرادات الحكومية المحدودة». ويقول التقرير إن 14 بلداً منخفض الدخل يواجه بالفعل ضائقة ديون أو يتعرض لخطر كبير. ومع زيادة ضغوط الإنفاق في هذه الاقتصادات، من المرجح أن تؤدي الصدمات السلبية، مثل الأحداث المناخية المتطرفة والنزاعات، إلى دفع الأسر إلى محنة في البلدان منخفضة الدخل أكثر من أي مكان آخر بسبب شبكات الأمان الاجتماعي المحدودة. في المتوسط، تنفق هذه البلدان 3 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي على مواطنيها الأكثر ضعفاً - أقل بكثير من متوسط 26 في المائة للاقتصادات النامية.

وقال أجاي بانغا رئيس مجموعة البنك الدولي إن «أضمن طريقة للحد من الفقر ونشر الرخاء هي من خلال التوظيف، كما أن تباطؤ النمو يجعل خلق فرص العمل أكثر صعوبة، لكن لدينا فرصة لتغيير مجرى الأمور، وهذا يتطلب منا جميعاً العمل معاً».

وقال إندرميت جيل، كبير الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس مجموعة البنك الدولي: «الاقتصاد العالمي في وضع حرج». وأضاف «باستثناء شرق وجنوب آسيا، لا تزال الطريق بعيدة عن الديناميكية اللازمة للقضاء على الفقر، ومواجهة تغير المناخ، وتجديد رأس المال البشري. في عام 2023، ستنمو التجارة بأقل من ثلث وتيرتها في السنوات التي سبقت الوباء. في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، تتزايد ضغوط الديون بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. لقد دفع الضعف المالي بالفعل العديد من البلدان المنخفضة الدخل إلى ضائقة الديون. وفي الوقت نفسه، فإن احتياجات التمويل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة أكبر بكثير حتى من أكثر توقعات الاستثمار الخاص تفاؤلاً».


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.