سنوات السينما: السياسة على المحك في «على من نطلق الرصاص؟»

سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
TT

سنوات السينما: السياسة على المحك في «على من نطلق الرصاص؟»

سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)

«إذا ماكانتش القضية أرض وعمارات... الناس دي كلها ماتت ليه؟».

هذا آخر ما تقوله تهاني (سعاد حسني) في فيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص» (1975)، وهي العبارة التي تختم الأحداث المتوالية التي وضعها السيناريست رأفت الميهي بغية التأكيد على أن الفساد لا يعرف مرحلة دون أخرى، بل يستشري ويمتد من زمن لآخر إذا لم يتم القضاء عليه.

تهاني هي زوجة رشدي (جميل راتب) رئيس مجلس الإدارة لشركة مقاولات تلاعبت بمواد بناء إحدى العمارات السكنية، مما أدّى إلى انهيارها. يتخلّص رشدي من المسؤولية عبر تزوير أوراق واتهام مهندس يعمل في الشركة (مجدي وهبة) وهو خطيب تهاني. تحكم المحكمة بدخول المهندس السجن ويحاول رشدي استمالته بالترغيب تارة، وبالتهديد تارة أخرى إلى أن يتم تسميمه والتخلص منه.

تهاني هي خطيبة المهندس سامي، وبعد وفاته بعامين يعرض عليها رشدي الزواج وتوافق، مما يُثير غضب مصطفى (محمود ياسين) صديق سامي وتهاني سابقاً فيدخل مكتب رشدي ويطلق النار عليه.

فيلم كمال الشيخ يبدأ بهذه الحادثة وما ورد أعلاه يتم كشفه إما عبر مشاهد استرجاعية (فلاش باك)، أو عبر أحداث تقع في زمن الفيلم الحاضر. عبر التحقيق الذي يقوم به المحقق عادل (عزّت العلايلي) تتكشّف الحقيقة أمام تهاني، فتسعى لإدانة زوجها مستندة إلى اعتراف زميل سامي في السجن (علي الشريف).

كثرة الاستعادات لا تربك الفيلم ولا مشاهديه، بل هي عتبات للوصول إلى نصف الساعة الأخيرة التي تنضج فيها الحبكة وتظهر مهارة المخرج الراحل كمال الشيخ في إدارة عمله وتعميق شخصية تهاني، التي يتمنى المرء لو أن الفيلم أبرز أهمية دورها منذ البداية.

سعاد حسني لم تكن فقط أجمل ممثلات السينما المصرية، بل كذلك من أكثرهن موهبة. يستخدم الشيخ عينيها للتعبير في لقطة قريبة، وتعرف كيف تُعالج كل حدث أو ردّة فعل بما يستحقه من تعبير من دون أن تخطئ ولو مرّة واحدة.

الآخرون جيّدون وللأسف لا يبدو محمود ياسين قادراً على تشخيص دور الثائر السياسي ومنتقد الرأسمالية والفساد، وهو مرتّب الشعر ويرتدي بذلة وربطة عنق مختلفتين في كل مشهد.

للفيلم طروحاته السياسية، ولو أن المخرج نفى أن يكون للفيلم أي أبعاد سياسية، مفضلاً اعتباره فيلم تحقيقات بوليسية. في كل الأحوال هو جيد في نصفه الأول وأعلى من ذلك حال يدخل الفيلم نصفه الثاني.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.