روايات حرب السودان: لم أستطع حمل أي من أعمالي الفنية معي

الحركة التشكيلية السودانية... ضحية أخرى لـ«حرب الجنرالين»

داليا عبد الإله بعشر فنانة سودانية ترسم في منزلها الجديد في القاهرة (نيويورك تايمز)
داليا عبد الإله بعشر فنانة سودانية ترسم في منزلها الجديد في القاهرة (نيويورك تايمز)
TT

روايات حرب السودان: لم أستطع حمل أي من أعمالي الفنية معي

داليا عبد الإله بعشر فنانة سودانية ترسم في منزلها الجديد في القاهرة (نيويورك تايمز)
داليا عبد الإله بعشر فنانة سودانية ترسم في منزلها الجديد في القاهرة (نيويورك تايمز)

فرّ العشرات من الفنانين والمعنيين بالأعمال الفنية من السودان، تاركين وراءهم استوديوهاتهم ومعارضهم في العاصمة؛ الأمر الذي يعرّض آلاف الأعمال الفنية للخطر، ويهدد مشهداً فنياً لعب دوراً محورياً في ثورة 2019.

فصباح اليوم الذي اشتعل فيه القتال بين القوى العسكرية المتناحرة في السودان، كان ياسر القريع في الاستوديو الخاص به وسط العاصمة الخرطوم، يستعد ليوم آخر من العمل، تحيطه الألوان ولوحات قماشية.

كان ذلك في الـ15 من أبريل (نيسان) ـ وخلال الأيام الثلاثة التي تلت ذلك، ظل القريع محاصراً داخل مرسمه، يتضور جوعاً ويعاني العطش الشديد، في ظل احتدام المعارك في شوارع الخرطوم.

وعلى مدار ساعات كل يوم، ظل القريع مختبئاً في حالة من الرعب، بينما اخترق الرصاص نوافذ المبنى، واهتزت الجدران تحت وقع قذائف ضربت المبنى بالخطأ. وعندما سادت أخيراً فترة وجيزة من الهدوء تسمح بالفرار، حرص القريع على اقتناصها، لكن بقلب مثقل.

عن ذلك، قال القريع (29 عاماً)، الذي فرّ تاركاً خلفه غيتاره المفضل وأكثر عن 300 لوحة مختلفة الأحجام «لم أستطع حمل أيّ من أعمالي الفنية معي أو متعلقاتي الشخصية. لقد حرمنا هذا الصراع من فننا وسلامنا، وتركنا اليوم ونحن نحاول الاحتفاظ بتعقلنا في خضم التشرد والموت».

عمل فني جديد للفنانة السودانية داليا عبد الإله بعشر... وهي تركت وراءها أكثر من عشرين لوحة قماشية كبيرة في شقتها في الخرطوم (نيويورك تايمز)

المشهد الفني تحت الحصار

القريع واحد من بين عشرات الفنانين السودانيين الذين فرّوا من استوديوهاتهم ومعارضهم، في الوقت الذي يعيث الجنرالان المتحاربان فساداً ودماراً بواحدة من أكبر الدول الإفريقية، وأهمها من الناحية الجيوسياسية.

وتسبب الصراع المشتعل بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» شبه العسكرية بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، بمقتل المئات، وتشريد أكثر من مليون شخص، إضافة إلى حاجة أكثر من نصف سكان البلاد إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

وفي خضم هذا العنف المنفلت، يخشى كثيرون من أن تقضي الحرب على المشهد الفني المزدهر في العاصمة، والذي يقف خلفه بشكل أساسي فنانون شباب خرجوا من رحم ثورة عام 2019 الداعمة للديمقراطية، والذين كانوا قد بدأوا في جذب اهتمام إقليمي وعالمي.

وفي تصريحات لـ«نيويورك تايمز»، قال عشرات الفنانين والمعنيين بالفن من السودانيين، داخل السودان ومصر وكينيا، إنه ليست لديهم أدنى فكرة عن مصير منازلهم أو استوديوهاتهم أو معارضهم، والتي تضم في مجملها أعمالاً فنية تقدر قيمتها بمئات الآلاف من الدولارات.

في هذا الصدد، قالت عزة ساتي، وهي مخرجة سودانية تعمل كذلك في مجال تنظيم المعارض الفنية «سيتحطم النظام البيئي الفني الإبداعي لبعض الوقت». وأضافت أن الفنانين «عاينوا حاجة الناس إلى التعبير عن أنفسهم، والشعور بالحياة والشعور بالتقدير»، معربة عن اعتقادها بأن الحرب أسفرت تدريجياً عن «محو هذا الصوت، وهذه الهوية».

سطو على الثروات الفنية والأثرية

وفي سياق متصل، دارت بعض أشرس المعارك في العاصمة داخل أحياء مثل الخرطوم2، حيث توجد أحدث المعارض الفنية في المدينة، أو في أحياء صاخبة مثل سوق العربي، حيث يوجد الاستوديو الخاص للقريع. في هذه المناطق، تتفشى أعمال السطو والنهب، ويلقي السكان باللوم على القوات شبه العسكرية التي أحكمت قبضتها على العاصمة على نحو متزايد.

ومع تعرض المتاحف والمباني التاريخية للهجوم والتدمير، يساور القلق كثيرين كذلك إزاء نهب الثروات الفنية والمواقع الأثرية في البلاد.

من جهتها، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) في بيان لها، أن متحف التاريخ الطبيعي في السودان، ومحفوظات جامعة أم درمان الأهلية تعرّضا لأضرار جسيمة وأعمال نهب.

الطيب ضو البيت... فنان سوداني داخل الاستوديو الخاص به في منزله بنيروبي (نيويورك تايمز)

حرب على الفن أيضاً

في هذا الصدد، قال الطيب ضو البيت، وهو فنان سوداني مخضرم مقيم في نيروبي «داخل الحرب، الحرب الفعلية، ثمة حرب أخرى تدور حول الفن». جدير بالذكر أن ضو البيت يملك أعمالاً فنية عدّة معروضة في صالات عرض سودانية، وأعرب عن خوفه من أن تتعرض المؤسسات الفنية والثقافية في السودان للنهب، مثلما حدث في العراق قبل عقدين.

وشدد على أن «الأعمال الفنية في حاجة إلى الحماية».

يذكر أنه بعد استقلال البلاد عن المملكة المتحدة عام 1956، تميز السودان بمشهد فني صاخب أنجب أسماء مشهورة، منها أحمد شبرين، وإبراهيم الصلحي وكمالا إبراهيم إسحاق. إلا أنه خلال فترة حكم الديكتاتور عمر حسن البشير، الممتدة لثلاثة عقود، عمد النظام إلى استغلال الرقابة والمراسيم الدينية والسجن للحد من التعبير الإبداعي؛ ما أجبر الكثير من الفنانين والموسيقيين على الفرار من البلاد.

بدأ هذا الوضع في التحول خلال ثورة 2019، عندما تدفق الفنانون الشباب إلى الشوارع لرسم الجداريات على الجدران والطرق، والمطالبة بحكم ديمقراطي. وعندما أطيح بالبشير في نهاية المطاف، في أبريل من ذلك العام، احتفل الفنانون بحريتهم الجديدة، وشرعوا في الرسم والنحت لالتقاط صورة للحياة الجديدة في السودان بعد الثورة.

ومن بين هؤلاء داليا عبد الإله بعشر (32 عاماً)، وهي فنانة علّمت نفسها بنفسها، واستقالت من وظيفة مدرسة فنون بعد الثورة لتعمل بدوام كامل على فنها. وتهتم اللوحات التي أبدعتها بعشر بالقمع الذي تعانيه المرأة داخل المجتمع السوداني. وعلى مر السنوات، جذبت أعمالها انتباه المعنيين بالفن في السودان ومصر وكينيا والولايات المتحدة.

وقبل أيام من اندلاع حرب السودان في أبريل، توجهت هي وعائلتها إلى مصر، في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك وعطلة العيد التالية.

وحزمت بعشر لوحات عدة صغيرة معها في رحلتها، على أمل بيعها، لكنها تركت أكثر عن عشرين لوحة كبيرة في المنزل.

وقالت خلال مقابلة بالفيديو من القاهرة «لا يمكنني أن أصف بالكلمات أو على قماش الرسم شعوري حيال هذه الحرب». وأضافت أن شقتها والحي الذي تعيش به في الخرطوم أصبحا مهجورين، وأنها لا تعرف مصير أي من ممتلكاتها.

وقالت «لا نزال نشعر بالصدمة والهلع. لم نتخيل أبداً أن هذا قد يحدث، وأننا سنفقد الحركة الفنية التي كنا نبنيها».

رحيم شداد المؤسس المشارك لمعرض «داون تاون غاليري» بالخرطوم (نيويورك تايمز)

حملة دعم للفنانين

وشاركها ألمها رحيم شداد، الذي ساهم خلال الأيام التي أعقبت الثورة في تأسيس معرض في وسط الخرطوم.

ويعمل شداد (27 عاماً)، مع أكثر عن 60 فناناً من جميع أرجاء السودان، وكان يخطط لإقامة معرض منفرد في الخرطوم لوليد محمد، وهو رسام يبلغ من العمر 23 عاماً.

وكان شداد قد انتهى لتوه من تنسيق وشحن الأعمال الفنية لمعرض من المقرر أن يسافر إلى الخارج، بعنوان «اضطراب في النيل». وسيتجول المعرض، الذي يبدأ في أواخر يونيو (حزيران)، في لشبونة ومدريد وباريس، وسيضم فنانين سودانيين من مختلف الأجيال.

إلا أنه منذ اشتعال القتال، تركز اهتمام شداد، حصراً، على ضمان سلامة الفنانين وأعمالهم الفنية.

في الوقت ذاته، هناك المئات من اللوحات والأعمال الفنية عالقة في «داون تاون غاليري» في الخرطوم2. علاوة على ذلك، أسفر الصراع عن استنزاف مدخرات الكثير من الفنانين وحرمهم من دخل منتظم، كان يأتي في الجزء الأكبر منه من المبيعات للأجانب ومسؤولي السفارات الذين جرى إجلاؤهم الآن.

وسعياً لمعاونة الفنانين وعائلاتهم، أطلق شداد، مع سودانيين معنيين بالأعمال الفنية، مثل ساتي، حملة تمويل جماعي هذا الشهر. كما يفكرون في كيفية نقل أعمال الفنانين إلى مكان آمن بمجرد أن يعم هدوء نسبي الخرطوم. ورغم وقف إطلاق النار الذي استمر سبعة أيام، والذي من المقرر أن ينتهي الاثنين، قال شداد إنه تناهى إلى علمه وقوع أعمال سطو وتحرش بالمدنيين الذين يغامرون بالعودة إلى المنطقة القريبة من معرضه.

وأضاف باكياً، خلال مقابلة هاتفية معه من القاهرة «يتعرض قلب المشهد الفني في السودان لهجوم خطير. إنه لمن المؤلم للغاية التفكير في أن العمل الشاق الذي قمنا به سيضيع».

الشغف في مواجهة الموت

إضافة إلى ذلك، حرم الصراع كثيراً من الفنانين من الوصول إلى مصدر إلهامهم.

من جانبه، هرب خالد عبد الرحمن، الذي تصوّر أعماله مناظر طبيعية لأحياء الخرطوم والمقابر الصوفية، من الاستوديو الخاص به في الخرطوم3 من دون لوحاته، وقال إنه كان يفكر في كيفية تأثير الصراع على رؤيته وإبداعاته المستقبلية.

وأضاف «لا يمكنني معرفة ذلك الآن. أنا حزين حقاً بشأن ما يجري».

ومع ذلك، فإنه في قلب الموت والنزوح اللذين يعصفان بالسودان، يرى فنانون أن هذه فترة أخرى في تاريخ أمتهم سيتعين عليهم توثيقها بطريقة أو بأخرى.

عن ذلك، قال القريع الذي يقيم حالياً في قرية شرق الخرطوم «هذه حقبة يجب أن ندرسها بعناية كي نتمكن من نقلها إلى الأجيال القادمة، وتعريفهم بما حدث للبلاد». وأضاف مؤكداً، أن «الشغف لن يموت أبداً»

* خدمة «نيويورك تايمز»



هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.