حينما وقف الرئيس الأميركي باراك أوباما ليقسم تحت بنود التعديل العشرين للدستور الأميركي في 2009، ليصبح أول رئيس من أصول أفريقية يقود الولايات المتحدة، أطلق تصريحًا شهيرًا أنه من ضمن أولوياته أن يغلق معتقل غوانتانامو في كوبا، إلا أنه بعد ذلك كانت بدايات الرئيس الأميركي محرجة، ولم يتمكن طوال تلك السنوات من أن يوفي بوعده أمام أنصاره.
ويحاول أوباما في مسعى أخير إغلاق هذا المعتقل ليحقق بذلك الوعد الذي أطلقه لأنصاره، ليطرح سؤالاً عن مدى قدرة أوباما على تحقيق هذا الوعد الذي أطلقه خلال حملته الرئاسية، الذي يتطلب مواجهة مقاومة داخلية أمام المؤسسات الأميركية؛ إذ إنه من المفترض أن تقدم كبيرة مستشاري أوباما لمكافحة الإرهاب، ليزا موناكو، ووزير الدفاع، آشتون كارتر، خطة جديدة لإغلاق معتقل غوانتانامو الذي أنشئ قبل 13 عامًا للأسرى الذين تم القبض عليهم في أفغانستان أيام الحرب الأميركية ضد القاعدة، وذلك عند عودة الكونغرس الأميركي من عطلته في سبتمبر (أيلول) المقبل.
واعتبر أوباما حينما تولى رئاسة البيت البيض أن الاعتقال إلى أجل غير مسمى، و«عمليات الاستجواب القاسية»، وصور رجال بزي برتقالي داخل الزنازين، تنافي الأخلاقيات الأميركية، كما أن المتشددين يستخدمونه في عمليات التجنيد. ولكن مع وجوده في مكتب البيت الأبيض أصبح الرئيس محاصرًا قانونيًا وسياسيًا.
وبعد 6 سنوات، بدأ العد العكسي لانتهاء ولاية أوباما ليعود هذه الأيام في محاولة لإعادة مسعاه مرة أخرى لإغلاق المعتقل؛ إذ إن الخطة التي أصبحت مكتملة تقريبًا، تتيح رفع القيود التي فرضها الكونغرس على نقل المعتقلين إلى الولايات المتحدة.
وتنظر إدارة أوباما إلى منشآت عسكرية عدة، مثل فورت ليفنوورث في ولاية كنساس أو نايفي بريغ في تشارلستون في ولاية ساوث كارولينا، كوجهات محتملة للمعتقلين. وقد تثير هذه الخطوة اعتراض السياسيين المحليين.
ولكن، ما يشكل إحدى أبرز العقبات التي تواجه الخطة هو مصير المعتقلين الإرهابيين مستقبلاً بعد خروجهم من معتقل غوانتانامو؛ إذ إن نحو عشرة من أصل 116 حاليًا في غوانتانامو يعتبرون خطيرين جدًا إذا أطلق سراحهم، كما أنه من الصعوبة بمكان محاكمتهم أيضًا.
إلى ذلك، خرجت أصوات منتقدة تحذر من أن مقترحات أوباما لتعديل الحبس الاحتياطي كونه لا يمكن أن تخضع لها فئة من المعتقلين إلى أجل غير مسمى في حرب على الإرهاب، التي ما زالت مستمرة إلى أجل غير مسمى، وهو ما يعني أن يتم نقل معتقل غوانتانامو لإغلاقه مع بقاء الإرهابيين في معتقل آخر.
وقال نورين شاه، من منظمة العفو الدولية، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يمكنك ببساطة تغيير عنوان غوانتانامو، ونتوقع بعدها حل مشكلة حقوق الإنسان أو محو وصمة العار التي ألحقها غوانتانامو بسمعة الولايات المتحدة».
لكن في المقابل، على أوباما أن يتوصل إلى اتفاق لرفع قيود الكونغرس.
والسناتور جون ماكين، الذي فتح الباب أمام سماع خطة أوباما من قبل الكونغرس، يؤيد إغلاق غوانتانامو، لكنه يطالب بضمانات تؤكد عدم حصول المعتقلين على حقوق أكثر من تلك التي يتمتعون بها حاليًا.
ويريد هذا السناتور، الذي تعرض للتعذيب لمدة خمس سنوات كأسير حرب في فيتنام أيام الحرب الأميركية الفيتنامية، التأكد من أنه في حال نقل المعتقلين إلى الولايات المتحدة، لن تتمكن الثغرات القانونية من إطلاق سراحهم.
ومن المحتمل أن تضع إدارة أوباما بعض أشكال الاحتجاز الوقائي الممدد الذي قد يكون ثمنًا مستحقًا لكي تتمكن من إغلاق غوانتانامو، وتلك الانقسامات داخل الإدارة الأميركية قد تجعل عملية إغلاق المعتقل صعبة على أوباما.
ومن المتوقع أن تسرع الخطة من وتيرة جلسات الاستماع لأولئك الذين ليسوا من ضمن المعتقلين الذين تم الموافقة على عملية نقلهم، إلا أن هؤلاء الذين تمت الموافقة على نقلهم يواجهون نقاط ضعف في إمكانية نقلهم من المعتقل، ومنهم 9 يمنيين.
إلى ذلك، قال المبعوث الخاص السابق لإغلاق غوانتانامو من وزارة الخارجية، كليف سلون: «لا أحد سيرسل أفرادًا إلى اليمن في الوقت الراهن»، في إشارة للحرب الدائرة في اليمن حاليًا، ولكنه يصر على ضرورة عدم عرقلة تسريع عملية تخفيض عدد المعتقلين في غوانتانامو، بينما يبدي كثير من الحلفاء استعدادهم للمساعدة. وأضاف سلون: «يجب أن نرى عمليات نقل كل شهر. يجب أن يكون هناك شعور بالوضع الملح».
وبالعودة للمعتقلين، فهنالك المعتقل طارق باعودة، وهو يمني الجنسية، الذي خاض معركة بإضرابه عن الطعام، حتى تمت الموافقة على إطلاق سراحه منذ عام 2009، وهو الأمر الذي أقلق وزارة الدفاع من أن ينهج بقية المعتقلين نفس الأسلوب للإفراج عنهم والقيام باحتجاجات مماثلة.
ورغم أن العاصمة البريطانية طلبت قبل فترة من وزارة الدفاع لإطلاق المعتقل سراح شاكر، إلا أن الإدارة الأميركية مترددة أيضًا في إطلاق شاكر، معربة عن قلقها من أنه قد يكشف عن العمليات في غوانتانامو.
ويردد البيت الأبيض دائمًا أن «فريق الأمن القومي للرئيس يعمل بأكمله لتحقيق التزام الرئيس الثابت بإغلاق معتقل غوانتانامو»، بينما تشير وزارة الدفاع الأميركية إلى أن غوانتانامو يجب أن يغلق «بطريقة مسؤولة تحمي أمننا القومي».
وقال أحد المتحدثين باسم البنتاغون، غاري روس، إن «قرار الموافقة على نقل معتقل لا يعكس قرارًا بأن المعتقل لا يشكل أي تهديد أو أي خطر لمعاودته القتال». وحتى لو تمت إزالة كل هذه العوائق، فإن أوباما يواجه معركة انتخابية سياسية للحصول على دعم لخطته من الكونغرس الذي تسيطر عليه الغالبية الجمهورية.
وبعد الانتصار السياسي لأوباما من خلال التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران واتفاقية التجارة الحرة مع آسيا، وبرنامج الرعاية الصحية، وحقوق المثليين، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، فإن قلة ستراهن ضد الرئيس المنتهية ولايته.
لكن غوانتانامو، كان أول الملفات على مكتبه حين تسلم منصبه، وقد يكون الأخير لدى مغادرته.
أوباما يقود مساعيه الأخيرة لإغلاق معتقل غوانتانامو
أمامه 15 شهرًا ليوفي بوعده الذي أطلقه عام 2009
أوباما يقود مساعيه الأخيرة لإغلاق معتقل غوانتانامو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة