ندوة مغربية حول مسار الأديب والصحافي عبد الكريم غلاب

ندوة مغربية حول مسار الأديب والصحافي عبد الكريم غلاب
TT

ندوة مغربية حول مسار الأديب والصحافي عبد الكريم غلاب

ندوة مغربية حول مسار الأديب والصحافي عبد الكريم غلاب

نظمت «مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم»، بشراكة مع المعهد العالي للإعلام والاتصال - وزارة الشباب والثقافة والاتصال المغربية، أخيراً بالرباط، ندوة بعنوان «عبد الكريم غلاب: الأديب، الصحافي، المثقف»، وذلك بمشاركة عدد من المفكرين والكتاب الأكاديميين والإعلاميين.

يأتي تنظيم هذه الندوة ضمن سلسلة لقاءات في سياق استحضار أعلام الثقافة المغربية المعاصرة وأدوارهم الطلائعية في ترسيخ قيم الفكر والمعرفة، وتكريماً لهم، وتثبيتاً لثقافة الاعتراف بما أسدوه من جليل الخدمات، وأيضاً تسليط الضوء على إسهاماتهم في بناء نسق خاص بالثقافة المغربية.

وقال محمد الدرويش، رئيس «مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم»، في كلمة افتتاحية للندوة، إن شخصية الأستاذ عبد الكريم غلاب (1919 – 2017) «أشهر من نار على علم»، موضحاً أنه ترك بصماته في حياة أجيال متعددة وفي مجالات مختلفة، منها الأدبي والثقافي والحقوقي والاجتماعي والصحافي والسياسي، وهي تجارب راكمها من خلال تكوينه وأسفاره واحتكاكه بالكبار في المغرب والمشرق بوَّأته مكانة عالية داخل المجتمع.

من جانبه، قال مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال بالمغرب، عبد اللطيف بن صفية، إن هذه الندوة مناسبة «لتكريم عَلَم من الأعلام الوطنية المغربية»، و«عنوان للفعل المتعدد السياسي والأدبي والصحافي، ولا يمكن ذكر اسمه إلا وينتابنا الحنين إلى العصر الذهبي للصحافة الوطنية الحزبية التي أسست بحق لممارسة صحافية ملتزمة بقضايا الأمة».

وأشارت الكلمة التي أُلقيت باسم عائلة عبد الكريم غلاب، إلى أن هاجسين شكلا أهمية قصوى في انشغالات مدير جريدة «العلم» الأسبق، هما: «الفكر أولاً، ثم مسؤولية وواجب المواطن اتجاه وطنه، حيث كان الفكر بالنسبة له هو الهوية، بكل ما تشمل من وجدان خلقي للإنسان المواكب لتطور عصره تماشياً مع مصلحة البيئة المجتمعية، كما كان يعتبر (قيد حياته) مسؤولية المواطن اتجاه وطنه أولوية، وهي التي كانت أساس مشعل مسيرته في العمل الوطني وإنارة قلمه... لقد أحب الصحافة وأحبته الصحافة، وكان يساهم في الاقتراح والعمل على إصلاح الأوضاع التي كان يرى أنها تحتاج حتماً إلى تجديد وتطوير مستديم في البحث على المبادرة البناءة لصالح مجتمع متقدم».

وأُلقيت خلال الندوة 15 مداخلة، تناولت بالدرس والتحليل عدداً من مؤلفاته التي فاقت 71 إصداراً، منها: «وعي الزمن والخطاب السردي في أعمال عبد الكريم غلاب» لمبارك ربيع، و«جدلية المثقف والمناضل» لعبد الإله بلقزيز، و«من مداخل التفكير في الوضع اللغوي بالمغرب عند غلاب» لعبد العالي الودغيري، و«لا، لدفن عبد الكريم غلاب» لعائشة التازي، و«الشيخوخة الظالمة» لمحمد أيت لعميم، و«قراء روايات عبد الكريم غلاب من خلال دراسة ميدانية» لأحمد توبة، ورواية «كائن لا يأكله يأس أو هوس» لعبد الفتاح الحجمري، و«بعض من حكاياته مع عبد الكريم غلاب» لرشيد بن حدو.

وتمحورت هذه المداخلات حول «غلاب... الكاتب الغائب الحاضر» لعبد العالي بوطيب، و«في مقام الأستاذ عبد الكريم غلاب من أين نبدأ وكيف نتوقف؟» لمليكة العاصمي، و«الشاعر محمد بن إبراهيم في ميزان عبد الكريم غلاب» لمحمود عبد الغاني، و«غلاب مبدعاً وصحافياً» لنجاة لمريني، و«غلاب صحافياً... الكتابة بسبعة أقلام» لمحمد بوخزار، و«الصحافة فعل ثقافي بامتياز عند غلاب» لجمال المحافظ، و«الأدب والصحافة والسياسة في حياة الأستاذ غلاب» لعبد الحميد جماهري.

ويُعدّ غلاب الذي تلقى تعليمه في مدينة فاس، وانتقل، ما بين 1937 و1948، إلى مصر، مؤسساً، إلى جانب مغاربة آخرين، لعدة أجناس أدبية، كالقصة القصيرة والسيرة الذاتية وأدب الرحلة والرواية، فضلاً عن مساهماته في مجال الكتابة السياسية والصحافية.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».