موسكو تسقط صاروخاً بريطانياً وكييف تعلن عن «أول نجاح» لهجوم في باخموت

الكرملين يدحض أنباء عن «اتصالات» بين كييف ومؤسس «فاغنر»

مدفعية أوكرانية تنشط في باخموت الاثنين (أ.ب)
مدفعية أوكرانية تنشط في باخموت الاثنين (أ.ب)
TT

موسكو تسقط صاروخاً بريطانياً وكييف تعلن عن «أول نجاح» لهجوم في باخموت

مدفعية أوكرانية تنشط في باخموت الاثنين (أ.ب)
مدفعية أوكرانية تنشط في باخموت الاثنين (أ.ب)

أعلنت موسكو الاثنين، عن تدمير صاروخ بريطاني من طراز «ستورم شادو» خلال هجوم أوكراني مكثف استهدف إقليم لوغانسك، فيما أكدت كييف أنها حققت «أول نجاح» في هجومها بمحيط مدينة باخموت.

وعكس الإعلان الروسي تصاعداً في السجالات مع الغرب في ملف تسليح أوكرانيا على خلفية نقاشات أجراها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بلندن، بهدف توسيع الإمدادات العسكرية البريطانية.

زيلينسكي وسوناك في المقر الريفي لرئيس الوزراء البريطاني في «تشيكرز» الاثنين (رويترز)

في غضون ذلك، امتدت السجالات الروسية - الغربية إلى ملف آخر أكثر حساسية، بعدما تدخل الكرملين لنفي معطيات نشرتها وسائل إعلام غربية حول «اتصالات» أجراها زعيم «فاغنر» يفغيني بريغوجين مع السلطات الأوكرانية، وتعهد خلالها بتقديم معلومات عن أماكن انتشار القوات الروسية.

وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف، إن الكرملين يراقب بشكل حثيث موضوع تزويد لندن لأوكرانيا بأنظمة صاروخية متطورة، وأكد على الموقف الروسي «السلبي للغاية» حيال المعطيات، لكنه شدد في الوقت ذاته، على أن هذا التطور «لن يؤثر على مسار العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا».

الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف (د.ب.أ)

 

وجاء تعليق بيسكوف بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية عن اعتراض وتدمير عدد من الصواريخ في لوغانسك، بينها صاروخ بعيد المدى من طراز «ستروك شادو» بريطاني الصنع، و7 صواريخ مضادة للرادار، و10 صواريخ «هيمارس» أميركية أطلقتها القوات الأوكرانية خلال هجوم جوي مكثف على منطقة لوغانسك صباح الاثنين.

وحملت اتهامات الكرملين وتأكيد وزارة الدفاع إسقاط الصاروخ البريطاني، إشارات من جانب موسكو رداً على إعلان مضمون المحادثات التي أجراها زيلينسكي في لندن، خلال لقاء مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.

سوناك وزيلينسكي (د.ب.أ)

وكانت مصادر إعلامية كشفت أن زيلينسكي وسوناك بحثا في تشكيل «تحالف بشأن الطائرات المقاتلة»، وفقاً لتعبير الرئيس الأوكراني، في إشارة إلى أن البحث «ركز على توسيع عملية تسليم طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا بعد خطوة إمدادها بصواريخ بعيدة المدى».

وكانت السلطات البريطانية أعلنت وفقاً لوسائل إعلام بريطانية، أن لندن سوف تبدأ بتدريب الطيارين الأوكرانيين في الصيف على استخدام الطائرات الغربية، وسوف «يستمر العمل مع دول أخرى بشأن إمكانية توفير طائرات مقاتلة من طراز F-16 إلى كييف».

وكان الجيش الروسي أسقط الصاروخ البريطاني خلال مواجهة هجوم يعد الأوسع منذ أشهر على لوغانسك.

ووفقاً للمؤسسة العسكرية الروسية، فقد «قصفت كييف مرات عديدة أهدافاً مدنية في لوغانسك بالصواريخ البريطانية، رغم أنها كانت أكدت سابقاً أنها لن تستخدم الصواريخ ضد المدنيين».

وقال بيسكوف إن بريطانيا «في طليعة الدول التي تواصل ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا. ونكرر مرة أخرى أن هذا لن يكون له أي تأثير كبير وأساسي على مسار العملية الخاصة، لكن هذا بالطبع يؤدي إلى مزيد من تدمير العلاقات، وهذا يؤدي إلى مزيد من الإجراءات الانتقامية. وهذا يصعد الأمر أكثر بالنسبة لأوكرانيا».

رئيس مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين يقف أمام مجموعة من مقاتليه وسط الحرب الروسية - الأوكرانية (رويترز)

على صعيد متصل، نفى الناطق الرئاسي الروسي صحة معطيات نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في شأن اتصالات قالت الصحيفة إن زعيم «فاغنر» أجراها في مطلع العام مع السلطات الأوكرانية.

وقال بيسكوف: «الأمر مجرد تلفيق آخر، وقد يكون بالون اختبار. لسوء الحظ، حتى المطبوعات المحترمة في السنوات الأخيرة باتت تنتهج هذا النهج».

ووفقاً للمعطيات، فقد عرض بريغوجين على كييف «تزويدها بخرائط تحرك القوات الروسية، في مقابل قيامها بالانسحاب الكامل من باخموت».

وزعمت «واشنطن بوست» نقلاً عن وثائق قالت إنها مسربة من المخابرات الأميركية، أن مؤسس مجموعة «فاغنر»، يفغيني بريغوجين، «قدم لأوكرانيا في يناير (كانون الثاني) الماضي، بيانات عن مواقع القوات الروسية لمهاجمتها، وأنه أبلغ أوكرانيا بأنه في حال انسحاب قواتها من ضواحي أرتيوموفسك (باخموت)، فسوف يزودها بمواقع الجنود الروس».

ووصف رئيس مجموعة «فاغنر» بريغوجين تلك الأنباء بأنها «مضحكة». ورد عليها بشكل ساخر: «يبدو أنني أحارب من أجل روسيا، لكن في الوقت نفسه (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي يتبع تعليماتي. وبالتالي، فإن اليد اليسرى في حالة حرب مع اليد اليمنى».

يفغيني بريغوجين رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية الخاصة (أ.ب)

وقال في رسالة صوتية نشرها جهازه الإعلامي على «تلغرام»: «إنها مضحكة».

من جانب آخر، أكّد بريغوجين أنه «لم يزُرْ أفريقيا منذ بداية» الصراع في أوكرانيا رداً على ما أوردته «واشنطن بوست» بأنه التقى أعضاء من أجهزة الاستخبارات الأوكرانية في بلد أفريقي لم يذكر اسمه.

وقدّر رئيس «فاغنر» أن يكون «أفراد من النخبة الروسية وراء هذه الاتهامات». وقال إنهم «يحاولون إلقاء أكبر قدر ممكن من القذارة عليّ».

وينتقد بريغوجين علناً هيئة الأركان العامة الروسية منذ أشهر، متهماً إياها بعدم تزويد مقاتليه بالذخيرة اللازمة للسماح لهم بالسيطرة على باخموت.

ميدانياً، ازدادت التوقعات الروسية بتوسيع نطاق الهجمات المضادة الأوكرانية، وقال دينيس بوشيلين، رئيس «جمهورية دونيتسك» المعين من جانب موسكو خلال مقابلة مع قناة «روسيا 24» التلفزيونية، إن القوات الأوكرانية «عززت وجودها على طول خطوط التماس بأكملها».

وزاد: «هذا ليس الهجوم المضاد الذي يتم الحديث عنه كثيراً. نرى أن العدو يحاول حالياً التحقق من طبيعة الانتشار والتحصن في مواقعنا، محاولاً إجراء استطلاع واسع في بعض المناطق».

وأكد أن قوات دونيتسك كانت تستعد لمثل هذا التطور للأحداث، «فقد أصبح الوضع أكثر تعقيداً في بعض المناطق، لكنه بشكل عام تحت السيطرة».

وفي حديثه عن الوضع بباخموت، قال بوشيلين إن «هناك بالتأكيد تقدماً رغم الصعوبات».

وتزامن هذا مع إعلان قوات «فاغنر» أنها نجحت في السيطرة على مسافة جديدة داخل باخموت بلغت نحو 150 متراً. وقال بريغوجين إن الأحياء التي ما زالت تحت سيطرة القوات الأوكرانية لا تضم أكثر من 26 مبنى، تقع نقاط التمركز والتحصين للقوات الأوكرانية في 20 منها.

إسعاف شخص أصيب بالقصف في لوغانسك الخاضعة للسيطرة الروسية (رويترز)

وكانت القوات الانفصالية أعلنت في وقت سابق، توقعات حول مسار الهجوم المضاد الوشيك للجيش الأوكراني. وتحدثت بالدرجة الأولى عن توقعات بمحاولة التقدم على مسار منطقة زابوريجيا بهدف الوصول إلى ساحل بحر آزوف، لقطع الممر البري المؤدي إلى شبه جزيرة القرم.

وأكد الكرملين أن «موسكو تراقب بعناية أي تصريحات حول الهجوم المضاد المقبل، وتأخذها في الاعتبار عند التخطيط لعملية خاصة».

وأعلنت أوكرانيا من جهتها، أنها حققت «أول نجاح» في هجومها بمحيط مدينة باخموت (شرق)، وتقدمت باتجاه الخطوط الدفاعية الروسية. وصرح قائد القوات البرية الأوكرانية أولكسندر سيرسكي، أن «تقدم قواتنا في منطقة باخموت، أول نجاح في الهجوم» الرامي منذ الصيف الماضي، إلى استعادة المدينة التي تسيطر القوات الروسية على القسم الأكبر منها.

وكانت كييف أعلنت الاحد، أنها سيطرت «على أكثر من 10 مواقع للعدو شمال ضاحية باخموت وجنوبها»، بعد أن أكدت الجمعة، أنّ قواتها «استعادت أجزاء من الأراضي المحيطة بالمدينة».

قوات أوكرانية في باخموت (أ.ب)

تزامن ذلك مع الإعلان عن مقتل 4 أشخاص في هجوم صاروخي روسي استهدف مستشفى بمدينة أفدييفكا شرق البلاد، الاثنين، وذلك حسبما ذكر حاكم المنطقة بافلو كيريلينكو.

 

وكتب كيريلينكو على تطبيق «تلغرام»: «هاجم الروس المدينة بالصواريخ هذا الصباح، وأصابوا أحد المستشفيات».

ونشر صوراً لمبنى من 3 طوابق من الطوب تهدم أحد جوانبه، بينما تناثر الركام والأنقاض على الأرض. ودعا سكان المدينة الصغيرة الواقعة في منطقة دونباس الصناعية إلى إخلائها بأسرع ما يمكن. وقال: «كل يوم جديد تقضيه في منطقة دونيتسك يزيد من خطر وقوعك ضحية للعدوان الروسي».

وبالتزامن، أودت ضربة روسية بحياة 4 أشخاص في أفدييفكا الواقعة على خط المواجهة في شرق أوكرانيا وأصابت مستشفى، على ما أعلن الحاكم الأوكراني لمنطقة دونيتسك بافلو كيريلينكو، الاثنين.

وقال كيريلينكو على «تلغرام»: «قتل 4 أشخاص بضربة (...) على أفدييفكا. هاجم الروس المدينة بصواريخ هذا الصباح وأصابوا المستشفى».



بايرو يحقق نصف حلمه بتسميته رئيساً للحكومة الفرنسية

رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
TT

بايرو يحقق نصف حلمه بتسميته رئيساً للحكومة الفرنسية

رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)

يدين إيمانويل ماكرون بالكثير لفرنسوا بايرو، السياسي المخضرم البالغ من العمر 73 عاماً، الذي اختاره أخيراً وبعد تردد شغل الإعلام والمعلقين طوال الأسبوع الماضي، لتشكيل الحكومة الجديدة. فمن دون بايرو ما كان ماكرون ليصبح في عام 2017 رئيساً للجمهورية. فقط دعم بايرو المتمترس دوماً وسط الخريطة السياسية؛ أي قريباً من تموضع ماكرون صاحب نظرية تخطي الأحزاب والعمل مع اليمين واليسار في وقت واحد؛ سمح للرئيس الحالي بأن يحقق قفزة من سبع نقاط في استطلاعات الرأي، وأن يتأهل للجولة الثانية (الحاسمة) ويفوز بها بفارق كبير عن منافسته مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف.

ومنذ سبع سنوات، وقف بايرو، دوماً وبقوة، إلى جانب ماكرون في المحن. وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، عندما انطلقت من اليسار المتشدد المطالبة باستقالة ماكرون من رئاسة الجمهورية، وجد الأخير في شخص بايرو السد المنيع والشخصية البارزة التي ساندته ودافعت عنه. كذلك، فإن بايرو، النائب والوزير السابق والرئيس الحالي لمدينة «بو» الواقعة غرب سلسلة جبال البيرينيه، سخّر حزبه «الحركة الديمقراطية» (اختصاره «موديم» بالفرنسية)، في خدمة ماكرون، وهو أحد الأحزاب الثلاثة الداعمة للرئيس. ولحزب بايرو بـ36 نائباً في البرلمان، حيث لا أكثرية مطلقة؛ ما يفسر سقوط حكومة سابقه ميشال بارنييه الأسبوع الماضي بعد ثلاثة أشهر فقط على رئاسته للحكومة، وهي أقصر مدة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

ماكرون يوفّي ديناً قديماً لبايرو

ثمة قناعة جامعة وعابرة للأحزاب قوامها أن ماكرون أخطأ مرتين: الأولى، عندما حل البرلمان لأسباب لم يفهمها أحد حتى اليوم. والمرة الثانية عندما كلف بارنييه، القادم من مفوضية الاتحاد الأوروبي، بتشكيل الحكومة المستقيلة يمينية الهوى، في حين أن تحالف اليسار والخُضر حلّ في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية؛ لذا اتُّهم ماكرون بـ«احتقار الديمقراطية»؛ لأنه لا يحترم نتائج الانتخابات، ولأنه يفضل التعامل مع اليمين التقليدي (حزب اليمين الجمهورية، وسابقاً الجمهوريون)، واليمين المتطرف (حزب التجمع الوطني بزعامة لوبن)، على الانفتاح على اليسار، لا بل إنه وضع حكومة بارنييه تحت رحمة لوبن التي ضمّت أصواتها إلى أصوات اليسار والخُضر لإسقاطه.

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)

وفهم ماكرون الدرس؛ لذا سعى إلى العثور على شخصية قادرة على اجتذاب الحزب الاشتراكي ونوابه، وربما الخُضر، وحتى الشيوعيين. وطيلة سبعة أيام، تواصلت مسرحية البحث عن «العصفور» النادر. طُرحت أسماء كثيرة قبل أن يقع الخيار على بايرو؛ منها برنار كازنوف آخر رئيس حكومة في العهد الاشتراكي، وسيباستيان لو كورنو وزير الدفاع، والوزير السابق جان إيف لودريان الذي اعتذر بسبب السن (73 عاماً)، ورولان ليسكور، وحتى احتمال المجيء بحكومة من التكنوقراط. وللوصول إلى نتيجة، أكثر ماكرون من المشاورات الفردية والجماعية.

والمسرحية المتأرجحة بين الهزلية والدرامية، كانت زيارته الخميس إلى بولندا وعودته سريعاً إلى باريس للوفاء بوعد إعلان اسم رئيس الحكومة العتيدة مساء الخميس. لكن الإعلان لم يأتِ، وظل المرشحون يتقلبون على نار القلق، حتى أعلن القصر الرئاسي أن الاسم سيصدر صباح الجمعة. ومنذ الصباح الباكر، تجمهرت وسائل الإعلام قبالة قصر الإليزيه، وامتدت الساعات ولم يخرج الدخان الأبيض إلا بعد ثلاث ساعات من خروج بايرو من الإليزيه عقب اجتماع مع ماكرون قارب الساعتين.

وذهبت وسائل إعلامية، ومنها صحيفة «لو موند» الرصينة، إلى إعلان أن ماكرون «لن يسمي بايرو». كذلك فعلت القناة الإخبارية «إل سي إي»؛ والسبب في ذلك معارضة رئيس الجمهورية اليميني الأسبق نيكولا ساركوزي هذه التسمية. ولهذه المعارضة قصة طويلة لا مجال لعرضها اليوم. واختصارها أن ساركوزي وبعض اليمين «حاقد» على بايرو الذي «خان» ساركوزي؛ لأنه دعا للتصويت لمنافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند في عام 2012. وهذا يبين أن الحقد السياسي لا يُمحى بسهولة. ومن الروايات التي سارت في الساعات الأخيرة، أن ماكرون اتصل ببايرو لإخباره بأنه لن يسميه لتشكيل الحكومة، لكنه عدل عن ذلك لاحقاً، مخافة إغضابه والتوقف عن دعمه.

بايرو ترشح ثلاث مرات للرئاسة

بتكليفه تشكيل الحكومة، يكون بايرو قد حقق نصف حلمه الكبير، وهو أن يصبح يوماً رئيساً للجمهورية. فهذا السياسي الذي ولج الحياة السياسية في ثمانينات القرن الماضي، وكان نائباً في البرلمانين الفرنسي والأوروبي، ورئيساً لمدينة متوسطة (بو) ولمنطقتها، ووزيراً في عدة حكومات... ترشح للرئاسة ثلاث مرات وكاد يتأهل مرتين للجولة النهائية في عامي 2007 و2012، حيث حصل على أكثر من 18 في المائة من الأصوات، وانسحب في ترشحه الرابع. وتسلم، في أولى حكومات ماكرون في عام 2017، وزارة العدل. بيد أنه اضطر للاستقالة منها بعد أشهر قليلة بعد أن انطلقت فضيحة استخدام نواب حزبه في البرلمان الأوروبي الأموال الأوروبية لأغراض محض حزبية؛ ما حرمه من أي منصب حقيقي في السنوات السبع الماضية، إلا أن قضاء الدرجة الأولى سحب الدعوى لعدم توفر الأدلة. لكن المسألة نُقلت إلى محكمة الاستئناف. واللافت أن الاتهامات نفسها وُجّهت لمارين لوبن ولحزبها. وإذا تمت إدانتها، فإنها ستُحرم من الترشح لأي منصب انتخابي، ومن رئاسة الجمهورية تحديداً لمدة خمس سنوات.

مهمة مستحيلة؟

بارنييه وزوجته إيزابيل بعد عملية التسلم والتسليم في ماتينيون مساء الجمعة (إ.ب.أ)

وبعيداً عن الجوانب الشخصية، تعود تسمية بايرو لقدرته، على الأرجح، على التعامل مع اليمين واليسار معاً. ومهمته الأولى أن ينجح في تشكيل حكومة لا تسقط خلال أشهر قليلة، وأن تبقى على الأقل حتى الصيف القادم، وربما حتى نهاية ولاية ماكرون في عام 2027. وقالت رئيسة البرلمان يائيل براون ـ بيفيه، إن بايرو هو «رجل المرحلة السياسية التي نعيشها، ونحن بحاجة إلى رصّ الصفوف السياسية حول مشروع موحد».

من جانبه، ربط اليمين التقليدي مشاركته في الحكومة بطبيعة «المشروع» الذي يحمله بايرو، والمهم بالنسبة إليه «خريطة الطريق». بالمقابل، فإن حزب «معاً من أجل الجمهورية» (حزب ماكرون) أعرب عن تأييده لبايرو ووقوفه إلى جانبه، في حين قال بوريس بوالو، رئيس الكتلة البرلمانية للاشتراكيين: «لن ندخل الحكومة، وسنبقى في المعارضة». بيد أن الاشتراكيين تعهّدوا بعدم التصويت على سقوط الحكومة إذا امتنعت عن اللجوء إلى تمرير مشاريع قوانين، وعلى رأسها موازنة عام 2025، من غير تصويت. أما الخُضر، فربطوا سحب الثقة بتجاهل بايرو لمخاوفهم بشأن الضرائب والمعاشات، وهو ما عبّر عنه رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا الذي وعد بأنه «لن يحصل حجب ثقة مبدئياً»، لكن الظروف يمكن أن تتغير.

يبقى أن الرفض المطلق جاء من حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد الذي يقوده جان لوك ميلونشون، والذي أعلن كبار مسؤوليه أنهم سيسعون إلى إقالة بايرو في البرلمان، في أقرب فرصة.

وفي تصريح صحافي له، قال بايرو إن «هناك طريقاً يجب أن نجده يوحّد الناس بدلاً من أن يفرقهم. أعتقد أن المصالحة ضرورية». إنه طموح كبير بمواجهة تحديات أكبر، والأصعب أن ينجح في دفع أحزاب ذات توجهات ومطالب متناقضة إلى العمل معاً. صحيح أن العجائب غير موجودة في السياسة، ولكن من يدري؟!