الخدمات الإخبارية على المنصات... بين الإغلاق وتسريح الصحافيين

مكتب «باز فيد» Buzz Feed في نيويرك - (أ.ف.ب)
مكتب «باز فيد» Buzz Feed في نيويرك - (أ.ف.ب)
TT

الخدمات الإخبارية على المنصات... بين الإغلاق وتسريح الصحافيين

مكتب «باز فيد» Buzz Feed في نيويرك - (أ.ف.ب)
مكتب «باز فيد» Buzz Feed في نيويرك - (أ.ف.ب)

أثار قرار منصة «باز فيد» Buzz Feed إغلاق الخدمات الإخبارية، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، تساؤلات حول التحديات التي تواجهها المنصات الصحافية، لا سيما أن القرار أعقب إعلان منصة «فايس» إيقاف الخدمات الإخبارية والبودكاست في الشهر نفسه، بينما أقدم موقع «فوكس» على تسريح نحو 10 في المائة من الصحافيين، فبراير (شباط) الماضي بحجة «أزمات مالية».

مراقبون يرون أن الإعلام الرقمي يمر راهناً بأوقات صعبة، بسبب ارتباك نموذج العمل المالي الذي كان تقليدياً، ويعتمد على الإعلانات مصدراً رئيسياً للدخل. إلا أنه مع تبعات الأزمة الاقتصادية تراجع الإنفاق الإعلاني عالمياً، مما وضع المؤسسات الإعلامية أمام تحديات مالية موجعة. وتشير الإحصائيات اليوم إلى أن سوق الإعلانات الرقمية مزدهر، غير أن جهات الإنفاق شهدت تغييراً خلال العامين الماضيين على وجه التحديد.

وبعدما كانت الصحف ووسائل الإعلام هي مقصد المعلنين، تقلصت ميزانية الإعلانات الخاصة بوسائل الإعلام لصالح الشركات الكبرى المسيطرة على العالم الرقمي، وفق بيانات نشرتها منصة «ستاتيستا» الألمانية المتخصصة في مارس (آذار) الماضي. وتفيد البيانات أن شركة «ألفابيت» ممثلة بـ«غوغل»، تستحوذ على نصيب الأسد في حصة الإعلانات الرقمية بنحو 25 في المائة من إجمالي حجم السوق، يليها موقع «أمازون» للتسوق في المركز الثاني بنسبة 6 في المائة. ولفتت بيانات «ستاتيستا» إلى أن منصات التواصل الاجتماعي لها نصيب من الإعلانات الرقمية لا سيما «فيسبوك».

الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين في دولة الإمارات العربية المتحدة، ذكر خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «أكثر ما يهدد المنصات الإعلامية راهناً هو الدعم المالي». وأردف أن «أزمة المنصات الصحافية تأججت منذ سنتين، بعدما ضربت جائحة (كوفيد - 19) العالم، وما تبعها من تراجع في النشاط الاقتصادي طال العديد من القطاعات. هذا الأمر أثر على إنفاق الشركات على الإعلانات، ومن ثم تأثرت سلباً العائدات المالية للمؤسسات الصحافية التي تعتمد على هذا النوع من الإعلانات مصدراً أساسياً للدخل».

وتطرق سعد إلى «التزاوج»، الذي وقع بين المؤسسات الصحافية ومنصات التواصل الاجتماعي لدرء آثار التراجع، فقال إن «منصات التواصل الاجتماعي وفّرت للصحف مصدر دخل إضافياً، عن طريق بيع الإعلانات الموجهة لجمهور الصحيفة على هذه المنصات، وهو ما يمكن أن يحسن من أداء المؤسسة المالي. ولكن مع ذلك، فإن هذا النوع من الدخل يعتمد على سياسات المنصات الاجتماعية التي يمكن أن تتغير في أي وقت. وبالتالي فهو ليس مصدراً أساسياً مستقراً للدخل».

والحقيقة، كما يشرح الدكتور سعد، تأثرت حصة الإعلانات بشكل كبير مع تقليص الإصدارات الورقية لصالح المنتج الرقمي، ذلك أنه «عندما ينخفض عدد الصحف المطبوعة، ينخفض أيضاً عدد القراء الذين يراجعون الإعلانات الموجودة في تلك الصحف... مما يؤدي إلى تراجع في الإعلانات المطبوعة. ورغم أن هذه المنصات توفر مصدر دخل مالي للصحف، فهي أيضاً تعاني عدة مشاكل، مثل تقلب الخوارزميات، وتغيّر سياسات الشركات، والتغييرات في نمط استخدام الجمهور لهذه المنصات، مما يجعل الاعتماد عليها مصدراً رئيسياً للدخل غير مضمون في المدى البعيد».

وبالفعل، رصدت «ستاتيستا»، المتخصصة في أبحاث السوق، تصاعد حصة الإعلانات الرقمية لتشغل نحو 70 في المائة من حجم الإعلانات في السوق العالمية. وتوقعت أن يصل حجم الإنفاق الإعلاني في سوق الإعلانات الرقمية إلى 679.80 مليار دولار أميركي خلال عام 2023.

من ناحية ثانية، وفقاً لخبراء حاورهم موقع «إن بي أر» الأميركي، بينهم بن سميث، رئيس التحرير السابق لـ«باز فيد نيوز» BuzzFeed News، فإن «فيسبوك توقفت أخيراً عن الترويج للقصص الإخبارية، وبالكاد تظهر التقارير الإخبارية عبر خدمات (تيك توك)، بينما انعكس ارتباك (تويتر)، منذ استحواذ إيلون ماسك عليها، على خدمات نشر الأخبار عبر المنصة». كذلك، وجدت دراسة حديثة أجرتها منظمة «ساينس فيد باك» Science Feedback، وهي منظمة أميركية للتحقق من المعلومات، أن «فاعل المستخدم مع ما يسمى بعمليّات نشر المعلومات المضللة زاد بنسبة 44 في المائة على المنصة منذ أن تولى ماسك زمام الأمور».

هنا، يذكر مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» أن عوائد الصحف راهناً «تسير على النحو التالي: المصدر الأساسي للدخل لأي صحيفة هو موقعها الإلكتروني، فيما تأتي العوائد من التواصل الاجتماعي في المرتبة الثانية أو في المرتبة الثالثة في بعض الأحيان». ويضيف أن «الأزمة تكمن في أن صفحات التواصل الاجتماعي غير مملوكة من قبل منشئيها، بل تتحكم فيها شركات المنصات الاجتماعي (تويتر - ميتا - سناب شات - وغيرها). ولذا قد تفقد أي صحيفة منصتها على وسائل التواصل الاجتماعي من دون سابق إنذار، ولأسباب عدة منها عدم الالتزام بسياسة المنصة. وبالتالي، يوجد الآن العديد من القيود التي تمنع الصحف من الاعتماد والاستثمار في صفحاتها على التواصل الاجتماعي». ويرى كيالي أنه «رغم زخم سوق الإعلانات الرقمية، لم تتمكن المؤسسات الصحافية من جذب المعلنين إلى منصاتها، كما كان عليه الوضع في عصر الإصدارات الورقية».

وتابع كيالي تحليله فقال: «الصحف واقعة بين نموذجين ماليين لتأمين الدخل، هما الاستثمار فيما أملك (الموقع إلكتروني) أو الاستثمار فيما لا أملك (التواصل الاجتماعي)... وإعلانات (غوغل) و(فيسبوك) لا تزال هي المسيطرة على سوق الإعلان الرقمي، ولكن حتى الإعلانات على أي موقع إخباري قد تكون مموّلة من قبل المنصة الصحافية لضمان رواجها لدى المتابعين، ومن ثم جذب مزيد من المعلنين لاحقاً». استطرد: «المنافسة صارت محمومة، وسط الخوف من التضخم حول العالم، والقلق بشأن عزوف الشركات الكبرى عن الصرف بشكل مبالغ فيه على الإعلانات في الفضاء الإلكتروني».

وعن الحلول المتوقعة، يرى كيالي أن علاقة «مهنة المتاعب» مع منصات التواصل الاجتماعي في حالة «موت سريري». ويوضح: «كلاهما ينتظر من الآخر خطوة للأمام بينما هما غير مستعدين أو غير قادرين - ربما - لأخذ زمام المبادرة»، ويضيف: «لا توجد حلول جذرية على الأقل في المستقبل القريب، غير أن ثمة صحفاً أو مواقع إخبارية تجاهد لإيجاد حلول، بعضها تحول إلى المحتوى الخاص المدفوع من خلال نموذج الاشتراكات الإلكترونية... وكذلك، توجهت صحف أخرى نحو إنتاج محتوى مقروء أو مرئي أو صوتي - حسب الطلب - لجهات وشركات خارجية مقابل مبالغ مالية». واختتم بنصح صناع الصحافة بـ«أن يهضموا ثورة الذكاء الصناعي ويضموها إلى معسكرهم بتحقيق أقصى استفادة ممكنة».

من جانبه، وضع أمين علوان، مؤسس موقع «مقال» ومتخصص في طريقة بحث المستخدمين على محركات البحث وعلى منصات التواصل الاجتماعي، اهتمامات الجمهور في مقدمة الحلول للخروج من الأزمة الراهنة. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «بتحليل إحصائيات توجهات كلمات البحث على (سيمراش) Semrush أو (غوغل)، يظهر أن المستخدمين باتوا أكثر اهتماماً بالمحتوى الفني والرياضي والترفيهي... وهذا اتجاه قاده تطبيق (تيك توك) خلال السنوات الأخيرة». غير أن هذا الاتجاه لا يدحض أهمية الأخبار، حسب علوان، الذي يرى أيضاً أن «الأخبار بحاجة لقوالب غير نمطية، تتميز بالعصرية والتفاعل مع المستخدم، بينما القالب الجاد الصلب ربما لن نراه قريباً».


مقالات ذات صلة

السجن 8 سنوات في روسيا لصحافي نشر «معلومات كاذبة» عن الجيش في أوكرانيا

أوروبا جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا في شبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)

السجن 8 سنوات في روسيا لصحافي نشر «معلومات كاذبة» عن الجيش في أوكرانيا

حكمت محكمة في مدينة غورنو ألتايسك الروسية في ألتاي، اليوم (الجمعة)، على الصحافي المحلي سيرغي ميخائيلوف بالسجن ثماني سنوات لانتقاده الجيش الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة تُظهر بكر القاسم الصحافي والمصوّر المتعاون مع وسائل إعلام عدة بينها «وكالة الصحافة الفرنسية» (متداولة)

فصائل موالية لأنقرة تُوقِف صحافياً بشمال سوريا

أوقفت الشرطة المحلية التابعة لفصائل موالية لأنقرة بشمال سوريا، الصحافي والمصوّر المتعاون مع وسائل إعلام عدة، بكر القاسم، في مدينة الباب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق أكاديمية «SRMG» تطلق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا بدعم من «تيك توك»

أكاديمية «SRMG» تطلق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا بدعم من «تيك توك»

أعلنت أكاديمية «SRMG» عن نيّتها إطلاق دورة تدريبية في صحافة التكنولوجيا، بدعم من منصّة «تيك توك»، وذلك في الرياض بين 15 و19 سبتمبر 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أمّهاتٌ قاتلات وأزواجٌ مجرمون... «راوية الجريمة» تعرض أفظع الجرائم الواقعيّة

أمّهاتٌ قاتلات وأزواجٌ مجرمون... «راوية الجريمة» تعرض أفظع الجرائم الواقعيّة

يشهد عالم التلفزيون والإعلام مؤخراً اهتماماً مطّرداً من قبل الجمهور بالجريمة الواقعية. يأتي بودكاست «راوية الجريمة» عبر «الشرق» ليروي هذا العطش المستجدّ.

كريستين حبيب (بيروت)
الولايات المتحدة​ أوبرا وينفري تتحدث في اليوم الثالث من المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ف.ب)

بعد دعمها هاريس... ماذا نعرف عن تاريخ أوبرا وينفري السياسي وتأييداتها؟

تحدّثت الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، أمس (الأربعاء)، في المؤتمر الوطني الديمقراطي، حيث أعلنت تأييدها لكامالا هاريس، واستمرّت في دعمها للمرشحين الديمقراطيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة
TT

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

أجيال عربية متلاحقة تحتفظ بذكريات من الانغماس في عوالم بديلة تكوّنت بين الصفحات الملوّنة لمجلات الأطفال المليئة بالقصص المشوّقة والصور المبهجة، غير أن رفيق الطفل العربي هذا يشهد اليوم تحوّلات جذرية تتجاوز حدود الورق الملون لتصل إلى عالم التكنولوجيا الرقمية.

وفي حين يعتمد خبراء ومتابعون على تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، أشار إلى أن معدل قراءة الطفل العربي للكتاب غير المدرسي 6 دقائق فقط، وهذا معدل منخفض للغاية مقارنة بدول العالم، فإن ثمة بيانات أخرى تبدو أكثر إيجابية، إذ تضمنت قائمة «مؤشر إن أو بي الثقافي العالمي» (NOP World Culture Score Index) الصادر مطلع العام الحالي دولتين عربيتين بين الأكثر قراءة عالمياً.

مصر احتلت المرتبة الخامسة في «المؤشر»، وجاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة العاشرة، وهو ما عدّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بمنزلة «فرصة جيدة لمجلات الأطفال لمنافسة الآيباد والهواتف الذكية».

جدير بالذكر، أن المنطقة العربية تصدر عدداً من مجلات الأطفال، تأتي في مقدمتها «ماجد»، وهي مجلة إماراتية صدرت للمرة الأولى عام 1979، وترأس تحريرها منذ البداية الكاتب الصحافي أحمد عمر، الذي توفي في أغسطس (آب) الحالي عن عمر ناهز 85 سنة، أمضى معظمه في إثراء صحافة الطفل، ومع وفاته تصاعدت تساؤلات حول مستقبل مجلات الأطفال في الوطن العربي.

تجارب راسخة

أيضاً، بين التجارب الراسخة في مجال صحافة الطفل مجلة «ميكي»، التي صدرت في مصر لأول مرة عام 1959. وهي مستوحاة من شخصية «ميكي ماوس» الشهيرة لشركة «والت ديزني»، وعلى مدار عقود حققت المجلة نجاحاً كبيراً، واستمرت في الصدور حتى اليوم. وثمة تجارب أخرى في مصر والوطن العربي مثل مجلات «علاء الدين» و«العربي الصغير» و«قطر الندى» و«سمسم» -المستوحاة من البرنامج الشهير «عالم سمسم»- و«كوكو»... وأيضاً «سمير» و«سندباد» وغيرها من التجارب البارزة في صحافة الطفل.

الفنانة التشكيلية الإماراتية، آمنة الحمادي، رسامة كاريكاتير وخبيرة كرتون أطفال وتحكيم دولي، ترى أن تجارب صحافة الطفل «راسخة حتى الآن، لأنها تسعى جاهدة للاستمرار في تقديم المفيد للطفل في جميع المجالات الفنية والثقافية والترفيهية». وتخص آمنة الحمادي مجلة «ماجد» بالحديث قائلة: «لا أزال أؤمن بأن مجلة (ماجد) هي أفضل التجارب في صحافة الطفل، بدليل أنها الأعلى توزيعاً».

ومن ثم، تعزو آمنة الحمادي أسباب هذه الاستمرارية إلى أن «مجلة (ماجد) تسعى صادقة لترسيخ ثقافة عربية تنبع هويتها من تراث أصيل يحمل المبادئ الراقية والأخلاق النبيلة، وينادي بحب الإنسانية. ومن هنا كانت لغة الخطاب الموجهة إيجابية، وجاء ذلك بمشاركة خبراء في عالم الطفل من كُتاب ورسّامين مُبدعين في الوطن العربي، قادرين على إلهام أجيال المستقبل وإثراء تجاربهم وتطوير ذائقتهم»، على حد تعبيرها.

وتضيف أن «المجلة نجحت في خلق مساحات خاصة لمشاركات الأطفال من خلال نشر إسهاماتهم، ما يُعزّز نموذجاً تفاعلياً، ما ساهم في تطوير مواهبهم في إطار ترفيهي يحترم عقلية ونفسية الطفل بصفته فرداً من أسرة تحرير المجلة».

التطوّر الرقمي... و«مانجا»

وفي ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم راهناً، تعتقد الفنانة الإماراتية آمنة الحمادي أن «أثر التكنولوجيا بات واضحاً وإيجابياً على شكل مجلات الطفل، من حيث سعة المعلومات وسرعة الإنتاج وسهولة الوصول للجميع وسهولة المشاركة بين المجلة والأطفال، وأيضاً حماية البيئة في تقليل الاعتماد على الأوراق وجماليات الألوان، وهو ما يعدّ أحد جوانب الجمال البصري». وتشدّد على أن «الطفل العربي أكثر انفتاحاً على التكنولوجيا، ما يعني وجود فرصة لصنّاع صحافة الطفل للتطوير».

من ناحية أخرى، عدّ خبراء التجارب الإلكترونية لمجلات الأطفال الورقية الراسخة بأنها «محدودة»، إذ تمثّل أغلبها في تعزيز الأرشيف بنسخة «بي دي إف»، أما التحول الفعلي نحو الرقمنة والتفاعل فلا يزال محل سجال. وفي السياق نفسه، جاءت المبادرة الأولى لإطلاق مجلات إلكترونية تفاعلية للأطفال على يد المملكة العربية السعودية من خلال طرح تجربة «مانجا العربية» عام 2021، وهي مجلة إلكترونية مخصّصة للأطفال والشباب متوفرة عبر الإنترنت وتطبيقات متجر «غوغل بلاي» و«آبل»، فضلاً عن حضورها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وتضم «مانجا العربية» مجموعات قصصية عربية ويابانية مصوّرة ومزوّدة بالفيديو بصفتها طريقة لجذب الفئات العُمرية الصغيرة، كما تقدّم حملات رقمية توعوية تستهدف الأطفال والشباب، وتطرح المسابقات التحفيزية لتحقيق مزيد من التفاعل. ولقد اتجهت المجلة في مايو (أيار) الماضي، نحو تعاون مع شركة «بلايستيشن» لتعزيز دورها في صناعة الألعاب التفاعلية، كما أعلنت الشهر نفسه عن خطة توسعية بإطلاق «مانجا إنترناشونال».

في هذا السياق، قال الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة «أم القيوين» في دولة الإمارات، يرى أن مجلات الطفل بشكلها التقليدي «بحاجة إلى أذرع التكنولوجيا»، مضيفاً: «تقف مجلات الأطفال الكلاسيكية في مفترق طرق غير مستقر، إذ يبدو أن مستقبلها متأثر بعدة عوامل أشارت إليها الأبحاث الحديثة».

وحقاً، تشير الأبحاث إلى أن اهتمام الجمهور الأصغر سناً بوسائل الإعلام المطبوعة آخذ في التناقص. ومن ثم، فإن الأشكال الكلاسيكية على وشك الاختفاء، لكنها لن تختفي تماماً أمام نظيراتها الرقمية، وبدلاً من ذلك، ستكون نموذجاً هجيناً، جزء منه ورقي، وجزء رقمي، وهذا من شأنه أن يلبي الأذواق المتباينة، ويساعد مجلات الأطفال على البقاء في مشهد إعلامي يزداد تحدياً».

وشدد سعد، من ثم، على عنصر التفاعل، بقوله: «دراسات عدة أثبتت أن منصّات التعلّم بالألعاب فعّالة، لأنها توفر المتعة مع تعليم الشخص التفكير النقدي ومهارات حل المشاكل... ومن شأن تزويد مجلات الأطفال العربية بأدوات تفاعلية تعليم الطفل قيماً كثيرة، من بينها التعاون ومشاركة الأفكار مع آخرين لتحقيق أهداف تنعكس على مجتمعاتهم».

يرى خبراء أن التجارب الإلكترونية لمجلات الأطفال الورقية الراسخة بأنها «محدودة» إذ تمثّل أغلبها في تعزيز الأرشيف بنسخة «بي دي إف» أما التحول الفعلي نحو الرقمنة والتفاعل فلا يزال محل سجال

مخاطر الهواتف

في المقابل، ترى الكاتبة المصرية أمل فرح، المتخصّصة في الكتابة للطفل، التي تقلّدت عدة مناصب في مجلات عربية منها مجلة «ميكي»، أن «التكنولوجيا ورقمنة محتوى الطفل سيفُقد المجلات الورقية هويتها». وتشرح أمل فرح: «صحيح، لدينا أزمة ضخمة في مجلات الأطفال، غير أن السبب ليس في شكل المجلة أو الوسيلة المستخدمة، سواء كانت نسخة ورقية أم رقمية، بل في جاذبية المحتوى، ومدى تطوره ليرضي حاجة أطفال اليوم». ثم تضيف: «على مدار العقد الماضي، بالغنا في الترويج للثقافة الإلكترونية بحجة عزوف الطفل عن القراءة، غير أنها فرضية تحتاج إلى إعادة نظر وتحليل أكثر دقة».

وهنا تدلّل أمل فرح على فرضية أن الطفل العربي لا يزال معنياً بالقراءة، مضيفة: «شهدت سلسلة كتب هاري بوتر مبيعات ضخمة، رغم تقديمها من دون رسوم أو عناصر جذب رقمية». وكذلك تدحض ربط تطوير مجلات الأطفال بضرورة الاعتماد على التكنولوجيا، بقولها: «ثمة مخاطر صحية عدة لاستخدام الهاتف الذكي والآيباد، فقد حذرت دراسات كثيرة من آثار ذلك على صحة العين والدماغ والإدراك، حتى إن بعض الدراسات أشارت إلى أن المدة المسموح بها لاستخدام الطفل الهاتف الذكي لا تتخطّى ساعة يومياً؛ ولذلك فنحن بحاجة إلى النسخة الورقية الكلاسيكية، بشرط أن تحمل بين صفحاتها أفكاراً عصرية تحترم رغبات وعقلية الطفل».

عودة إلى الدكتور سعد، فإنه لا يُعوّل على التطور التكنولوجي فقط، بل يرى أن الصحافيين وكتاب الأطفال ركيزة في التطوير، «ولتقديم محتوى جذاب للأطفال، يجب على الصحافيين والكتاب تطوير اللغة وفقاً للعمر والتجربة، والاستعانة بالرسوم التوضيحية وغيرها من العناصر المرئية المطوّرة وفقاً للتكنولوجيا، إلى جانب التفاعل، إذ يمكن لتقنيات سرد القصص -مثل تطوير الشخصيات والحبكات المثيرة- أن تعزز الاستثمار العاطفي والانتباه».