هيئة علماء المسلمين تطلق من عمان مبادرة «العراق الجامع»

تدعو إلى الوحدة واستقلال القرار ورفض التبعية للخارج وتعزيز السلم المجتمعي

هيئة علماء المسلمين تطلق من عمان مبادرة «العراق الجامع»
TT

هيئة علماء المسلمين تطلق من عمان مبادرة «العراق الجامع»

هيئة علماء المسلمين تطلق من عمان مبادرة «العراق الجامع»

أطلقت هيئة علماء المسلمين في العراق في ختام مؤتمر عقد في عمان الليلة قبل الماضية، ما سمته مبادرة «العراق الجامع، الحل المناسب لإنقاذ العراق والمنطقة» للوصول إلى ما وصفته المبادرة بصيغة ما لعمل عراقي مشترك قائم على الوضوح بما يتيح الجمع بين الرؤى والتوجهات والأفكار المشتركة لإيجاد حلول ناجعة وحاسمة.
وأشارت الهيئة على لسان رئيسها مثنى حارث الضاري خلال مؤتمر صحافي عقد بحضور ممثلي القوى والعشائر العراقية، إلى أهمية هذه المبادرة في ظل الأحداث المتسارعة في العراق وفشل الحلول الدولية لحل الصراعات في العراق والأزمات المتزايدة واستمرار مسلسل القتل والاضطهاد والقمع في العراق.
وتتضمن المبادرة الدعوة إلى لقاءات تشاورية موسعة بين القوى العراقية المناهضة للمشروع السياسي القائم في العراق لغرض الاتفاق والتنسيق على مبادئ وثوابت مشروع العراق الجامع وتفعيلها. كما تدعو المبادرة إلى سلسلة من الندوات الموسعة بين كفاءات ونخب المجتمع العراقي وقواه المدنية الفاعلة وقادة الرأي والواجهات الاجتماعية لتقريب وجهات النظر والوصول إلى رؤى متقاربة ما أمكن، كما دعت إلى اجتماع شرائح المجتمع وفئات مجتمعية مهمة في كيانات وعناوين تمهيدا لمشاركتها في أي جهد عراقي جمعي مقبل ودعم رأي عام عراقي وتوسعته نحو حركة جماهيرية ناشطة.
ومن بنود المبادرة أيضا عقد مؤتمر عام لتأسيس إطار عراقي جامع، يكون عنوانا واحدا ينظم أفكار ومنطلقات القوى العراقية من خلال ميثاق للعمل المشترك، يقوم على أساس الوحدة واستقلال القرار العراقي ورفض التبعية للخارج القريب والبعيد، وتعزيز السلم المجتمعي «بما يقطع الطريق على الانفراد ببعض القوى وسحبها لتنازلات انفرادية أو فخاخ معدة هنا وهناك وتحضيرا لحل مناسب يحول دون وقوع العراق فريسة الفراغ القاتل».
وأشار الضاري إلى أن دولاً عربية رفضت، منذ عام 2009، طلبات الهيئة بعقد مؤتمر عام للقوى العراقية، كما رفضت جامعة الدول العربية ذلك، مشيرا إلى أن المبادرة المطروحة حاليًا تلاقي تأييدا عربيًا ودوليًا، رافضًا الكشف عن أسماء الدول المؤيدة.
ونفى الضاري أن تكون المبادرة جاءت رد فعل على ما تشهده المحافظات الجنوبية من مواجهات احتجاجية، معتبرًا أن ما يحدث ما هو إلا «دلالة على أن الشعب العراقي سئم الأوضاع القائمة، وما عاد قادرًا على التحمل، وأنه، اليوم، يتطلع إلى الخلاص». ونوه بأن المبادرة تأتي بعد معاناة طويلة من تغول الحكومات المتعاقبة وأجهزتها القمعية ومصادرتها حق الشعب في المطالبة بحقوقه، لافتًا إلى أن الثورات المتعاقبة التي يعيشها العراق والتي بدأت في عام 2011 ضد سياسية القتل والاعتقال والفساد، وانطلقت مرحلتها الثانية في عام 2012 متمثلة في ساحات الاعتصام التي قوبلت بسياسة القتل، وصولاً إلى ما يشهده العراق اليوم من احتجاجات متنامية في محافظاته الجنوبية.
وأفاد الضاري بأنه «أصبح من المسلمات أن النظام السياسي القائم في بغداد لا يمثل العراقيين جميعًا، وأنه مصمم لخدمة مصالح أحزاب وجهات محددة، بعيدًا عن مصالح الشعب، وأن تجربة مداها أكثر من ثلاث عشرة سنة فشلت فيها وجوه العملية السياسية المختلفة في إدارة شؤون العراق، وجلب الاستقرار له، والمحافظة على عناصر القوة فيه».
وختم الضاري بالقول إن «دول العالم ولا سيما الإقليمية منها، أمامها فرصة تاريخية لتكون طرفًا عادلاً وفاعلاً في إقناع المجتمع الدولي ورعاة العملية السياسية بتصحيح المسار الخاطئ في العراق، وعدم الإصرار عليه، واعتماد سياسة جديدة تكون من أولوياتها عدم الوقوف في طريق القوى العراقية، التي تم تجاهلها من قبل عن عمد وعزلها، والإيحاء للعالم بأنها غير موجودة، وهي القادرة على إنقاذ بلدها وبنائه بشكل صحيح».
وأكد الضاري أن الهيئة لا تزال تراهن على الشعب العراقي ووعيه وتمسكه بوحدة أرضه، مجددا رفض التصريحات الأميركية حول تقسيم العراق، ومؤكدا أن الشعب هو من يقرر مصير العراق، وأن الكل يريد وحدة العراق رغم ما روج له من مشاريع إقليمية للتقسيم، كما أكد على ضرورة استكمال البيت الوطني على أسس وطنية. وأضاف الضاري أن هيئة علماء المسلمين في العراق لمست استعدادا وترحيبا من مختلف القوى العراقية لتغيير الوضع الراهن والتوقف عن خطاب الطائفة.
من جانبه أعرب الناطق الإعلامي لهيئة علماء المسلمين محمد بشار الفيضي عن أمله بنجاح المبادرة، مشيرا إلى الوضع الإقليمي المضطرب الحاصل حاليا والخوف العالمي من تفاقم الأزمة العراقية وتطاير شررها وانسداد الأفق لأي حل في العراق، مشيرا إلى مظاهرات الجنوب التي حصلت أخيرا. وأشار الفيضي إلى ارتفاع الأصوات الشعبية والرسمية لرفض سياسة المحاصصة الطائفية بما ينسجم مع مطالبات الهيئة ومبادرتها الجديدة، مؤكدا عدم وجود ارتباط بين موعد طرح المبادرة والمظاهرات الواقعة في العراق حاليا، مشيرا إلى أن هذه المظاهرات تعزز من المبادرة. وعبر الفيضي عن شكره للأردن للسماح بعقد المؤتمر على أراضيه، وقال إن «سماح الأردن اليوم بالظهور والإعلان عن المبادرة هو أمر يستوجب الشكر».
يذكر أن توترًا شاب العلاقات الأردنية - العراقية، في يوليو (تموز) 2014، وصل حد استدعاء الخارجية العراقية سفيرها في عمّان، جواد عباسي، للتشاور، وذلك على خلفية استضافة الأردن مؤتمرًا للقوى العراقية المناهضة للسلطة السياسية في بغداد، وهو الأمر الذي رأت فيه الحكومة العراقية حينها عملاً عدائيًا من الأردن، قبل أن يصار بعدها إلى تطويق الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
وتأسست هيئة علماء المسلمين في خضم الغزو الأميركي للعراق وتحديدا في 14 أبريل (نيسان) 2003، وإلى جانب نشاطها الديني من إفتاء ودعوة، بقي الهم السياسي جزءا أساسيا من اهتمام الهيئة وبياناتها بما يخص التطورات والصراعات السياسية على الساحة العراقية. وتعرف الهيئة نفسها بأنها «كيان يضم مجموعة من العلماء المتخصصين بالشريعة يحملون مجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية، يعاونهم في ذلك المسلمون من أهل الاختصاص في العلوم الأخرى».
ومن أبرز من أسسوا هيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري الذي توفي ودفن في الأردن في 12 مارس (آذار) الماضي وخلفه في رئاسة الهيئة نجله مثنى، كما تضم عددا من علماء الدين العراقيين ومنهم محمد عبيد الكبيسي، والشيخ عدنان العاني.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».