تعتمل دولة ميانمار (المعروفة كذلك باسم بورما) بأحداث مشتعلة، مع وقوع عدة معارك بين الجيش ومجموعات مسلحة. في واقع الأمر، لا يعد هذا بالأمر الجديد، فميانمار دولة تتسم بتاريخ مضطرب وعنيف. نالت هذه الدولة الواقعة بين شبه الجزيرة الهندية وشبه جزيرة الهند الصينية استقلالها عن بريطانيا عام 1948، إلا أنها عانت من صراعات داخلية واسعة وانقلابات عسكرية متكررة بين عامي 1962 و1988. وفي موجة جديدة من الهجمات ضد المدنيين، شنّ جيش ميانمار واحدة من أعنف الغارات الجوية، يقال إنها أسقطت أكثر من 170 قتيلاً، بينهم نساء وأطفال غير مسلحين، في خضم الحرب الأهلية المستعرة. والأسبوع الماضي، ألقت القوات المسلحة عدة قنابل على تجمع داخل قرية بازيغي بمنطقة ساغاينج، عندما تجمع مئات الأشخاص، في وقت مبكر من الصباح، في المنطقة، للمشاركة في فعالية نظمها الخصوم المحليون للجيش.
عصفت بميانمار اضطرابات عنيفة منذ أن أطاح جيشها بالحكومة المنتخبة التي ترأستها أونغ سان سو تشي، الناشطة السياسية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، في الأول من فبراير (شباط) 2021. ولقد حال استيلاء الجيش على السلطة دون تولي حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، بقيادة زعيمته سو تشي، رئيسة الحكومة، التي هي أيضاً ابنة أونغ سان، بطل الاستقلال، قيادة البلاد لفترة ثانية.
من ناحيته، ادعى الجيش أن انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، التي فازت بها «الرابطة» بغالبية ساحقة، جرى «تزويرها»، ولكن من دون تقديم أي دليل على ذلك. وبالتالي، أعلن الجيش حالة الطوارئ واعتقل مستشار الدولة، داو أونغ سان سو تشي، والرئيس وين ميينت، بجانب عدد من الزعماء الديمقراطيين الآخرين.
وأيضاً صدر حكم ضد سو تشي بالسجن 6 سنوات، بناءً على اتهامات واهية، بجانب اتهامات أخرى لم تصدر الأحكام النهائية بخصوصها بعد، قد يصل مجموع أحكامها إلى 164 سنة في السجن.
- انقلاب... ومعارضة
على هذه الأحداث، علّق غوتام موخوبادهايا، السفير الهندي السابق لدى ميانمار، شارحاً: «كانت للجيش قبضة محكمة على ميانمار، لأن الدستور يضمن له 25 في المائة من مقاعد البرلمان والسيطرة على أقوى الوزارات. إذ تتمتع المؤسسة العسكرية فعلياً بالحق في نقض أي محاولة لتغيير اللعبة السياسية بالبلاد. وفي الانتخابات العامة الأخيرة، كان أداء الحزب المدعوم من الجيش (حزب الاتحاد للتضامن والتنمية) ضعيفاً، بينما جاء أداء (الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية) أفضل مما كان عليه عام 2015... وهذا الأمر خلق توتراً بين المؤسسة العسكرية والحكومة. أما السبب المباشر وراء الانقلاب فكان الخوف من أن الحزب الذي فاز في الانتخابات سيعيد كتابة دستور 2008، ليجرّد الجيش من سلطاته. ولذلك، أطاح الجيش بالحكومة المنتخبة وعاد إلى السلطة».
لاقى استيلاء الجيش معارضة قوية واسعة النطاق، قمعتها قوات الأمن بقوة، وتحولت منذ ذلك الحين إلى مقاومة مسلحة على نطاق واسع. واليوم، يسعى جنرالات الجيش جهدهم من أجل توطيد سلطتهم، والقتال على جبهات متعددة ضد متمردي الأقليات العرقية، وحركة المقاومة المؤيدة للديمقراطية. هذا، في حين لم تحرز الجهود الخارجية للتوسط من أجل السلام أي نجاح، حتى عندما جاءت من أطراف متعاطفة مع الحكومة العسكرية، مثل «رابطة دول جنوب شرق آسيا» (آسيان)، المؤلفة من 10 أعضاء.
محللون سياسيون يرون أن ما يجري اليوم في ميانمار يمثل أسوأ موجات العنف التي تعرضت لها البلاد على الإطلاق منذ نيلها استقلالها، مع امتدادها إلى أكثر المناطق التي تنبذ بطبيعتها العنف، المعروفة باسم «المنطقة الجافة». ويذكر هنا أن «المنطقة الجافة» مصطلح يشير إلى منطقة تهيمن عليها غالبية البامار البوذية الموالية للعسكر. وتقليدياً، ظلت هذه المنطقة بمعزل عن أي شكل من أشكال العنف الإثني.
هذا، وأفادت تقارير إعلامية إلى أن غالبية البامار وأقليات عرقية مثل الكارين والتشين والكاشين والراخين والكاريني تعمل على توحيد صفوفها اليوم بمواجهة الحكم العسكري. وفي المقابل، زاد المجلس العسكري إنفاقه السنوي على الجيش إلى ما يقدر بنحو 2.7 مليار دولار، أكثر من 25 في المائة من الميزانية الوطنية، بهدف قمع السكان.
- حرب أهلية أزلية
جدير بالذكر أنه بعد الحصار الذي فرضه الجيش، اشتعلت حرب أهلية دامية في معظم أرجاء ميانمار، وتحول الصراع المنخفض الحدة إلى حرب أهلية شاملة. فداخل المدن، تحولت الاحتجاجات إلى صدامات مسلحة بين المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية وقوات الأمن. وفي الأدغال، تعاونت الجماعات المناهضة للمجلس العسكري مع متمردين من أجل تلقي تدريب عسكري. وبلغ الوضع درجة من الخطورة، دفعت المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتحذير من أن ميانمار قد انزلقت نحو حرب أهلية. أيضاً، وثقت منظمات دولية، مثل «اليونيسيف»، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك قصف مدارس دونما رحمة.
حتى الآن، ألقيت على القوات العسكرية الحكومية، المعروفة باسم «تاتمادو»، المسؤولية عن مقتل قرابة 3240 مدنياً، وسجن 18000 آخرين، بينهم أعضاء في أحزاب معارضة وصحافيون وغيرهم من منتقدي النظام، تبعاً لجمعية مساعدة السجناء السياسيين.
وفي المجمل، هناك 3 أطراف متصارعة على الأقل في إطار هذه الحرب الأهلية. وبينما تطلق الحكومة العسكرية على نفسها اسم «مجلس إدارة الدولة»، تتألف المعارضة من «حكومة الوحدة الوطنية» والبرلمان بالمنفى و«قوات الدفاع الشعبي». وتقود «حكومة الوحدة الوطنية» المقاومة السياسية في وجه المجلس العسكري، وتطلق على نفسها اسم «حكومة ميانمار الحقيقية»، وهي تملك ميليشيات مدنية مسلحة داعمة للديمقراطية كجناح مسلح لها. بيد أن المجلس العسكري اعتبر هذه الجماعات «تنظيمات إرهابية».
عودة إلى الهند، «جارة» ميانمار من الشمال الغربي، يرى المحلل السياسي أنغشومان تشودري أن «أكثر من ثلث ميانمار لا يخضع الآن لسيطرة الجيش، حسبما اعترف مسؤول رفيع المستوى بالمجلس العسكري في وقت قريب». ثم إنه جرى توسيع نطاق قوانين الأحكام العرفية لتشمل 37 بلدة أخرى، وغدا بمقدور المحاكم العسكرية محاكمة «الجناة» بتهم تتراوح من الخيانة إلى نشر «أخبار كاذبة». إلا أن اللافت أن الحرب الأهلية في ميانمار مستمرة فعلياً منذ عام 1948، ولم يتوقف القتال بين الحكومة المركزية، التي تهيمن عليها غالبية البامار، وتنظيمات عرقية مسلحة في 7 ولايات عرقية، بشكل كامل مطلقاً منذ نيل البلاد استقلالها منذ عقود قبل انقلاب عام 2021.
- اللا استقرار... متجذر
للأسف، لا تُعد الانقلابات العسكرية أمراً غريباً على ميانمار. فعلى سبيل المثال، قضى انقلاب عام 1962، بقيادة الجنرال ني وين، على الديمقراطية التمثيلية للبلاد، وأقرّ مكانها 26 سنة من الحكم العسكري. وأنكر الجيش كذلك الانتصار الانتخابي الساحق الذي حققته أونغ سان سو تشي و«الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» بانتخابات عام 1990، فاحتفظ بالسلطة لمدة 25 سنة أخرى حتى فازت «الرابطة» مرة أخرى في الانتخابات العامة عام 2015. وهنا توضح الصحافية الهندية نيروباما سوبرامانيام أنه «رغم ذلك، جاءت طريقة إدارة السياسة البورمية (أي الميانمارية) بعد انقلاب 2021 مختلفة تماماً. فقبل الانقلاب تذوّق الشعب البورمي طعم الديمقراطية والحرية وانفتح على العالم الخارجي والتدفق الحر للأفكار والمعلومات والأشخاص والفرص الاقتصادية في ظل حكومة ديمقراطية. واليوم، ببساطة، يرفض الشعب العودة إلى عقود الحكم العسكري، بغض النظر عن أن الجيش البورمي يعدّ الحكم العسكري امتيازاً طبيعياً له والوضع الطبيعي للبلاد. وعليه، تحوّلت معارضة الانقلاب ورفض الحكم العسكري إلى أقوى العوامل الموحدة لصفوف باقي فئات الشعب. والأهم عن ذلك، دفع هذا الوضع قوى المقاومة المختلفة بعضها باتجاه بعض».
- التفاعل الدولي
من جانب آخر، في مواجهة هذه الوحشية، تُقسم اعتبارات الجغرافيا السياسية المجتمع الدولي، وتعيقه عن طرح استجابة دولية متناغمة.
جغرافياً، تقع ميانمار على حدود أكبر دولتين في العالم من حيث عدد السكان... أي الصين والهند. وهذا ما يجعل من موقعها نقطة استراتيجية لـ«مبادرة الحزام والطريق الصينية» التي توفر وصولاً عبر أعماق البحار إلى المحيط الهندي. بيد أنها، في الوقت ذاته، تشكل الممرّ الخاص بالهند إلى بحر الصين الجنوبي. ومع هذا وذاك، كما تقول الصحافية سوبرامانيام «لدى دول أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة مصالح اقتصادية قوية في ميانمار».
ولكن في هذه الأثناء، تمضي كلٌّ من روسيا والصين والهند في التعاون مع المجلس العسكري، ما يضفي عليه درجة من التقدير الدولي. أما مجموعة «الآسيان» فلا تبذل مجهوداً يذكر لإعادة ميانمار إلى المسار الديمقراطي.
وراهناً، تكشف الأرقام أن روسيا ثاني مورِّد للأسلحة لميانمار، بعد الصين. وعليه، ليس من المستغرب أن تعمد روسيا والصين إلى عرقلة محاولات مجلس الأمن الدولي لفرض حظر على بيع أسلحة لميانمار. وبينما تبدي الصين حرصها العلني على حماية مصالحها الاستراتيجية في البلاد، واصفةً الانقلاب بأنه «تعديل حكومي كبير»، تصرّ روسيا من جانبها على أنه «شأن داخلي» محض.
السفير موخوبادهايا، من حصيلة خبرته بميانمار، يعتقد أن «الوضع في ميانمار معقد بسبب النسيج العرقي الشديد التنوّع والتعدد... فهناك 135 عرقية معترف بها داخل حدود البلاد، بل إن بعضها، مثل الروهينجا، لم يُعترف بهم أساساً. أضف إلى ذلك الصراع المستمر بين الأقليات العرقية والحكومة المركزية منذ الاستقلال».
ويضيف السفير أن التطورات التي شهدتها السنوات الأخيرة كانت بمثابة ملحمة حزينة لسو تشي. ويتابع: «بعكس فترات الاعتقال السابقة التي تعرضت لها حتى عام 2011، تخلّى المجتمع الدولي هذه المرة عن تشي، بعدما كان ينظر إليها باعتبارها ممثلة للديمقراطية، وكان السبب موقفها من قضية الروهينجا، الأمر الذي حرم ميانمار من زعيم طبيعي كان يمكن للمجتمع الدولي أن يلتف حوله».
وقبل فترة قصيرة، قام الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة مفاجئة إلى ميانمار، نيابة عن مجموعة «الحكماء» من زعماء العالم، التي أسسها نيلسون مانديلا، والتي تعمل على تعزيز السلام ونزع فتيل الصراعات.
وكان بان إبان فترة عمله بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة من 2007 إلى 2016 قد بنى تاريخاً طويلاً من المشاركة في شؤون ميانمار. ولقد ذهب إلى هناك للضغط على الجنرالات الذين كانوا يحكمون البلاد في حينه من أجل السماح بتدفق المساعدات الأجنبية والخبراء دون عوائق، وذلك لتقديم العون للناجين من الإعصار «نرجس» عام 2008، الذي أودى بحياة قرابة 134000 شخص. وحثّ بان كذلك الجيش على إرساء الديمقراطية.
- جهود التسوية
تشكل جهود السلام عبر منظمة «الآسيان» العملية الدبلوماسية الرسمية الوحيدة المرتبطة بميانمار. والواضح أن المجلس العسكري الحاكم غير مستعد لتنفيذ ما يسمى بـ«إجماع النقاط الخمس» الذي اتفق عليه مع «الآسيان» عام 2021.
الاتفاق يتضمن وضع نهاية فورية للعنف، وعقد حوار بين جميع الأطراف المعنية، وتعيين مبعوث خاص، وتقديم مساعدات إنسانية من جانب «الآسيان»، وزيارة مبعوث خاص ميانمار لعقد لقاءات مع جميع الأطراف. وبالمناسبة، أيدت الأمم المتحدة خطة «الآسيان».
ولكن، في المقابل، اتهمت الحكومة العسكرية أعضاء «الآسيان» ممن ينتقدونها بـ«التدخل في الشأن الداخلي» للبلاد. وحذّرتهم من التعامل مع «حكومة الوحدة الوطنية». واتهمت أيضاً معارضيها بمحاولة تخريب خطة «الآسيان»، وبرّرت الهجمات العسكرية بأنها ضرورية لتأمين البلاد وتمكين المباحثات السياسية.
في الوقت ذاته، من المقرر أن تستضيف الهند جلسة عصف ذهني حول كيفية إيجاد «مصالحة» في ميانمار، وإنهاء الأزمة التي ضربتها منذ الانقلاب العسكري في فبراير (شباط) 2021. وستعقد جلسات حوار «المسار 1.5» الثاني، الذي أطلقته تايلاند، داخل مقر المجلس الهندي للشؤون العالمية، وهو مؤسسة فكرية مستقلة تمولها وزارة الشؤون الخارجية.
وتتضمّن قائمة الدول المشاركة؛ ميانمار والصين وتايلاند ولاوس وبنغلاديش، ورئيسي «الآسيان» السابق والحالي؛ كمبوديا وإندونيسيا. وأيضاً سيشارك أكاديميون وأعضاء في مؤسسات الفكر والرأي من هذه البلدان.
- الهند تتأثر وتؤثر
ما يستحق الذكر أن تايلاند والهند تأثرتا كثيراً بالحرب الأهلية الدائرة في ميانمار. وتفيد التقديرات بأن حوالي 20000 لاجئ عبروا الحدود إلى تايلاند بعد الانقلاب العسكري عام 2021، في حين لجأ عشرات الآلاف من اللاجئين هناك منذ الثمانينات.
ورغم ارتباط رئيس الوزراء التايلاندي، برايوت تشان أو تشا، الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري عام 2014، بعلاقات ودية مع قادة المجلس العسكري في ميانمار، يعيش الحكم التايلاندي في بانكوك كوابيس لا تنتهي بسبب لاجئي ميانمار الذين يعبرون الحدود السهلة الاختراق بين البلدين، التي تمتد لمسافة 2400 كيلومتر. وبالفعل، وصف كاتب عمود بصحيفة «بانكوك بوست» التايلاندية ذلك التدفق بأنه «أكبر مصدر قلق إقليمي لتايلاند» بعد الحرب الروسية - الأوكرانية.
أما داخل الهند، فتستضيف ولايتا ميزورام ومانيبور، الحدوديتان شمال شرق البلاد، آلاف اللاجئين، معظمهم من ولاية تشين الشرقية في ميانمار، وكذلك من ساجينغ، وكلا الولايتين من معاقل المقاومة الداعمة للديمقراطية، حيث تدور معارك شرسة.
ومن المتوقع أن تعرض المائدة المستديرة نتائج مداولاتها أمام كبار المسؤولين لاتخاذ مزيد من الإجراءات. بوجه عام، جاء التقدم في تنفيذ خطة سلام «الآسيان» بطيئاً، بينما لا تزال الأطراف المتصارعة تتقاتل على الأرض.
- موجات نزوح ضخمة
أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» أن 17.6 مليون شخص، أي ما يقرب من ثلث سكان ميانمار، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن حوالي 1.3 مليون شردوا منذ الانقلاب.
بيد أن هذه الأرقام المروّعة لا تتضمن ما يقرب من 330000 نازح داخلياً من الصراعات التي سبقت الانقلاب. كما أنها لا تشمل المليون لاجئ من الروهينجا الموجودين في مخيمات بنغلاديش المجاورة، الذين أحيوا مرور 5 سنوات على المذبحة الأخيرة للجيش بحقهم، ويجدون اليوم أنفسهم منسيين من قبل المجتمع الدولي. من جانبه، يحاول النظام استئناف عمليات الإعادة إلى الوطن، لكن جماعات المقاومة تعارضها، وترى أنها تهدف فحسب إلى تخفيف الضغط الدولي.
- الروهينجا
أخيراً، وسط الصراع الأهلي الدامي، الذي استهدف الجيش في إطاره السكان المدنيين (الأقليات العرقية على وجه الخصوص)، ما زال مجتمع الروهينجا المُسلم، الموجود في شمال ولاية راخين بغرب ميانمار، في طليعة ضحايا هذه الوحشية. ويُذكر أنه خلال عامي 2016 و2017، استهدف الجيش، تحت ذريعة «عمليات تطهير»، الأقليات باستخدام مستويات غير عادية من العنف. وجراء ذلك، فرّ حوالي 800000 من الروهينجا من ميانمار لاجئين إلى بنغلاديش المجاورة. وعام 2018، خلص تقرير نشره فريق تقصّي حقائق تابع للأمم المتحدة إلى أن الحملات العسكرية كانت لها «نية الإبادة الجماعية»... والمفارقة أن هذا الجيش نفسه هو الذي يدعي أنه يحكم البلاد بشكل شرعي اليوم.
الجيش يسعى لـ«شرعنة انقلابه» عبر الانتخابات
> بعد سنتين من الانقلاب العسكري الذي نفذه جيش ميانمار، أعلن الجيش أخيراً أنه سيعقد انتخابات «نزيهة وحرة»، من المعتقد أنها ستُجرى في وقت لاحق من العام.
وبالفعل، أمر الجيش «لجنة الانتخابات»، التي شكلها المجلس العسكري، بالإعداد لانتخابات جديدة، يقول معارضو الجيش إنه لا يمكن أن تكون حرة أو نزيهة. وللتذكير، خلال الشهر الماضي، حلت «اللجنة» هذه حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» بزعامة سو تشي بحجة أنه لم يسجّل رسمياً بموجب القواعد الانتخابية الصارمة الجديدة التي أقرها الجيش.
في هذا الصدد، قال المحلل الهندي سوراب شارما: «السبب وراء اتخاذ ميانمار ما يسمى بالخطوات المتواضعة نحو نظام ديمقراطي أن الجيش أراد تجنّب اعتراض المجتمع الدولي على القيادة الاستبدادية في ميانمار. إذ ينظر المجلس العسكري إلى هذا الإجراء باعتباره وسيلة لإضافة قشرة شرعية لحكمه بالقوة. ومن ناحيتها، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ميانمار طيلة عقود. وسعياً لإنهاء هذه العزلة الاقتصادية والسياسية، قررت ميانمار إجراء بعض التغييرات في صورتها».
وأضاف شارما: «من الواضح بالفعل أن الانتخابات لن تكون حرة ولا نزيهة. ومن المتعذر إجراؤها في جميع أنحاء البلاد. وتتألف لجنة الانتخابات من 15 عضواً يختارهم القائد العسكري. وداخل المناطق المتنازع عليها بشدة، سيكون من المستحيل عملياً السماح للسكان بالتصويت. علاوة على أنه سيجري تعديل النظام الانتخابي بطريقة تميل لصالح الجيش بقوة، مع حجز 25 في المائة من جميع المقاعد في جميع البرلمانات لصالحه، وفقاً للدستور».
وسط كل هذا، قتل ضابط من لجنة الانتخابات في بلدة ثينغانغيون، إلى الشرق من يانغون، كبرى مدن البلاد وعاصمتها السابقة، على يد جماعات المقاومة. والملاحظ أن العناصر المتطرفة تهاجم الضباط ذوي الرتب المنخفضة في المجلس العسكري على مدار العامين الماضيين.
وأيضاً، في أبريل (نيسان) من العام الماضي، أطلق مهاجمون مجهولون النار على نائبة محافظ البنك المركزي في ميانمار، التي عيّنها الجيش بعد أيام من استيلاء على السلطة، داخل منزلها في يانغون. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، قُتل مسؤول تنفيذي كبير بشركة «ميتيل»، وهي شركة اتصالات أسّسها الجيش بالتعاون مع شركة «فيتيل» الفيتنامية، وذلك خارج منزله في يانغون.