«جبل موسى»... رحلة إلى أرض الأجداد

محمية بين أحضان الطبيعة وبيوت الضيافة في جبل لبنان

محمية جبل موسى صنّفتها «اليونيسكو» جزءاً من برنامج «الإنسان والمحيط الحيوي» (من موقع جبل موسى)
محمية جبل موسى صنّفتها «اليونيسكو» جزءاً من برنامج «الإنسان والمحيط الحيوي» (من موقع جبل موسى)
TT

«جبل موسى»... رحلة إلى أرض الأجداد

محمية جبل موسى صنّفتها «اليونيسكو» جزءاً من برنامج «الإنسان والمحيط الحيوي» (من موقع جبل موسى)
محمية جبل موسى صنّفتها «اليونيسكو» جزءاً من برنامج «الإنسان والمحيط الحيوي» (من موقع جبل موسى)

المشوار إلى محمية جبل موسى في منطقة كسروان، هو بمثابة قصة حب تولد بينك وبين طبيعتها. يعرَف هذا الموقع بـ«محمية جبل موسى للمحيط الحيوي». وتقع المحمية على أكتاف المنحدرات الغربية لجبل لبنان التي تُطل على البحر الأبيض المتوسط من جهة الغرب، تُغطي مساحة قدرها 65 كيلومتراً مربعاً، على ارتفاع يتراوح بين 350 متراً في الشمال الغربي و1700 متر إلى الجنوب الشرقي. في عام 2009 أصبح الموقع جزءاً من شبكة «اليونيسكو» في برنامج «الإنسان والمحيط الحيوي».
يوجد في هذه المحمية مجموعة من القرى الرئيسية، هي: يحشوش، قهمز، جورة ترمس، نهر الذهب، غبالة، العبرة، وشوّان. وتضم المحمية أكثر من 724 نوعاً من النباتات، و25 نوعاً من الثدييات، وأكثر من 137 نوعاً من الطيور المُهاجرة والمُحلِّقة.

«بيت مورييل» للضيافة يفتح أبوابه لزوار المحمية (من موقع جبل موسى)

15 مساراً متاحاً أمام زائرها
يستغرق الوصول إلى المحمية انطلاقاً من بيروت نحو 60 دقيقة. ومن أشجارها المعروفة السنديان والصفصاف والعذر والتفاح البري واللزاب والصنوبر والعصف وغيرها.
تتميز بتنوعها البيولوجي الذي يلمسه زائرها عن قرب في نباتاتها وزهورها. وهي تتألف من 15 مساراً يجذب هواة رياضة الـ«هايكنغ» التسلق والمشي. وتتوزع هذه المسارات بين السهل والمتوسط والصعب، بحيث يستطيع الشخص اختيار ما يلائمه منها. فالنزهات في هذه المسارات قد تستغرق ساعة أو ثماني ساعات وأكثر حسب رغبة زائرها.
ويقال إن المحمية عُرفت بهذا الاسم نسبة لعائلة لبنانية كانت تملك أراضيها. في حين يتردد أن أحد الرهبان (موسى) سكنها وتنسك بين أحضانها وصارت تعرف باسمه «جبل موسى».

من أزهارها النادرة «كف الدب»
سيستمتع هواة التعرف إلى الطبيعة عن قرب بأنواع النباتات والزهور التي تغطي المحمية. ويصل عددها إلى نحو 727 نبتة. وبينها 114 نوعاً يستخدم في المجال الطبي. ومن بين هذه الزهور 26 نبتة تتوفر فقط في لبنان، و6 أزهار أخرى لا يمكن إيجادها إلا في جبل موسى.
ومن بين تلك الأزهار «كف الدب» و«أويسة بيرون»، وهذه الأخيرة اكتشفها عالم بيولوجي فرنسي فعُرفت باسمه منذ القرن الثامن عشر. أما زهرة «سيكلامان ليبانوتيكوم» والموجودة فقط في جبل موسى، فقد اكتشفها الزوجان جورج وهنرييت طعمة في عام 2011.
تم تصنيف جبل موسى في عام 2009 من قِبل اليونيسكو كمنطقة طيور ذات أهمية عالمية، تصور مدى ترابط الإنسان والطبيعة عبر التاريخ، سيما وأن الطيور المهاجرة كانت تتخذ منه مأوى لها.
وينضم «جبل موسى» إلى موقعين آخرين في لبنان على لائحة «اليونيسكو»، وهما أرز الشوف وجبل الريحان في منطقة الليطاني.


المحمية في فصل الخريف (من موقع جبل موسى)

رحلات منظمة وبيوت ضيافة تنتظر السياح

تنظم رحلات خاصة للسياح الأجانب والمقيمين كي يتعرفوا على خصائص طبيعة هذا الموقع. ويرافق هذه الرحلات مرشدون سياحيون من المنطقة كي يشرحوا للزوار خصائص كل مسار وميزاته. فيخبرونهم عن أهمية هذا الموقع البيئي، وعن طبيعة أشجاره والنباتات والحيوانات الموجودة فيه. ولمن يهمه الأمر ويرغب في زيارة المحمية وحيداً أو مع أفراد عائلته والأصدقاء، فقد خصصت المحمية إشارات تدل على طريق كل مسار وكيفية ولوجه.
ولأن الهدف من هذه المحمية هو الحفاظ على الرابط ما بين الإنسان والطبيعة في لبنان، تقام ورش عمل من قِبل المسؤولين عن المحمية تتناول صناعة منتجات غذائية. فتوفر للزائر فرصة تعلم كيفية تحضير منتجات تصنع من العنب واللوز والزيتون والغار والزعتر وغيرها. ويتعرف خلالها أيضاً على صناعة الفاكهة المجففة المعروفة بها المنطقة.
ومن يفضلون الإقامة ليوم أو أكثر في منطقة المحمية وبين قراها، فإن بيوت ضيافة عدة تفتح لهم أبوابها، فتشكل عناوين دائمة يستطيعون التوجه إليها للمنامة، وتناول أطباق لبنانية أصيلة مصنوعة من مكونات طازجة.
ومن بين هذه البيوت «بيت مورييل ديمتريادس» في بلدة غبالة، و«بيت نجوى الترك» في بلدة يحشوش. أما مائدة الضيافة الأشهر في المنطقة فتعود إلى مكان يشتهر باسم مؤسسته هدى ناضر، ويعرف بـ«مائدة الضيافة»، ويقدم أطباقاً لبنانية تراثية بينها البيض بالقاورما والسلطة الفتوش والمدردة والبيض بالسماق، وغيرها.
وفي «بيت ريتا» للضيافة في منطقة الليبريه، تستطيع أن تحظى بإقامة جميلة بين أحضان الطبيعة، فتصحو على صوت زقزقة العصافير وصياح الديكة ورائحة المناقيش بالزعتر. ومن الأطباق التي يقدمها لضيوفه العدس بالحامض وكبة اليقطين والفول المدمس والبابا غنوج والعجة بالأعشاب الطبيعية، وغيرها.
ومن المعالم التي يمكنك زيارتها في منطقة جبل موسى الطاحون والمعصرة الأثريان اللذان يعودان إلى الحقبة العثمانية. وكذلك ستستمتع بالتعرف على هندسة بيوت قديمة ونقوش رومانية موجودة في المنطقة نفسها.


مقالات ذات صلة

«المعادي»... ضاحية مصرية من «الزمن الجميل»

سفر وسياحة محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)

«المعادي»... ضاحية مصرية من «الزمن الجميل»

في أفلام «الأبيض والأسود» المصرية القديمة، تطل ضاحية «المعادي» بقصورها الفخمة وفيلاتها الفسيحة وشوارعها المظللة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
سفر وسياحة جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

كان الضجيج نادراً في جنوب سردينيا منذ مدة طويلة، يقول البعض ربما منذ انحدار الحضارة النوراجية من العصر البرونزي في المنطقة. ومع ذلك، في ثاني أكبر جزيرة إيطالية

لورا ريسمان (سردينيا)
سفر وسياحة طائرة تتبع «الاتحاد للطيران» خلال إقلاعها من مطار هيثرو في لندن (رويترز)

كل ما تريد معرفته عن تعديل شروط دخول الأجانب بريطانيا

أعلنت الحكومة البريطانية، هذا الأسبوع، أنه سيتعين على مواطني الدول الأوروبية دفع 10 جنيهات إسترلينية (12 يورو) للاستحصال على «تصريح السفر الإلكتروني».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كورنيش النيل شهد إقبالاً لافتاً من الزوار المصريين والعرب خلال الصيف (تصوير: عبد الفتاح فرج)

كيف حافظت مصر على حظوظها السياحية رغم الصراعات الإقليمية؟

رغم تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أكد رئيس مجلس الوزراء المصري أن القاهرة استطاعت الحفاظ على «حظوظها السياحية».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
سفر وسياحة متحف بلفيدير (نيويورك تايمز)

كيف تُمضي أجمل 36 ساعة في فيينا؟

تتشبث فيينا، عاصمة النمسا، بالتقاليد. استنشق الروائح الخالدة فقط للكستناء المشوية في أسواق عيد الميلاد، التي تنتشر بجميع أنحاء المدينة.

فاليريا سافرونوفا (فيينا)

«المعادي»... ضاحية مصرية من «الزمن الجميل»

محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)
محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)
TT

«المعادي»... ضاحية مصرية من «الزمن الجميل»

محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)
محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)

في أفلام «الأبيض والأسود» المصرية القديمة، تطل ضاحية «المعادي» بقصورها الفخمة وفيلاتها الفسيحة وشوارعها المظللة. واليوم حين تزور هذه الضاحية، جنوب القاهرة، يفاجئك أنها لا تزال تحتفظ بطابعها العريق، مع لمسات حياتية عصرية؛ فتستمتع فيها بالأجواء الهادئة الممتزجة بوسائل الراحة الحديثة، مجسدةً تلاقي الماضي والحاضر.

محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)

عندما أقام الخديوي إسماعيل مدينة «حلوان» لتكون مشتى للعائلة الملكية والنبلاء، تحولت المعادي المجاورة من قرية ريفية تتمتع بجمال الطبيعة والمساحات الخضراء، إلى محطة رئيسية في طريق الوصول إلى حلوان. يقول الباحث في التاريخ أمجد عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تتجول في شوارع المعادي تشعر أنك عدت سنوات طويلة للوراء، إلى أجواء الزمن الجميل؛ حيث الهدوء والرقي والمباني الكلاسيكية، والأشجار العتيقة».

بمرور السنوات ازدادت أعداد هذه الأشجار؛ فحين تسير في شوارع المعادي تنبهر بجمال وألوان البونسيانا والجاكرندا والأكاسيا، كما يستوقفك منظر الأشجار المثمرة، مثل المانجو والتوت والنبق والليمون والجوافة. وإذا صادفتَ أحد سكانها في الطريق وسألته عن السر، يقول لك بفخر: «عندما بدأ السكان يقطنون المعادي حدث فيما بينهم ميثاق شرف غير مكتوب، مفاده أن كل من يبني بيتاً أو ينتقل إلى منزل بها، عليه أن يزرع شجرة من اختياره؛ ما جعل المكان كالجنة».

زواحف وحيوانات لهواة السياحة البيئية في محمية وادي دجلة (تصوير: محمد وجيه)

للأماكن القديمة مميزاتها الاستثنائية بالنسبة لكثيرين؛ وليس من الغريب -وفق أمجد- أن تحتفظ المعادي بكل سماتها الأساسية؛ لأنها مكان عريق يرجع إلى عام 1903، فقد كانت في الأصل منطقة زراعية تعبر منها المراكب بين شاطئي النيل، وكان ذلك وراء تسميتها «المعادي»، فهي كلمة مأخوذة من «معدية» الركاب النيلية.

يقول عبد المجيد: «شهدت تطويراً كبيراً عام 1890 لتلائم الطبقة الأرستقراطية التي تمر بها إلى حلوان، إلى أن سكنها أبناء هذه الطبقة؛ حيث قام المهندس الكندي ألكسندر آدامز بتخطيطها، مستلهما طابع القرى الإنجليزية، ومن ثم تميزت المعادي ببيوتها ذات الطابقين والحدائق الخلفية الواسعة. والمفاجأة أن المؤرخ الراحل موفق بيومي قدَّم وثيقة تاريخية تثبت إنشاء أول محطة طاقة شمسية بالمعادي عام 1911؛ لذلك كله فإن الضاحية مسجلة بوصفها منطقة ذات قيمة تراثية».

وحين تزور هذه الضاحية، فإنك تشعر بكل هذا العبق التاريخي والثراء الجمالي للمكان. ورغم نشأة امتدادات لها يرتبط اسمها بها، فإن «المعادي القديمة» لا تزال ملاذاً للأثرياء والجاليات الأجنبية.

المعادي حنين للزمن الجميل (تصوير: مي تركي)

إذا كنتَ من عشاق القراءة، فإنك حين إقامتك في هذا الحي لفترة طويلة أو قصيرة، أو حتى عند زيارته لبضع ساعات، حتماً ستشعر بنوستالجيا غامرة؛ فهنا على سبيل المثال عاش «المغامرون الخمسة» أبطال السلسلة البوليسية الشهيرة في الوطن العربي.

الفنون والتعلم

يجد الأفراد الذين لديهم شغف بالفن ضالتهم في المعادي؛ حيث تحتضن الضاحية فرصاً لا حصر لها للتعلم والإبداع، بدءاً من البازارات الموسمية، وحتى العروض المتنوعة للفنانين المحليين والأجانب. وتزخر بمراكز ثقافية، بعضها فيلَّات قديمة قرر أصحابها تحويلها إلى ساحات للفن، تقدم العروض السينمائية والمسرحية والفنون الحركية التشكيلية، والكتب، وورشات العمل للأطفال والكبار وفصول الرقص، مثل السالسا، والتانغو، والرومبا، فضلاً عن تنظيم أسواق المنتجات اليدوية التقليدية.

«فيلا بيل إيبوك» له طابع خاص في المعادي (صفحة الفندق على فيسبوك)

متعة التسوق

إذا قررتَ الإقامة لفترة في المعادي، فلن تحتاج إلى الخروج بعيداً للتسوق؛ فكل شيء حولك رهن إشارتك، من العلامات العالمية أو المنتجات المحلية. تضم المعادي كثيراً من مجمعات التسوق. وبجانب المولات ستجد متاجر تتخصص في القطع اليدوية الفريدة التي تجمع بين الحرفية التقليدية والجماليات الحديثة. وتشتهر المعادي أيضاً بمتاجر أخرى تبيع منتجات عالية الجودة للعناية الشخصية بأسعار معقولة، مقارنة بالمراكز التجارية.

المعادي حي له سمات خاصة (تصوير: عمر المصري)

التخييم

الاستمتاع بأجواء الصحراء والتخييم في مصر لا يشترط أن تتوجه إلى خارج العاصمة؛ ففي قلب المعادي توجد «محمية وادي دجلة»، وهي من أفضل أماكن التخييم؛ لتمتعها بالطقس المعتدل؛ فهي مناسبة للزيارة في الصيف والشتاء؛ لاحتوائها على تجويفات في الجبل تجعل الجو رطباً حتى مع ارتفاع درجة الحرارة.

داخل المحمية، اترك نفسك لجمال الطبيعة، واستمتع بالهدوء والاسترخاء، وشاهد عن قرب حيوانات وطيور نادرة، سواء كان ذلك سيراً، أو باستخدام الدراجات في المحمية؛ ما يجعل المغامرة أكثر متعة.

فيلَّات محاطة بالأشجار والزهور (تصوير: مي تركي)

جبل الخشب

لا تغادر المعادي بعد زيارة المحمية؛ فإذا كنت من عشاق السياحة البيئية، فأمامك مكان آخر ينتظرك، وهو محمية «الغابة المتحجرة» التي تكونت عبر ملايين السنين، ويُطلق عليها في كثير من المراجع العلمية اسم «جبل الخشب»؛ حيث تعد أثراً جيولوجياً نادراً.

طعام مختلف

لا يوجد في السفر والرحلات أروع من تناول الطعام اللذيذ بعد يوم مليء بالحركة والتنقل. في المعادي أمامك عدد مذهل من المطاعم، وخيارات الطعام التي لا حصر لها. يتوفر كل شيء، بدءاً من المخبوزات الطازجة الساخنة القادمة من مختلف مطابخ العالم، مروراً بأطباق اللحوم المختلفة والأسماك والبيتزا، فضلاً عن مطاعم المأكولات العالمية، مثل السوشي الطازج والأطباق الفنزويلية والبرتغالية وغير ذلك، وصولاً إلى أحدث اتجاهات السلطات والأكل النباتي والصحي.

في مطاعم المعادي انغمس في روعة مذاق أطباق من مختلف مطابخ العالم (تصوير مي تركي)

جولة نيلية

من أروع الأنشطة هناك، الاستمتاع بالإطلالة الساحرة على ضفاف النيل، على متن إحدى البواخر الثابتة أو المتحركة؛ حيث المنظر الخلاب والنسيم المنعش. وهناك يمكنك الاختيار بين تشكيلة متنوعة من أشهى الأطباق، بينما تستمتع عيناك بجمال الطبيعة، وستعيش أيضاً أجواء فنية مميزة؛ حيث تقدم البواخر برامج استعراضية فلكلورية، مثل عروض التنورة على أنغام الموسيقى.

وإذا كنت تبحث عن إقامة مختلفة تجمع بين الرفاهية ودفء البساطة المصرية، فأنصحك بالابتعاد عن الفنادق العالمية الفخمة، واختيار أحد فنادق المعادي القديمة، في فيلات أنيقة مفعمة بذكريات أُسر عريقة، عاشت فيها عشرات السنوات، ومنها فندق «فيلا بيل إيبوك» الذي يعود إلى عشرينات القرن الماضي، وتحيط به المساحات الخضراء.