واشنطن وسيول تنسقان ضد تهديدات بيونغ يانغ

استعراض القوة يشمل توقف غواصة نووية أميركية في كوريا الجنوبية

الرئيس الكوري الجنوبي يلقي كلمة إلى جانب الرئيس الأميركي في حفل استقباله بالبيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الكوري الجنوبي يلقي كلمة إلى جانب الرئيس الأميركي في حفل استقباله بالبيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)
TT

واشنطن وسيول تنسقان ضد تهديدات بيونغ يانغ

الرئيس الكوري الجنوبي يلقي كلمة إلى جانب الرئيس الأميركي في حفل استقباله بالبيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الكوري الجنوبي يلقي كلمة إلى جانب الرئيس الأميركي في حفل استقباله بالبيت الأبيض أمس (إ.ب.أ)

اتفق الرئيسان الأميركي جو بايدن والكوري الجنوبي يون سوك يول على توثيق التنسيق العسكري لردع تهديدات بيونغ يانغ، بعد سلسلة تجارب صاروخية باليستية أطلقتها كوريا الشمالية في الأسابيع الماضية. وانتهز الحليفان أول زيارة رسمية لرئيس كوري جنوبي إلى واشنطن منذ أكثر من عقد، للتأكيد على قوة الشراكة العسكرية والسياسية والأمنية بين واشنطن وسيول.
وأعلنت الولايات المتحدة في هذا الصدد «توقّف» غواصة نووية أميركية في كوريا الجنوبية، بهدف تعزيز قدرات الردع في المنطقة. وقال مسؤول أميركي كبير، أمس (الأربعاء)، إن هذا الإجراء يعدّ الأول من نوعه منذ حقبة الحرب الباردة، ويأتي بهدف تعزيز قدرات الردع في مواجهة أنشطة كوريا الشمالية النووية. وأوضح المسؤول أن واشنطن تسعى عبر هذه الخطوة لتأكيد أن «التزامنا بالردع الموسع أمر لا شك فيه». في المقابل، أكّد مسؤولون طلبوا عدم كشف هوياتهم أنه لا توجد خطط لنشر أسلحة نووية أميركية في كوريا الجنوبية، خلافا للحرب الباردة عندما تم نشر أسلحة استراتيجية أميركية في أوروبا.
واتفق الرئيسان الأميركي والكوري الجنوبي على إصدار وثيقة «إعلان واشنطن»، التي تشمل تعزيز المظلة العسكرية الأميركية وزيادة تبادل المعلومات مع سيول.
ويأتي هذا الإجراء ردّا على توجيه كوريا الشمالية تحذيرا صارما لواشنطن وسيول، عقب إجرائهما مناورات عسكرية مشتركة اعتبرتها تدريبا على «غزو» أراضيها. وأجرت بيونغ يانغ هذا العام عددا قياسيا من التجارب على إطلاق صواريخ، شملت خلال الشهر الحالي اختبارا لأول صاروخ باليستي يعمل بالوقود الصلب.
... المزيد
واشنطن وسيول تعززان التعاون العسكري لردع التصعيد الكوري الشمالي


مقالات ذات صلة

كوريا الشمالية تحذر من «خطر أكثر فداحة» بعد اتفاق بين سيول وواشنطن

العالم كوريا الشمالية تحذر من «خطر أكثر فداحة» بعد اتفاق بين سيول وواشنطن

كوريا الشمالية تحذر من «خطر أكثر فداحة» بعد اتفاق بين سيول وواشنطن

حذرت كيم يو جونغ شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون من أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لتعزيز الردع النووي ضد بيونغ يانغ لن يؤدي إلا إلى «خطر أكثر فداحة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. كانت واشنطن وسيول حذرتا الأربعاء كوريا الشمالية من أن أي هجوم نووي تطلقه «سيفضي إلى نهاية» نظامها. وردت الشقيقة الشديدة النفوذ للزعيم الكوري الشمالي على هذا التهديد، قائلة إن كوريا الشمالية مقتنعة بضرورة «أن تحسن بشكل أكبر» برنامج الردع النووي الخاص بها، وفقا لتصريحات نقلتها «وكالة الأنباء الكورية الشمالية» اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بيونغ يانغ)
بكين تَحمل بشدة على «إعلان واشنطن»

بكين تَحمل بشدة على «إعلان واشنطن»

اتّهمت بكين واشنطن بتقويض السلام وزيادة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، غداة إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول، أن أي هجوم نووي تطلقه كوريا الشمالية «سيفضي إلى نهاية نظامها». وحملت الصين بشدة على الموقف الأميركي - الكوري الجنوبي المشترك، الذي عبّر عنه «إعلان واشنطن»، مشيرة إلى أنه «إثارة متعمدة للتوترات والمواجهة والتهديدات».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ بكين تحذر واشنطن وسيول من «إثارة مواجهة» مع بيونغ يانغ

بكين تحذر واشنطن وسيول من «إثارة مواجهة» مع بيونغ يانغ

حذّرت بكين، الخميس، كلاً من واشنطن وسيول من «إثارة مواجهة» مع كوريا الشمالية، بعدما قال الرئيس الأميركي جو بايدن، ونظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول، إن أي هجوم نووي تطلقه كوريا الشمالية «سيفضي إلى نهاية» نظامها. في غضون ذلك، قال سوك يول، في خطاب للكونغرس، أمس، إن بلاده سترد بحزم على الاستفزازات الكورية الشمالية، لكنها ستبقي الباب مفتوحاً للحوار حول نزع سلاحها النووي.

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم واشنطن وسيول تعززان التعاون العسكري لردع التصعيد الكوري الشمالي

واشنطن وسيول تعززان التعاون العسكري لردع التصعيد الكوري الشمالي

اتفق الرئيسان الأميركي جو بايدن والكوري الجنوبي يون سوك يول على توثيق التعاون المعني بردع التصعيد النووي من جانب كوريا الشمالية، وسط القلق المتزايد المتعلق بتنامي ترسانتها من الصواريخ والقذائف. وانتهز الحليفان أول زيارة رسمية لرئيس كوري جنوبي إلى واشنطن منذ أكثر من عقد لإرسال تحذير إلى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وأعلنت الولايات المتحدة في هذا الصدد «توقّف» غواصة نووية أميركية في كوريا الجنوبية، بهدف تعزيز قدرات الردع في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم تغريم شركة تبغ بريطانية 629 مليون دولار

تغريم شركة تبغ بريطانية 629 مليون دولار

وافقت شركة «بريتيش أميركان توباكو»، وهي من كبرى الشركات المصنعة لمنتجات التبغ في العالم ومقرها المملكة المتحدة، على دفع مبلغ عقوبات يزيد على 629 مليون دولار للسلطات الأميركية، بسبب انتهاكات مصرفية لقانون مكافحة الاحتيال والعقوبات. وفرضت تلك العقوبات بعد حكم أصدرته محكمة فيدرالية في العاصمة واشنطن، بسبب نشاط الشركة التجاري في كوريا الشمالية، من خلال فرعها في سنغافورة، في انتهاك لقانون مكافحة الاحتيال المصرفي وقانون «السلطات الأميركية الاقتصادية الطارئة الدولية». وفي قضية مرتبطة، كُشف عن تهم ضد مصرفي كوري شمالي وميسّرين صينيين، لدورهم في تسهيل البيع غير المشروع لمنتجات التبغ في كوريا الشمالية.

إيلي يوسف (واشنطن)

المبعوث الأميركي لسوريا: ترمب قرر منح الشرع فرصة لقيادة سوريا بعد دراسة معمقة للوضع هناك

 المبعوث الأميركي لسوريا توماس برّاك وهو يتحدث مع الضيوف في افتتاح «منتدى الدوحة» في قطر (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي لسوريا توماس برّاك وهو يتحدث مع الضيوف في افتتاح «منتدى الدوحة» في قطر (أ.ف.ب)
TT

المبعوث الأميركي لسوريا: ترمب قرر منح الشرع فرصة لقيادة سوريا بعد دراسة معمقة للوضع هناك

 المبعوث الأميركي لسوريا توماس برّاك وهو يتحدث مع الضيوف في افتتاح «منتدى الدوحة» في قطر (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي لسوريا توماس برّاك وهو يتحدث مع الضيوف في افتتاح «منتدى الدوحة» في قطر (أ.ف.ب)

قال المبعوث الأميركي لسوريا توماس برّاك، اليوم (الأحد)، إن الرئيس دونالد ترمب اتخذ قراراته بشأن سوريا بعد دراسة معمَّقة، وقرر منح الفرصة للرئيس السوري أحمد الشرع، مؤكداً أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.

وطالب برّاك، خلال «منتدى الدوحة» بالعاصمة القطرية، بمساعدة وتشجيع القائمين على القيادة في سوريا، والسماح لهم بتشكيل الحكومة والنظام الشامل الذي يريدونه.

وقال برّاك إن الولايات المتحدة لا يمكنها «فرض توقعاتها» على الشرق الأوسط، مشيداً بدور قطر في التوصُّل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح المحتجزين.

وأردف قائلاً: «أعظم شيء حصل هو وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن، ولولا قطر لما حدث ذلك».


ثنائي قطر: مواجهة تونس مصيرية... وسنتمسك بالأمل حتى اللحظة الأخيرة

محمد مناعي لاعب المنتخب القطري (حساب اللاعب إنستغرام)
محمد مناعي لاعب المنتخب القطري (حساب اللاعب إنستغرام)
TT

ثنائي قطر: مواجهة تونس مصيرية... وسنتمسك بالأمل حتى اللحظة الأخيرة

محمد مناعي لاعب المنتخب القطري (حساب اللاعب إنستغرام)
محمد مناعي لاعب المنتخب القطري (حساب اللاعب إنستغرام)

أكد محمد مناعي لاعب المنتخب القطري الأول لكرة القدم، أن فريقه سيخوض مواجهة تونس اليوم (الأحد) في الجولة الثالثة الأخيرة من منافسات بطولة كأس العرب في الدوحة، بعزيمة كبيرة وإصرار على التمسك بفرصة التأهل إلى دور الثمانية حتى اللحظات الأخيرة.

وقال المناعي -في تصريحات لـ«وكالة الأنباء الألمانية»- إن «العنابي» استعد بشكل جيد للمباراة الحاسمة؛ مشيراً إلى أن اللاعبين يدركون صعوبة المواجهة وقوة المنافس الذي يمتلك خبرات كبيرة وعناصر مميزة، ولكنه شدد في الوقت نفسه على ثقة لاعبي «العنابي» بقدرتهم على تحقيق الفوز، وانتظار ما تسفر عنه نتيجة لقاء فلسطين وسوريا.

وأوضح أن الجهاز الفني ركَّز خلال التدريبات الأخيرة على علاج الأخطاء التي ظهرت في المباراتين السابقتين، مؤكداً أن الأجواء داخل المعسكر إيجابية للغاية، وأن هناك حالة من التركيز والانضباط بين جميع اللاعبين.

واختتم المناعي تصريحاته بتوجيه رسالة إلى جماهير «العنابي»، دعاهم خلالها لمواصلة الدعم والمؤازرة، مؤكداً أن اللاعبين سيقاتلون حتى النهاية، من أجل الفوز والتمسك بالأمل في التأهل.

من جانبه شدد اللاعب سلطان البريك على أن مواجهة تونس تمثل محطة مصيرية في مشوار «العنابي»، مؤكداً أن الفريق سيدخل اللقاء بتركيز كامل وإصرار على الفوز.

وقال البريك في تصريحاته إن لاعبي المنتخب يدركون تماماً أهمية المباراة التي تعد بمثابة نهائي لا يقبل القسمة على اثنين؛ مشيراً إلى أن الفوز هو الخيار الوحيد للحفاظ على آمال التأهل في انتظار نتيجة مباراة فلسطين وسوريا.

وأضاف أن الأمل لا يزال قائماً رغم صعوبة المهمة، مؤكداً أن جميع اللاعبين في جاهزية بدنية وذهنية تامة، وأن الجهاز الفني قام بالإعداد الجيد للقاء، مع وجود رغبة قوية في تصحيح المسار وتعويض ما فات.

وأشار إلى أن المنتخب القطري يضم مزيجاً من العناصر الشابة وأصحاب الخبرة، وهو ما يمنح الفريق دوافع إضافية لتقديم أفضل مستوى ممكن، واختتم تصريحاته بالتأكيد على الدور الكبير لجماهير «العنابي»، متعهداً بتقديم أقصى ما لدى اللاعبين حتى اللحظة الأخيرة.


السوريون يحتفلون بـ«حق العودة»... والمغيبون قسراً أبرز الحاضرين

امرأة تمرّ بجانب عرضٍ لجوارب تحمل رسومات ساخرة من بشار الأسد وحافظ الأسد في إحدى أسواق دمشق (د.ب.أ)
امرأة تمرّ بجانب عرضٍ لجوارب تحمل رسومات ساخرة من بشار الأسد وحافظ الأسد في إحدى أسواق دمشق (د.ب.أ)
TT

السوريون يحتفلون بـ«حق العودة»... والمغيبون قسراً أبرز الحاضرين

امرأة تمرّ بجانب عرضٍ لجوارب تحمل رسومات ساخرة من بشار الأسد وحافظ الأسد في إحدى أسواق دمشق (د.ب.أ)
امرأة تمرّ بجانب عرضٍ لجوارب تحمل رسومات ساخرة من بشار الأسد وحافظ الأسد في إحدى أسواق دمشق (د.ب.أ)

أن تزور دمشق بعد عام على سقوط نظام الأسدين، وعشية استعداد البلاد لإحياء الذكرى الأولى لـ«التحرير» في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2025، فأنت تعايش أياماً أقرب إلى «وقفة عيد»، وتمشي حاملاً مجهراً يغرقك في تفاصيل ومقارنات لا تنتهي. مقارنات لا تقتصر على ما عاينته وشهدته بعين خارجية قبل عام فحسب، بل بما تختزنه 15 عاماً من أثقال وأهوال، وما تتفتح عنه ذاكرة محدثيك من تجارب شخصية وعامة و«تروما» متراكمة باختلاف الأجيال.

«وقفة عيد» عبارة قد تختصر المشهد العام في وسط العاصمة السورية في الأيام القليلة الماضية، بكل ما تحمله من تجهيزات وزينة وفرح، كما وغصّة وتعطيل للعمل وتسيير الأمور، حيث يقابل أي ترتيب بسيط بعبارة «إن شالله لبعد الاحتفالات».

فتاة تحمل العلم السوري خلال الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى للإطاحة بنظام الأسد في دمشق (أ.ب)

حقبة سوداء انتهت

وأجواء الاحتفالات تلك تبدأ منذ نقطة العبور الحدودية من لبنان لجهة معبر المصنع؛ لافتات كبيرة على طول الطريق المؤدي إلى دمشق ترفع شعارات «انتهت الحقبة السوداء... وأشرق وجه البلاد» و«كتف بكتف، يد بيد، نبني الوطن»، و«وطن واحد... شعب واحد» وغيرها من الملصقات الحديثة التي صممت كلها بحسب «الهوية البصرية» الجديدة ذات العقاب الذهبي.

تلك الشعارات والعلم الجديد كما وشعار النسر، خطّت على أسوار المواقع العسكرية التي أخلاها النظام السابق، وعند مدخل البلدات ومركز الفرقة الرابعة على طريق بيروت - دمشق فحلّت محل شعارات «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» و«قائدنا إلى الأبد» وغير ذلك من صور وعبارات انطبعت في اللاوعي الجمعي السوري.

ولئن لاقت الهوية البصرية الجديدة التي أعلن عنها صيف 2024 انتقادات واسعة لجهة أنها «ليست من الأولويات» في بلد منهك ومدمر، لكن الواقع على الأرض يجانب تلك الحقيقة وقد لا يصيبها تماماً. ذاك أن «الهوية البصرية» في النظام السابق كانت عملاً ممنهجاً ودؤوباً وجزءاً أساسياً من تركيز النفوذ وتثبيته في النفوس، يبدأ من دفاتر تلامذة الروضات وصبورات الصفوف المدرسية ولا ينتهي عند صور وتماثيل هائلة احتلت الساحات والفضاءات العامة.

لذا ليس من قبيل الصدفة أن يكون أول ما بدأ تهشيمه وتكسيره وتمزيقه لحظة سقوط النظام السابق هو «أيقوناته» ورموزه البصرية، فكان لا بد من إشغال ذلك الفراغ البصري بما يعكس طبيعة السلطة الجديدة عوضاً عن تركه عرضة لعشوائية فصائلية ومناطقية كانت بدأت تظهر مطلع العام الماضي. وبشيء من السخرية يقول قائل إنه لولا الحاجة للتعامل بالأوراق النقدية والعملة السابقة لعمد كثيرون إلى إحراق الأموال التي تحمل رموز النظام السابق.

لكن، وفي سياق نبذ كل ما له صلة بما مضى وتجذير ما حضر، ذهب كثيرون خطوات أبعد في تبني «الهوية البصرية» الجديدة في الملبس والمظهر والسلوك الاجتماعي. ففي حين «تشذبت» اللحى وقصر طولها وخف إلى حد بعيد مظهر مقاتلي «هيئة تحرير الشام» بشعورهم الطويلة وأزيائهم الغريبة، كما كان الحال قبل عام من اليوم في دمشق، باتت اللحية عموماً خفيفة منمقة أو شبه محفوفة الشوارب، هي السمة الطاغية للشباب والرجال.

وتحوّل النسر الذهبي إلى أزرار تعلق على الأكمام والياقات لألبسة رسمية تغلب عليها التصاميم التركية، ولا تقتصر على الموظفين الحكوميين، وإنما امتدت إلى أي شاب مدني يعمل في القطاع الخاص وراغب بأن يشبه عصره.

وإذ صهرت أجهزة الدولة الناشئة المقاتلين السابقين في قنواتها الرسمية وأبرزها جهازي الشرطة والأمن العام، تبدلت أزياء العسكريين السابقين أيضاً من قميص وشروال أو بزّات مموهة بحسب الفصيل العسكري، وانسحبت من المشهد العام ليحل محلها لباس أسود موحد وأوجه مكشوفة وسلاح غير ظاهر ولا محتفى به. وهؤلاء هم «موضة» المراهقين واليافعين الذين شاع بينهم اللون الأسود، وباتوا غير صابرين على نمو لحاهم، تطبعاً بنموذج رجل السلطة الجديد.

هذا التغيير المشهدي، البسيط ربما في سياق التحولات الكبرى التي تشهدها سوريا اليوم، امتص جزءاً كبيراً من غضب الدمشقيين المكبوت وتوجسهم حيال حكامهم الجدد القادمين من أرياف ومحافظات بعيدة. فمعلوم أنه في بلد شديد المركزية كسوريا، لا نجاح في امتحان عام قبل اجتياز اختبار دمشق. ودمشق اليوم، وعلى رغم التحديات والانتظارات الكثيرة... في وقفة عيد.

ذهب سوريون خطوات أبعد في تبني «الهوية البصرية» الجديدة في الملبس والمظهر والسلوك الاجتماعي (أ.ب)

رايات بيض

ازدحامات خانقة تحيل الوصول إلى أي مكان أشبه بمعجزة، ومواكب جوالة بالأعلام ورايات التوحيد البيضاء، وشوارع تغلق عصراً في محيط ساحة الأمويين، فتزيد اختناق الشوارع الداخلية. شبكة الهاتف مثقلة. الفنادق متخمة. حجوزاتها مغلقة بأسعار صاروخية حتى تلك التي كانت عريقة وفاخرة ذات يوم وتوقف بها الزمن في نهاية الثمانينيات فبقيت اليوم مجرد أطلال شاهدة على العصر.

رواد الفنادق يتراوحون بين مغتربين سوريين، ومشاركين في ندوات وورشات عمل لناشطين في المجتمع المدني، ووفود أجنبية ودبلوماسية على أرفع المستويات، وصحافة محلية وعالمية، وتجار ومقاولون وعناصر أمن وفدوا من المحافظات والمناطق البعيدة، ومجرد فضوليين يتسكعون في البهو ما أتيح لهم ذلك.

أحد القواسم المشتركة بين هؤلاء كلهم وغيرهم ممن غصّت بهم دمشق، أنهم كانوا قطعوا الأمل بالعودة يوماً إلى بلدهم، واليوم يغرفون منها ما استطاعوا. عائلات بأكملها أتيح لها خلال العام الماضي احتضان أبناء وبنات منفيين منذ أكثر من عقد، ولقاء أحفاد لم يشهد الأجداد على ولادتهم، وفي أحسن الأحوال تعرفوا إليهم عبر شاشات الهواتف. شباب وشابات غادروا يافعين هرباً من اعتقال وموت محتم، وعادوا اليوم رجالاً ونساء في منتصف العمر يحاولون حشر أجسادهم الكهلة في أسرّة الصبا.

وكما في وقفة كل عيد، فإن مشاعر البهجة والحبور لا تطرق بعض الأبواب إلا محمّلة بدمع كثير. ولعل سكان المناطق المدمرة سواء في المخيمات البعيدة أو في الأحياء المحاذية لمنصة الاحتفالات في ساحة الأمويين، وأهالي المفقودين والمخفيين قسراً أكثر من تبتلع الغصة فرحتهم اليوم وهم مدركون أن طريقهم طويل وعسير. إنهم أبرز الحاضرين في هذه الذكرى، إذ لا تخلو عائلة من فقيد أو مفقود لا تزال تبحث له عن أثر أو رفاة لإتمام مراسم الدفن والعزاء.

لكن أيضاً فإن تجمعات الأهلية سواء لأهالي المفقودين أو المنظمات الحقوقية كما وأصحاب الأعمال وغيرهم من التجمعات، عادوا ونقلوا نشاطهم إلى داخل بلدهم وعقدوا اللقاءات ورفعوا المطالب من وسط عاصمتهم. وفي ذلك لا شك كسب كبير.

صورة عامة لمئات الأشخاص في ساحة العاصي خلال الاحتفالات في مدينة حماة (إ.ب.أ)

غلبني الشوق

أكثر من أي شيء، هو احتفاء بـ«حق العودة» الذي حرم منه السوريون لعقود مضت وسبقت أحياناً ثورة 2011. يقول رجل أربعيني عاد واستقر في دمشق بعد 13 عاماً قضاها في إسطنبول: «أنا عائد لأنني ببساطة مشتاق. مشتاق لأهلي وحارتي وحياتي التي وإن كرهتها آنذاك، تركتها مرغماً ومطروداً».

وفي معرض حديثه عن بعض من يحاولون تأطير خيارات الأفراد في سياقات سياسية عامة كـ«المساهمة في بناء سوريا الجديدة» وغيره من عناوين برّاقة يقول: «أعتقد أنني كنت أساعد بلدي وناسي بأشكال كثيرة حتى وأنا في الخارج. ولكني اليوم عدت لأنه غلبني الحنين. ويجب أن يكون الحق بالشوق حجة كافية للعودة. الحق في أن أختار عودتي بمعزل عن درجة الرضا أو عدم الرضا عن شكل الحكم وأداء السلطة الوليدة».

تلك عبارة تختصر الكثير من حال السوريين اليوم، داخل دمشق وخارجها ممن التقيناهم حتى في المحافظات البعيدة. كأن الناس يحتفلون عملياً باستعادة حقهم في تقرير مصائرهم.

وفيما يبدو أنه ليس للسياسة حيّز كبير اليوم، غير أن الفيل الحاضر في كل مجلس قرارات الحكومة والأداء الإعلامي والحقوقي وسلوك الشرطة وأحداث الساحل والسويداء والعلاقة بـ«قسد» وارتفاع الأسعار وتجاور الفقر والثروة وإغفال ملفات المغيبين والمخفيين في السجون، ذلك كله وغيره الكثير يجري تشريحه ويوضع تحت المجهر بصوت عالٍ، في الشارع والمقهى والمطعم كما لو أنه فعلاً لم يعد للجدران آذاناً. يضحك محدثي من هذا التشبيه ويقول: «بالفعل، لم يعد للجدران آذان... ولكن لغير الجدران أيضاً. كل يفعل ما يشاء. الأفراد والجمعيات والوزارات والمحافظون ورجل الشرطة في سوق الحميدية... كأن الجميع استعاد لسانه وقطع أذنيه».