«تشات جي بي تي» إمكانات واعدة وتحديات خطيرة في سوق المال

قادر على توقع تحركات سوق الأسهم

شعار روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» (رويترز)
شعار روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» (رويترز)
TT

«تشات جي بي تي» إمكانات واعدة وتحديات خطيرة في سوق المال

شعار روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» (رويترز)
شعار روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» (رويترز)

يُعد الاطلاع على أخبار الأعمال واتجاهات السوق المالية أمراً مهماً لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة واكتساب ميزة في الأسواق، وتستخدم الشركات بالفعل أدوات الذكاء الصناعي لأداء ما يُسمّيه المتخصصون الماليون «تحليل المشاعر»، فهل يمكن لـ«تشات جي بي تي» أن يكون مفيداً في هذا الصدد؟
قالت المحاضرة في الاقتصاد والتمويل بجامعة بورتسموث إيون يونغ، في مقال نشرته (لاثنين) بموقع «ذا كونفرسيشن»، إن «تحليل المشاعر يتضمن تحليل الأخبار والبيانات المالية لتوليد رؤى وتوقعات للمستثمرين حول الأسهم والاستثمارات الأخرى، وعلى سبيل المثال، فإن نماذج الذكاء الصناعي الخاصة بشركة (مورغان ستانلي) تحلل مجموعة واسعة من البيانات، بما في ذلك المقالات الإخبارية ومنشورات الوسائط الاجتماعية والبيانات المالية، لتحديد الأنماط والتنبؤ بأسعار الأسهم».
وأضافت يونغ أنه «مع الزخم الذي اكتسبه روبوت الدردشة (تشات جي بي تي) منذ إطلاقه، قام باحثون من جامعة فلوريدا باستكشاف قدراته على توقُّع أداء سوق الأسهم بناء على تحليل المشاعر لعناوين الأخبار، وذلك عبر دراسة نُشرت (الأحد) في موقع ما قبل نشر الأبحاث (ssrn)».
ووجد الباحثون في الدراسة التي تنقل يونغ في مقالها أبرز تفاصيلها، أن «تشات جي بي تي»، يمكنه تحليل عناوين الأخبار، لتحديد ما إذا كان العنوان جيداً أو سيئاً أو غير ذي صلة بأسعار أسهم الشركة، ويُقدّم النصيحة، حيث وجدوا أن هناك ارتباطاً كبيراً بين الإجابات التي يقدمها وتحركات سوق الأسهم، مما يُظهر بعض القدرة على التنبؤ.
وكما أن أدوات الذكاء الصناعي المستخدمة قبل «تشات جي بي تي» قادرة أيضاً على مساعدة المستثمرين في فك رموز إعلانات السياسة النقدية، مما يوفر رؤى حول آثارها المحتملة على الأسواق المالية، وجدت الدراسة أيضاً كفاءة لدى روبوت الدردشة تفوق النماذج المستخدمة في فهم ما قد تعنيه الإعلانات الصادرة عن البنك المركزي الأميركي، والاحتياطي الفيدرالي للأسواق المالية.
وأشارت يونغ إلى أنه «يمكن أن يكون لقرارات السياسة النقدية، مثل أسعار الفائدة أو برامج شراء الأصول، تأثير كبير على الأسواق المالية، لذلك فإن قدرة الذكاء الصناعي على تقييم ما تعنيه إعلانات البنك المركزي بشأن تغييرات السياسة للأسواق المالية يمكن أن توفر رؤى قيّمة حول تأثيرات هذه الإجراءات، ويمكن أن يساعدك ذلك في اتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة».
وأوضحت أنه «يمكن أن تكون القدرة على تحديد الاتجاهات في قطاعات السوق المحددة مفيدة أيضاً للأشخاص الذين يسعون إلى توجيه مالي أكثر تفصيلاً، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام (تشات جي بي تي) لتحليل البيانات المالية، مثل الميزانيات العمومية وبيانات الدخل، ويمكن أن يحدد الأنماط التي قد تشير إلى الفرص أو المشاكل، وبالتالي يمكن للمستثمر بعد ذلك تعديل محفظته، مما قد يؤدي إلى زيادة العائدات أو حتى المساعدة فقط في تقليل التعرض لمخاطر معينة».
وبالإضافة إلى تحليل اتجاهات السوق، كشفت الدراسة عن أنه يمكن استخدام الذكاء الصناعي أيضاً لبناء محفظة استثمارية مصممة خصيصاً لأهداف الاستثمار المحددة للفرد وتحمُّل المخاطر.
وقالت يونغ إن «باستخدام معلومات عن تفضيلاتك مثل وضعك المالي الحالي وموقفك من المخاطر، على سبيل المثال، يمكن لـ(تشات جي بي تي) إنشاء محفظة مخصصة تُمثّل مستوى العائد الذي ترغب في تحقيقه، وكذلك أنواع المخاطر التي ترغب في تجنبها».
ويؤيد ما رصدته تلك الدراسة استطلاع رأي أجراه بنك «جي بي مورغان تشيس»، وهو بنك أميركي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية، في فبراير (شباط) الماضي، إذ قال 50 في المائة من المتداولين والخبراء في بورصة وول ستريت، إن الذكاء الصناعي وتعلُّم الآلة سيشكّلان ملامح السوق خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ورغم هذه الفوائد التي أكدتها الدراسة ودعمها الاستطلاع، أشارت يونغ إلى أن «تشات جي بي تي»، وإن كان يُظهر إمكانات هائلة بوصفه مساعدا ماليا، لكنه «ينطوي على بعض التحديات».
وأكدت أن «هناك كثير من العوامل التي قد لا تتمكن أدوات الذكاء الصناعي من تفسيرها، مثل الأحداث غير المتوقعة أو التغييرات في ظروف السوق، كما يجب أن يكون المستثمر مدرباً على التعامل مع هذه الأداة، ويجب أن يعرف ما هي البيانات التي يستخدمها للوصول إلى استنتاجات سليمة».
وأضافت أن بعض شركات التخطيط المالي تستعين بالفعل قبل «تشات جي بي تي» بخدمات المستشارين الآليين، لكنها تستعين أيضاً بمستشارين ماليين قادرين على إدخال بيانات بجودة عالية إلى خوارزميات الذكاء الصناعي للحصول على نتائج مفيدة.
وتتفق التحديات التي أشارت إليها يونغ مع ما ذهب إليه كثير من خبراء الذكاء الصناعي، وتؤكد عليه القوانين التي يجري إعدادها لضبط تطبيقاته، بحيث لا تتغوَّل على البشر.
من جهته، قال الباحث في مجال الذكاء الصناعي بجامعة النيل الأهلية في مصر محمد عاطف منصور إن الذكاء الصناعي يمكن أن يعطي نتائج متحيّزة، ومن ثَمَّ فإن «ضمان الحصول على نتائج دقيقة يعتمد على جودة البيانات المدخلة».
وأضاف منصور في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «(تشات جي بي تي) لا يستطيع فهم تعقيدات اللغة والمحادثات البشرية بشكل كامل، لذلك قد يؤدي إلى استجابات تفتقر إلى العمق والبصيرة، إذا لم تكن البيانات المدخلة بواسطة شخص مدرَّب على التعامل مع تطبيقات الذكاء الصناعي، وهذا يعني أنه لن يغني عن البشر، بل يمكن أن يكون مساعداً لهم».
ومن ناحية أخرى، فإن «تشات جي بي تي» والتطبيق الأحدث منه «جي بي تي 4»، تم «حرمانهما من خاصية التعلم الآلي، حتى تكون مخرجاتهما مستمدة فقط من البيانات التي تم استخدامها في تدريب الخوارزمية، وذلك خشية أن يمنحهما التعلم الآلي عن طريق اطلاعهما على ما هو جديد، قدرات تفوق البشر، وتصبح هناك صعوبة في السيطرة عليهما، ولذلك فإنهما لن يتمكنا من تفسير التغييرات المفاجئة في ظروف السوق، وستكون استجابتهما في حدود البيانات التي تم إدخالها لهما قبل إصدارهما»، بحسب منصور. وأضاف «هذا يضمن أن تظل هذه التطبيقات عاملا مساعدا، وليست بديلاً للبشر في مجال يتَّسم بالتقلبات والتغيرات المفاجئة».


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا يستعرض مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي المقبلة

مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» يكشف عن أبرز نزعات الذكاء الاصطناعي المقبلة

إطلاق أكبر مشروع للأمن الرقمي بتاريخ البشرية لمواجهة أكثر من 7000 هجمة في الثانية.

خلدون غسان سعيد (جدة)
الاقتصاد علم شركة «إنفيديا» على الحرم الجامعي في سانتا كلارا بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

بالأرقام... كيف أصبحت «إنفيديا» الشركة الأكثر قيمة في العالم؟

حققت «إنفيديا» مرة أخرى نتائج ربع سنوية تجاوزت توقعات «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».