بروتين يحمي شيفرة تكوين العضلات

علماء من «كاوست» وكندا نجحوا في تحديده

د. بريندا جانيس سانشيز والبروفسور عماد الدين غالوزي  (كاوست)
د. بريندا جانيس سانشيز والبروفسور عماد الدين غالوزي (كاوست)
TT
20

بروتين يحمي شيفرة تكوين العضلات

د. بريندا جانيس سانشيز والبروفسور عماد الدين غالوزي  (كاوست)
د. بريندا جانيس سانشيز والبروفسور عماد الدين غالوزي (كاوست)

إذا أتيحت لك الفرصة للنظر عبر مجهر إلكتروني لما يحدث داخل نواة الخلية التي تعد أصغر وحدة بنائية يتكون منها الكائن الحي، فسترى العجب العجاب. هذه الخلية تعد الوحدة الأساسية لكل أشكال الحياة بسبب وجود كل مقومات الحياة فيها.
وقد لا يصدق الشخص العادي أن نواة الخلية متناهية الصغر تلك، هي عالم قائم بحد ذاته، فيه ورش عمل ومصانع تقوم بكل ما يلزم الكائن الحي من عمليات معقدة لضمان استمرار الوظائف الحيوية في جسمه، وبالتالي استمرار حياته، ومن بين هذه العمليات عملية تصنيع البروتين.
وكي تقوم الخلايا بوظائفها المختلفة، تستخدم أدوات صغيرة تسمى بروتينات، وهي مُركبات وظيفية بيولوجية، وحدة بنائها الأساسية هي الأحماض الأمينية. وتتكون البروتينات من سلسلة طويلة جداً من هذه الأحماض، وتقوم بدور أساسي في جميع التفاعلات الحيوية التي تجري في أجسامنا.
تحدث عملية تصنيع البروتين في جميع خلايانا على مدار الساعة، ولا تستغرق الواحدة منها إلا بضع ثوانٍ. وتبدأ العملية في نواة الخلية، حيث يوجد الحمض النووي (DNA) الذي يحتوي على الشيفرة الجينية لصنع البروتينات، بما في ذلك البروتينات اللازمة لتكوين العضلات. بعد ذلك يقوم مراسل بنقل التعليمات لتشكيل البروتين، وهو الحمض النووي الريبي (RNA) الذي ينسخ الشيفرة البرمجية لتصنيع البروتين، وتسلسل القواعد فيها. بعدها يقوم بنقلها في رحلة من نواة الخلية، بعد أن يخترق مسام النواة، ليصل منها إلى الوسط السائل الموجود بين النواة وغشاء الخلية الذي يسمى (السيتوبلازما).
حامل الشيفرة
وثمَّة بروتينان لهما أهمية بالغة في حماية واستقرار الحمض النووي الريبي (RNA) لأنه يحمل شيفرة تكوين العضلات عبر الخلية، وقد يكون لهذا المركب البروتيني - المرتبط باستقرار الحمض النووي الريبي - آثار من شأنها العمل على تعافي العضلات وعلاج الأمراض.
ويعدّ الحمض النووي الريبي (RNA)، بمثابة جزيء هش، وهو شبيه بالحمض النووي (DNA)، ولكنه يختلف عنه في أنه أصغر كثيراً، ويعمل وسيطاً أو مرسالاً يحمل الشيفرة الجينية المنسوخة من الحمض النووي إلى مصانع البروتين في الخلية، حيث تجري ترجمة الشيفرة لتشكيل مختلف المكونات الصغيرة التي تجعل منّا ما نحن عليه.
تقول عالمة الكيمياء الحيوية الدكتورة بريندا جانيس سانشيز من مبادرة «كاوست للصحة الذكية»: «لم يعد يُنظر إلى الحمض النووي الريبي (RNA) بوصفه مجرد قناة وسيطة أقرب ما تكون إلى الجندي المجهول، لكنه في واقع الأمر بمثابة نقطة تفتيش تنظيمية، ضرورية للوظيفة الطبيعية لجميع العمليات الحيوية».
هذا يعني أننا بحاجة إلى تضافر مختلف جوانب الآلية الخلوية؛ لمنع تحلل الحمض النووي الريبي المرسال، وللحفاظ على حركته، لضمان ترجمة الشيفرة التي يحملها في النهاية إلى بروتين؛ إذ إنه، وفي حالة اضطراب أي جزء من هذه العملية، سيتأثر تخليق البروتين بصورة كبيرة، ما يؤدي إلى سلوك خلوي غير طبيعي، وربما موت المرسال.
وفي ضوء هذه المسألة الحيوية المعقدة، حدَّدت سانشيز وزملاؤها في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وجامعة ماكجيل في كندا مركباً بروتينياً مهماً يدعم استقرار الحمض النووي الريبي المرسال في أثناء تكوين ألياف العضلات.
مركب بروتيني
هل يمكن أن يؤدي المركب إلى إنتاج ألياف عضلية أفضل؟
يتكون المركب من بروتينين، هما: المستضد البشري R (HuR) وبروتين ربط Y - Box 1 (YB1)، حيث لا يزال يتعين اكتشاف الأدوار الدقيقة لكل بروتين على حدة في عملية استقرار الحمض النووي الريبي. ويساعد المزيد من التحقق على الوقوف على آلية القيام بكل ما يمكن أن يساعد العلماء في التحكم في كمية وأنواع البروتينات المصنوعة في العضلات، وكذلك في الأنسجة الأخرى في أي وقت.
وتتساءل جانيس سانشيز التي تشمل اهتماماتها البحثية تطوير علاجات قائمة على الحمض النووي الريبي؛ لتحسين نمو العضلات الهيكلية ومكافحة الأمراض المرتبطة بالعضلات: «ماذا لو تمكنا من تعزيز ارتباط البروتينين HuR وYB1 في أثناء علاج وإصلاح العضلات؟ هل يمكن أن يؤدي هذا إلى إنتاج ألياف عضلية أكثر أو أفضل؟ وتشير إلى أنّ تعلُّم كيفية التحكم في دوران الحمض النووي الريبي في أثناء تكوين الألياف العضلية، قد تكون له تداعيات هائلة في تطوير علاجات جديدة تمنع الأمراض ذات الصلة بالعضلات.
عرف العلماء مسبقاً دور بروتين HuR في عملية تثبيت الحمض النووي الريبي المرسال، الذي يحتوي على تسلسلات قاعدة نيتروجينية مميزة، تسمى العناصر الغنية (AU) في المناطق غير المترجمة. لكن هذا البروتين له وظائف متعددة حتى أنها تتعارض في بعض الأحيان، حيث يمكنه أيضاً أن يؤدي إلى تحلل الرنا المرسال.
وفي هذا السياق، قاد البروفسور عماد الدين غالوزي، عالم الأحياء ومدير مبادرة «كاوست للصحة الذكية»، مع جانيس سانشيز الفريق البحثي للكشف عن شبكة البروتين التي يمكن أن تشارك في ضمان قدرة «HuR« على تثبيت الحمض النووي الريبي المرسال على وجه التحديد في أثناء تكوين الألياف العضلية.
استخدم الفريق الأجسام المضادة لعزل بروتين «HuR» من سلائف خلايا عضلات الفأر (تسمى الخلايا العضلية)، ثم استخدموا تقنية تسمى قياس الطيف الكتلي لتحديد البروتينات المرتبطة بها. عبر هذه العملية تجلى بروتين «YB1» لأنه معروف أيضاً بدوره في تثبيت وربط الحمض النووي الريبي المرسال.
وبعد ذلك، استهدف الفريق الجين الذي يجري ترميزه في البشر بـ«YB1»؛ لإيقافه في الخلايا العضلية، لكنهم وجدوا أن هذا النهج يحدّ - بشكل كبير - من كفاءة نضوج هذه الخلايا وتحولها إلى خلايا عضلية. أيضاً، عندما استهدفت الجينات في الخلايا العضلية الطبيعية لإنتاج كميات أكبر من «HuR»، تحسنت عملية تكوين ألياف العضلات.
في المقابل، لم يحدث هذا في خلية الأرومة العضلية (نوع من سلائف الخلايا الجنينية القادرة على إنشاء خلايا العضلات)، فمع إيقاف بروتين «YB1» أثبتت الاختبارات الإضافية بعد ذلك أن «HuR » و«YB1 » يشكلان معاً مركباً يرتبط بالعناصر الغنية (AU) في (الرنا) المرسال لتعزيز استقرارها في أثناء عملية تكوين ألياف العضلات.
وفي هذا الصدد يقول البروفسور غالوزي: «إنشاء شبكة من البروتينات المرتبطة بـ(الرنا) التي تتفاعل مع بروتين (HuR)، بالإضافة إلى تشريح الآلية التي تشارك من خلالها هذه المركبات في العمليات الحيوية، مثل تكوين الألياف العضلية، سيكون أمراً بالغ الأهمية في فهمنا للعقيدة المركزية للبيولوجيا الجزيئية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل
TT
20

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

بني أحدث أحياء باريس على مدى العقدين الماضيين فوق ساحة لسكة حديد سابقة، وقرب محطة جديدة على خط مترو باريس رقم 14، كما كتبت ليز ستينسون(*).

ينقسم حي كليشي-باتينيول، الواقع في الدائرة السابعة عشرة، إلى ثلاثة أحياء تقريباً، تحتضن منطقتان متطورتان منه حديقة مارتن لوثر كينغ الضخمة والرائعة.

تطل شوارع الحي الهادئة، الخالية في معظمها من السيارات، على متاجر ومقاهٍ ومدارس. وتشغل الشركات والمؤسسات الطوابق الأرضية من مباني الشقق والمكاتب المصممة بمجموعة مذهلة من الأشكال والمواد. إذ تجد بعض الهياكل منحنية بشكل خفيف، والبعض الآخر ذا زوايا حادة؛ بعضها مغطى بالجص، والبعض الآخر بالخيزران. وكل مبنى فريد من نوعه ضيق ومتناسق، وجيرانه متنوعون... على مقربة منه.

سمات خفية لحي بيئي

وتعتمد المباني في الحي على مصدر طاقة حرارية أرضية للتدفئة، وألواح شمسية للكهرباء. ويتم جمع القمامة وإعادة تدويرها عبر نظام أنابيب هوائية. و50 في المائة من منازل كليشي-باتينيول Clichy-Batignolles، البالغ عددها 3400 منزل، هي مساكن اجتماعية لأفراد مختلطي الدخل، و20 في المائة إيجارات خاضعة للرقابة، و30 في المائة شقق سكنية بأسعار السوق.

ويختلف هذا المكان تماماً عن أي مشروع تنمية حضرية معاصر في الولايات المتحدة. إنه أحد أفضل الأمثلة على مجموعة ناشئة من أفضل ممارسات التخطيط الحضري التي تنتشر في أوروبا. يمكنك تسمية هذه الأحياء «المناطق البيئية».

وفي كتاب جديد بعنوان «البناء من أجل الناس» Building for People، يُعرّف المهندس المعماري مايكل إلياسون الأميركيين على المبادئ التي يقوم عليها هذا النموذج الجديد للتنمية الحضرية. ويُقرّ بعدم ملاءمة مصطلح «المناطق البيئية ecodistricts»، تماماً كما هو الحال مع مصطلح «العمران الموجَّه نحو التنقل العام» transit-oriented development (أحياء يتاح فيها للسكان الانتقال بسرعة دون الحاجة إلى المواصلات - المحرر) قبله، وبصعوبة إيصال الصورة الحقيقية لهذه الأحياء للجمهور الأميركي.

يكتب إلياسون في الكتاب: «الكثير من جوانب التنمية الحضرية الحديثة، وخاصةً التنمية على مستوى المناطق، في بلدان أخرى مجهول تماماً حتى للمهنيين الممارسين».

ما هي المنطقة البيئية حقاً؟

تُعدّ محاولة إلياسون للتعريف بهذه الرؤية الجديدة لبناء المدن خطوةً منطقيةً تاليةً من مناصرته لـ«العمارة ذات الدرج الواحد single-stair architecture»، وهو مفهومٌ آخر يصعب شرحه وله آثارٌ عميقة على البيئة العمرانية (عادة لمبانٍ من 4 إلى 6 طوابق بسلم واحد وآخر للحريق- المحرر).

ولسنوات، دأب إلياسون على إقناع كل من يستمع إليه بأن المباني ذات الدرج الواحد، بدلاً من المباني ذات الدرجين التي تفرضها قوانين البناء الأميركية، يمكن أن تجعل الشقق أرخص وأكثر اتساعاً وراحة. والآن، تم إنجاز جزء كبير من هذه المهمة المتمثلة في رفع مستوى الوعي، فقد أقنع إلياسون وعدد من المناصرين المتفانين الآخرين عشرات المدن والولايات في جميع أنحاء البلاد باعتماد قوانين بناء جديدة تُقنن هذا النوع من المساكن، وكان آخرها لوس أنجليس وأوستن. وأصبح مصطلح «عمارة الدرج الواحد» شائعاً بين فئة معينة من المهتمين بالسياسات.

أحياء بيئية بمبان اقتصادية وبلا سيارات

في كتابه الجديد، يُوسّع إلياسون نطاق دعوته ليشمل ليس فقط المباني، بل الأحياء أيضاً. تُجسّد الأحياء البيئية مثل كليشي-باتينيول مفاهيم التصميم الحضري التي تتيحها عمارة الدرج الواحد، لا سيما عند دمجها مع شوارع خالية من السيارات، ومساحات خضراء واسعة، ومجتمعات متنوعة اقتصادياً. لطالما انبهرتُ بهذه المشروعات التنموية واسعة النطاق التي تُبنى في الصين أو أوروبا، وكيف تختلف اختلافاً كبيراً عن مشروعات التطوير الموجهة نحو النقل التي نُنفذها في الولايات المتحدة، يقول إلياسون لشركة فاست كومباني: «أحاول الآن استكشاف بعض الأسباب».

مدن الـ«15 دقيقة»

إحدى طرق فهم الحي البيئي هي اعتباره مدينةً بُنيت من الصفر، على بُعد 15 دقيقة. يقول كارلوس مورينو، وهو مُخطط حضري في باريس ساهم في وضع نظريات لكلا المفهومين. وبينما يُمكن وصف مدن الـ15 دقيقة بالأحياء التقليدية أو الحديثة، «فعندما نستحضر مفهوم الحي البيئي، فإننا نتحدث عن مشروعات عمرانية جديدة»، كما يقول: «في الوقت نفسه، فإن الحي البيئي، بهذه العناصر الثلاثة - الحي، والاستدامة، والتنوع - يتماشى تماماً مع مفهوم مدينة الـ15 دقيقة».

ما وراء العمران الموجَّه نحو التنقل العام؟

لم أدرك تماماً آثار هذا النموذج من التنمية الحضرية إلا بعد أن أتيحت لي فرصة زيارة كليشي باتينيول شخصياً. ومن الناحية النوعية، يبدو الحي مختلفاً عن أي مكان زرته في الولايات المتحدة، وخاصةً أي حي حديث البناء.

تُسهّل الشوارع الخالية من السيارات وذات حركة المرور المنخفضة الوصول إلى الحديقة، ومحطة المترو، والمتاجر، ومباني المكاتب، أو المدارس ودور الحضانة المنتشرة في الحي، بكل سهولة وأمان. وعلى الرغم من أن جميع المباني شُيّدت أخيراً، فإن تنوعها المعماري، ومساحتها الضيقة نسبياً، تُضفي على مشهد المدينة طابعاً بصرياً مُحفزاً.

كانت هناك سمات تصميمية أخرى غير عادية، بنظري الأميركي. لاحظتُ انتشار الشرفات في هذه المباني السكنية ذات الدرج الواحد. بدلاً من أن تكون هذه المساحات الخارجية الخاصة مُدمجة في الواجهة، كما تبدو غالباً في المباني السكنية الأميركية، فإنها مُدمجة في غلاف المبنى كعنصر واعٍ في التصميم العام.

يوضح مورينو أن جزءاً مما يجعل كليشي باتينيول، حياً مُنعشاً معمارياً هو وقوعه بين الأحياء التقليدية في وسط باريس، وأحياء الضاحية التاريخية التي تُحيط بالمدينة. ويضيف: «هذه هي سمة الحي البيئي، إنها هندسة معمارية حديثة للاستدامة».

انتشار عالمي للأحياء البيئية

يصف كتاب إلياسون أماكن مُماثلة في ألمانيا والنمسا والسويد، إلى جانب عدد قليل من الأحياء البيئية قيد الإنشاء في كندا. وقد بدأت بعض المشروعات في الولايات المتحدة في الاقتراب من هذا النموذج المثالي.

يُسلّط إلياسون الضوء على كولديساك، المجتمع الخالي من السيارات في تيمبي، أريزونا، لإظهاره أن الشوارع الداخلية المخصصة للمشاة يمكن أن تنجح في الولايات المتحدة. يستخدم مشروع تطوير ميشين روك الذي اكتمل مؤخراً في سان فرانسيسكو شوارع خالية من السيارات على نطاق أوسع، ويقوم بعمل أفضل في دمج الهندسة المعمارية الجذابة ومساحات الحدائق ومزيج متنوع من استخدامات الأراضي والسكان.

التحضّر... من دون سيارات

لكن هذه الأمثلة قليلة ثمينة، وهي تتضاءل مقارنة بكليشي باتينيول. يقول إلياسون: «لدينا هذه الفكرة حول التحضر في الولايات المتحدة بأن السيارات يجب أن تذهب إلى كل مكان». بعد التحرر من هذه الفكرة، تزداد كمية المساحات المفتوحة والعامة المتاحة للعمل بشكل كبير.

ويأسف إلياسون على أن مفهوم «مدينة الـ 15 دقيقة» في الولايات المتحدة يُفهم عموماً على أنه مجرد مسافة سير على الأقدام من المتاجر والمقاهي. وكما هو الحال مع العمران الموجَّه نحو النقل العام، فقد تمكنا من استيعاب أفضل ممارسات التخطيط الحضري هذه بشكل سطحي للغاية. ويضيف: «نحن منخرطون بشدة في الجانب الاستهلاكي لمدن الـ15 دقيقة لدرجة أننا لا نستطيع حتى التحدث عن تلك الأمور الأخرى».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».