خفض تكاليف المشروعات بدلاً من العملة قد يحل الأزمة المصرية

ارتفاع التضخم إلى 32.7 % في مارس

فئات متنوعة من العملة المصرية في أحد البنوك بالقاهرة (رويترز)
فئات متنوعة من العملة المصرية في أحد البنوك بالقاهرة (رويترز)
TT

خفض تكاليف المشروعات بدلاً من العملة قد يحل الأزمة المصرية

فئات متنوعة من العملة المصرية في أحد البنوك بالقاهرة (رويترز)
فئات متنوعة من العملة المصرية في أحد البنوك بالقاهرة (رويترز)

عادة ما يقيس المستثمر الأجنبي مؤشر علاوة المخاطر في أي دولة قبل قرار الاستثمار فيها، لتحديد التكاليف الفعلية والعوائد المستقبلية لمشروعه؛ وبالنظر إلى علاوة المخاطر، التي تحددها عوامل ست هي: الاستقرار السياسي وسعر الصرف ومعدل التضخم وأسعار الفائدة وحجم البيروقراطية ومؤشرات الفساد، يظهر أن العلاقة بين حجم العوائد المتوقعة ونسبة مؤشر علاوة المخاطر، عكسية.
أي كلما ارتفعت علاوة المخاطر في أي دولة ارتفعت معها العوائد المتوقعة من أي مستثمر، أو بالأحرى التي يطالب بها أي مستثمر.
وفي حالة مصر، الساعية دائماً إلى جذب الاستثمارات الأجنبية لسد الفجوة الدولارية، يظهر من البيانات الرسمية أن معدلات التضخم، التي أعلنها أمس، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت إلى 32.7 في المائة في مارس الماضي على أساس سنوي، رغم ارتفاع معدلات الفائدة لمستويات قياسية، إذ قررت لجنة السياسة النقديـة في البنك المركزي المصري، في 30 مارس (آذار) الماضي، رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع 200 نقطة أساس، لتصل إلى 18.25 في المائة، و19.25 في المائة.
وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، هما نتيجة لتخفيض أسعار الصرف عدة مرات متتالية، وفق الدكتور أحمد العطيفي، أستاذ التمويل والاستثمار.
أما البيروقراطية، التي يشتهر بها جهاز الدولة الإداري، فتزيد التكاليف المالية على الاستثمار الأجنبي، وهذا بالطبع لا يخلو من مطالبات مالية غير مشروعة لتسهيل الإجراءات العادية، ما قد يرفع من معدلات الفساد.
لا يوفر كل هذا للمستثمر الأجنبي، الذي يرى مصر من الأسواق الواعدة بقطاعاتها الاقتصادية البكر، فرصاً قوية لضخ استثمارات مليارية بالدولار، من شأنها تقليل الفجوة الدولارية للدولة، ومن ثم بدء رحلة ارتفاع العملة المحلية منسوبة إلى وضعها الاقتصادي الفعلي، بعد حل أزمة الدولار.
ويرى العطيفي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن وضع مصر الاقتصادي حالياً «ضعيف مع وجود صعوبة في امتصاص الصدمات الخارجية... مقارنة بوضعنا سابقاً: متعافٍ لكن الصدمات الخارجية أظهرت هشاشته».
وأضاف العطيفي أن «الحل الوحيد للأسف حالياً لسد الفجوة التمويلية: بيع بعض الأصول أو مشاركة من خلال رفع رأس المال، لبعض الأصول بشكل سريع». لكنه أشار إلى أن جميع المعطيات الحالية من ارتفاع معدل الفائدة في البنوك والتضخم أيضاً، «لا تصب في صالح عملية تقييم الأصول أو الأسهم التي تريد الدولة بيعها».
وأوضح: «كلما ارتفعت أسعار الفائدة تراجعت الأسهم، وبالتالي يبرر هذا تراجع الدولة في بيع الأصول أو الحصص حتى الآن...»، ولذلك يؤكد العطيفي أن «أي مستثمر هيشتري أي حاجة داخل الدولة حالياً سواء مشاريع قائمة أو أسهم، هو المستفيد رقم واحد».
ورغم ارتفاع التضخم في مصر إلى 32.7 في المائة، فإنه يقل قليلاً عن أعلى معدل قياسي مسجل حتى الآن عند 32.952 في المائة في يوليو (تموز) 2017. وكان التضخم في فبراير (شباط) عند 31.9 في المائة.
وعلى أساس شهري، انخفض التضخم في المدن المصرية إلى 2.7 في المائة في مارس الماضي، مقارنة مع 6.5 في المائة في فبراير و4.7 في المائة في يناير (كانون الثاني).
أما التضخم الأساسي، فأظهرت بيانات من البنك المركزي أمس، تراجعه إلى 39.5 في المائة في مارس من 40.26 في المائة في فبراير، على غير المتوقع.
وخفضت مصر، التي توصلت إلى اتفاق تسهيل ائتماني من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قيمة عملتها إلى النصف أمام الدولار منذ مارس 2022.
ويرى العطيفي أن معدلات التضخم في مصر في مسار هبوطي في حال «عدم تخفيض العملة وثبات أسعار البنزين والسولار خلال الفترة المقبلة».
وعن أزمة سعر الصرف، طرح العطيفي «حلولاً قابلة للتنفيذ قد تقضي على رحلة تخفيض العملة تماماً»، فقال: «لجذب استثمارات أجنبية... يجب منح ميزة تنافسية للمستثمر من خلال تخفيض التكاليف... أي إعفاءً ضريبياً بنسبة النصف لفترة 5 سنوات مثلاً، وتخفيض ثمن رخصة تشغيل لأي نشاط بمقدار النصف... وتحديد رسوم أي نشاط لفترة 3 سنوات، وتقديم أرض مجاناً للمشروعات التي لا يوجد مثيل لها... وتخفيض سعر المياه والكهرباء لفترة 3 سنوات مثلاً لأي مشروع جديد برأسمال أجنبي».
وأضاف: «لو قدمنا كل الخدمات والمرافق والتسهيلات للمستثمر الأجنبي بخصم أكبر من 50 في المائة... بذلك نحن خفضنا له قيمة تكاليفه 50 في المائة، وهذا معناه أنه تم تخفيض الجنيه له بنسبة 50 في المائة... كل هذا سيخفض تكاليف المشروعات بنسبة النصف تقريباً، وستبدأ مصر جني الثمار مباشرة، ووقتها لن نحتاج إلى تخفيض العملة». غير أن ما يحدث الآن «استغلال للوضع الاقتصادي القائم في البلاد»، وفق العطيفي.
واتفق كريم يحيى الخبير المصرفي، مع هذه الرؤية في تخفيض التكاليف المالية للمشروعات والاستثمارات المباشرة، بدلاً من تخفيض قيمة العملة، وقال: «على الدولة تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية بميزات تنافسية تجذب معها عملة دولارية للمساعدة في حلحلة الأزمة الحالية».
وأشار يحيى لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «استراتيجية البنك المركزي المصري بالنسبة للتضخم ظهرت في عدة رسائل؛ كانت أبرزها سماحه للبنوك بطرح شهادات متناقصة العائد سنوياً، ما يدل على أن التضخم سيبدأ مساراً نزولياً خلال الفترة المقبلة».
وقال إن «المركزي المصري يتبع استراتيجية طويلة الأمد، لتقليل التضخم، ثم خفض أسعار الفائدة، ومن ثم دعم مناخ الاستثمار المحلي... وهو ما يؤكد عدم طرح شهادات ادخارية بأسعار مرتفعة مرة أخرى»، محذراً من كثرة الإشاعات على ارتفاع الدولار التي تنعكس على سعر العملة الخضراء في السوق السوداء ومن ثم السلع والخدمات.


مقالات ذات صلة

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال استقباله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر في العاصمة الإدارية الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر وقطر ستتعاونان في مشروع عقاري «مهم للغاية» بالساحل الشمالي

قال مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، إن مصر وقطر ستتعاونان خلال المرحلة المقبلة في مشروع استثماري عقاري «مهم للغاية» في منطقة الساحل الشمالي المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

تحويلات المصريين بالخارج زادت بأكثر من 100 % في سبتمبر

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، اليوم الاثنين، أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت لأكثر من مثليها على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

ورقة نقدية صينية (رويترز)
ورقة نقدية صينية (رويترز)
TT

الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

ورقة نقدية صينية (رويترز)
ورقة نقدية صينية (رويترز)

يدرس القادة والمسؤولون الصينيون السماح بانخفاض قيمة اليوان في عام 2025، في وقت يستعدون فيه لفرض الولايات المتحدة رسوماً تجارية أعلى، في ظل رئاسة دونالد ترمب الثانية.

وتعكس هذه الخطوة إدراك الصين أنها بحاجة إلى تحفيز اقتصادي أكبر، لمواجهة تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية مرتفعة، وفقاً لمصادر مطلعة على المناقشات. وكان ترمب قد صرح سابقاً بأنه يخطط لفرض ضريبة استيراد عالمية بنسبة 10 في المائة، إضافة إلى رسوم بنسبة 60 في المائة على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة.

وسيسهم السماح لليوان بالضعف في جعل الصادرات الصينية أكثر تنافسية، مما يساعد على تقليص تأثير الرسوم الجمركية ويساهم في خلق بيئة نقدية أكثر مرونة في الصين.

وقد تحدثت «رويترز» مع 3 مصادر على دراية بالمناقشات المتعلقة بخفض قيمة اليوان؛ لكنهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لعدم تفويضهم بالحديث علناً حول هذه المسألة. وأكدت المصادر أن السماح لليوان بالضعف في العام المقبل سيكون خطوة بعيدة عن السياسة المعتادة التي تعتمدها الصين في الحفاظ على استقرار سعر الصرف.

وبينما من غير المتوقع أن يعلن البنك المركزي الصيني عن توقفه عن دعم العملة، فإنه من المتوقع أن يركز على منح الأسواق مزيداً من السلطة في تحديد قيمة اليوان.

وفي اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة التي تتخذ القرارات بين مسؤولي الحزب الشيوعي، هذا الأسبوع، تعهدت الصين بتبني سياسة نقدية «ميسرة بشكل مناسب» في العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها الصين تخفيفاً في سياستها النقدية منذ نحو 14 عاماً. كما لم تتضمن تعليقات الاجتماع أي إشارة إلى ضرورة الحفاظ على «استقرار اليوان بشكل أساسي»، وهو ما تم ذكره آخر مرة في يوليو (تموز)؛ لكنه غاب عن البيان الصادر في سبتمبر (أيلول).

وكانت سياسة اليوان محوراً رئيسياً في ملاحظات المحللين الماليين ومناقشات مراكز الفكر هذا العام. وفي ورقة بحثية نشرتها مؤسسة «China Finance 40 Forum» الأسبوع الماضي، اقترح المحللون أن تتحول الصين مؤقتاً من ربط اليوان بالدولار الأميركي إلى ربطه بسلة من العملات غير الدولارية؛ خصوصاً اليورو، لضمان مرونة سعر الصرف في ظل التوترات التجارية المستمرة.

وقال مصدر ثالث مطلع على تفكير بنك الشعب الصيني لـ«رويترز»، إن البنك المركزي يدرس إمكانية خفض قيمة اليوان إلى 7.5 مقابل الدولار، لمواجهة أي صدمات تجارية محتملة، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 3.5 في المائة تقريباً عن المستويات الحالية البالغة 7.25.

وخلال ولاية ترمب الأولى، ضعُف اليوان بنسبة تزيد على 12 في المائة مقابل الدولار، خلال سلسلة من إعلانات الرسوم الجمركية المتبادلة بين مارس (آذار) 2018، ومايو (أيار) 2020.

اختيار صعب

قد يساعد ضعف اليوان ثاني أكبر اقتصاد في العالم على تحقيق هدف نمو اقتصادي صعب بنسبة 5 في المائة، وتخفيف الضغوط الانكماشية عبر تعزيز أرباح الصادرات، وجعل السلع المستوردة أكثر تكلفة. وفي حال تراجع الصادرات بشكل حاد، قد يكون لدى السلطات سبب إضافي لاستخدام العملة الضعيفة كأداة لحماية القطاع الوحيد في الاقتصاد الذي لا يزال يعمل بشكل جيد.

وقال فريد نيومان، كبير خبراء الاقتصاد في آسيا، في بنك «إتش إس بي سي»: «من الإنصاف القول إن هذا خيار سياسي. تعديلات العملة مطروحة على الطاولة كأداة يمكن استخدامها لتخفيف آثار الرسوم الجمركية». وأضاف أنه رغم ذلك، فإن هذا الخيار سيكون قصير النظر.

وأشار نيومان إلى أنه «إذا خفضت الصين قيمة عملتها بشكل عدواني، فإن هذا يزيد من خطر فرض سلسلة من الرسوم الجمركية، ويُحتمل أن تقول الدول الأخرى: إذا كانت العملة الصينية تضعف بشكل كبير، فقد لا يكون أمامنا خيار سوى فرض قيود على الواردات من الصين بأنفسنا». وبالتالي، هناك مخاطر واضحة من استخدام سياسة نقدية عدوانية للغاية؛ حيث قد يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف من الشركاء التجاريين الآخرين، وهو ما لا يصب في مصلحة الصين.

ويتوقع المحللون أن ينخفض اليوان إلى 7.37 مقابل الدولار بحلول نهاية العام المقبل. ومنذ نهاية سبتمبر، فقدت العملة نحو 4 في المائة من قيمتها مقابل الدولار.

وفي الماضي، تمكن البنك المركزي الصيني من احتواء التقلبات والتحركات غير المنظمة في اليوان، من خلال تحديد معدل التوجيه اليومي للأسواق، فضلاً عن تدخل البنوك الحكومية لشراء وبيع العملة في الأسواق.

وقد واجه اليوان -أو «الرنمينبي» كما يُسمَّى أحياناً- صعوبات منذ عام 2022؛ حيث تأثر بالاقتصاد الضعيف، وتراجع تدفقات رأس المال الأجنبي إلى الأسواق الصينية. كما أن أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة الصينية قد ضاعفت من الضغوط على العملة.

وفي الأيام القادمة، ستناقش السلطات الصينية التوقعات الاقتصادية لعام 2025، بما في ذلك النمو الاقتصادي والعجز في الموازنة، فضلاً عن الأهداف المالية الأخرى، ولكن دون تقديم استشرافات كبيرة في هذا السياق.

وفي ملخصات مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC)) لأعوام 2020 و2022 و2023، تم تضمين التعهد بـ«الحفاظ على الاستقرار الأساسي لسعر صرف الرنمينبي عند مستوى معقول ومتوازن». إلا أنه لم يُدرج في ملخصات المؤتمر لعامي 2019 و2021.

ويوم الثلاثاء، انخفضت العملة الصينية بنحو 0.3 في المائة إلى 7.2803 مقابل الدولار. كما انخفض الوون الكوري، وكذلك الدولار الأسترالي والنيوزيلندي الحساسان للصين، في حين لامس الدولار الأسترالي أدنى مستوى له في عام عند 0.6341 دولار.