مع انتهاء الشتاء... هل سيواجه الجيش الروسي نكسة جديدة في أوكرانيا؟

النخب الروسية موحدة في قناعتها بضرورة كسب الحرب

جنديان أوكرانيان قرب خط النار في باخموت (أ.ب)
جنديان أوكرانيان قرب خط النار في باخموت (أ.ب)
TT

مع انتهاء الشتاء... هل سيواجه الجيش الروسي نكسة جديدة في أوكرانيا؟

جنديان أوكرانيان قرب خط النار في باخموت (أ.ب)
جنديان أوكرانيان قرب خط النار في باخموت (أ.ب)

(تحليل إخباري)
تُدافع قوات أوكرانية عن باخموت، في منطقة دونيتسك شرق البلاد، منذ أشهر، لكن معظم المدينة وأجزاء من وسطها، تخضع بالفعل لسيطرة روسيا. غير أن وحدات أوكرانية تتمركز في الجزء الغربي من المدينة.
وذكرت وزارة الدفاع البريطانية الجمعة، في تحديث منتظم لها بشأن الحرب أن القوات الروسية، ربما شقت طريقها، بوسط المدينة، وسيطرت على الضفة الغربية من نهر «باخموتكا».
وأضاف التقرير أن هذا يعني أن طريق إمداد أوكرانيا رئيسياً، إلى غرب البلدة «ربما تعرض لتهديدات بشكل خطير». وتابع التقرير أنه بعد عدم إحراز القوات الروسية بالكاد أي تقدم في باخموت، منذ نهاية مارس (آذار) الماضي، زادت موسكو بشكل كبير، وجودها في المنطقة ونشرت أيضاً مزيداً من المدفعية. واعترفت كييف بصعوبة الوضع في باخموت.
لكنها وبعدما كانت كييف تترقب هجوماً روسياً عنيفاً في الشتاء، تجد موسكو نفسها كما في غالب الأحيان منذ اندلاع هذه الحرب أمام نتائج مخيبة تنذر بتحول الغزو إلى حملة عسكرية طويلة الأمد. ويدور القتال بين الجيشين الأوكراني والروسي على امتداد الجبهة الشرقية من شمالها إلى جنوبها، وهذا يؤدي إلى تشتت القوات، ويجعل من المستبعد تحقيق تقدم يذكر. وعلى الرغم من اعتراف عديد من المراقبين بأن باخموت مجردة من أي أهمية استراتيجية أساسية، فإنها تشهد معارك عنيفة مستمرة منذ أشهر، هي أبرز مؤشر إلى حرب استنزاف.
ويرفض الطرفان التراجع، وكل منهما واثق في أنه يضعِف الآخر. وإن كانت الخسارة ستشكل انتكاسة رمزية لأوكرانيا، فستكون بمثابة هزيمة كبرى لروسيا.
وأعلن «معهد هادسون» الأميركي، الأربعاء، أن «باخموت أصبحت منطقة استنزاف شديد مع ارتفاع خسائر الجانبين». وأعلنت مجموعة «فاغنر» المسلحة في مطلع أبريل (نيسان) السيطرة على بلدية المدينة، لكن المعارك متواصلة، وأقر رئيس مجموعة المرتزقة إيفغيني بريغوجين، خلال زيارته مقبرة، بأنها «تتسع باستمرار». وأكد «معهد هادسون» أن «حتى لو سقطت باخموت» لن يتمكن الجيش الروسي من «السيطرة على منطقة دونيتسك، أحد أهدافه الجغرافية الرئيسية».
ولفت ليو بيريا بينييه من «المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية» إلى أن الروس لم يحتلوا سوى 70 كيلومتراً مربعاً في مارس، ما يمثل تقدماً لا يذكر. وقال «لوكالة الصحافة الفرنسية»: «الجيش الروسي ينقصه عناصر مدربون» ويواجه «مشكلات إمدادات بالذخائر المدفعية. إننا نقترب من التوازن بين الطرفين».
وكتب المحلل الأميركي مايكل كوفمان على «تويتر» أن «الهجوم الروسي يجري بشكل سيئ كما كان متوقعاً. والمسألة المطروحة تقضي بمعرفة في أي مرحلة سيشعر الروس بالإنهاك، وسيُرغمون على تقنين ذخائرهم».
ورأى أن رئيس هيئة أركان الجيش الروسي فاليري غيراسيمون «يستنفد القوات بهجمات غير مناسبة وغير مفيدة» قد تضعفها.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية، السبت، في تحديثها المنتظم عن الحرب في أوكرانيا، كما نقلت عنها «الوكالة الألمانية»، إن محاولة روسيا «إنهاك بشدة» البنية التحتية الخاصة بالطاقة في أوكرانيا قد «فشلت على الأرجح» أيضاً، وإن وضع الطاقة في أوكرانيا لن يتحسن إلا مع ارتفاع درجات الحرارة. وعلى مدار الشهور الماضية، استهدفت الهجمات الصاروخية الروسية عمداً، البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، وغالباً ما كانت تترك السكان بلا كهرباء وتدفئة لفترات طويلة خلال درجات حرارة تحت الصفر. وأضاف التقرير البريطاني، نقلاً عن معلومات استخباراتية، أن الهجمات الصغيرة النطاق ما زالت مستمرة، ولكن «من المرجح بشكل كبير أن تكون ذات تأثير ضعيف» على نظام الطاقة الأوكراني. وأضافت أن شراء بدائل وإصلاح البنية التحتية هو تحدٍ لوجيستي كبير لشركات المرافق الأوكرانية. وتابع التقرير أنه مع بداية الربيع سوف يهدأ الوضع بشكل كبير. وجاء فيه أنه من المرجح أن تبدأ أوكرانيا أيضاً الاستعدادات للشتاء المقبل.
وتنهك الحرب، منذ ما يزيد على سنة، المعدات وتجتث الجنود. وفي غياب أرقام موثوقة، يقدر كل من المعسكرين خسائر العدو بأكبر مما يقر به. وأكد المحلل العسكري المستقل في موسكو ألكسندر كرامتشيخين أن «هذا يصب في مصلحة روسيا... أوكرانيا أهدرت كثيراً من القوات للحفاظ على هذه المدن التي لا تتسم بأهمية استراتيجية كبرى». في المقابل، كتب فيليب غرو وفينسان توريه في تحليل لحساب «مؤسسة البحث الاستراتيجي» أن الخسائر الروسية تتخطى على الأرجح «بكثير نصف مجمل المعدات الموزعة على الوحدات أو في المخزون» التي يمكن ترميمها، والتي «كانت تملكها القوات الميدانية البرية» في فبراير (شباط) 2022 عند شن الغزو. وقال وزير الدفاع الأوكراني السابق أندري زاغورودنيوك: «نشك بجدية أن يكون بإمكانهم تحسين النوعية، لا نعتقد بأن العملية يمكن أن تدوم». وإن كان المعسكران يجدان صعوبة في ترسيخ تقدمهما، فإن مايكل كوفمان لفت إلى أن «الجيش الروسي لديه على الأرجح الموارد والعدة لتنظيم دفاع قوي» بما في ذلك «حقول ألغام وخنادق» بوجه الهجوم المضاد الأوكراني المعلن.
وتعول كييف على الغرب على صعيد الاستخبارات والتدريب وإمدادات الأسلحة الحديثة. وتصل إلى ساحة المعركة بوجه الجيش الروسي دبابات خفيفة وثقيلة ورادارات وذخائر وصواريخ وقذائف بعيدة المدى. ورأى إيغور كوروتشنكو رئيس تحرير مجلة «الدفاع الوطني» الروسية أنه في المستقبل «سيتوقف الوضع من جهة على سرعة الإمدادات الغربية ومداها، ومن جهة أخرى على قدرة المضادات الجوية الروسية على اعتراض» هذا النوع من الأسلحة. وأضاف المحلل أن الإمدادات التي ترسل لأوكرانيا «تطيل أمد النزاع».
ويرى أندري زاغورودنيوك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخطط للمدى البعيد، متوقعاً أن «يخوض حرب موارد». وأقر في المقابل بأن الاقتصاد الأوكراني «لا يتعافى».
وقالت كييف الجمعة، إن المستندات التي يُزعم أنها معلومات سرية حول استعدادات أوكرانيا لشن هجوم مضاد، مزيفة، وذلك رداً على تقرير نشرته إحدى الصحف الأميركية. وقال ميخايلو بودولياك مستشار المكتب الرئاسي في كييف في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إنه «منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تدهور حال أجهزة الاستخبارات إلى وضع أصبح لا يمكنهم فيه إعادة تأهيل أنفسهم إلا عن طريق برامج الفوتوشوب و(مقالب المعلومات المزيفة)». وأضاف أن موسكو تحاول تعطيل هجوم أوكرانيا المضاد ولكن بدلاً من ذلك ستتكشف خطط كييف قريباً على أرض الواقع. وجاءت تغريدة بودولياك بعد أن نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تفاصيل حول تسريب مستندات يفترض أنها سرية تقول إن الهجوم المضاد الأوكراني سيكتمل بحلول 30 أبريل. وزعمت المستندات أن كييف أعدت لذلك 60 ألف جندي وأكثر من 250 دبابة وأكثر من 350 عربة مدرعة.
من جهته أسف ألكسندر كرامتشيخين لقيام موسكو بخيارات غير مجدية بمواجهة مقاومة أوكرانية تزداد قوة، وقال: «إن المشكلات العسكرية العديدة لا تفسر الأخطاء في الأهداف السياسية». إلا أن هذه الأخطاء تنعكس على الرأي العام. وكتبت تاتيانا ستانوفايا من «معهد كارنيغي»: «يمكن لمس الغضب واليأس في الأحاديث الخاصة» في روسيا بين التكنوقراط والمسؤولين العسكريين، وفي أوساط الأعمال القريبة من الحكومة، وحتى بين «الوطنيين المتطرفين».
وأضافت أن «النخب الروسية موحدة في قناعتها بأنه يتحتم على بوتين كسب الحرب بما أنه بدأها»، لكن فيما يتعلق بالوضع على الجبهة «لا أحد يفهم كيف يمكنه ضمان النصر».


مقالات ذات صلة

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».