العراق... يوم سقوط صدام

بعد عقدين من التغيير... لا يزال البحث جارياً عن الدولة

جندي أميركي ينزع علم الولايات المتحدة عن تمثال رأس صدام حسين (أ.ف.ب) ... ويضع العلم العراقي فوق رأس التمثال (غيتي)
جندي أميركي ينزع علم الولايات المتحدة عن تمثال رأس صدام حسين (أ.ف.ب) ... ويضع العلم العراقي فوق رأس التمثال (غيتي)
TT

العراق... يوم سقوط صدام

جندي أميركي ينزع علم الولايات المتحدة عن تمثال رأس صدام حسين (أ.ف.ب) ... ويضع العلم العراقي فوق رأس التمثال (غيتي)
جندي أميركي ينزع علم الولايات المتحدة عن تمثال رأس صدام حسين (أ.ف.ب) ... ويضع العلم العراقي فوق رأس التمثال (غيتي)

(تحليل سياسي)
تنبه تومي فرانكس، قائد الجيوش الأميركية التي غزت العراق عام 2003، إلى أن العلم الأميركي هو الذي لفّ تمثال صدام حسين الكائن في ساحة الفردوس في قلب بغداد حين تقدمت دبابة أميركية عملاقة لاقتلاعه، في تمام الساعة الرابعة من عصر يوم 9-4-2003.
يروي فرانكس في مذكراته التي حملت عنوان «جندي أميركي»، أنه كان يراقب دخول القوات وحركة الدبابات في العاصمة العراقية بغداد من مقر إقامته آنذاك في قاعدة السيلية في قطر. وعندما وجد أن العلم الأميركي هو الذي يلفّ تمثال صدام حسين الضخم في ساحة الفردوس تمهيداً لاقتلاعه، اتصل هاتفياً بقائد القوة في بغداد طالباً منه، وبأقصى سرعة، إنزال العلم الأميركي ووضع العلم العراقي مكانه. وبالفعل، وطبقاً للشهود العيان ممن كانوا يرون بالعين المجردة من سطح أحد الفندقين المحيطين بالساحة (فلسطين ميريديان والشيراتون) ومنهم كاتب هذه السطور، فإن عملية إنزال التمثال من قبل الدبابة الأميركية تأخرت، لا سيما أن جندياً أميركياً كان قد صعد على أعلى ماسورة الدبابة لكي ينزل العلم الأميركي ويرفع العلم العراقي مكانه، ومن بعدها قامت الدبابة العملاقة بجر التمثال، فأسقطته أرضاً.
في تلك اللحظة؛ حيث كان الجميع مذهولين مما يجري، بمن في ذلك المواطنون العراقيون، كان هناك مشهدان متوازيان يحدثان لحظة إسقاط التمثال. فمن الجهة الغربية من شارع السعدون، كان هناك متظاهرون يبدو أنهم منظمون وينتمون إلى جماعة «المؤتمر الوطني العراقي» بزعامة أحمد الجلبي (مات عام 2015) قد اقتربوا من رأس التمثال الساقط على الأرض، محاولين بكل قواهم سحله في الشارع. ولاحقاً، ظهر أن هناك مشهداً آخر يجري، وبخاصة في حي الأعظمية على بعد بضع كيلومترات من مكان سقوط التمثال، كان بطله صدام حسين شخصياً، وليس تمثاله الذي بات مرمياً في الشارع. كان صدام يصور فيلماً تم توزيعه عشية سقوط بغداد على بعض الفضائيات العربية، يظهر فيه محمولاً على الأكتاف من قبل الجماهير المحيطة به في إحدى ساحات الأعظمية. وكان الناس هناك لا يزالون يهتفون باسمه. بعدها سقطت بغداد، وسقط التمثال، واختفى صدام حتى لحظة إلقاء القبض عليه بعد شهور.
الجنرال تومي فرانكس يبرر ما قام به عندما أصدر أوامره إلى القوة الأميركية في بغداد بإنزال العلم الأميركي بأنه لم يكن يريد أن يعطي انطباعاً بأن الأميركيين هم عنوان المرحلة القادمة في العراق. لكن فرانكس لا يعلم أن العلم الذي أمر بأن يلف رأس تمثال صدام قبيل إسقاطه كدلالة على أن العملية تمت من قبل العراقيين، لا يزال مختلفاً عليه، مثل أشياء كثيرة مختلف عليها في العراق، وفي المقدمة منها الدولة، إذ لا يزال البحث جارياً عن هذه الدولة بعد عقدين من التغيير.
فإذا كانت مهمة فرانكس انتهت بإسقاط تمثال رأس النظام السابق، فإن من تولى إدارة السلطة أميركياً، وهما جي غارنر وبول بريمر، لم تكن لأي منهما دراية بطبيعة الوضع العراقي.
غارنر كانت مهمته طارئة وسرعان ما اختفى من المشهد، لكن بريمر كان دوره هو الأخطر، ليس على صعيد بناء أي شيء، بل هدم كل شيء. فهذا الرجل الذي ألف كتاباً عن العراق بعد بقائه سنة حاكماً مطلقاً (عنوانه «عام قضيته في العراق») اعتمد في تقديم الرؤى الناقصة له على زعامات المعارضة العراقية. وحيث إن غالبية قادة المعارضة كانوا لعقدين، وربما لثلاثة عقود، خارج العراق هاربين من صدام حسين وأحكامه القاسية ضد بعضهم (الإعدام مثلاً)، لم يكونوا يعرفون شيئا عن العراق، ما خلا ما يردهم من معلومات ثبت أنها ناقصة هي الأخرى من أنصارهم داخل العراق. ولعل القرار الذي اتخذه بريمر ووافقت عليه قوى المعارضة بحل الجيش والمؤسسات الأمنية التي هي عماد الدولة، لا يزال العراق يدفع ثمنه الباهظ حتى الآن.
فالآن، وبعد مرور عقدين من التغيير، فإن أهم ما يميز تجربة التغيير هو أن الأطراف السياسية تضخمت في شكل أحزاب وفصائل مسلحة وجماعات بأسماء مختلفة، ناهيك من سلطات العشائر التي باتت هي الأخرى غير محدودة، ما نتج عنه قيام سلطة مركزية ممثلة في الحكومات التي تتغير كل أربع سنوات عبر الانتخابات، مع عشرات السلطات الموازية التي لا يعترف بعضها بالدولة أو يرى أن سلطته هي الأعلى، وأن كل ما يترتب على الحكومة عمله هو توزيع الرواتب والامتيازات لهم وتسهيل مهماتهم طولاً وعرضاً.
ورغم كل المحاولات والمساعي التي تحاول الحكومة القيام بها، سواءً على صعيد السياسة الخارجية أو الإصلاح الداخلي، فإنها لا تزال تصطدم بتعارض الإرادات بين أطراف متباينة الرؤى والتوجهات، الأمر الذي يعرقل عمل الحكومة، حتى لو كانت نياتها صادقة للعمل، بعد عقدين من التخبط السياسي.
فالحكومة الحالية، التي بدأت العقد الثالث من التغيير، يقف خلفها ائتلاف يسمى «ائتلاف إدارة الدولة»، وهو أمر يحصل للمرة الأولى، لا سيما بعد سلسلة حكومات لم تصل إلى السلطة طبقاً لمفهوم الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً. بل حتى عندما كانت تأتي بعض الحكومات طبقاً لمبدأ التوافق، فإن هذا التوافق سرعان ما كان ينهار، وبالتالي تقضي الحكومة فترتها على شكل صراعات بين أطراف سياسية تكون الدولة فيها هي الحلقة الأضعف.
اليوم، وفي ظل ما يعلن عنه رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني من خطط وبرامج، لا سيما في الميادين التنفيذية الهادفة إلى ترسيخ عمل الدولة على حساب أطراف السلطة، ورغم ادعاء الجميع أنهم يؤيدون مثل هذه الخطوات، فإنه من الواضح أن الحكومة لا تزال تخوض صراعاً على صعيد تغيير البوصلة من السلطة إلى الدولة، التي بقيت مفقودة طوال العقدين الماضيين.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

وزير الخارجية المصري: قد نكون الأكثر تضرراً من التصعيد في البحر الأحمر

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
TT

وزير الخارجية المصري: قد نكون الأكثر تضرراً من التصعيد في البحر الأحمر

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اليوم الأحد، إن مصر قد تكون الأكثر تضرراً بالتصعيد الحالي في البحر الأحمر.

وأوضح الوزير، في مؤتمر صحافي بالكويت، إن «مزيداً من العسكرة في البحر الأحمر يضر ضرراً بالغاً بالتجارة العالمية والاقتصاد المصري»، وفقاً لوكالة «رويترز».

وتابع عبد العاطي: «خاصة أن هناك تراجعاً كبيراً في عائدات قناة السويس نتيجة التصعيد (غير المقبول) في البحر الأحمر».

وقال عبد العاطي إنه تحدث مع وزير خارجية الكويت عن الأوضاع «الكارثية» في البحر الأحمر والتصعيد الحالي، الذي يؤثر على حركة الملاحة الدولية.

وأضاف: «إذا كانت هناك جدية لمنع التصعيد، لا بد من معالجة جذور المشكلة وهي بطبيعة الحال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وأيضا على لبنان حتى لا نعطي الذريعة لأي طرف».

وأكد أن «الاستقرار أمر هام جداً ولن يتحقق الاستقرار إلا بمعالجة جذور المشكلة ووقف هذا العدوان الغاشم».

وتشن جماعة «الحوثي» اليمنية هجمات تستهدف السفن في مدخل البحر الأحمر تقول إنها ضد سفن متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.