ما السبب الحقيقي وراء نية تسليح الصين لروسيا في أوكرانيا؟

محللون يقولون إن بكين تريد استغلال الصراع لاختبار قوتها العسكرية قبل الشروع في غزو تايوان

سفينة حربية صينية خلال مناورات عسكرية مشتركة مؤخراً مع إيران وروسيا في خليج عمان (رويترز)
سفينة حربية صينية خلال مناورات عسكرية مشتركة مؤخراً مع إيران وروسيا في خليج عمان (رويترز)
TT

ما السبب الحقيقي وراء نية تسليح الصين لروسيا في أوكرانيا؟

سفينة حربية صينية خلال مناورات عسكرية مشتركة مؤخراً مع إيران وروسيا في خليج عمان (رويترز)
سفينة حربية صينية خلال مناورات عسكرية مشتركة مؤخراً مع إيران وروسيا في خليج عمان (رويترز)

شهدت الفترة الأخيرة تكثيفاً لعلاقات التعاون بين كل من الصين وروسيا، وتُوج ذلك بزيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لروسيا مؤخراً، ليبرز تساؤل واضح عن مغزى هذا التعاون المكثف في الفترة الحالية تحديداً. ويقول المحلل والباحث البريطاني كون كوفلن، في تقرير نشره «معهد جيتستون الأميركي»، إنه رغم كل تصريحات الرئيس الصيني عن دعم روسيا خلال زيارته الرسمية لموسكو، من الواضح أن الدافع الحقيقي للصين في السعي إلى علاقات أوثق هو استغلال الصراع الأوكراني لاختبار قوتها النارية العسكرية.
وكما استخدمت إيران حرب أوكرانيا الوحشية لاختبار فاعلية تكنولوجيا الطائرات المسيرة والصواريخ، يقال إن المجمع الصناعي العسكري الناشئ في الصين يبحث عن فرص لإجراء تقييم دقيق لأنظمة أسلحته الجديدة. ويقال إن مصنعي الأسلحة الصينيين حريصون على اختبار فاعلية أنظمة أسلحتهم الجديدة في أوكرانيا.
ويوضح كوفلن أنه بعد عام من شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه ضد أوكرانيا، يجد الجيش الروسي نفسه في مأزق رهيب، بعد أن فقد ما يقدر بـ200 ألف رجل ونحو 90 في المائة من مدرعاته الثقيلة، بما في ذلك نحو 50 في المائة من أسطول دباباته قبل الحرب.
وأرغم حجم الخسائر الروس على سحب دبابات (تي - 54) و(تي - 55)، التي تعود إلى حقبة الخمسينات، من المخازن لاستخدامها في الصراع الأوكراني، وهي علامة واضحة على أن القوات الروسية تعاني من نقص خطير في المدرعات الثقيلة.
ويساعد هذا النقص المزمن في كل من الأفراد والمعدات في تفسير سبب سعي القادة الروس جاهدين للاحتفاظ بالأراضي التي ضمتها القوات الروسية بشكل غير قانوني في أوكرانيا، ناهيك عن شن هجمات جديدة ضد المدافعين الأوكرانيين. وإذا أرادت القوات الروسية إحراز أي تقدم هذا العام، فستحتاج إلى إمدادات كبيرة من الأسلحة من دول أخرى، حيث يثبت قطاع صناعة الدفاع في روسيا أنه غير قادر على توفير أسلحة ومعدات بديلة بالمستويات التي يتطلبها الجيش الروسي.
ومن شأن هذا أن يفسر سبب تقديم روسيا لطلبات متكررة للصين لتزويدها بالأسلحة لدعم حملتها العسكرية في أوكرانيا. وحتى الآن، يتمثل الموقف الرسمي لبكين في أنها مستعدة فقط لتزويد موسكو بالمساعدات غير الفتاكة، مثل الخوذات والمواد ذات الاستخدام المزدوج مثل قطع غيار الطائرات.
ومع ذلك، يقول المسؤولون الأميركيون إن لديهم معلومات استخباراتية تظهر أن الصين تدرس بجدية ما إذا كانت ستزود روسيا بالأسلحة، كما كانت تفعل منذ اليوم الأول. وذكرت مجلة دير شبيغل الألمانية، في فبراير (شباط)، أن الجيش الروسي كان منخرطاً في مفاوضات مع شركة تصنيع الطائرات المسيرة الصينية «شيان بينجو إنتليجنت أفيشن تكنولوجي» حول الإنتاج الضخم لطائرات الكاميكازي المسيرة لروسيا. وتستخدم روسيا طائرات مسيرة إيرانية الصنع لتنفيذ هجمات ضد البنية التحتية الأوكرانية وأهداف أخرى، كما أن توريد الطائرات الصينية المسيرة، التي تقول التقارير إنه من المقرر تسليمها إلى وزارة الدفاع الروسية الشهر المقبل، سيمكن الروس من استخدام رؤوس حربية يتراوح وزنها بين 35 و50 كيلوغراماً.
وتستخدم القوات الروسية في أوكرانيا بالفعل طائرات تجارية مسيرة صينية الصنع، قدمتها شركة «دا - جيانغ إنوفيشنز ساينس أند تكنولوجي» وفقاً لتحليل السجلات الجمركية. ومن الواضح أن تزويد روسيا بطائرات عسكرية مسيرة صينية الصنع من شأنه أن يعزز بشكل كبير القدرات الهجومية للقوات الروسية.
ويعتقد مسؤولو استخبارات غربيون أن احتمال زيادة بكين دعمها العسكري لأوكرانيا ارتفع بشكل كبير بعد قمة شي مع بوتين في موسكو هذا الشهر. ويرى كوفلن أن الجيش الصيني في خضم حشد عسكري ضخم، يهدف صراحة إلى جعل الصين القوة العسكرية المهيمنة في العالم بحلول منتصف القرن.
وانخفض الإنفاق الدفاعي العالمي بنسبة 7.‏1 في المائة في عام 2021، وميزانية الدفاع الأميركية لعام 2024، مع زيادة مفترضة بنسبة 2.‏3 في المائة، بعد احتساب تضخم بنسبة 6 في المائة. وفي الوقت نفسه، نما الإنفاق الدفاعي الصيني بنسبة 1.‏5 في المائة ليصل إلى 293 مليار دولار.
وكجزء من حشدها العسكري، الذي بدأ في عام 2013، تهدف بكين إلى دمج الذكاء الاصطناعي في هياكل القيادة والتحكم بحلول عام 2035. بالإضافة إلى ذلك، فهي تستثمر بكثافة في أساطيل جديدة من السفن والطائرات الحربية. ويشكل التقدم الذي حققته الصين مؤخراً في مجال الأسلحة المتقدمة مثل الصواريخ والأسلحة الموجهة مصدر قلق خاص للغرب.
وتصنف شركات الدفاع الصينية الآن على أنها من أكبر الشركات في العالم، ما يعكس الوضع، الذي كانت تعتمد فيه بكين قبل عقد واحد فقط على روسيا في إمداداتها من الأسلحة، بعد أن وقعت صفقة أسلحة بقيمة 7 مليارات دولار مع موسكو مؤخراً في عام 2015. والآن انقلبت الأمور. ولا يخفي شي، الذي حصل مؤخراً على فترة رئاسية ثالثة مدتها 5 سنوات، رغبته في إعادة تأسيس سيطرة بكين على تايوان. والإجماع العام بين مسؤولي الأمن الغربيين هو أنه سيحاول ضم تايوان بحلول نهاية العقد على أبعد تقدير.
ويقال إن الجيش الصيني يستعد بنشاط لشن هجوم عسكري للاستيلاء على تايوان، وسيكون ذلك على الأرجح قبل أو أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بينما لا تزال الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس جو بايدن، الذي يُنظر إليه في جميع أنحاء العالم على أنه ضعيف بشكل مذهل، وتكون البلاد مشتتة.
ووفقاً للتعليقات الأخيرة التي أدلى بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز، تهدف بكين إلى أن تكون جاهزة للحرب بحلول عام 2027. ويقول كوفلن، في نهاية تقريره، إن هذه بالتأكيد هي الرسالة التي نقلها شي إلى القادة العسكريين الصينيين خلال زيارة إلى مركز قيادة العمليات في البلاد في نهاية العام الماضي عندما حذر من أن «الجيش بأكمله يجب أن يركز كل طاقته على خوض الحرب، والإسراع لبناء القدرة على الفوز».


مقالات ذات صلة

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.