الحفاظ على خصوصية بيانات الأميركيين أكبر بكثير من حظر «تيك توك»

قصور في تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي يغذيه تجنب المواجهة مع عمالقة التكنولوجيا

{تيك توك} وسط التجاذب الأميركي ـ الصيني (أ.ف.ب)
{تيك توك} وسط التجاذب الأميركي ـ الصيني (أ.ف.ب)
TT

الحفاظ على خصوصية بيانات الأميركيين أكبر بكثير من حظر «تيك توك»

{تيك توك} وسط التجاذب الأميركي ـ الصيني (أ.ف.ب)
{تيك توك} وسط التجاذب الأميركي ـ الصيني (أ.ف.ب)

نظراً لوجود «جدار الحماية العظيم» في الصين، الاسم الذي يُطلق على نظام الرقابة الصارم للحكومة الصينية على الإنترنت، فقد حظرت سلطات الحزب الشيوعي الصيني، جميع منصات التواصل الغربية والدولية الرائدة، على رأسها «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب». وبدلاً منها، سمحت لمنصات تواصل صينية، أبرزها «تيك توك» و«وي شات» المماثل لـ«فيسبوك» و«سينا ويبو» المماثل لـ«تويتر»، و«يوكو تودو» المماثل لـ«يوتيوب»، وغيرها من المنصات الصينية المحلية بالعمل. ولكن رغم ذلك، فإن القيمة السوقية لوسائل التواصل الاجتماعي الصينية، وحضورها، لا تضاهي نظيراتها الغربية، على الرغم من قوة «تيك توك» الذي يستفيد من حرية العمل المفتوحة في الغرب.
وفي الواقع قد يقدم ذلك، تفسيراً جزئياً، على الأقل، عن أسباب انعدام خشية الولايات المتحدة من الاندفاع في حملة لحظر تطبيق «تيك توك»، وقلة اكتراثها من رد صيني مضاد.
إذ إن الصين، بدلاً من ذلك، أعلنت «معارضتها الشديدة» لحظر التطبيق، أو الموافقة على بيع فرعه الأميركي لشركة أميركية. وهو ما فاقم من المخاوف الأميركية والغربية، التي تصر على اتهام الحكومة الصينية، بأنها تستخدم هذا التطبيق في عمليات تجسس كبرى، عبر دراسة بيانات المستخدمين وطبائع الأفراد وسلوكياتهم، في معركتها المفتوحة من أجل «نظام عالمي» جديد.
بيد أن الحملة على «تيك توك»، التي بلغت ذروتها في الأيام القليلة الماضية مع مثول الرئيس التنفيذي للتطبيق أمام جلسة استماع في الكونغرس الأميركي، أثارت مخاوف مختلفة تماماً، سياسية وتشريعية وإعلامية وحتى اقتصادية، قد يكون لبعضها تداعيات على «الحرب التكنولوجية» المتصاعدة بين واشنطن وبكين.

شو زي تشيو يتكلم أمام الكونغرس (آ ب)

خصوصية البيانات
منذ سنوات، تحوّل مثول رئيس تنفيذي آخر، لأحد أبرز تطبيقات التواصل الاجتماعي أمام الكونغرس الأميركي، إلى ما يشبه الظاهرة التي باتت تهيمن على مناقشات المشرّعين الأميركيين. وهو يكشف عن تعاظم قوة تلك التطبيقات، وطغيانها على المشهدين السياسي والإعلامي، على حساب وسائل الإعلام التقليدية الأخرى، من تلفزيون وصحافة وإذاعة. فقد مثُل قبله الرؤساء التنفيذيون لكل من «فيسبوك»، و«تويتر»، و«يوتيوب»، و«أمازون»... وغيرها، على خلفية اعتراضات عدة، من الخوف على الخصوصية، ومشاركة البيانات، إلى المحتويات، سواء كانت سياسية أو أخلاقية، ناهيك عن حماية الأطفال من المحتويات الجنسية.
عندما سُئل شو زي تشيو، الحامل للجنسية السنغافورية، عمّا إذا كان «تيك توك» مستعداً للانفصال عن شركته الصينية الأم، «بايت دانس»، حال أمرت الإدارة الأميركية بذلك، رد بالهجوم على سجل الشركات الأميركية. وقال شو: «مع كل الاحترام، قضية الملكية ليست هي المشكلة هنا، لا تتمتع منصات التواصل الاجتماعية الأميركية بسجل رائع، فيما يتعلق بالخصوصية وأمن البيانات. أعني، انظر إلى (فيسبوك)، و(كمبريدج أناليتيكا)»، في إشارة إلى فضيحة 2018، حيث عُثر على بيانات مستخدمي «فيسبوك» سراً لسنوات من قبل شركة استشارات سياسية بريطانية، خلال الانتخابات الأميركية عام 2016.
قصور تشريعي
لم تكن إشارة شو مخطئة، لكن، على الرغم من صعوبة الدفاع عن تهديد فريد يمثله «تيك توك» على خصوصية الأميركيين على الإنترنت، سلطت إشارته الضوء على تقصير المشرّعين الأميركيين في الدفاع عن هذه الخصوصية. وتنبع الضجة والمخاوف التي عبر عنها المشرّعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حيال ملكية «تيك توك» الصينية، من القلق من أن قوانين الصين قد تسمح لحكومتها الاستبدادية بالمطالبة أو الوصول سراً إلى بيانات المستخدم الحساسة، أو تعديل خوارزمياتها لتشويه المعلومات التي يطلع عليها المستخدمون الشباب، وهم الشريحة الرئيسية التي تستخدم التطبيق في الولايات المتحدة من بين 150 مليون مستخدم.
ومع أن المخاوف حقيقية، فقد فشلت الولايات المتحدة حتى الآن في نقل ملكية التطبيق، ولم يقر الكونغرس تشريعات «الخصوصية الوطنية»، تاركاً حقوق بيانات الأميركيين عبر الإنترنت، إلى خليط من قوانين الولايات والقوانين الفيدرالية، في حين أن لدى الاتحاد الأوروبي قوانين خصوصية بعيدة المدى.
ونتيجة لهذا الواقع، يجري شراء كميات كبيرة من البيانات حول عادات التسوّق لدى الأميركيين، وسجلّ التصفّح والموقع في الوقت الفعلي، التي سبق جمعها بواسطة مواقع الشبكات وتطبيقات الأجهزة المحمولة، وبيعها في السوق المفتوحة في صناعة تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات، ولقد فاقت إيراداتها، ما تحققه وسائل الإعلام التقليدية من عائدات.
حرية التعبير
ومن جهته، يؤكد تطبيق «تيك توك» أنه أوقف ميزة تتبع الموقع الشخصي للمستخدم الأميركي، ما جعله في موقع أفضل في مجال الخصوصية، على الأقل، من بقية التطبيقات الأميركية. لكن، مع ذلك، يؤكد المشرّعون الأميركيون أنه إذا أرادت الصين الحصول على هذه البيانات، فستتمكن من الحصول على كميات هائلة منها من دون الحاجة إلى النقر على «تيك توك»؛ لأنها مخزنة في سحابته.
ثم إنه على الرغم من تنبّه المشرّعين الأميركيين لهذه النقطة، وتقديم لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب، العام الماضي، بأول مشروع قانون شامل لخصوصية البيانات، فإن إقراره تعثر وسط مخاوف من قادة مجلسي النواب والشيوخ إزاء قضية حرية التعبير. وهي، في الواقع، القضية البارزة الأخرى التي كشفتها مناقشات مجلس النواب، في جلسة الاستماع مع رئيس «تيك توك» الخميس.
وفي حين تفضل الحكومة الأميركية بيع التطبيق، بدلاً من حظره، سواء بأمر تنفيذي رئاسي أو بتشريع من الكونغرس، فهي تحاول أن تتجنب الدخول في مواجهات ودعاوى قانونية بتهمة «انتهاك حرية التعبير».
أكثر من هذا، إنها تسعى إلى تجنب تكرار المواجهة التي خاضها الرئيس السابق دونالد ترمب، بعد إصداره أمراً رئاسياً لحظر «تيك توك» عام 2020، واصطدامه بدعاوى تتهمه بانتهاك التعديل الدستوري الأول، الذي يضمن حرية التعبير، الأمر الذي أدى إلى إبطال الأمر الرئاسي.
واليوم، أرسل اتحاد الحريات المدنية الأميركية، رسالة إلى الكونغرس، يحثه فيها على الامتناع عن حظر التطبيق تخوفاً من تداعيات كبيرة على حرية التعبير. ومع أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، متفقان على ضرورة فرض مزيد من النظم والضوابط على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنهما مختلفان على كيفية تعديل المادة 230 التي تحمي مواقع التواصل الاجتماعية من المساءلة عمّا ينشر على صفحاتها. وهي المعركة التي خاضها ترمب لتعديل هذه المادة، بعد تعرض حساباته للحظر في المواجهات السياسية التي خاضها مع الديمقراطيين.
معركة مع شركات التكنولوجيا
ومن جانب آخر، بما أن القانون لا يُمكّن الرئيس الأميركي من توظيف سلطاته التنفيذية لمنع تدفق المعلومات، من الأفضل أن يتولى الكونغرس إصدار القوانين المنظمة. ويرى مراقبون، أن جلسة الخميس ربما تكون قد مهّدت لهذا التشريع، في ظل توافق كبير من الحزبين. ولكن لا يمكن الجزم بالتداعيات المرتقبة من وسائل الإعلام، خصوصاً من مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ باتت صناعتها مرتبطة بشركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، التي تحولت إلى أيقونات اقتصادية، مع قيمة سوقية تبلغ تريليونات من الدولارات. ثم إن التنازلات المطلوبة لتمرير تشريعات كبيرة يمكن أن تكون مكلفة من الناحية السياسية. وفي حين أن الدفاع عن «تيك توك» ليس أمراً مكلفاً، فإن استفزاز الكونغرس لشركات التكنولوجيا ليس بالأمر المماثل.
وحقاً، لم تؤد جلسات الاستماع التي مثل فيها رؤساء تلك الشركات إلى اختفاء التطبيقات أو تقييدها، ليتحوّل «تيك توك» إلى كبش فداء جديد. ومع أن المخاوف بشأن خوارزميات «تيك توك»، التي تسبب الإدمان وتأثيرها على الصحة العقلية للمراهقين واستضافتها للدعاية والمحتوى المتطرف والجنسي الذي يتعرض له الأطفال أيضاً، من الأمور الشائعة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي الأميركية، فإن الكونغرس لم يعالجها بشكل هادف أيضاً.
وأخيراً، مع اندفاع المشرعين للظهور بمظهر المدافع عن الأطفال، بدا واضحاً أن استخدام الصين، هو الوسيلة الأسهل، للمضي قدماً في حظر التطبيق، مع تجاهل إجراء إصلاح شامل لقوانين الخصوصية عبر الإنترنت، والمشكلات التي تعانيها جميع التطبيقات الأخرى التي لم تُحظَر بعد.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.