«السد» لعلي شرّي... الأرض والماء يولدان الحياة

يطرح الفيلم إشكالية العنف بكل أنواعه

«السد» كما يظهر في الفيلم
«السد» كما يظهر في الفيلم
TT

«السد» لعلي شرّي... الأرض والماء يولدان الحياة

«السد» كما يظهر في الفيلم
«السد» كما يظهر في الفيلم

«أنا مهتم تحديداً بالطريقة التي يصبح فيها العنف غير مرئي. كيف يسكن عالمنا حتى خارج ما هو محسوس؟ وكيف يصعب بالتالي نقل ومشاركة ما عانيناه؟». بهذه الكلمات يفسر المخرج اللبناني علي شري موضوع فيلمه «السد»، الذي بدأ عرضه في الصالات اللبنانية. وكان قد شارك في «كان السينمائي» ضمن فئة «نصف شهرية المخرجين» لعام 2022.
ويرى شرّي أن الموضوع الذي تناوله يأتي من تاريخه الخاص. فهو ولد في بداية الحرب في لبنان، ونشأ في بيروت وسط النزاع. ويتابع: «ومع ذلك لا أحمل أي أثر جسدي، أي أن جسدي لم يصب بأذى، أنا لست معوّقّا، أنا لم أقتل».
كل ما خالجه من مشاعر عنف وبطش وخضوع لواقع أليم، نقله شري عبر كاميرته، مستعيراً السودان مكاناً لتصوير الفيلم. هناك وجد الفقر وغياب الآمال من خلال حياة بدائية لا مخرج مضيء للهروب منها. إذ يتبادر إلى ذهنك بطريقة لاشعورية أن ما يعيشه اللبنانيون من آلام يشكل نقطة في بحر السودان المعتم.
يحكي الفيلم عن الشاب ماهر، الذي يعمل في مصنع للطوب التقليدي، تغذيه مياه النيل بالقرب من سد مروي، في السودان. كل مساء، يتجول ماهر سرّاً في الصحراء لتشييد عمارة غامضة مصنوعة من الطين، فتصبح ملهمته يدقق النظر إليها تحدثه وتدله على مصيره الغامض. وبعيد الانتفاضة في السودان، تبدأ الحياة تنبعث تدريجياً في تلك العمارة اللغز.

طبيعة السودان ينقلها علي شري بكاميرا جذابة (شركة توزيع الفيلم)     -     بطل الفيلم ماهر في أحد المشاهد المؤثرة

ورغم كل السوداوية التي تغلب على الفيلم ومدته 90 دقيقة، تأسرك طبيعة السودان، إذ يصورها شرّي لتكون بمثابة الخيط الرفيع، الذي يربط ما بين الحياة والموت، فتشكل الفسحة الوحيدة التي توفر للمشاهد جرعة أكسجين يهرب معها من الشعور بالاختناق.
الفيلم ينم عن واقعية شديدة يلمسها متابعه، وكأنه يشاهد «وثائقياً» لما يحمل من حقائق ومعلومات ترتبط ارتباطاً مباشراً بها. بطل العمل كما بقية المشاركين فيه لا يمثلون أدواراً بل يؤدون المهمة نفسها، التي يقومون بها في حياتهم اليومية.
جميعهم أشخاص يعيشون ويعملون هناك، بما في ذلك رئيسهم الذي يلعب دوره بنفسه. ومن بين العمال العديد من المناصير. وهم أشخاص طردوا من أراضيهم عند بناء السد لكنهم بقوا في المناطق المجاورة. فليس لديهم وسيلة أخرى للعيش سوى العمل في الطوب أو أن يصبحوا منقبين عن الذهب.
أما بطل الفيلم ماهر فيصفه شرّي كالتالي: «على عكس الآخرين، يحب عمله، يبقى ويدرب القادمين الجدد، ولديه علاقة قوية للغاية بهذه الأماكن والممارسات. لقد استثمر الكثير في الفيلم وقمنا بذلك سوياً بشكل أساسي. لقد أصبحنا مقربين جداً ونتبادل الأحاديث بشكل متكرر عبر الـ(واتساب)».
ويبرز العنف بكل أشكاله غير المرئية في الفيلم لنستنتج مقتل كلب كان ماهر يطعمه ثم لا نعرف ما الذي دفعه لقتله. ويعلم المشاهد بذلك من خلال صوت الكلب وهو ينازع. وتأتي معظم ردود الفعل عند ماهر مبهمة فهو إن ابتسم في مرات نادرة لا نعرف السبب، وإذا ما بكى نشعر بالأسى تجاهه، وهو ينظر إلى تمثال من الطوب يسقط بفعل الشتاء. وعندما يقف أمام منظر اندلاع النار في مخيم لعمال التنقيب يقف متفرجاً من دون القيام بأي رد فعل. هذه التناقضات الحاضرة في مجمل تصرفات ماهر تنقل لنا مدى العذاب والألم الذي يعيشه أمثاله لشخصية مثقلة باللاتوازن.
ويعود بنا علي شري إلى زمن الطين، هذه المادة التي صنع منها البشر أشياء كثيرة. ويأخذنا معه إلى حقبات مختلفة في السودان كعنصر ثابت للحياة فيها. تجري الأحداث الكبرى، على نطاق معاصر مع السد وتغيير النظام لعمر البشير. ونعرج على جزء من تاريخ واسع جداً وطويل منذ عهد الفراعنة وعبادة آمون. وصولاً إلى جبل البركل حيث تدور أحداث الفيلم.
ويستأنس مشاهد الفيلم بمقاطع موسيقية وأغانٍ سودانية ترافق مشاهد مختلفة. ومن بينها عندما يستلقي ماهر على الرمال يردد كلمات أغنية. فنراه يسترخي براحة قلما رأيناها في سياق الفيلم. وإضافة إلى العنف يتناول الفيلم موضوعات مختلفة كقضية المياه والثورة السودانية وغيرها. ويضع شرّي الخيال في تصرف كاميرته فيشير إلى اعتقاد شائع للغاية. وهي الفكرة التي تقول إن المزج بين الأرض والماء يولّد الحياة. فالمخلوق الخيالي، الذي يرافق بطل الفيلم ماهر يلعب دوراً في الإشارة إلى مدى ركاكة أحلامه.
وفي النهاية يمكن القول إن «السد» فيلم يملك لغته الخاصة في إيصال رسائل متتالية من دون تجميلها أو إجراء «رتوش» عليها. فالحوارات قليلة والفن البصري يغلب عليها. وهو بالمجمل يزود مشاهده بثقافات جديدة تولد عنده خلفية غنية. ويستمر عرضه في الصالات اللبنانية لغاية 29 مارس (آذار) الحالي.
وكان أهل الصحافة والإعلام قد لبوا دعوة الشركة الموزعة للفيلم «إم سي» لحضور عرضه الأول في «غراند سينما» في مجمع «أ.ب.ث» في الأشرفية.
وتجدر الإشارة إلى أن «السد» يعد أول فيلم روائي لمخرجه علي شرّي، بعد فيلميه القصيرين «الحفّار» و«القلق».


مقالات ذات صلة

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق مهرجان القاهرة السينمائي لتنظيم ورش على هامش دورته الـ45 (القاهرة السينمائي)

«القاهرة السينمائي» يدعم صناع الأفلام بالتدريبات

أعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عن تنظيم مجموعة متخصصة من الورش لصنّاع الأفلام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج معتز التوني يتوسط وأمينة خليل فريق العمل خلال العرض الخاص بالقاهرة (الشركة المنتجة)

«X مراتي» فيلم مصري جديد يراهن على «الضحك» فقط

يرفع الفيلم المصري «X مراتي» شعار «الضحك للضحك» عبر كوميديا المواقف الدرامية التي تفجرها قصة الفيلم وأداء أبطاله.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حورية فرغلي (إنستغرام)

حديث حورية فرغلي عن حياتها الشخصية يلفت الانتباه في مصر

لفتت الفنانة المصرية، حورية فرغلي، الانتباه في مصر بعد حديثها عن تفاصيل في حياتها الشخصية، والسبب الذي لأجله قالت إنها «تمنت الموت».

محمد الكفراوي (القاهرة )

البطل الإيطالي تامبيري يفقد خاتم زواجه في حفل الافتتاح

جيانماركو تامبيري يلوح بعلم إيطاليا خلال مراسم افتتاح أولمبياد باريس (أ.ب)
جيانماركو تامبيري يلوح بعلم إيطاليا خلال مراسم افتتاح أولمبياد باريس (أ.ب)
TT

البطل الإيطالي تامبيري يفقد خاتم زواجه في حفل الافتتاح

جيانماركو تامبيري يلوح بعلم إيطاليا خلال مراسم افتتاح أولمبياد باريس (أ.ب)
جيانماركو تامبيري يلوح بعلم إيطاليا خلال مراسم افتتاح أولمبياد باريس (أ.ب)

فقد جانماركو تامبيري حامل علم إيطاليا، خلال مراسم افتتاح أولمبياد باريس 2024، خاتم زواجه.

وذكرت وكالة أنباء «أنسا» الإيطالية السبت أن الخاتم انزلق من يد تامبيري وسقط في نهر السين، خلال موكب الفرق، على هامش حفل الافتتاح.

وقدم تامبيري الذي اشترك في الفوز بالميدالية الذهبية للوثب العالي في «أولمبياد طوكيو 2020» مع القطري معتز برشم، اعتذاره لزوجته كيارا بونتيمبي.

وقال تامبيري: «آسف، أنا آسف للغاية. الكثير من المياه، فقدتُ الكثير من الوزن في الأشهر الأخيرة، أو ربما الحماس الكبير لما كنا نقوم به، ربما الأمور الثلاثة معاً».

وأضاف: «ربما هو فأل حسن أن أعود إلى الديار بميدالية ذهبية أكبر».