حتى ما قبل الانقلاب الحوثي واندلاع الحرب في اليمن، كانت العاصمة اليمنية صنعاء وحدها تضم 60 مدرسة خاصة بتعليم الأطفال ذوي الإعاقة، وفي حين لم يتبقَّ من هذه المدارس حالياً سوى مدرستين فقط، زادت، في المقابل، أعداد الأطفال المصابين بالإعاقة المرئية وغير المرئية بسبب الحرب والإفقار والنزوح والصدمات النفسية.
يشير تقرير محلي إلى زيادة كبيرة في أعداد الأطفال ذوي الإعاقة منذ عام 2015، ويرجع هذه الزيادة إلى تعرض الأطفال لصدمات نفسية أو إصابات جسدية بسبب الحرب، وانعدام التشخيص المبكر، أو عدم تلقي العلاج والتدخلات الطبية في الوقت المناسب خلال فترة الرضاعة بسبب نقص وسائل المساعدة وصعوبة الوصول إلى مراكز الرعاية.
ويذكر التقرير الصادر أخيراً عن المركز اليمني للسياسات، أن الافتقار إلى البيانات الواضحة جعل من الصعب فهم مدى المشكلات التي تتم مواجهتها بالضبط، وكيفية الوصول إلى الأطفال ذوي الوضع الأكثر هشاشة، ولا سيما أولئك الذين يعانون إعاقات أقل وضوحاً، مع انعدام أي رعاية أو دعم حكومي أو دولي، وضآلة الدعم المحلي داخل البيئة التعليمية.
ولاحظت معالي جميل معدة التقرير، أنه حتى في العديد من المدارس الخاصة، فإن من الملاحظ أنه لا يوجد تقريباً أي ارتباط بين تعليم الطفل وإعادة تأهيله في المراكز الخاصة؛ إذ إن المعلمين غير مجهزين بالطرق التربوية الضرورية التي تسمح لهم بتلبية احتياجات الطلاب الذين يعانون أنواعاً مختلفة من الإعاقات أو صعوبات التعلم.
وطبقاً للتقرير المستند إلى دراسات أعدتها منظمات دولية؛ فإن انعدام مناقشات صنع السياسات الخاصة بتعليم الأطفال ذوي الإعاقة؛ يعني أن الأطفال والأسر لا يتلقون المساعدة التي يحتاجون إليها، وهو أمر له تداعيات ذات أبعاد أخلاقية واجتماعية واقتصادية، منوها إلى أن الموارد المالية المخصصة للأطفال ذوي الإعاقة منخفضة بدرجة بالغة.
وأوضح التقرير أنه إذا كان الآباء الذين تمكَّنوا من التوصُّل إلى تشخيص لحالة أبنائهم يمتلكون الوسائل المادية اللازمة لدعم الطفل، فلن يجدوا سوى دعم تعليمي ضئيل أو معدوم بسبب نقص تدريب الموظفين المؤهلين أو الموارد المحدودة، فضلاً عن أن إمكانية الوصول إلى الإمدادات والأدوات والتدخلات الحاسمة والدورات التدريبية اللازمة للمتخصصين قليلة أو شبه منعدمة.
ودعا المركز اليمني للسياسات الصادر عنه التقرير إلى إصلاح التعليم في اليمن بما يساهم في خلق مجتمع أكثر إنصافاً، خصوصاً للأطفال ذوي الإعاقة، سواء كانت ظاهرة أو مرئية بدرجة أقل، وأن يتم تضمين الدعم الذي يحتاجونه في عملية إعادة الإعمار، وتخصيص المزيد من الموارد، ليس فقط لإعادة الإعمار المادي لضمان تسهيل الوصول إلى الخدمات.
وحث المركز في تقريره على تحسين تدريب المعلمين والمناهج الدراسية لخلق بيئة لتعزيز الدمج، وعدم حصر التفكير فقط في الفائدة التي يمكن أن تجنيها المجتمعات من الاستثمار في تعليم الأطفال ذوي الإعاقة، بل التفكير أيضاً في أن هؤلاء الأطفال لهم الحق في الوصول إلى التعليم، وليس مجرد ترف.
وأشاد التقرير بالخطة الحكومية لإدراج الأطفال ذوي الإعاقة في استراتيجياتها، مؤكداً على ضرورة الاهتمام بدرجة أكبر بالأنواع المختلفة من الإعاقات والمصاعب، واحتياجات الأطفال، والعوائق الموجودة بين الأطفال والتحصيل العلمي، وأن تكون هناك خطة للكشف المبكر للأطفال الذين يعانون صعوبات التعلم أو التوحد.
ولم يشر التقرير إلى تداعيات الممارسات الحوثية على الأطفال ذوي الإعاقة، وخصوصاً في المدارس، غير أن «الشرق الأوسط» حصلت على معلومات نشرتها سابقاً، حول استغلال الميليشيات الحوثية للأطفال المعاقين في فعالياتها الطائفية ومناسباتها، عن طريق حشدهم أمام الكاميرات، واستغلال حاجتهم وتقديم الوعود لهم بالحصول على المساعدات والدعم.
وتتحدث إحدى الناشطات في خدمة ذوي الإعاقة لـ«الشرق الأوسط» عن إغلاق المدارس الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وإلحاقهم بالمدارس العامة، بمبرر دمجهم في المجتمع، وهو ما تنفيه تماماً؛ إذ إن المدارس الحكومية في اليمن غير مؤهلة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا تتوافر فيها الممرات والمرافق الخاصة بهم، إضافة إلى ازدحامها.
وتتابع الناشطة بالقول إن الإجراءات الحوثية تسببت في مغادرة الكثير من الطلاب من ذوي الإعاقة الخاصة للمدارس، إما لعدم تمكنهم من التعايش معها ومع ظروف التعليم فيها، أو بسبب قلق أهاليهم من وقوع حوادث لهم بسبب الزحام، أو تعرضهم للتنمر، وخصوصاً أن الميليشيات لا توفر الحماية لهم، ولا التوعية المجتمعية للتعامل معهم.
كما أن العديد من الأسر، بسبب سياسات الإفقار الحوثية، ومع انعدام الدعم المقدم لذوي الإعاقة وإغلاق المؤسسات التي تقدم خدماتها لهم، اضطرت إلى إبقاء أطفالها في المنازل دون تعليم؛ إذ قُدر عدد المؤسسات التي أغلقت أو قلصت أنشطتها بأكثر من 80 مؤسسة، إضافة إلى أكثر من 60 مدرسة أغلقتها الميليشيات أو تسببت بإغلاقها.
واتهمت الناشطة التي طلبت حجب بياناتها، الميليشيات بتجنيد الأطفال ذوي الإعاقة للمشاركة في الحرب أو حراسة نقاط التفتيش والثكنات ومخازن الأسلحة، مبينة أن الميليشيات تعمل على فرز ذوي الإعاقة لاستخدامهم في الحرب حسب قدراتهم الجسدية والذهنية.
وذكرت نموذجاً لذلك، أن أحد الأطفال المعاقين حركياً، استخدمته الميليشيات كقناص، بعد أن دربته على ذلك، ووضعته على سطح بناية في مدينة تعز.
دعوة إلى إصلاح نظام التعليم في اليمن لاستيعاب الأطفال ذوي الإعاقة
بعد أن تسبب الانقلابيون الحوثيون بحرمانهم وزيادة أعدادهم
دعوة إلى إصلاح نظام التعليم في اليمن لاستيعاب الأطفال ذوي الإعاقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة