بريمر يعترف بـ«أخطاء» في قراري تفكيك البعث وحل الجيش

الدبلوماسي الكيسنجري يروي لـ«الشرق الأوسط» خفايا الحرب ويؤكد أن العراق بعد 20 عاماً أفضل حالاً برحيل صدام

بول بريمر إلى جانب الرئيس بوش ووزير الدفاع رامسفيلد وقائد الأركان ريتشارد مايرز في حديقة البيت الأبيض خلال الاعلان عن قتل ولدي صدام، قصي وعدي، في الموصل (غيتي)
بول بريمر إلى جانب الرئيس بوش ووزير الدفاع رامسفيلد وقائد الأركان ريتشارد مايرز في حديقة البيت الأبيض خلال الاعلان عن قتل ولدي صدام، قصي وعدي، في الموصل (غيتي)
TT

بريمر يعترف بـ«أخطاء» في قراري تفكيك البعث وحل الجيش

بول بريمر إلى جانب الرئيس بوش ووزير الدفاع رامسفيلد وقائد الأركان ريتشارد مايرز في حديقة البيت الأبيض خلال الاعلان عن قتل ولدي صدام، قصي وعدي، في الموصل (غيتي)
بول بريمر إلى جانب الرئيس بوش ووزير الدفاع رامسفيلد وقائد الأركان ريتشارد مايرز في حديقة البيت الأبيض خلال الاعلان عن قتل ولدي صدام، قصي وعدي، في الموصل (غيتي)

عندما هممتُ بإجراء هذا الحوار مع السفير بول بريمر، أخبرته أن صديقاً عراقياً أميركياً همس في أذني بأن «هذا ليس مجرد سفير، إنما هو رئيس. لقد حَكَم العراق لأكثر من عام»!
بصفته رئيساً لـ«سلطة الائتلاف المؤقتة» بعد حرب العراق التي أعلنها الرئيس الأميركي جورج بوش ليل 19 مارس (آذار) 2003، بهدف إطاحة حكم الرئيس صدام حسين في العراق، جلس «الدبلوماسي الكيسنجري» في البيت الأبيض وحيداً، وجهاً لوجه مع الرئيس الذي كلفه مهمتين جليلتين: تشغيل عجلة الاقتصاد، وتشكيل مسار جديد للحكم في العراق. ذهب إلى هناك متسلحاً بهذا التفويض، ومستفيداً مما تعلمه من وزير الخارجية سابقاً، هنري كيسنجر، ومِن عمله في القطاع الخاص بعدما تخرج في جامعتي يال وهارفرد بالولايات المتحدة و«معهد الدراسات السياسية» في فرنسا.
يحمل بول بريمر أسراراً كثيرة يتجنب الخوض فيها. لم يُشر كثيراً إلى وثائق الدولة العراقية وحزب البعث هناك، بعد انهيار حكم صدام تماماً في 9 أبريل (نيسان) 2003، أبلغني مازحاً أنه بعدما «أنجز» مهمته التي بدأت في 9 مايو (أيار) 2003، وانتهت في 28 يونيو (حزيران) 2004، دفع للمحامين الأميركيين «مبالغ أكبر من تلك التي استحصلت عليها من عملي في العراق». وكانت تلك فرصة لتبادل قصة طريفة مع المندوب الألماني السابق لدى الأمم المتحدة، كريستوف هيوسيغن، الذي كان مستشاراً للأمن القومي في عهد المستشارة أنجيلا ميركل، ويعمل حالياً رئيساً لـ«مؤتمر ميونيخ للأمن»، حين اقترحت عليه مازحاً أن يفشي أسراره كي أنشرها. قلتُ: «بذلك تطير شهرة كل منا... ولكن بطريقتين مختلفتين». قهقه الدبلوماسي الأميركي قبل أن نبدأ بالفعل في إجراء هذا الحديث لـ«الشرق الأوسط».

كشف بريمر تفاصيل بالغة الأهمية في الحوار الطويل معه، مصراً على «صوابية» قرار الحرب، رغم الإخفاق الأميركي في الحصول على تفويض بذلك من مجلس الأمن. اعتبر أن مصالح الولايات المتحدة تتقدم على واجباتها في القانون الدولي، مقارناً المعركة مع حزب البعث بقيادة صدام بتلك التي أدت إلى هزيمة الحزب النازي الألماني بزعامة هتلر. وأكد أن هذا السبب الذي دفعه إلى إصداره مرسوميه الشهيرين؛ الأول خُصِص لـ«تفكيك البعث»، والثاني ركز على «حل» الجيش العراقي، معترفاً بأنه ارتكب «خطأين» فيهما، ضمن المهمة التي أصدر خلالها مائة من المراسيم (الأوامر) ليعكس بها استراتيجية فريق الرئيس بوش الابن، ومن حوله مهندسو الحقبة التي «أنهت حكماً للسنَّة استمر ألف عام»، وأبرزهم نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومساعده آنذاك بول وولفوفيتز وآخرون، علماً بأن وزير الخارجية كولن باول ومستشارة الأمن القومي، كوندوليزا رايس، اضطلعا بدورين مختلفين أيضاً في العلاقة مع «نافذة واشنطن» على المعارضة العراقية؛ من جلال طالباني ومسعود بارزاني إلى أحمد الجلبي وإياد علاوي، ومن عبد العزير الحكيم ومحمد بحر العلوم إلى غازي الياور وعدنان الباجه جي، وغيرهم من الشخصيات العراقية المؤثرة التي لا تزال حاضرة في العراق بـ«صورته الأميركية».
شخص واحد فقط، وهو الأكثر أهمية وتأثيراً في العراق منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم، رفض أن يستقبل بريمر أو يلتقيه، وهو آية الله علي السيستاني.

هنا نص الحوار مع بريمر:
> الآن، مع حلول الذكرى العشرين للحرب في العراق، كيف تنظر إلى تلك اللحظة؟
- كما تعلم، يتحدث كثيرون عن النظر إلى الوراء 20 عاماً؛ لذلك نظرتُ للخلف بالفعل. النقطة الأساسية التي خلصت إليها أن ذلك كان القرار الصائب من الرئيس بوش؛ بأن يتحرك ليطيح صدام حسين. النقطة الثانية أنني أعتقد أنه رغم الوضع الصعب الذي يجد العراقيون أنفسهم فيه اليوم، وبالنظر إلى الأمر من منظور نسبي، فإن العراق بعد 20 عاماً الآن أفضل حالاً برحيل صدام.
> كان الثمن الذي تكبده العراقيون فادحاً للغاية، وكذلك الأميركيون!
- نعم، هذا صحيح، لكن الفوائد كانت ضخمة للغاية أيضاً للعراقيين؛ فبمقدورهم الآن اختيار حكومتهم. نحن في الولايات المتحدة لم نعد نواجه عودة صدام حسين إلى مساعيه من أجل الحصول على أسلحة دمار شامل، حسبما كان يخطط. ونعلم من الوثائق التي استولينا عليها بعد إطاحته أنه كان يخطط لاستئناف جهوده لامتلاك أسلحة دمار شامل.

عراق وإيران «نوويان»

> وهل المنطقة أصبحت أفضل حالاً؟ هل تعتقد ذلك؟
- في الواقع، المنطقة أفضل حالاً، لأنه لو بقي صدام في الحكم، لكانت المنطقة تواجه اليوم عراقاً مسلحاً نووياً يقف أمام إيران مسلحة نووياً. ولم يكن ليصير لدينا اتفاق إيراني لوقف البرنامج النووي، الأمر الذي تحقق في عهد إدارة أوباما. كان الإيرانيون ليستمروا في برنامجهم النووي، الأمر الذي كان ليجعل المنطقة أقل استقراراً بكثير، وكنا لنصبح أمام قوتين نوويتين على الأقل: إيران والعراق.

قوات أميركية في صحراء الديوانية بوسط العراق يوم 4 أبريل 2003 (أ.ف.ب)

> ترى أن ذلك ربما كان ليشجع، في اعتقادك، إيران أكثر على إنتاج أسلحة نووية؟
- عندما كنتُ في العراق، خلصت وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أن إيران أبطأت وتيرة (ولم توقف) برنامجها بسبب شعورها بالقلق. ونعلم الآن أن الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع إيران يجري تقويضه كل يوم من قبل الإيرانيين. والآن، لدينا تهديد حقيقي بظهور مشكلة هناك.

«لا حاجة» إلى الأمم المتحدة

> أخفقت الولايات المتحدة في الحصول على موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الحرب. لذلك كانت الحرب غير قانونية؛ هل ترى الأمر على هذا النحو، أم أن لديك رأياً مختلفاً؟
- شاركت في السياسة الخارجية طوال 50 عاماً، وكقاعدة عامة، من المفضل دوماً أن تحظى بدعم دولي واسع. إلا أنني لا أعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة للحصول على موافقة الأمم المتحدة عندما يتهدد الخطر مصالح الولايات المتحدة.

> يستخدم الروس الآن ما أظهره الوزير كولن باول أمام مجلس الأمن ليقول إن هناك أسلحة دمار شامل وأشياء أخرى. لم يكن ثمة شيء هناك. لقد كنت في العراق، ولم تجد شيئاً. هل كنت مدركاً لذلك؟
- لا، لم أكن مدركاً. من المهم التزام الدقة حيال الأمور هنا. أفادت الاستخبارات بأن صدام يسعى بجد إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، ومن الواضح أن هذا لم يكن صحيحاً. إلا أنه من المهم أن نتذكر أن الوكالات الاستخبارية الأميركية لم تكن الوحيدة التي على ثقة من أن صدام يعكف على تطوير هذه الأسلحة، وإنما كذلك الفرنسيون والألمان والبريطانيون والروس. اتفقت وكالات استخبارات هذه الدول كلها مع الولايات المتحدة. لذا، أعتقد حتى لو قلت الآن: حسناً، ألم يكن ذلك خاطئاً؟ أعتقد أن أي رئيس أميركي بعد 11 سبتمبر (أيلول) - حدث جلل وصدمة كبرى للشعب الأميركي راح ضحيته 3 آلاف أميركي - بما في ذلك آل غور، لو فاز في انتخابات عام 2000، كان لينظر إلى تقديرات الاستخبارات الأميركية ويقول: علينا فعل شيء حيال صدام. والآن، ثمة نقطة أخيرة هنا؛ القول إننا لم نجد شيئاً يجافي الحقيقة، ذكر تشارلز دولفر، وهو محقق قدير للغاية، أن صدام أبقى على الخطط والأفراد ومشروعات أسلحة الدمار الشامل، وكان عازماً على استئناف هذه المشروعات.
> ذكرت للتو، سعادة السفير، أمراً لافتاً للغاية؛ أن المصالح الأميركية تعلو القانون الدولي...
- لا، ما قلته أنه ليس من قانون دولي ينص على أنه يجب علينا الحصول على موافقة من الأمم المتحدة كي ندافع عن المصالح الأميركية.
> ما الأساس القانوني للحرب إذن؟
- الأساس القانوني داخل الولايات المتحدة كان قراراً رئاسياً.
> بالتالي، هل كان الرئيس بوش العقل المصمم للحرب؟ ذكرت في مقابلات سابقة أن هذا جرى ليس لإطاحة صدام حسين فحسب، وإنما كذلك الحكم السنّي الذي دام ألف سنة بالعراق. وسيترك ذلك تداعيات عميقة ليس في العراق فحسب، وإنما في المنطقة بأسرها.
- أولاً، الرئيس هو مَن يتخذ القرارات. أما بمراجعتي للأمر بعد ذلك، بعد فترة طويلة من مغادرتي العراق، فخلصت إلى أنه بعد الهجمات الإرهابية في التسعينات وهجمات 11 سبتمبر، فإن أي رئيس أميركي، ديمقراطي أو جمهوري، كان ليوافق على ما عرضته الاستخبارات على بوش. ومن المثير أن تجد (إذا عدت بالذاكرة إلى الوراء إلى داخل «الكونغرس» الأميركي) أن غالبية السياسيين بفارق كبير وافقوا على شن هجوم ضد العراق؛ سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ.
> إذن، لم يكن هذا قرار رجل واحد.
- لا، لا.

جنديان من قوات المارينز خلف امرأة عراقية لم تعثر على اثنين من أطفالها في مستشفى ببغداد عقب احتلالها من القوات الأميركية يوم 12 أبريل 2003 (أ.ف.ب)

> خلصت الولايات المتحدة إلى أن هذا أمر يجب القيام به.
- صحيح، أعتقد أنه من الإنصاف القول إنه كان هناك إجماع سياسي عبر أرجاء البلاد عندما اتخذ بوش هذا القرار.
> صحح لي إن كنت مخطئاً... كيف لك وأنت دبلوماسي كيسنجري النهج، بمعنى أنك تؤمن بالسياسة الواقعية، أن تنفذ خطة للمحافظين الجدد داخل الولايات المتحدة... كيف ذلك؟
- لم أنفذ خطة للمحافظين الجدد، أو المحافظين القدامى، أو أي طرف آخر، وإنما نفذت خطة بتوجيه من رئيس الولايات المتحدة الذي قال لي: أمامك مهمتان: الأولى محاولة تسيير عجلة الاقتصاد من جديد لصالح الشعب العراقي، والثانية معاونة العراقيين على اتخاذ مسار الحكم التمثيلي. هذان هما الأمران اللذان صدرا لي من جانب الرئيس، وهما الأمران اللذان أنجزتهما.

الرئيس وأنا

> كان ذلك مجرد إعلان؟
- لا، لم يكن إعلاناً فحسب، وإنما دعاني الرئيس لتناول الغداء معه فقط داخل غرفة الطعام الصغيرة الخاصة الملحقة بالمكتب البيضاوي للتحدث معاً. كنا أنا وهو فقط، ولم يكن هناك مَن يدون ملاحظات، ولم يكن من أحد سوانا…
> لكنك تعلم أن الرئيس كان يدلي بكثير حول «الشرق الأوسط الكبير»، وأمور أخرى على صلة بالغزو العراقي. كما تحدث الرئيس علانية حول أن هذا الأمر ستكون له تداعيات قد تستمر لعقود، ليس داخل العراق فحسب، وإنما في المنطقة. وبعد 20 عاماً، ثبت أنه كان صائباً.
- نعم، حسناً، لا أعتقد أن الرئيس استخف بهذا القرار. وأعتقد أنه أدرك أنه ستكون له تداعيات، لكنني استوعبت أيضاً هدفه. وكان هدفه مساعدة العراقيين على استعادة بلادهم اقتصادياً وسياسياً.
> حسناً، لقد عملت محل غارنر (جاي غارنر الجنرال الأميركي الذي عينته حكومته حاكماً للعراق بعد الغزو) في أعقاب سقوط صدام بفترة وجيزة. كيف حدث ذلك؟ ولماذا قرر الرحيل؟
- أكن احتراماً شديداً للجنرال غارنر، وأعتقد أنه أبلى بلاءً رائعاً للغاية في ظل ظروف شديدة الصعوبة. وحسب علمي، فإن اسمي، بصورة ما، وُضع على مكتب وزير الدفاع رامسفيلد.
> أنت لا تعرف كيف؟
- لم أكن أعرف أن لديه اسمي. كانت لديه قائمة تضم 12 أو 14 اسماً لأشخاص آخرين. ولست أدري العملية التي خاضها للاختيار. على أي حال، أوصى بي في نهاية الأمر للرئيس.
> ربما ذكرت ذلك في كتابك، «عامي في العراق»؛ أن غارنر رغب في تنظيم انتخابات في غضون 90 يوماً من الغزو. لم يبدُ الأمر واقعياً. هل بدا لك واقعياً؟
- لا، لا. خلال لقاءاتي بالرئيس، ومجلس الأمن الوطني، ونائب الرئيس، ووزيري الدفاع والخارجية قبل مغادرتي البلاد، كانت الرسالة الوحيدة الواضحة من الرئيس والآخرين، بمن في ذلك وزير الدفاع رامسفيلد، ووزير الخارجية (كولن) باول، أننا سنحظى بالوقت الكافي. وسُئلت عن ذلك وقلت: أتفق مع أن هذا الأمر سيستغرق عاماً على الأقل، وربما عامين. سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً، وعلينا التحلي بالصبر. وسمعت في الراديو أن غارنر أخبر الجميع لتوه بأنه سيعين حكومة في غضون 10 أيام. وقلت ذلك في كتابي: «إنني في تلك اللحظة كدت أنحرف عن مساري على الطريق السريع». لقد أصابتني دهشة شديدة…
> جرى التعجيل بإرسالك للعراق. ما كانت النصيحة المثلى التي تلقيتها قبل مغادرتك؟
- حسناً، كانت أفضل نصيحة قدمها الناس لي؛ أن أحاول تحقيق بعض الفوائد الاقتصادية للشعب العراقي بأسرع ما يمكن. لقد دمر صدام فعلياً الاقتصاد العراقي على أي حال. وعندما وصلتُ إلى بغداد، وأنا هنا أطرح مجرد مثال، كنا ننتج على مستوى البلاد بأكملها 300 ميغاواط فقط من الكهرباء. وهذه الكمية لا تكفي، كما تعلم، لقرية صغيرة.

من إسبانيا إلى أنغولا

> نعم، كانت البلاد تحت الحصار. إذن، فإن أقل ما يمكن قوله إن هذا لم يحدث بين عشية وضحاها؟
- لا... عانت البلاد من قبل بصورة ما بسبب العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، رغم أننا سرعان ما علمنا بالفساد في برنامج «النفط مقابل الغذاء». عندما جاء صدام للسلطة، كان إجمالي الناتج الداخلي بالنسبة للفرد داخل العراق أعلى منه في إسبانيا. وأخبرنا «البنك الدولي» أنه عام 2002 تراجع إجمالي الناتج الداخلي العراقي لأقل مما هو في أنغولا. أما النصيحة الثانية التي تلقيتها، كي أجيب عن سؤالك، فكانت الحرص على ضمان الحديث إلى نطاق واسع من العراقيين حول أي نمط من الحكم كان ممكناً، وأي نمط من الحكم يرغبون فيه.
> ذكرت بالطبع مَن التقيته حينذاك من الجانب الأميركي. هل التقيت أي شخص من المعارضة العراقية التي كانت هنا في الولايات المتحدة؟
- لا، لا أتذكر لقائي أي شخص. ربما التقيت شخصاً أو اثنين...
> هل تعرف كنعان مكية. كان ينتقد قرار الولايات المتحدة تشكيل سلطة الائتلاف المؤقتة، بدلاً من عقد انتخابات واختيار كيان ديمقراطي...
- حسناً، أكن احتراماً شديداً لمكية. الناس الذين يعتقدون أنه كان هناك بديل لم يتمكنوا من إبلاغي به. لم يكن يجري إحصاء سكاني في العراق منذ عام 1957، ولم تكن هناك حدود للدوائر الانتخابية، ولم يكن هناك فصل فعلي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. كانت ديكتاتورية كاملة. ولم يكن ثمة سبيل لعقد انتخابات في العراق بسرعة.
> إذن يمكن القول إن الجنرال غارنر كان مخطئاً حيال ذلك...
- أعتقد أن غارنر أسيء فهمه. ولم يجر إطلاعه على أسلوب تفكير واشنطن.

البعث والنازية

> الآن، ذهبت إلى العراق وأصدرت قائمة طويلة من الأوامر والمراسيم، منها مرسومان تركا تداعيات واسعة النطاق؛ أولهما تفكيك حزب البعث، ثم مرسوم حل الجيش العراقي؛ فهل جرى اتخاذ القرارين وفق خطة محددة؟ ولماذا فعلت ذلك؟ القراران تركا البلاد في حالة سيئة للغاية.
- الحقيقة لا أعتقد أن أياً من القرارين ترك العراق في وضع سيئ على الإطلاق. وأرى أنهما كانا قرارين صائبين. أما من أين جاءا؛ فوزارة الخارجية في مطلع عام 2002، أي قبل عام ونصف العام من الغزو، نشرت دراسة أُعدَّت في واشنطن تحت قيادة دبلوماسي أميركي يتحدث العربية، هو براين كروكر، الذي كان قد عمل في السفارة الأميركية ببغداد عام 1980. قاد السفير كروكر دراسة استمرت عاماً تحت عنوان «مستقبل العراق»، التقى خلالها هو وزملاؤه بوزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالات استخبارية، المئات، بل وربما الآلاف من العراقيين، كان معظمهم في المنفى، وتحدثوا حول ما ينبغي أن يكون عليه مستقبل العراق. وخلصت الدراسة إلى نتيجتين: الأولى أنه لا يمكن أن يكون هناك مكان لحزب البعث في عراق ما بعد صدام. لماذا؟ لأن حزب البعث شكل الأداة السياسية في يد صدام للسيطرة ولإرهاب شعبه. وجرى بناء أحزاب البعث بالعالم العربي، مثلما تعلم جيداً، على غرار الحزب النازي. إلا أن صدام استمر في الحكم لفترة بلغت 3 أضعاف فترة حكم هتلر. وعليه، كانت النتيجة أنه لا مكان في عراق ما بعد صدام لحزب البعث. تسلمت تحديداً في اليوم السابق لسفري إلى العراق مسودة أمر من جانب داو فايث، الرجل الثالث داخل «البنتاغون» (عمل وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات) في ظل قيادة رامسفيلد. كانت تلك مسودة وثيقة لتفكيك حزب البعث. وجاءت متسقة تماماً مع النتيجة التي خلصت إليها دراسة وزارة الخارجية ووافقت عليها. سلمني فايث هذه الوثيقة وقال: «نفكر في إصدار هذه غداً»، وكان يوم أحد، وأجبته: «حسناً، انتظر لحظة. أود الحديث مع بعض العاملين مع غارنر (في مكتب الإعمار والمساعدات الإنسانية) بالعراق». بعد ذلك أصدرت الأمر الخاص بحزب البعث، الذي صيغ على أساس القرارات التي اتخذتها أميركا، باعتبارها قوة الاحتلال داخل ألمانيا عام 1945، عند نهاية الحرب العالمية الثانية. كان لديهم برنامج لتفكيك الحزب النازي، الذي كان واسع النطاق، ولم يكن يسمح لأي شخص له أي صلة بالحزب النازي بأن يكون له أي دور من القمة إلى القاعدة. في المقابل، فإن تفكيك البعث الذي صاغته الحكومة الأميركية استهدف فقط الـ1 في المائة من قادة الحزب.
إلا أنني ارتكبتُ خطأ هنا عندما حولت مسؤولية تنفيذ أمر نطاقه شديد الضيق إلى سياسيين عراقيين، لأنه تحول بعدها إلى أداة تقاتل بين أطراف مختلفة بين العراقيين الذين حاولوا توسيع نطاق التنفيذ، وطرد أكبر عدد ممكن من البعثيين، مثل المدرسين، من وظائفهم. ما كان ينبغي لي فعله (…) هو اختيار لجنة مؤلفة من 5 قضاة عراقيين وأقول لهم: أنتم ستتولون الإشراف على تفكيك حزب البعث. إلا أنني أخطأتُ بتحويل هذه المهمة إلى السياسيين، وعندما سمعت أنهم يطردون مئات، بل آلاف المدرسين من وظائفهم، أتى إليّ وزير التعليم. لذا، اضطررت إلى استعادة هذا المرسوم. لذا، كان هذا خطأ.
> وتفكيك الجيش العراقي، اقترفتَ خطأ في هذا الأمر...
- نعم، ولا. تفحصت دراسة «مستقبل العراق»، التي أخبرتك عنها سابقاً، مسألة القوة العسكرية العراقية. واضطلع الجيش العراقي، الجيش الحديث الذي جرى بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية، بدور مقدر ومسؤول حتى جاء البعثيون وصدام حسين إلى السلطة. بعد ذلك، تحول الجيش العراقي إلى أداة أساسية للسيطرة الجبرية على الشعب العراقي. ومن جديد، ذكرت دراسة «مستقبل العراق»، التي كانت في جوهرها مناقشات بين العراقيين، الأمر ذاته: لا مكان لهذا الجيش في عراق ما بعد صدام (…) لدى سقوط بغداد في 9 أبريل 2003 قال «البنتاغون» والجنرالات الأميركيون والجنرال جون أبي زيد إنه لا توجد كتيبة واحدة من الجيش العراقي مرابطة بأسلحتها داخل العراق. ذهب أفراد الجيش إلى منازلهم. كان الجيش العراقي بضخامة الجيش الأميركي، وضم نحو 700 ألف رجل. وينتمي جوهر مجموعة الضباط بالجيش بالجزء الأكبر منهم إلى السنَّة. أما المجندون، فكانوا في أكثريتهم من الشيعة. وكان هذا الجيش متورطاً فيما اعتبرته الأمم المتحدة حرب إبادة ضد الأكراد في الثمانينات، بما في ذلك استخدام أسلحة دمار شامل ضد بلدة حلبجة عام 1988، واستغل صدام حسين الجيش نفسه، تحديداً ألوية الحرس الجمهوري، في قمع انتفاضة الشيعة بالجنوب بعد حرب الخليج الأولى… وإذا سألتني: أين كان الخطأ؟ فسأجيبك أنه كان اختيار فعل «حل». كان السؤال: هل نستدعي الجيش؟ وتحدث بعض الضباط الأميركيين حول احتمالية استدعاء الجيش. وعندما سمع الأكراد ذلك، أخبرني قائدا الأكراد؛ بارزاني وطالباني: إذا استدعيت الجيش العراقي، فسننفصل عن العراق. وكان هذا ليشعل حرباً أهلية. وسمع الشيعة الذين كانوا يتعاونون مع التحالف، بناءً على توجيه من آية الله السيستاني، الشائعة ذاتها. وقال لي الشيخ عبد العزيز الحكيم: لن نتعاون إذا ما أعدتم ذلك الجيش.

ديمقراطية أم حرب أهلية؟

> سعادة السفير، أنت سعيت إلى بناء عراق ديمقراطي…
- صحيح.
> بدلاً من ذلك، غرقت البلاد في حرب أهلية في ظل قيادتكم، لا أدري حجم الأخطاء التي تصفها، لكن هذا ما حدث.
- لا، ليست حرباً أهلية، ما حدث كان ظهور «القاعدة». نعلم أن هذه حقيقة لأنها كُتِبت بيد الزرقاوي في رسالة بعثها إلى بن لادن. وكان هدف «القاعدة» إشعال حرب بين الشيعة والسنَّة. هذا أمر شديد الوضوح، ويجب أن تطلع على رسالة الزرقاوي. ولذلك ذكر بالمناسبة السبب وراء الهجمات المروعة التي نفذوها، بينما كنت لا أزال هناك والتحالف هناك. أولاً: الهجوم ضد مقر الأمم المتحدة الذي أدى إلى مقتل سيرجيو دي ميلو، وبعد ذلك وقع هجوم كبير ضد مسجد في النجف، في 30 أغسطس (آب) 2003، وأدى إلى مقتل عدة مئات من الشيعة. وعليه، كان هدف «القاعدة» إثارة حرب أهلية. وأنت تقول إنهم ليست لديهم ديمقراطية. هذا غير صحيح. أجروا انتخابات هي الأولى من نوعها بعد مرور عام أو عام ونصف العام من تحرير بغداد، في مطلع يناير (كانون الثاني) 2005، أجرى العراقيون 6 انتخابات، منها 5 انتخابات وطنية واستفتاء حول الدستور. وعاين العراقيون انتقالاً سلمياً للسلطة 6 مرات منذ رحيلنا. وليس بإمكان أي دولة عربية القول إنها أنجزت ذلك.

النموذج الأميركي

> روسيا تستغل ذلك داخل الأمم المتحدة، وعندما أذهب إلى هناك أراهم يسألون: هل تذكرون عندما أتى كولن باول إلى هنا بهذا الشيء؟ هل تذكرون عندما نفذت أميركا تفكيك حزب البعث. نحن نفكك نازية. كيف ترى تأثير ذلك على السياسات أو الاستراتيجيات الأميركية بمختلف أرجاء العالم؟
- أي رئيس، ويمكنني القول إنني واثق من أن هذه كانت حالة الرئيس بوش، في هذه الحالة، كان عليه التفكير في أي قرار يواجهه، وكان السؤال ما ينبغي فعله مع صدام في إطار تأثير ذلك على باقي المصالح الأميركية. وأنا واثق من أن بوش فعل ذلك. وقرر، وأعتقد أنه صائب في ذلك؛ أنه لا يمكننا التساهل إزاء ترك صدام يمضي بطريقه. وعليه، اتخذ القرار الصعب بغزو العراق للتخلص من صدام، الأمر الذي أرى أنه نجح. أما تأثير السياسة الأميركية على ما يجري في بنغلاديش أو أوكرانيا، فربما تكون مسألة منفصلة.

> لا، هذا السبب وراء قول بعض الأميركيين، وبينهم رؤساء، لاحقاً، إن حرب العراق كانت كارثة.
- آسف، مَن قال ذلك؟
> الجميع. ألم تسمع بالذي يقول إنها كارثة؟
- نعم، وأقول إنهم مخطئون. وسأظل متمسكاً بما قلتُه تواً لك حول النجاح الذي حققناه سياسيا، والنجاح الذي أحرزناه اقتصادياً.
> إذن، أنت ترى أن العراق اليوم أفضل حالاً؟
- بالتأكيد. العراق اليوم أفضل حالاً بأي مقياس... لقد بدأ الربيع العربي في تونس، إلى أين ذهبت؟ انظر إلى تونس اليوم...
> لا شيء.
- أما العراقيون، حتى مع وجود تنظيم «داعش» وكل المشكلات التي يجابهونها، فقد اختاروا حكومتهم 6 مرات على التوالي.
> إذن ليست لديك مشاعر جيدة حيال الربيع العربي؟
ـ آسف، لم ينجح. أما العراق، فيعاني اليوم بشدة بسبب الفساد. لا شك في ذلك.
> هل وضعتم نموذج العراق الجديد على غرار النموذج اللبناني؟
- لا.
> كان العراق بلداً علمانياً في ظل قيادة صدام. أنت تقول إن السنَّة حكموا البلاد ألف سنة، وبعد ذلك سحبتم العراق بعيداً عن جيرانه العرب وألقيتموه في أيدي إيران...
- يمكنني الحديث بثقة فقط عن الفترة التي كنت خلالها هناك. الإيرانيون لم يكن لهم أي وجود.
> على الأقل الحكيم والشخصيات الأخرى من المعارضة العراقية كانوا مقيمين هناك...
- حسناً، والبعض كان مقيماً في سوريا، والبعض في لندن، وقليل في ألمانيا، وبضعة في فرنسا. عبد المهدي كان في فرنسا. لم يكن لدينا نموذج نحاول أن (...). لقد فعلنا ما اعتقدنا أنه مهم، وهو أن الهيكل الذي يجري تأسيسه بالعراق ينبغي أن يعزز وجود حكومة تمثيلية. ومن جديد، الأمر كان يعود إلى العراقيين بخصوص مسألة صياغة الدستور، الأمر الذي أنجزوه بالفعل، وأقاموا نظاماً فيدرالياً، من دون إيعاز منا.
> لماذا كنتَ تتفاخر في مواضع عديدة بأن السنَّة قد حكموا العراق لألف سنة، وتوقفتَ عن القيام بذلك الآن؟
- صحيح، لقد كان ذلك مجرد بيان للحقيقة، ليس إلا.

البعث السوري

> لقد كان واضحاً أن الحكومة البعثية السورية كانت تدعم ما يسمى بالمقاومة العراقية في محاربة قوات التحالف في العراق. وكان ذلك أيضاً خلال فترة حكمك في العراق. كيف تعاملت إذن مع ذلك الأمر؟ هل حاولت التحدث مع الحكومة السورية، أم قمتَ بشيء لمنع الأمر؟
- لستُ على علم بأي مناقشات محددة تمت بين المسؤولين الأميركيين والسوريين، لكنني أعلم جيداً أن قوات التحالف في العراق كانت قلقة بشأن الدعم السوري، وبوجه خاص تسلُّل أشخاص مدعومين من الجانب السوري كان يتم تجنيدهم أحياناً في شمال أفريقيا، خصوصاً في ليبيا، ويجري تدريبهم في سوريا، ثم يتسللون عبر الحدود في القائم.
> ألم يكن عليك فعل أمر ما حيال ذلك؟
- فعلتُ كل ما كنت أستطيع القيام به.
> هل كان لإيران دور أيضاً في ذلك الأمر؟
- خلال فترة عملي هناك، لم يكن هناك أي دليل على ضلوع الإيرانيين بدور في ذلك الأمر.

الإيرانيون خافوا

> ولا حتى ما اكتشفناه لاحقاً، وبات منشوراً على المنابر الإخبارية هذه الأيام؛ بأنهم كانوا يؤوون بعض عناصر تنظيم «القاعدة» في إيران؟
- لم يكن ذلك جزءاً من المعلومات التي كانت لدينا في ذلك الوقت. أهم شيء كان خطاب الزرقاوي، الذي تمكنا من اعتراضه في يناير (كانون الثاني) 2004؛ فقد كان ذلك واضحاً، لكنه كان أردنياً، وليس إيرانياً.
> لقد عملتَ على مكافحة الإرهاب من قبل؛ لذا كنتَ مدركاً تماماً لكل الأخطار.
- نعم، كانت إيران مصنفة بالفعل دولة إرهابية حين كنتُ مسؤولاً عن مكافحة الإرهاب في إدارة ريغان بسبب التفجيرات التي نفذها «حزب الله» في بيروت عام 1983؛ لذا لم يكن هناك أدنى شك في أنها كانت دولة إرهابية. مع ذلك كانت إيران تتجنب لفت الانتباه، وإن كنتُ أفضل أولاً أن أطلق عليهم الفرس، لأنهم يرون أنفسهم كذلك، ودائماً ما يفكرون من منطلق الإمبراطورية الفارسية القديمة، التي كانت تمتد من نهر السند حتى البحر المتوسط. هذه هي الإمبراطورية الفارسية، ويمكنها أن تشغل ضعف مساحة الفراغ في العراق... لا أمنحهم العراق بعد؛ فالعراق لا يزال صامداً. لكن المؤكد أنهم ذهبوا إلى لبنان، وفعلوا ذلك، ولا تزال سوريا أكثر صعوبة قليلاً بالنسبة إليهم. مع ذلك هناك بالتأكيد مشكلات في إيران، لكن إذا فكرت بناء على منظور الشعب في طهران في خريف 2003؛ كان لديهم جيش أميركي على حدودهم الشرقية وجيش على حدودهم الغربية. وفي 2003، استنتجت الدوائر الاستخبارية، على ما يبدو، بحسب ما يقرأه المرء في الصحافة، أن إيران أوقفت برنامجها النووي النشط.
> في حين كان الوضع يتردى في العراق، كما في أفغانستان، أبعدتم عن الإيرانيين عدوين لدودين على حدودهم؛ فعل الأميركيون أمراً جللاً، لكن مع ذلك كان عليك التحدث معهم... هل قابلت الإيرانيين؟
- لا، لم يكن هناك إيرانيون لأتحدث معهم.

التواصل… والخلاف مع السيستاني

> لكنك لم تشعر بأنك كنتَ بحاجة للتحدث معهم؟
- الإيراني الوحيد الذي كنت أرغب في الحديث معه كان السيستاني، لكنه لم يكن ليقبل ذلك، ولا بأس في ذلك؛ تفهمتُ الأمر، ولم أضغط عليه. لم أطلب حتى ذلك فعلاً، كان لدي تواصل جيد مكثف مع السيستاني وأنا هناك.
> مِن خلال مَن؟
- العديد من الوسطاء. راجعت الأمر، ووجدت 48 مبادلة غير مباشرة مع السيستاني خلال 13 شهراً.
> هل كانت تلك المبادلات شفهية، أم مجرد رسائل؟
- عادة ما تكون شفهية، وكانت أحياناً كتابية.
> لديك خطابات منه إذن؟
- لديه خطابات مرسلة مني (ضحك).
> لكن هل لديك خطابات مرسلة منه؟
- لدي رسائل؛ فهو لم يكن يراسلني كتابة؛ فهذا أمر لا يقوم به مَن هو في مثل مكانته ومستواه. مع ذلك رأيي أنني إذا نظرتُ إلى السؤال إجمالاً، فيسعني القول إنه اضطلع بدور مفيد وفاعل في الأمر. كان يدعم بقوة إجراء انتخابات، وإتاحة الفرصة للعراقيين لاختيار حكومتهم. كان ذلك معتقداً راسخاً لديه، وكانت هذه مهمتي بطبيعة الحال.
> لكن كانت هناك فترات سادها التوتر بينك وبينه؟
- صحيح، بالنظر إلى أهميته في العراق، وفي المنطقة بشكل عام، أردتُ التأكد من أنه يتفهم ما نحاول القيام به، وهو إرساء عملية سياسية مع العراقيين حتى يتمكنوا من اختيار حكومتهم. هنا تكمن مشكلة، ظهرت لأن سيرجيو دي ميلو، الذي كان المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ذهب لمقابلة السيستاني بعد فترة قصيرة من وصوله إلى العراق، في بداية يونيو (حزيران) 2003، طلبني لإجراء محادثة، وعقدنا اجتماعين؛ أحدهما في مكتبي والآخر في مكتبه، وذهب إلى النجف لمقابلة السيستاني. سمعت لاحقاً من أحدهم نقلاً عن السيستاني أن دي ميلو قال للسيستاني إن الأميركيين سوف يصوغون دستوراً لإقامة كيان سياسي على الطريقة التي اعتمدوها في اليابان، من خلال دوغلاس ماك آرثر، قائد قوات الحلفاء عام 1945، هذا غير صحيح على الإطلاق.
لذا كانت أكثر الاتصالات مع السيستاني من جانبي موجهة نحو إطلاعه على نقاشاتنا، وأنا متأكد أنه كان يوجد أشخاص آخرون في الحكومة العراقية يُطلِعونه على نقاشاتنا المتعلقة بما كنا نعتزم القيام به، وكنتُ أحاول توضيح أنه لم يكن لدينا نية لصياغة دستور. الأمر الآخر أنه كان يريد إجراء انتخابات فورية، ولم يكن ذلك ممكناً، للأسباب التي ناقشناها آنفاً، ورأت الأمم المتحدة أيضاً أن ذلك لم يكن ممكناً. لقد أدرك دي ميلو ذلك، لذا كان محتوى الاتصالات مع السيستاني يتعلق تقريباً بجعله يفهم النظرة الشاملة لما كنا نحاول تحقيقه سياسياً، وهو دستور يصوغه العراقيون لا نحن، وإجراء انتخابات، مع توضيح صعوبة تحقيق ذلك. في النهاية فهم الأمر جيداً، ومرت 6 أو 7 أشهر، حتى يناير (كانون الثاني) 2004، إلى أن اتضح أن آية الله السيستاني قد أدرك عدم قدرتنا على إجراء انتخابات بصورة فورية. كان من الضروري وجود دستور، وكان ذلك الترتيب الذي اتبعناه؛ لقد تمت صياغة الدستور في يناير وفبراير (شباط) 2004، وإجراء أول انتخابات في يناير 2005.
> هل حصلتَ على بركته في النهاية؟
- لم أكن أبحث عن بركته؛ فأولاً، كنت أحاول اطلاعه على الوضع باستمرار، وأعتقد أنه تفهم ماهية هدفنا. كانت هناك بعض الأمور الأخرى التي كنا نتواصل بشأنها، لكن كان هذا الهدف الرئيسي من الاتصالات، وأرى أن دوره كان مفيداً ومساعداً.

القبض على صدام

> أريد أن أسألك عن صدام. كيف علمتَ بنبأ القبض عليه؟
- كانت مهمة الجيش محاولة القبض عليه، ونسقنا هذا الأمر بشكل واضح؛ كنا نسمع جميعاً شائعات، وكان هناك أشخاص يأتون لي ويخبرونني بمكان صدام، وكنتُ أنقل ذلك إلى الجيش، الذي كان يذهب إلى المكان المذكور، ولا يجده. كانوا يقولون إنه يقود سيارة أجرة...
> هل كان ذلك صحيحاً؟
- لا، كنا نسمع إشاعات مثل تلك. أقول إن الأمر كان جنونياً، لذا تلقى الجيش في ديسمبر (كانون الأول) خبراً بأنه في تكريت، مسقط رأس عائلته. أنت تعلم القصة، وهي أنهم وجدوه مختبئاً داخل حفرة. لم أُبلغ بعملية البحث وقت حدوثها، لكن الجنرال أبي زيد، قائد القيادة المركزية الأميركية في ذلك الوقت دعاني إلى الانتقال من غرفتي إلى مكتبي في الساعة الثانية صباحاً تقريباً في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2003، وقال: «أعتقد أننا عثرنا على صدام!»، وأخبرني القصة، مشيراً إلى أنه يبدو مثله تماماً، ولديه ندب أو شامة أو علامة ما على إحدى ساقيه، ويعتقدون أنه هو، لكن من الضروري إجراء اختبار الحمض النووي للتأكد من هويته، ولديهم تحليل الحمض النووي من ولدَيْه (عدي وقصي) اللذين قُتلا في الموصل، في يوليو (تموز)، لكن الأمر سيستغرق يومين لأنه ليس موجوداً في البلاد، بل في ألمانيا. قلت: «لا يمكن الحفاظ على سرية هذه القصة ليومين»، ورد أبي زيد: «سوف نعيده إلى بغداد، ونعرضه على بعض المعتقلين البارزين، خصوصاً طارق عزيز، ليخبرنا ما إذا كان هو صدام أو لا». رآه معتقلون وقالوا إنه صدام بالفعل، لذا اكتشفت هذا الأمر في ذلك الوقت، وكان نبأً ساراً.

رأوا صدام

> كيف كان يبدو صدام، وكيف كان تحت الأرض؟
- المشكلة التي كنا نواجهها أنه عندما هاجم ولداه قواتنا في الموصل، في يوليو (تموز) 2003، وجرى قتلهما، كنا بحاجة إلى إعلان ذلك، لكننا تساءلنا عما إذا كان العراقيون سوف يصدقوننا. لذا جمع الجيش، ورامسفيلد، والعاملون معه مجموعة من علماء الأمراض والأطباء لرؤية الجثتين، وتأكيد ما إذا كانا ابنَي صدام حقاً أم لا، لأنه، طبقاً لـ«اتفاقية جنيف»، لم يكن من المفترض عرض صور لجنود قتلى، وهو أمر تفعله روسيا باستمرار في أوكرانيا. هذا مثير للاهتمام بطبيعة الحال، لأن الإشاعات بأننا قتلنا الولدين كانت منتشرة لمدة 15 ساعة في العراق، من دون أن يعلم أحد الحقيقة، بشكل مؤكد، إلى أن أكدها الأطباء الشرعيون العراقيون الذين قاموا بعملية التشريح. في ذلك الوقت، أُطلِقت النيران بشكل احتفالي في أنحاء بغداد والبصرة والموصل وكركوك، وكانت هذه هي التجربة في يوليو (تموز). لذا واجهنا المعضلة ذاتها مرة أخرى مع صدام، وكان القرار الذي توصلنا إليه ضرورة إتاحة مقابلته لمجموعة من العراقيين في مكان وجوده، الذي كان مطار بغداد. لذا وُجهت دعوة إلى أعضاء مجلس الحكم لمقابلته واصطحاب أي شخص يريد المجيء. في النهاية كان هناك 5 أشخاص، هم عدنان الباجه جي، وأحمد الجلبي، وموفق الربيعي، وعادل عبد المهدي. كان صدام هناك، وسرعان ما تعرفوا عليه من صوته ومن كل الملامح الأخرى. لم يكن هناك أي شك، لذا شعرتُ بأنه من المهم أن يكون الباجه جي الذي كان رئيس مجلس الحكم آنذاك، موجوداً أثناء الإعلان. وهكذا تم الإعلان عن الأمر.
> هل رأيت صدام قبل ذلك؟ هل تحدثت معه؟
- لا، ولم أقل أي شيء. لم يكن لديه أدنى فكرة، وكنت أقف عند الباب.
> وقبل ذلك؟
- لا، لم أتحدث إليه أبداً.
> لم تكن تشعر بفضول لأن تسأله؛ فقد كان لديه كثير من الأسرار التي كانت لتساعدك.
- (ضحك) لا أعتقد، كنت لأسأله (مداعباً) ربما عن مكان الأسلحة النووية. (ضحك)
> هل كانت تربطك علاقات جيدة بأحمد الجلبي وإياد علاوي؟
- نعم، كنت أتحدث معهما كثيراً، وكذلك مع طالباني، وبارزاني، وبالطبع موفق الربيعي، وعبد العزيز الحكيم، وضياء جبيلي مؤلف رواية «أسد البصرة». أمضيتُ وقتاً طويلاً مع أولئك الأشخاص.

«جنة عدن»!

> ما أغرب شيء واجهته في العراق؟
- لا، لا. من الصعب الإجابة عن السؤال. لا أصف الأمر بالغريب، لكن من أكثر الأمور إثارة للاهتمام زيارة أهوار العراق، ورؤية البيوت التي كانوا يشيدونها من القصب. أعتقد أنها غير موجودة حالياً. ما يثير الأسى في نفسي معرفة أن صدام، في إطار حملته ضد عرب الأهوار، حوَّل مجرى المياه بعيداً، مما عرَّض حياتهم للتهديد. أعتقد أن المنطقة اختفت وتغيرت تماماً، كان الأمر غريباً جداً. في إحدى المرات كنت أحلق في مروحية أعلى ملتقى نهري دجلة والفرات، وقال لي الطيار: «بالأسفل، هل ترى النخلة عند نقطة تلاقي النهرين؟ إن هذه جنة عدن!».
> حسناً، أنت فخور إذن بإنجازاتك...
- أشعر بالرضا.


مقالات ذات صلة

انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

المشرق العربي انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

راجت أنباء عن وقوع محاولة لقتل مسؤول كردي سوري بارز في السليمانية بشمال العراق مساء اليوم الجمعة. فقد أورد موقع «صابرين نيوز» القريب من الحرس الثوري الإيراني، نقلاً عن «مصادر كردية»، أن قصفاً استهدف قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي «في محاولة اغتيال فاشلة بواسطة طائرة مسيّرة». من جهتها، أعلنت مديرية قوات الأمن (آسايش) في مطار السليمانية أنها تحقق في انفجار وقع قرب سياج مطار السليمانية دون أن يسفر عن خسائر بشرية أو مادية، مشيرة إلى أن فرق الإطفاء تمكنت من السيطرة على الحريق الناجم عنه سريعاً، بحسب موقع «رووداو» الكردي.

المشرق العربي مسيحيات فررن من العراق يتعلمن مهارت الخياطة لكسب لقمة العيش

مسيحيات فررن من العراق يتعلمن مهارت الخياطة لكسب لقمة العيش

في إحدى الكنائس في الأردن، تخيط العشرينية سارة نائل قميصاً ضمن مشروع أتاح لعشرات النساء اللواتي فررن من العنف في العراق المجاور، مهارات لكسب لقمة العيش. نجت نساء عديدات بصعوبة من العنف المفرط الذي مارسته «دولة الخلافة» التي أعلنها تنظيم «داعش» على مساحات واسعة من العراق وسوريا، قبل أن ينتهي بهن المطاف في الأردن يعانين للحصول على عمل. تنكب سارة نائل (25 عاماً)، وهي لاجئة مسيحية عراقية من بلدة قرقوش تعلمت مهنة الخياطة في الطابق الثالث في كنيسة مار يوسف في عمان، على ماكينة الخياطة في طرف المكان لتخيط قطعة قماش مشرقة زرقاء اللون تمهيداً لصنع قميص. وتقول سارة التي وصلت إلى الأردن عام 2019 وبدأت تعم

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي «الشيوخ الأميركي» يقترب من إلغاء تفويضي حربي العراق

«الشيوخ الأميركي» يقترب من إلغاء تفويضي حربي العراق

صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة، أمس (الاثنين)، لصالح الدفع قدماً بتشريع لإلغاء تفويضين يعودان لعقود مضت لشن حربين في العراق مع سعي الكونغرس لإعادة تأكيد دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال. وانتهى التصويت بنتيجة 65 إلى 28 صوتاً، أي تجاوز الستين صوتاً اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من مائة عضو، مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ خطوة جديدة في «الشيوخ» الأميركي نحو إلغاء تفويضي حربي العراق

خطوة جديدة في «الشيوخ» الأميركي نحو إلغاء تفويضي حربي العراق

صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة أمس (الاثنين) لصالح الدفع قدما بتشريع لإلغاء تفويضين يعودان لعقود مضت لشن حربين في العراق مع سعي الكونغرس لإعادة التأكيد على دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال، وفقاً لوكالة «رويترز». وانتهى التصويت بنتيجة 65 إلى 28 صوتا أي تجاوز الستين صوتا اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من مائة عضو مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع. وجميع الأصوات الرافضة كانت لأعضاء في الحزب الجمهوري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي 20 عاماً على الزلزال العراقي

20 عاماً على الزلزال العراقي

تحلُّ اليومَ، الأحد، الذكرى العشرون للغزو الأميركي للعراق، وهو حدثٌ كان بمثابة زلزال ما زالت المنطقة تعيش تداعياتِه حتى اليوم. لم يستمع الرئيسُ الأميركي آنذاك، جورج دبليو بوش، لتحذيراتٍ كثيرة، غربيةٍ وعربية، سبقت إطلاقَه حرب إطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، وحذرته من أنَّ خطوتَه ستفتح «باب جهنم» بإدخال العراق في فوضى واقتتال داخلي وستسمح بانتشار التطرفِ والإرهاب. أطلق بوش حملةَ إطاحة صدام التي أطلق عليها «الصدمة والترويع» ليلة 19 مارس (آذار) بقصفٍ عنيف استهدف بغداد، في محاولة لقتل الرئيس العراقي، قبل إطلاق الغزو البري.


شكوى ضد جندي فرنسي-إسرائيلي بتهمة التعذيب والتواطؤ في حرب غزة

دورية راجلة للقوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة (أ.ب)
دورية راجلة للقوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة (أ.ب)
TT

شكوى ضد جندي فرنسي-إسرائيلي بتهمة التعذيب والتواطؤ في حرب غزة

دورية راجلة للقوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة (أ.ب)
دورية راجلة للقوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة (أ.ب)

قدّمت 3 جمعيات شكوى في فرنسا، الخميس، ضدّ مجهول بتهمة التعذيب والتواطؤ استناداً إلى مقطع فيديو يظهر فيه جندي فرنسي - إسرائيلي، وهو يهين رجالاً قُدّموا على أنهم معتقلون فلسطينيون، بحسب وثائق اطلعت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية».

ورُفعت هذه الشكوى في باريس أمام النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب، المختصة بالنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بحسب الشكوى.

والجهات التي قدّمت الشكوى هي جمعية «حركة 30 مارس» البلجيكية، و«عدالة وحقوق بلا حدود» الفرنسية، و«جمعية فلسطينيي فرنسا، اتحاد الجمعيات الفلسطينية في فرنسا».

وأوردت الشكوى تهمة «التعذيب» و«التواطؤ في التعذيب باعتباره جريمة حرب» في «سياق نزاع مسلح دولي».

وقدّمت الشكوى بناء على مقطع فيديو تمّ بثّه على شبكات التواصل الاجتماعي «التقطه جندي فرنسي - إسرائيلي مفترض، وهو يصوّر معتقلين فلسطينيين في وضع مهين، ويتحدث عن أعمال تعذيب».

والتقط مقطع الفيديو في يناير (كانون الثاني) في قطاع غزة، الذي يشهد حرباً بين إسرائيل و«حماس»، وفقاً لعناصر الشكوى.

ونشر المقطع الناشط الفلسطيني يونس تيواري، في 19 مارس (آذار)، على موقع «إكس»، ويسمع فيه شخص يتكلم الفرنسية، ويقول: «هل رأيت هؤلاء اللعينين يا صديقي؟ (...) لقد تبوّل على نفسه. سأريك ظهره، وستضحك، لقد عذّبوه ليتكلّم».

ويضيف الشخص نفسه: «كنتم مسرورين في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) أيها الحقراء»، في إشارة إلى هجوم «حماس» غير المسبوق على جنوب إسرائيل، الذي أدى إلى مقتل 1170 شخصاً، معظمهم من المدنيين، بحسب حصيلة لـ«فرانس برس» استناداً إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

وردّاً على الهجوم، شنّت إسرائيل عملية عسكرية لا تزال مستمرة في غزة، ما أسفر عن مقتل 33970 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وفقاً لحصيلة نشرتها الخميس وزارة الصحة التابعة لـ«حماس».

وأعلن جيل دوفير، أحد محامي الجمعيات، لـ«فرانس برس»، أنّ «هذه الحادثة المعزولة تندرج في إطار أوسع من ممارسة التعذيب على يد الجنود الإسرائيليين».

ولدى تسلّمها الشكوى، ستدرس النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب ما إذا كانت يمكن قبولها ومدى اختصاص المحاكم الفرنسية للنظر فيها، قبل أن تقرر فتح تحقيق فيها من عدمه.


كيف هندست إدارة بايدن ضغوطها لحجب العضوية الكاملة في «الأمم المتحدة» عن فلسطين؟

شاشة تظهر الممثل الخاص الفلسطيني زياد أبو عمرو يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن الخميس (أ.ب)
شاشة تظهر الممثل الخاص الفلسطيني زياد أبو عمرو يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن الخميس (أ.ب)
TT

كيف هندست إدارة بايدن ضغوطها لحجب العضوية الكاملة في «الأمم المتحدة» عن فلسطين؟

شاشة تظهر الممثل الخاص الفلسطيني زياد أبو عمرو يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن الخميس (أ.ب)
شاشة تظهر الممثل الخاص الفلسطيني زياد أبو عمرو يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن الخميس (أ.ب)

سعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل محموم، الخميس، إلى عرقلة مشروع قرار قدّمته الجزائر بدعم عربي في مجلس الأمن للاعتراف بالعضوية الكاملة لفلسطين في «الأمم المتحدة»، من خلال الضغط حيث يمكنها، على بقية الدول الـ15، إما للتصويت ضده أو الامتناع عن التصويت، لئلا تجهضه باستخدام حق النقض «الفيتو». بينما حذّر الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش من ارتكاب «أي غلطة» يمكن أن تعود بعواقب مدمرة على الشرق الأوسط والعالم.

وفي ضوء التعطيل المحتمل للجهد العربي الذي اكتسب كثيراً من الزخم خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً في ظل استمرار حرب غزة، التي بدأت قبل 6 أشهر ونصف الشهر بعد هجمات «حماس» ضد المستوطنات والكيبوتسات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عملت الدبلوماسية الفلسطينية والعربية على خط موازٍ من أجل انتزاع مزيد من الاعترافات بدولة فلسطين، التي بلغت حتى الآن 138 من الدول الـ193 الأعضاء في الجمعية العامة للمنظمة الدولية. ويحتمل أن تتوجه المجموعة العربية إلى الجمعية العامة تأكيداً لهذا التوجه.

وتكثفت الاعتراضات الأميركية والإسرائيلية على إصدار توصية من مجلس الأمن بخصوص الطلب الفلسطيني المتجدد، الذي ورد في رسالة بعثها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، في 2 أبريل (نيسان) الماضي، لتجديد النظر في الطلب المقدم في 23 سبتمبر (أيلول) 2011 إلى الأمين العام السابق بان كي - مون للحصول على العضوية الكاملة في «الأمم المتحدة».

وأحيل الطلب إلى رئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي، المندوبة المالطية الدائمة، فانيسا فرازير، التي أحالته بدورها إلى لجنة قبول الأعضاء الجدد في المجلس. ولم تتمكن هذه اللجنة من الوصول إلى الإجماع الضروري من أجل دفع هذه العملية إلى الأمام.

سفير إسرائيل لدى «الأمم المتحدة» جلعاد إردان يصافح الممثل المناوب للولايات المتحدة روبرت وود في جلسة مجلس الأمن الخميس (رويترز)

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الولايات المتحدة ضغطت منذ الأربعاء، لإرجاء موعد التصويت على مشروع القرار الجزائري الذي وضع بالحبر الأزرق، ما يعني أنه صار جاهزاً للتصويت عليه. وشارك في هذه الجهود الأميركية وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال محادثات أجراها مطلع الأسبوع مع نظيره المالطي إيان بورغ، الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي، وكذلك في اتصالات أخرى أجراها نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جون فاينر، بما في ذلك مع رئيس غويانا، عرفان علي، الذي تحتل بلاده مقعداً في مجلس الأمن.

وشملت الضغوط أيضاً كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية وسويسرا، التي لم تفصح ما إذا كانت ستؤيد مشروع القرار الذي ينص على الآتي: «إن مجلس الأمن، بعد درس طلب دولة فلسطين للقبول في (الأمم المتحدة)، يوصي الجمعية العامة بقبول عضوية دولة فلسطين في (الأمم المتحدة)».

جلسة الصباح

وكان غوتيريش يتحدث في مستهل جلسة على مستوى وزاري عقدها مجلس الأمن، الخميس، في شأن «الحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك المسألة الفلسطينية»، فركّز على «الأخطار التي تشتد»، قائلاً إنه «يتعين ممارسة أقصى درجات ضبط النفس». وإذ كرر التنديد بـ«التصعيد الخطير» المتمثل في الهجوم الواسع من إيران ضد إسرائيل، وقبله الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق. ورأى أن «إنهاء الأعمال العدائية في غزة سيقلص بشكل كبير التوترات بأنحاء المنطقة»، جدّد مطالبته بالوقف الإنساني الفوري لإطلاق النار والإفراج الفوري عن جميع الرهائن المحتجزين في غزة. وأكد أن «تجنب تفشي المجاعة في غزة، ومنع حدوث وفيات يمكن تجنبها بسبب الأمراض، يتطلبان قفزة نوعية في المساعدات الإنسانية».

فلسطينيون يتجمهرون لتلقي مساعدات من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة مارس الماضي (رويترز)

وإذ وصف الوضع بأنه «جحيم» في غزة، كرر أن عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى (الأونروا) هو «العمود الفقري للعمليات الإنسانية» في القطاع. وشدّد أيضاً على أن المستوطنات في الضفة الغربية «غير قانونية»، مندداً بأعمال العنف ضد المدنيين هناك، داعياً إسرائيل إلى «القيام بخطوات فورية لإنهاء المستويات غير المسبوقة لعنف المستوطنين ومحاسبة الجناة».

وضع «الأونروا»

ووسط ترقب كبير لتقرير اللجنة المستقلة حول «الأونروا»، خلال الساعات القليلة المقبلة، عقد مجلس الأمن جلسة أخرى، مساء الأربعاء، للتركيز على عمل الوكالة، تحدث خلالها مفوضها العام فيليب لازاريني، الذي أشار إلى «مجاعة وشيكة من صنع البشر»، موضحاً أنه في شمال غزة «بدأ الرضع والأطفال الصغار يموتون بسبب سوء التغذية والجفاف».

وتطرق إلى ما تواجهه الوكالة من حملة لإبعادها عن الأرض الفلسطينية المحتلة، موضحاً أنه «في غزة، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إنهاء نشاطات الوكالة». وأكد أن «موظفينا ممنوعون من المشاركة في اجتماعات التنسيق بين إسرائيل والجهات الإنسانية. والأسوأ من ذلك، استهدفت منشآت الأونروا وموظفيها منذ بدء الحرب»، ما أدى إلى مقتل 178 موظفاً لدى «الأونروا» في غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وذكر أن الموظفين الأمميين الذي احتجزتهم اسرائيل «تحدثوا عن شهادات مروعة لسوء المعاملة والتعذيب في الاحتجاز».

مساعدات غذائية إلى غزة من «الأونروا» (رويترز)

ووجّه لازاريني نداء لأعضاء مجلس الأمن بأن «يعملوا أولاً بما يتوافق مع قرار الجمعية العامة رقم 302، الذي يُنشئ الأونروا»، وحضّ ثانياً على «التزام عملية سياسية حقيقية تكتمل بالتوصل إلى حل يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين»، وأكد ثالثاً «الإقرار بأن العملية السياسية وحدها لن تضمن السلام المستدام» لأن «الجروح العميقة في المنطقة لا يمكن أن تُداوى إلا بغرس التعاطف ورفض نزع الإنسانية».

تشييع جثمان شاب فلسطيني قُتل في هجوم المستوطنين على قرية المغير بالضفة الغربية 13 أبريل الحالي (رويترز)

وقال وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، إن «الأونروا» تتعرض «لهجوم سافر واستهداف مشين من الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني»، عادّاً أن هذا الاستهداف «جزء لا يتجزأ من المخطط الإسرائيلي الرامي لتصفية القضية الفلسطينية، وإفراغ المشروع الوطني الفلسطيني من محتواه، وهدم أركان ومقومات الدولة الفلسطينية».

وقال المندوب البديل للبعثة الأميركية الدائمة لدى «الأمم المتحدة»، روبرت وود، إن الكونغرس الأميركي أوقف تقديم مساهمات إضافية للوكالة في أعقاب «الادعاءات الخطيرة» بشأن المشاركة المزعومة لعدد من موظفيها في هجمات «حماس» ضد إسرائيل، وحضّ «الأونروا ومنظومة (الأمم المتحدة) الأوسع على اتخاذ الخطوات اللازمة كافة لتعزيز حياد المنظمة وتحسين استدامة الأونروا». إلا أنه أكد أن الولايات المتحدة تعترف بـ«الدور الذي لا غنى عنه» للوكالة في غزة.

وأشار إلى أن واشنطن تتطلع إلى التوصيات النهائية لمجموعة المراجعة المستقلة بشأن «الأونروا»، وستواصل العمل مع الوكالة وغيرها «لتنفيذ إصلاحات لـ(الأونروا) لتبقى عاملة طالما كانت هناك حاجة إليها».

الموقف الفلسطيني

وقال الممثل الخاص للرئيس الفلسطيني، زياد أبو عمر، إن الأونروا «ليست مجرد مشروع إنساني، إنما هي شاهد تاريخي على التزام المجتمع الدولي، بل واجبه تجاه اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من ديارهم بسبب نكبة عام 1948».

طفلة فلسطينية نازحة تتناول الطعام من علبة في مخيم للنازحين برفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكر بأن الحملات الإسرائيلية على «الأونروا ليست جديدة»، داعياً إلى الضغط على إسرائيل لكي «تتوقف فوراً عن عرقلة عمليات (الأونروا) وانتهاك ولايتها».

أما المندوب الإسرائيلي جلعاد إردان فعدّ أن «الأمم المتحدة» «مسؤولة بشكل مباشر عن إدامة» الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، عادّاً أن «أحد الأسلحة التي صنعتها لإطالة أمد هذا الصراع هي (الأونروا)».

وخاطب وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أعضاء المجلس بأن «(الأونروا) تستحق دعمكم، لأنها الوحيدة القادرة على تقديم المساعدة الحقيقية للفلسطينيين الجائعين في غزة، وتوفير الخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس» في غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، والأردن، ولبنان، وسوريا.

وأكد دبلوماسيون لـ«الشرق الأوسط» أن الطلب الفلسطيني سيحصل للمرة الأولى على الأصوات التسعة المطلوبة لإحالة الطلب على الجمعية العامة. غير أن الفيتو الأميركي سيعطل هذه المحاولة على الأرجح.


أطفال غزة يتوقون إلى أيام الدراسة التي حرمهم منها الصراع

طفلان فلسطينيان يتفقدان الأضرار التي لحقت مدرسة تابعة للأونروا في أعقاب غارة جوية إسرائيلية (د.ب.أ)
طفلان فلسطينيان يتفقدان الأضرار التي لحقت مدرسة تابعة للأونروا في أعقاب غارة جوية إسرائيلية (د.ب.أ)
TT

أطفال غزة يتوقون إلى أيام الدراسة التي حرمهم منها الصراع

طفلان فلسطينيان يتفقدان الأضرار التي لحقت مدرسة تابعة للأونروا في أعقاب غارة جوية إسرائيلية (د.ب.أ)
طفلان فلسطينيان يتفقدان الأضرار التي لحقت مدرسة تابعة للأونروا في أعقاب غارة جوية إسرائيلية (د.ب.أ)

ينظر تلاميذ في العاشرة من العمر إلى مدارسهم المدمَّرة في غزة ويتألمون بينما يتذكرون ما فقدوه من التعليم والوقت الذي قضوه مع الأصدقاء في أفنيتها بعد اندلاع الحرب قبل أكثر من ستة أشهر، والتي أصابتهم بصدمة.

يشعر طلاب في العاشرة من العمر بصدمة وهم يحدقون إلى مدارسهم التي لحقها الدمار في قطاع غزة، وسط ذكريات مؤلمة عن الدراسة والوقت الذي كانوا يمضونه مع أصدقائهم في الملعب قبل اندلاع الحرب الدائرة منذ أكثر من ستة أشهر.

وقال عابد القرا، التلميذ بالصف الخامس، بينما كان يتفقد الأضرار مع صديقه محمد الفجم في بني سهيلا بشرق مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة: «كنا ندرس في هادول المدارس، كنا نلعب في الساحة وينزلولنا اللعب والكور، وكنا نطلع على الصفوف نلفلف ويجي علينا المدير يلفلف على الصفوف ويوزع علينا الكتب. كنا ننزل هناك ونشوف البني آدمين اللي رايحين ونقف على بوابة المدرسة. كنا عايشين يعني».

أحدثَ الرصاص ثقوباً في المباني، وتناثرت الأوراق في الفصول الدراسية المدمَّرة، وتمزقت الملصقات على الجدران، وتلفت الكتب.

وكل هذا تذكير قاسٍ بما فقده أولئك الذين يمثلون مستقبل غزة من تعليم وأحلام، منذ اندلاع الصراع في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في القطاع المكتظ بالسكان الذي يعاني نقصاً حاداً في المياه والغذاء والدواء والرعاية الصحية.

مئات الفلسطينيين يحتمون في مدرسة جنوب قطاع غزة (رويترز)

وشنّ مسلّحون من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» هجوماً على إسرائيل، تشير الإحصائيات الإسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص، واحتجاز 253 رهينة، في عملية مباغتة أشارت إلى إخفاقات كبيرة في الاستخبارات الإسرائيلية.

وردّت إسرائيل بهجوم جوي وبري تقول السلطات الصحية في غزة إنه أسفر عن مقتل ما يربو على 33 ألف فلسطيني، وسوَّى جزءاً كبيراً من مباني غزة بالأرض، بما في ذلك المدارس التي لها مكانة كبيرة في مجتمع يشكل فيه الأطفال نحو نصف السكان البالغ عددهم 2.3 مليون في غزة.

وصار تلاميذ صغار متعطشون للتعلم يتساءلون عما إذا كانوا سيستطيعون حَزْم كتبهم والعودة إلى المدرسة مجدداً. وسكان غزة، كباراً وصغاراً، بحاجة ماسّة لرؤية أي مؤشر على أن القتال سينتهي، لكن لا يوجد شيء.

لم يفلح وسطاء في تضييق فجوة الخلافات بين الطرفين بما يكفي للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وسط تمرير للمقترحات ذهاباً وإياباً.

وجلس المدرس محمد الخضري على الأنقاض، وكتب على قطعة من الورق ما عبّر فيه عن الخراب الهائل الذي أصاب منظومة التعليم بجميع مراحلها؛ من رياض الأطفال إلى الجامعات.

وقال: «نحن نهيب بالجميع الاهتمام بالعملية التعليمية (في غزة)، وإعادة التعليم إلى ما قبل الحرب».

ومع ذلك فإن البعض لم يفقد الأمل، مثل محمد الفجم، التلميذ بالصف الخامس.

وقال: «أنا من الأوائل... أجيب 98 أجيب 100... كنت من الأوائل».

وأضاف: «بدنا نعمل خيام وندرس فيها، وبدنا ندرس فيها الخيام إيش ما كان التمن هندرس فيها. شوف صفنا يا الله كيف انحرق، شوف غرفة المدير اللي كان يجي منها الكتب وهالحلويات كان يوزع علينا كل حاجة وكان يوزع علينا ألعاب».


واشنطن: أي عمليات عسكرية كبرى في رفح ستكون خطأ فادحاً وخطيراً

فلسطينيون ينصبون خياماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة بين الجيش الإسرائيلي و«حماس» (د.ب.أ)
فلسطينيون ينصبون خياماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة بين الجيش الإسرائيلي و«حماس» (د.ب.أ)
TT

واشنطن: أي عمليات عسكرية كبرى في رفح ستكون خطأ فادحاً وخطيراً

فلسطينيون ينصبون خياماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة بين الجيش الإسرائيلي و«حماس» (د.ب.أ)
فلسطينيون ينصبون خياماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة بين الجيش الإسرائيلي و«حماس» (د.ب.أ)

أكدت المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية إليزابيث ستكني اليوم الخميس أن شن عمليات عسكرية «كبرى» في رفح بجنوب قطاع غزة سيشكل «خطأ فادحاً وخطيراً للغاية»، وذلك رداً على تقارير تحدثت عن سماح أميركا لإسرائيل باجتياح رفح مقابل تقليص الرد الإسرائيلي على هجوم إيران.

ورداً على سؤال بشأن الموقف الأميركي، قالت ستكني: «لا نزال على اقتناعنا بأن عمليات عسكرية كبرى في رفح ستشكل خطأ فادحاً وخطيراً للغاية على حياة المدنيين الذين قد يتعرضون للأذى... كانت الولايات المتحدة واضحة في أننا لا ندعم أي عملية برية في رفح دون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ لحماية المدنيين».

كانت «هيئة البث الإسرائيلية» قد نقلت اليوم عن مصادر أمنية قولها إن الجيش ينتظر الضوء الأخضر لبدء عملياته في رفح بجنوب قطاع غزة، مشيرة إلى أن خطة اجتياح رفح تحظى بموافقة أميركية.

لكن المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأميركية قالت إن هناك طرقاً أخرى للتعامل مع الوضع الراهن في قطاع غزة، وأضافت: «بينما نشاطر إسرائيل الالتزام بالتعامل مع المشكلة التي تفرضها (حماس)، نعتقد أن هناك طرقاً أكثر فعالية للقيام بذلك».

وشددت ستكني على أن بلادها ستستمر بمناقشة هذا الموضوع مع الجانب الإسرائيلي، وقالت: «سنواصل متابعة النقاشات مع إسرائيل على مختلف المستويات حول هذه المسألة».

وفي وقت سابق من اليوم، طالب المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة واشنطن، في حديثه مع «وكالة أنباء العالم العربي»، بإيضاح موقفها من التقارير التي أفادت بسماحها لإسرائيل باجتياح رفح مقابل عدم دخولها في حرب مع إيران، واصفاً هذا الأمر بأنه «كلام خطير».

ونزح غالبية أهالي قطاع غزة فراراً من القصف الإسرائيلي، ويتكدس ما يقرب من 1.5 مليون فلسطيني حالياً في رفح الواقعة على الحدود مع مصر.

وتسببت الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في مقتل ما يقرب من 34 ألف فلسطيني وإصابة نحو 80 ألفاً، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، ويُعتقد أن آلاف الجثث ما زالت تحت أنقاض المنازل المدمرة والركام في قطاع غزة الذي سوَّت إسرائيل غالبية مناطقه بالأرض.


القلق اللبناني من توسيع إسرائيل للحرب يتصدر لقاء ماكرون وميقاتي

من لقاء سابق بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة اللبنانية)
من لقاء سابق بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة اللبنانية)
TT

القلق اللبناني من توسيع إسرائيل للحرب يتصدر لقاء ماكرون وميقاتي

من لقاء سابق بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة اللبنانية)
من لقاء سابق بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة اللبنانية)

يتصدر القلق اللبناني حيال قيام إسرائيل في ردّها على الهجوم الإيراني الذي استهدفها، بتوسعته ليشمل جنوب لبنان، جدول أعمال اللقاء المقرر اليوم في باريس بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في ضوء ارتفاع منسوب المخاوف لدى عدد من الدول الأوروبية، التي حذّرت بلسان سفرائها في لبنان من اتساع رقعة المواجهة التي تصاعدت بين «حزب الله» وإسرائيل في الساعات الأخيرة، بشكل غير مسبوق، يمكن أن يصعب السيطرة عليه في حال شمول الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الحدود اللبنانية - الإسرائيلية.

وكشفت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، أنه يجب أن يوضع في الحسبان احتمال توسيع إسرائيل ردّها على إيران ليشمل جنوب لبنان، وقالت إن هذا الاحتمال لم يأتِ من فراغ، وإن مصدره أكثر من سفير أوروبي في لبنان يواكبون المواجهة المشتعلة بين إسرائيل و«حزب الله»، التي أخذت تتجاوز حدود إسناده لحركة «حماس» في غزة إلى فتح الباب أمام التهديد بالخروج عن قواعد الاشتباك، ويمكن أن تكون عيّنة مما ستؤول إليه المواجهة امتداداً لرد تل أبيب على الهجوم الإيراني.

ميقاتي يسعى إلى شبكة أمان أميركية - أوروبية

ولفتت المصادر إلى أن المخاوف من اتساع الحرب جنوباً ستكون حاضرة بامتياز في لقاء ميقاتي بماكرون، في محاولة لاستقدام الضغوط الأوروبية لمنع تفلت الوضع العسكري بشكل تصعب السيطرة عليه. وقالت إن لبنان يراهن حالياً على التدخل الأميركي لدى تل أبيب لمنعها من الرد على طهران بلا ضوابط، بخلاف الهجوم الإيراني الذي بقي محدوداً ومكّن إسرائيل من استيعابه بمساعدة واشنطن وعدد من الدول الأوروبية التي أسقطت معظم المسيرات والصواريخ وهي في طريقها إلى هدفها.

وأكدت المصادر أن ما يتطلع إليه ميقاتي في اجتماعه بماكرون يكمن في تأمين شبكة أمان أوروبية - أميركية للبنان، تضمن له عدم تطاير شظايا الهجوم الإسرائيلي على إيران لتطال جنوب لبنان، وقالت إن لا مصلحة لـ«حزب الله» بأن يُستدرج إلى توسيع الحرب، وأن هناك ضرورة إلى التجاوب مع النصائح الغربية التي أُسديت له مباشرة أو من خلال الحكومة، خصوصاً وأن الرئيس الأميركي جو بايدن هو من يشرف شخصياً على «هندسة» الرد الإسرائيلي ليأتي محدوداً، أسوة بالهجوم الإيراني الذي أُعلم به بواسطة سفير سويسرا لدى طهران؛ كون بلاده تتولى إدارة الشؤون والمصالح الأميركية في غياب التمثيل الدبلوماسي بين واشنطن وطهران.

ورأت أن لا مصلحة لبايدن في لجوء إسرائيل إلى شنّ هجوم على طهران يمكن أن يؤدي إلى توسعة المواجهة العسكرية في المنطقة، وأن هناك ضرورة إلى ضبطه ليبقى محدوداً وتحت السيطرة، وأن انقطاع التواصل بين الإدارة الأميركية والقيادة الإيرانية لا يعني، مهما كانت الاعتبارات، أنهما على أهبة الدخول في مواجهة عسكرية، طالما أن السفارة السويسرية هي من تتولى التواصل بينهما إلى جانب الدور الذي تتولاه سلطنة عمان.

طهران تحرص على استمرار التواصل مع واشنطن

وقالت المصادر نفسها إن إيران، لا تسقِط من حسابها أن يتمكن بايدن من الضغط على إسرائيل للتعامل معها بالمثل في ردّها على الهجوم الذي استهدفها، أي أن يبقى محدوداً تحت سقف التعادل في تبادلهما للهجوم. وأكدت أن إيران ليست في وارد الانقطاع عن التواصل بالواسطة مع الإدارة الأميركية الحالية، وهي تتعاطى في ملف العلاقات الشائكة بينهما من زاوية قراءتها للمسار العام للتحضيرات للانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

ولم تستبعد مصادر سياسية محسوبة على محور الممانعة وجود رغبة لدى بايدن في الدخول في مهادنة مع إيران، وهذا ما يفسّر، كما تقول لـ«الشرق الأوسط»، جنوحه نحو تدوير الزوايا ودعوته إسرائيل إلى ضرورة الاكتفاء برد محدود يمكنه توظيفه في استرداد تأييده من قبل الجاليات العربية والإسلامية في معركته الرئاسية ضد ترمب.

وبكلام آخر، فإن إيران، كما تقول المصادر السياسية، تواكب تصاعد المنافسة بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والحالي بايدن، ولن تجد حرجاً مع تصاعد المواجهة بينهما في تفضيلها التجديد للأخير لولاية رئاسية ثانية، انطلاقاً من تقويمها بأن علاقتها معه تبقى أقل سوءاً مما هي مع ترمب.

سعي أميركي لتفادي مواجهة شاملة

وفي هذا السياق، تصنّف المصادر نفسها تشدُّد بايدن في الضغط على إسرائيل لمنعها من التفلُّت بلا قيود في ردّها على إيران، في خانة استمالتها لانتزاع تأييدها له ضد منافسه ترمب، لكنها لا تسقِط من حسابها إمكانية قيام إسرائيل باستهداف مواقع لإيران و«حزب الله» في سورية لاختبار رد فعلها؛ استباقاً للرد الذي تعد له في عقر دارها، على ألا تترتب عليه تداعيات تدفع باتجاه تصعيد المواجهة لتشمل المنطقة، وهذا يبقى الشغل الشاغل لدى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في ضغطها على إسرائيل لضبط إيقاع ردها بما يضمن استيعابه.

وعليه، تبقى الأنظار شاخصة إلى لقاء ميقاتي - ماكرون لعله يؤدي إلى تحييد جنوب لبنان عن الرد الإسرائيلي على إيران، رغم أن تصاعد المواجهة في الساعات الأخيرة يأتي في إطار تبادل الرسائل النارية بين «حزب الله» وإسرائيل، المحكومة حتى إشعار آخر بتوازن الرعب، على ألا تخرج عن السيطرة، وهذا ما يُقلق اللبنانيين الذين يواكبون الضغط الأميركي لمنع توسعة الحرب، وهذا ما تنقله المصادر السياسية عن السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون، التي غادرت بيروت أمس لقضاء إجازة قصيرة، على أمل تجاوب الحزب مع ضبط النفس وعدم استدراجه لتوسعة الحرب، وهي تراهن على الدور الذي يضطلع به رئيس المجلس النيابي نبيه بري لدى الحزب الذي كان أوكل إليه التفاوض لتطبيق القرار 1701.


إجراءات متلاحقة لضبط الانفلاش النقدي في لبنان

هل ينجح مصرف لبنان في الحد من اقتصاد الكاش لمكافحة تبييض الأموال؟ (رويترز)
هل ينجح مصرف لبنان في الحد من اقتصاد الكاش لمكافحة تبييض الأموال؟ (رويترز)
TT

إجراءات متلاحقة لضبط الانفلاش النقدي في لبنان

هل ينجح مصرف لبنان في الحد من اقتصاد الكاش لمكافحة تبييض الأموال؟ (رويترز)
هل ينجح مصرف لبنان في الحد من اقتصاد الكاش لمكافحة تبييض الأموال؟ (رويترز)

عزّز البنك المركزي اللبناني إشعاراته الموجهة إلى الهيئات الرقابية الإقليمية والعالمية ووزارة الخزانة الأميركية، بالتزامه مواصلة اتخاذ التدابير الآيلة إلى معالجة أوجه القصور وتطوير آليات مكافحة الجرائم المالية، طبقاً للمعايير الدولية، والتعامل بجدية مع الملاحظات الواردة التي تحدد الثغرات القانونية والإجرائية.

وأكد مصرف لبنان أن الإجراءات المتخذة بدأت تنتج مفاعيل حسيّة باستهدافها تخفيف التعامل النقدي في الأسواق بشكل جيد وتدريجي، وهو يعمل منذ فترة من أجل إعادة تشجيع استعمال وسائل الدفع الإلكترونية، وتخفيف استعمال الدفع النقدي في السوق اللبنانية، وذلك بالتوافق مع المعايير الدولية، ولا سيما تلك المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

إجراءات لتشجيع استعمال بطاقات الدفع

وفي هذا المجال، بادر البنك المركزي، حسب بيان رسمي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إلى إعادة تشجيع استعمال بطاقات الدفع، وذلك بالتنسيق مع المعنيين، ولا سيما شركتي «ماستركرد» (MasterCard) و«فيزا» (VISA) والمصارف والمؤسسات المالية المعنية بإدارة وإصدار البطاقات. ومن بين هذه الإجراءات العمل على تخفيض تكلفة استعمال بطاقات الدفع محلياً، خاصة البطاقات الصادرة خارج لبنان، والمستعملة في السوق اللبنانية. ويتوقع أن يبدأ ظهور نتائج هذه المبادرات قريباً.

ودعا مصرف لبنان المصارف والمؤسسات المالية لاعتماد التسهيلات كافة لتأمين خدمات الدفع الإلكتروني، ولا سيما تلك المتعلقة ببطاقات الدفع، بأقل تكلفة ممكنة، كما يأمل من التجار كافة عدم وضع أي رسوم أو أعباء إضافية على المستهلك عند استعماله بطاقات الدفع، كون ذلك مخالفاً للقانون ويلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني.

إضافة إلى ذلك، يعمل البنك المركزي، بالتعاون والتنسيق مع وزارة المالية، على مشروع اعتماد بطاقات الدفع كوسيلة لتسديد الضرائب والرسوم لدى جميع صناديق وزارة المالية الأساسية المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة، وذلك بعد تركيب أجهزة إلكترونية لنقاط البيع لدى هذه المراكز.

تجدر الإشارة إلى أن مصرف لبنان أصدر منذ عدة أشهر التعميم 165 المتعلق بمقاصة وتسوية الشيكات والتحويلات النقدية بالدولار «الفريش» والليرة اللبنانية. وقد بدأ استعمال التحويلات والشيكات «الفريش» بالارتفاع، وأصبحت الشيكات «الفريش» وسيلة دفع أساسية وآمنة وبديلة عن الدفع النقدي (الكاش).

وفي العام الماضي، عدّل مصرف لبنان التعميم رقم 69 المتعلق بالمدفوعات الإلكترونية، وأعطى تراخيص لعدد من المحافظ الإلكترونية (Mobile Wallets) المستوفية للشروط. وتسمح هذه المحافظ الإلكترونية لمستخدميها بتحويل الأموال في ما بينهم، تجاراً وأفراداً، بشكل فوري وآمن، وفقاً للقوانين والأنظمة ذات الصلة.

التعاون مع القضاء لكشف العمليات المشبوهة

أما في البعد القضائي المتصل بعمليات مالية ومحاسبية مشبوهة، فقد سبق لحاكمية مصرف لبنان أن أرسلت، مباشرة وبواسطة هيئة التحقيق الخاصة، المعلومات والمستندات والحسابات التي من شأنها أن تنير التحقيق الجاري والناتج عن تقرير التدقيق الجنائي لشركة «ألفاريز ومرسال»، وذلك فور طلبها، وتشكل العمليات التي تمت مع الشركة المعنية جزءاً منها، وبدأ القضاء في العمل عليها منذ مدة.

أيضاً، وفي ما يتعلق بالمعلومات عن عمليات قام بها «المركزي» مع إحدى الشركات المالية خلال الفترة ما بين 2015 و2018، أوضح مصرف لبنان أنه عملاً بسياسته المتبعة منذ الأول من أغسطس (آب) من العام الماضي (تاريخ تسلم وسيم منصوري لمهام الحاكمية)، يجري التعاون بشكل وثيق مع الجهات القضائية، وصولاً لإظهار الحقائق كاملة.

كذلك، برز تشديد «المركزي» على ضرورة البدء بتطبيق القانون الصادر منتصف عام 2021، الرامي إلى «إخضاع كل المستفيدين من دعم الحكومة للدولار الأميركي، أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية، للتدقيق الجنائي الخارجي».


تصعيد متزايد في الجنوب... والتجمعات العسكرية محور هجمات «حزب الله»

غارة إسرائيلية تضيء السماء فوق بلدة الخيام في جنوب لبنان ليل الأربعاء  (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية تضيء السماء فوق بلدة الخيام في جنوب لبنان ليل الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

تصعيد متزايد في الجنوب... والتجمعات العسكرية محور هجمات «حزب الله»

غارة إسرائيلية تضيء السماء فوق بلدة الخيام في جنوب لبنان ليل الأربعاء  (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية تضيء السماء فوق بلدة الخيام في جنوب لبنان ليل الأربعاء (أ.ف.ب)

يستمر التصعيد على جبهة الجنوب بين «حزب الله» وإسرائيل مع إعلان الطرفين عن تنفيذ عمليات قتالية، وتركيز الحزب على استهداف تجمعات للجنود الإسرائيليين «بعد رصد دقيق وترقب»، وفق ما أعلن في بياناته.

ويأتي ذلك غداة الهجوم الذي شنّه «حزب الله» على مقر قيادة عسكرية في منطقة عرب العرامشة المتاخمة للحدود اللبنانية يوم الأربعاء، ما أدى إلى إصابة 14 جندياً إسرائيلياً.

وإثر ليلة وصفت بالـ«قاسية» عاشها أبناء قضاء مرجعيون، أعلن «حزب الله» مقتل اثنين من عناصره، هما محمد جميل الشامي من بلدة كفركلا، وعلي أحمد حمادة من بلدة الدوير، بعدما كانت «الوكالة الوطنية للإعلام» أعلنت مقتل شخصين في القصف الذي استهدف بلدة كفركلا، وذلك بعد ثلاثة أيام من تنفيذ «حزب الله» هجمات أقرّ الجانب الإسرائيلي بأنها أوقعت جرحى في صفوفه.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان ليل الأربعاء إن «طائرات حربية لسلاح الجو قامت مساء بمهاجمة بنية تحتية إرهابية كانت تستخدمها القوة الجوية لـ(حزب الله) شمال بعلبك».

والخميس، أعلن «حزب الله» عن تنفيذه عمليات عدة استهدفت بشكل أساسي تجمعات عسكرية للجيش الإسرائيلي، مؤكداً أنه أوقع في بعضهم قتلى وجرحى، وهو ما لم يفصح عنه الجانب الإسرائيلي. وأعلنت «المقاومة الإسلامية» في بيان لها أنها استهدفت قوة لجنود في الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتها سحب الآلية العسكرية التي تم استهدافها الأربعاء في موقع المطلة، كما استهدفوا تجمعين لجنود في موقع المالكية، وفي حرش حانيتا. وقال في بيان آخر إنه «وبعد رصد دقيق وترقب لحركة العدو في موقع المرج، ولدى وصول جنود العدو وآلياته إلى الموقع ظهر الخميس، استهدفهم المجاهدون بالأسلحة الصاروخية، وأصابوهم إصابة مباشرة، وأوقعوهم بين قتيل وجريح».

وسجلت ضربات «حزب الله» في الأيام الأخيرة استخداماً متزايداً للطائرات المسيّرة التي تحمل متفجرات، فيما زادت وتيرة القصف الإسرائيلي في لبنان.

وشن الطيران الإسرائيلي غارة على بلدة بليدا الحدودية، حيث استهدف منزلا، وتوجهت فرق الإسعاف إلى المكان، وفق ما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» مشيرة إلى أن أبناء بلدات قضاء مرجعيون عموماً، وبلدتا الخيام وكفركلا خصوصاً، عاشوا ليلة قاسية جداً، بعد أن استهدفهما الطيران الإسرائيلي بالغارات، والقذائف المدفعية الثقيلة، والفوسفورية. وأشارت إلى أنه تم استهداف بلدة الخيام بـ6 غارات من الطيران الحربي، وبأكثر من 100 قذيفة مدفعية، وفوسفورية من الساعة الثامنة مساءً حتى الساعة الرابعة فجراً.

كما استهدف القصف ساحة بلدة كفركلا بصاروخين من الطيران المسير، وقذائف مدفعية، وفوسفورية، وتمشيط كثيف بالأسلحة الرشاشة الثقيلة باتجاه البلدة من مستعمرة المطلة، فيما لم تفارق المسيّرات الإسرائيلية أجواء القطاع الشرقي.

وذكرت «الوطنية» أن الطيران الإسرائيلي كثف من تحليقه ليلاً وحتى ساعات الصباح الأولى فوق قرى قضاء صور، والساحل البحري، وفوق قرى القطاع الغربي، وأطلق قنابل مضيئة فوق القرى الحدودية المتاخمة للخط الأزرق.

وشهدت فجراً أطراف قرى الضهيرة والبستان وعيتا الشعب إطلاق نار من موقع إسرائيلي في بركة ريشة، ومن المواقع المتاخمة للخط الأزرق في القطاعين الغربي والأوسط.

ويأتي التصعيد على جبهة الجنوب بعد توتر شهدته المنطقة في نهاية الأسبوع، مع إطلاق إيران مئات المسيّرات والصواريخ على إسرائيل، في أول هجوم مباشر تشنّه الجمهوريّة الإسلامية ضد الدولة العبرية، رداً على قصف إسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل (نيسان).


لبنان يتحضّر لدفع ثمن الرد الإسرائيلي على إيران

سيارة مدمرة أمام أحد المراكز في بلدة عرب العرامشة بعد قصفها بالصواريخ والمسيرات من «حزب الله» (رويترز)
سيارة مدمرة أمام أحد المراكز في بلدة عرب العرامشة بعد قصفها بالصواريخ والمسيرات من «حزب الله» (رويترز)
TT

لبنان يتحضّر لدفع ثمن الرد الإسرائيلي على إيران

سيارة مدمرة أمام أحد المراكز في بلدة عرب العرامشة بعد قصفها بالصواريخ والمسيرات من «حزب الله» (رويترز)
سيارة مدمرة أمام أحد المراكز في بلدة عرب العرامشة بعد قصفها بالصواريخ والمسيرات من «حزب الله» (رويترز)

يترقّب اللبنانيون بقلق توقيت الضربة الإسرائيلية لإيران، وانعكاساتها عليهم، ويتقاطع هذا القلق مع تحذير خبراء بأن لبنان «سيدفع ثمناً كبيراً للمواجهة الإيرانية - الإسرائيلية، خصوصاً أن طهران تستخدم (حزب الله) خطَّ دفاع أول عنها».

واستباقاً للرد الإسرائيلي المتوقّع على الهجوم الإيراني الأخير، تشهد جبهة لبنان الجنوبية تصعيداً كبيراً؛ إذ يرى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خليل الحلو، أن «الساحة اللبنانية ستكون جزءاً من الردّ الإسرائيلي على طهران».

ويشير الحلو في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «ردّ إسرائيل سيشمل أهدافاً عدّة في إيران وخارجها، ويُرَجّح أن تقوم بعمل استباقي ضدّ (حزب الله) في لبنان، وتقصف الكثير من مواقعه العسكرية»، لافتاً إلى أن «الولايات المتحدة ما زالت تكبح اندفاعة تل أبيب لتوجيه ضربة موجعة لإيران وحلفائها، لكنّ ذلك لن يستمرّ طويلاً ما دام (رئيس حكومة إسرائيل بنيامين) نتنياهو يريد الحرب بأي ثمن».

وتتقاطع قراءات الخبراء عند حتمية الرد على الضربة الإيرانية، وإن لم تحقق أهدافها، والأخذ في الحسبان تدحرج الأمور إلى مواجهة شاملة سيكون لبنان إحدى ساحاتها.

قهوجي: كلما اشتدت المواجهة دفع لبنان الثمن

ويرى الباحث في الشؤون العسكرية والخبير في شؤون الأمن والتسلّح الدكتور رياض قهوجي، أن «كل تصعيد في المنطقة ينعكس حتماً على لبنان، خصوصاً عندما تكون المواجهة بين إيران وإسرائيل». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن إيران «كانت وما زالت تعتمد على (حزب الله) (بوصفه) خطّ دفاع أوّل عنها، وكلما اشتد غبار المعركة والمواجهة المباشرة بينها وبين إسرائيل دفع لبنان ثمنها».

ويقول قهوجي: «علينا أن ننتظر طبيعة الرّد الإسرائيلي، فالخيارات الإسرائيلية متعددة، لكنّ تل أبيب تأخذ بعين الاعتبار الضغوط الأميركية وتجنّب الانزلاق إلى حرب»، منبهاً إلى أن «الأمور تتطوّر بشكل متسارع، ولا شكّ أن (حزب الله) له دور مهمّ في هذه المعركة، ودوره أكثر أهمية من الدور الإيراني لجهة قدرته على إلحاق الأذى بإسرائيل».

واستباقاً للرد الإسرائيلي غير المعروف زمانه مكانه، تتحضّر الساحة اللبنانية لتكون جزءاً من المواجهة؛ إذ شهدت الساعات الماضية ارتفاعاً في وتيرة العمليات العسكرية التي ينفذها «حزب الله» ضد إسرائيل.

الحلو: على لبنان أن يقلق مما هو آت

الهجوم الإيراني على إسرائيل، رغم ضخامته، خلص إلى نتائج مخيبة؛ إذ لم يحقق أهدافه ولم يلحق ضرراً بالجانب الإسرائيلي، ما قد يفرض مقاربة إيرانية مختلفة. ويشدد الخبير العسكري العميد خليل الحلو، على أن طهران «أظهرت قدراتها القصوى في الضربة التي وجهتها إلى إسرائيل، وأمام غياب التأثير قد تضطر إلى الانصراف إلى تفعيل الصناعة النووية، وتعمد إلى تعزيز قدرات حلفائها الذين يتكفّلون بالردّ نيابة عنها، وأولهم (حزب الله)».

ويضيف الحلو: «لا شك أن الحزب اكتسب خبرة عملانية لتجنّب إسقاط مسيراته وصواريخه، واستطاع في العملية الأخيرة أن يتجنّب المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، وأن يصيب القاعدة العسكرية الإسرائيلية في بلدة عرب العرامشة»، مؤكداً أنه «أمام هذه التطورات، على لبنان أن يقلق مما هو آتٍ، وربما يعجّل ذلك في ضربة إسرائيلية قوية في العمق اللبناني قد تسبق الردّ على طهران».

ويتفق الخبراء على أن تأثير التهديدات الإيرانية لإسرائيل يبقى محدوداً مهما بلغت قوته العسكرية والتسليحية. ويلاحظ الدكتور رياض قهوجي أن «إيران تمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز والطائرات المسيّرة، لكن فاعليتها محدودة بسبب المسافة التي تقارب الـ2000 كلم وتفصل بينها وبين إسرائيل. ومهما كان نوع السلاح الذي تطلقه إيران، فإن إسرائيل قادرة على مواجهته وإسقاطه بشكل ناجح كما فعلت مع حلفائها في الضربة الأخيرة»، مشيراً إلى أن «طهران استخدمت أحدث ما لديها من أسلحة، بخلاف كلّ ما يقال، ولا ننسى أن الحزب لديه جزء من الأسلحة التي يمتلكها الحرس الثوري، خصوصاً الصواريخ الباليستية والمسيرات، ولم يستخدمها باستثناء صاروخ (بركان) الذي يظهر فاعليته من مسافة قصيرة نسبياً».

دور أساسي للحزب في الرد الإيراني

ويرى الدكتور قهوجي أنه «إذا قرر الحزب القيام بهجوم شبيه بهجوم إيران لجهة السرعة والكثافة النارية، فسيلحق الأذى بإسرائيل أكثر بكثير من الضربات الإيرانية، من هنا فإن لـ(حزب الله) دوراً أساسياً، وإسرائيل مدركة لهذا الأمر».

ولا تتوقف تل أبيب عن إرسال إشارات تمهّد لتنفيذ عملية كبيرة في لبنان، لم يتضح حتى الآن حجمها وتوقيتها. ويشدد قهوجي على أن «هناك سيناريوهات عديدة تبقى رهن تطور الأمور». ويتابع: «نحن الآن في فترة تصعيد سيتبعها تصعيد أقوى، قبل أن تبدأ المساعي الدبلوماسية لاحتواء الوضع». وتوقّف عند تسريب خبر عن قيام إسرائيل بمناورة، لصدّ هجوم يتحضّر له «حزب الله»، شبيه بعملية «طوفان الأقصى»، وكيف سيرّد عليها، ويرى أنها «رسالة بالغة الدلالة على أن بقاء (حزب الله) على الحدود الشمالية لن يكون مقبولاً من الجانب الإسرائيلي الذي يسعى إلى إنهائه بأي ثمن».


لاهور الطالباني يحذر من «تفكيك» إقليم كردستان في حال عدم إجراء الانتخابات

لاهور الشيخ جنكي الطالباني (من مكتبه ىالإعلامي)
لاهور الشيخ جنكي الطالباني (من مكتبه ىالإعلامي)
TT

لاهور الطالباني يحذر من «تفكيك» إقليم كردستان في حال عدم إجراء الانتخابات

لاهور الشيخ جنكي الطالباني (من مكتبه ىالإعلامي)
لاهور الشيخ جنكي الطالباني (من مكتبه ىالإعلامي)

حذرّ لاهور الشيخ جنكي الطالباني، الذي كان يقود حزب «الاتحاد الوطني» الكردستاني مناصفة مع ابن عمه، بافل الطالباني، قبل أن يخرجه الانقسام داخل الحزب ويؤسس حزب «جبهة الشعب»، من إمكانية «تفكيك» إقليم كردستان في حال عدم إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المقرر في يونيو (حزيران) المقبل.

وقال لاهور الطالباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «ثمة مخاطر كبيرة محدقة بالإقليم قد تؤدي إلى تقويضه»، مع بقاء حالة الفراغ التشريعي قائمة.

ورأى أن «إقليم كردستان يمر بفترة عصيبة بسبب تعطيل المؤسسات التشريعية».

ويعاني الإقليم فراغاً تشريعياً منذ مايو (أيار) 2023، بعد أن قضت المحكمة الاتحادية بعدم جواز تمديد عمل البرلمان هناك الذي جرى انتخابه للمرة الأخيرة عام 2018.

الزعيم الكردي مسعود بارزاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني)

وأشار لاهور، وهو ابن شقيق الرئيس الراحل جلال الطالباني، إلى «وجود مساعٍ من قِبَل بعض الأطراف السياسية لتأجيل الانتخابات التشريعية في كردستان، وذلك سينعكس على شكل نتائج وخيمة على التجربة الديمقراطية المتواضعة التي يتمتع بها الإقليم».

ويعتقد أن «(الاتحاد الوطني الكردستاني) لن يجرؤَ على المضي قدماً بإجراء الانتخابات التشريعية دون مشاركة الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن إجراء الانتخابات في موعدها المحدَّد أمر لا مفر منه».

وفيما يتعلق بالخيارات التي ستواجه إقليم كردستان في حال عدم إجراء الانتخابات، يرى لاهور أن «الإقليم بحاجة ماسة إلى إجرائها لتجديد الشرعية، مع مرور سنتين على موعدها القانوني والبرلمان معطل. وقد فقد شرعيته، هناك مخاطر تتهدد الكيان الدستوري للإقليم، وليس هناك أي مؤسسة تشريعية تدافع عنه في الظرف الراهن، لكنني لديّ شك كبير في إجراء الانتخابات بموعدها المحدد، بسبب تلويح الحزب الديمقراطي بمقاطعتها، إذا لم تجرِ الانتخابات في ذلك الموعد، فإن ذلك يفتح الأبواب أمام تدخلات في شؤونه الداخلية، وقد يواجه الإقليم خيارات صعبة بينها تفكيك حكومة إقليم كردستان».

أعلام كردية خلال احتفال عسكري بأربيل عاصمة إقليم كردستان (أرشيفية - أ.ف.ب)

وكان «الديمقراطي الكردستاني» أعلن تعليق مشاركته في الانتخابات، منتصف مارس (آذار) الماضي، احتجاجاً على قرارات المحكمة الاتحادية التي ألغت «كوتا» الأقليات هناك، وحكمت بتقسيم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية، بعد أن كان دائرة واحدة، وكذلك أسندت مهمة إدارة الانتخابات إلى مفوضية الانتخابات الاتحادية، وليس إلى مفوضية انتخابات كردستان.

وباستثناء «الحزب الديمقراطي» المعارض لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد قبل إجراء التعديلات اللازمة على قرارات المحكمة الاتحادية، تتمسك معظم الأحزاب الكردية، وضمنها حزب «الاتحاد الوطني»، الغريم التقليدي لـ«الديمقراطي»، على إجرائها في موعدها المحدد.

كان زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، قال، خلال لقائه سفير الاتحاد الأوروبي لدى العراق، توماس سيلر، الأربعاء، إن «(الحزب الديمقراطي) كان منذ ما بعد الانتفاضة عام 1991 هو المبادر للديمقراطية وإجراء الانتخابات والتحول من الشرعية الثورية إلى الشرعية القانونية والدستورية، وهو مستعد دائماً لإجراء الانتخابات في كردستان».

وأكد أن الملاحظات التي يبديها «الديمقراطي» جاءت «نتيجة حرمان المكونات (الكوتا) من الانتخابات وكثرة المشكلات الفنية والتلاعب غير الدستوري بقانون الانتخابات والسعي لصياغة مسبقة لنتائج الانتخابات».

وأشار بارزاني إلى قيام حزبه بتعليق مشاركته في الانتخابات «من أجل الحفاظ على القيم الديمقراطية وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، ويطالب بالإسراع في تجاوز الملاحظات والمواضيع الفنية التي تعيق إجراء انتخابات صحية وإيجاد صيغة مناسبة لمشاركة المكوِّنات وعدم سحق حقوقها».

وفي حين لم يقدم الحزب الديمقراطي أسماء مرشحيه للانتخابات إلى مفوضية الانتخابات حتى الآن، تقول مصادر كردية لـ«الشرق الأوسط»، إن «(الديمقراطي) يجري استعداداته وبطريقة سرية لخوض غمار الانتخابات».

وتشير المصادر إلى «إمكان تحديد موعد جديد للانتخابات لإفساح المجال أمام (الديمقراطي) لتقديم مرشحيه وقوائمه الانتخابية».


الغزّيون عُرضة لاستغلال «أباطرة المال» في ظل نقص السيولة النقدية و«عملة تالفة»

متداولة على مواقع التواصل
متداولة على مواقع التواصل
TT

الغزّيون عُرضة لاستغلال «أباطرة المال» في ظل نقص السيولة النقدية و«عملة تالفة»

متداولة على مواقع التواصل
متداولة على مواقع التواصل

يتعرض الغزيون لاستغلال واضح من «الصيارفة»، أو من يطلق عليهم البعض «أباطرة المال»، الذين يصرون على الحصول على عمولة مالية عالية مقابل عمليات تحويل الأموال التي أصبح كل غزي تقريباً مضطراً إليها في ظل نقص السيولة.

ويعاني وسط وجنوب القطاع توقفاً شبه كامل للبنوك منذ نحو أسبوعين بسبب انعدام السيولة النقدية، في حين أن البنوك توقفت نهائياً في مناطق شمال القطاع منذ منتصف الشهر الثاني للحرب المدمِّرة، مما جعل السكان عُرضة للاستغلال مع مرور الوقت.

وتعمدت قوات الاحتلال استهداف البنوك العاملة في القطاع، حتى تلك التابعة لسلطة النقد الفلسطينية في رام الله، إلى جانب استهداف واضح للصرافات الآلية وتفجيرها، في إطار حرب استهدفت الاقتصاد الفلسطيني.

وقال رمضان الملاحي (41 عاماً)، وهو موظف مدني يعمل مع السلطة الفلسطينية ويقطن مدينة غزة، إنه اضطر في الأشهر القليلة الماضية وحتى قبيل عيد الفطر بأيام، إلى تسلم راتبه عبر الصرافين الذين يملكون السيولة المالية، مقابل عمولة وصلت إلى 20 في المائة. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «استغلال واضح وبشع. لكن ما باليد حيلة».

فلسطينيون يجرّون عربتهم وسط الدمار في خان يونس بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقالت آلاء أبو موسى (27 عاماً) من سكان جباليا شمال القطاع، إنها اضطرت أيضاً إلى دفع عمولة 20 في المائة للصرافين بعدما تلقت حوالة مالية من شقيقها في تركيا، الذي دفع أيضاً عمولة وصلت 5 في المائة في إسطنبول. وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «يريدون أن يقاسمونا لقمة عيشنا... أباطرة مال يسرقوننا في وضح النهار ولا نستطيع فعل شيء».

وتساءلت أبو موسى عن دور الجهات الرقابية: «أين سلطة النقد؟ أين الحكومة؟ أين السلطة؟ أين الشرطة؟ أين الفصائل؟».

مديرو البنوك في غزة رفضوا التعليق على إمكانية إعادة تشغيل البنوك أو على الأقل الصرافات الآلية، كما رفض الصرافون التعليق، فيما تتجاهل الأمر الجهاتُ الرقابية في حكومة «حماس» بغزة والتي تنشط بالحد الأدنى من المهام.

وقال الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر لـ«الشرق الأوسط»، إن أهمية السيولة في أنها تعد عصب العملية التجارية ودونها لا يمكن التجارة والتسوق.

فلسطينيون عند معبر رفح بعد إجلائهم من قطاع غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأرجع أبو قمر الأزمة إلى خروج كميات كبيرة من الأموال للسفر وشراء السلع عبر المعابر دون دخول أي أموال لقطاع غزة.

ورأى أن سلوك سلطة النقد وبعض البنوك، قد يحوّلهم إلى مشاركين في أزمة السيولة، مشيراً إلى أن سلطة النقد لم تتخذ أياً من التدابير التي تحدّ من الأزمة، كتوفير سيولة من البنوك وفتح فروع أكبر لصرف الأموال وضمان عدم تكدس المواطنين وعملاء البنوك أمام الصرافات. كما لم تنجح بإدخال أي مبالغ لأسواق قطاع غزة رغم أن بروتوكول باريس الاقتصادي الموقّع عام 1994 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل يضمن ذلك.

كما أن سلطة النقد لم تتخذ أي خطوات تدابير لتجميد حسابات أشخاص يعملون في السوق السوداء ويتحكمون في السيولة.

ورأى أبو قمر أن الحكومة في غزة تتحمل كذلك مسؤولية كبيرة. وقال إن على الحكومة أن يكون لها دور فاعل في تخفيف أزمة السيولة. مشدداً على أنه «يمكنها ذلك من خلال تقليل الأموال التي تخرج من قطاع غزة عبر تقييد الاستيراد للسلع التي يمكن للمواطنين الاستغناء عنها، وتتبع الأشخاص الذين يحتكرون السيولة ويرفعون نسبة العمولة حتى وصلت إلى 20 في المائة، ومعاقبتهم».

وطالب أبو قمر بسرعة التدخل، لأن السكان بدأوا يعانون مشكلة أخرى مرتبطة بنقص السيولة، وهي «العملة التالفة» التي تملأ الأسواق، وقال: «على سلطة النقد وبالتعاون مع البنوك سرعة جمع هذه العملة واستبدال عملة جديدة بها، لأنها تفاقم الأزمة وتخلق متاعب للبائعين والمتسوقين على حد سواء».

وبدأت الأزمة في وقت مبكر في شمال القطاع، وامتدت في الأسبوعين الأخيرين على الأقل، إلى مناطق وسط وجنوب القطاع، خصوصاً رفح التي يتكدس فيها مليون ونصف المليون نازح.

وقال أيمن حمدونة، في رفح، إنه توجه إلى البنك عدة مرات لسحب مبلغ مالي من حسابه، إلا أنه لم يتمكن من ذلك.

وأضاف: «البنك أبلغنا جميعاً أنه لم تعد تتوفر لديه أي سيولة مالية، وهذا خلق وضعاً صعباً».

واضطر حمدونة، مثل الآلاف من سكان رفح والنازحين فيها، إلى تسلم أموالهم عبر صرافين يستخدمون نظام تطبيق بنكي لتحويل الأموال من حسابات الناس إلى حساباتهم، ثم يسلمونهم قيمة المبالغ التي يتم سحبها مقابل عمولة مالية تراوحت ما بين 15 و20 في المائة.

ولم يتمكن الآلاف من الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية من سحب رواتبهم، في الشهرين الأخيرين على الأقل. ويتهم الشاب حمدونة الكثير من التجار ورجال الأعمال بالتعاون مع أشخاص يعملون داخل البنوك وغيرها لتسهيل سحبهم مبالغ كبيرة، لاستخدامها في استغلال الناس، وهو أمر لم يتسنى التأكد من صحته بشكل مستقل.

لوغو سلطة النقد الفلسطينية

كانت سلطة النقد الفلسطينية في رام الله، قد أكدت، الشهر الماضي، أن عدداً من فروع المصارف ومقراتها تعرضت للتدمير، وتعذر فتح ما تبقى من فروع للقيام بعمليات السحب والإيداع في القطاع كافة، بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني.

وبيَّنت سلطة النقد، أن ذلك تسبب في أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي الغزيين وفي الأسواق، وتفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة.

ولفتت إلى أنها تتابع شكاوى السكان عن عمليات ابتزاز يمارسها أشخاص وتجار وبعض أصحاب محلات الصرافة غير المرخصة باستخدام أجهزة الخصم المباشر في نقاط البيع، أو التحويلات المالية على التطبيقات البنكية.

عاجل فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة