أسئلة كثيرة تثيرها الرواية الإسرائيلية الرسمية عن عملية تسلل شاب لبناني وقيامه بتفجير عبوة ناسفة نوعية في مجدو، ليس فقط في لبنان والعالم العربي والعالم أجمع، بل أيضاً في إسرائيل.
وعندما انتقل وزير الدفاع، يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، وقادة الجيش الآخرون، إلى الحدود مع لبنان لإسماع تهديدات بالرد على العملية، تساءل الخبراء العسكريون جهارةً: «على مَن ستردّ؟ فحتى الآن لا نعرف، ولن يكون سهلاً أن نعرف، مَن يقف وراء عملية كهذه». وكان هناك من تساءل: «لماذا لم يحرصوا على إبقاء منفّذ العملية حياً؛ فهو وحده كان سيوفر الإجابات؟».
في البداية قالوا في إسرائيل إن الشاب لبناني، عبر الحدود وسار 70 كيلومتراً في عمق الأراضي الإسرائيلية، ووصل إلى مكان مفتوح قرب سجن مجدو وفجر العبوة وعاد أدراجه. وإنهم عثروا عليه وهو على بُعد 20 كيلومتراً من الحدود اللبنانية. لكنّ هذه الرواية تستدعي قراراً بضرب «حزب الله». فمَن اللبناني الذي يستطيع الوصول إلى الحدود من دون معرفته وموافقته؟
ولكن هل إسرائيل معنية بحرب ثالثة على لبنان الآن؟ فإذا كان «حزب الله» هو الذي أرسل الشاب، فإن ذلك يعني أن «حزب الله»، معنيٌّ بالحرب، لأنه يتوقع بالتأكيد رداً إسرائيلياً قاسياً. وإذا كان «حزب الله»، ومن ورائه إيران، معنيٌّ بحرب، فهل يجب على إسرائيل أن تنجرّ لها وفقاً لأجندته؟
ثم هل الجيش الإسرائيلي الآن في وضع يتحمس فيه للحرب؟ في الظروف السياسية المتأزمة ينبغي حساب ألف حساب قبل حرب كهذه. فالجمهور الإسرائيلي يتظاهر في الشوارع ضد خطة حكومية تستهدف إحداث انقلاب في كل منظومة الحكم في إسرائيل، تشمل القضاء وتقليص صلاحيات الجيش في الضفة الغربية، وفرض سياسة ترهيب على الشرطة وضرب وسائل الإعلام ومعاهد الأبحاث والمؤسسة الأكاديمية ومؤسسة المستشار القضائي للحكومة وللوزارات. وواضح أن الدخول في حرب سيكون بمثابة خشبة نجاة لنتنياهو وحكومته.
هناك أسئلة كثيرة بقيت مفتوحة مرتبطة بتفاصيل العملية: لمَ لا يعرف الجيش حتى الآن من أين عبر الشاب الحدود بالضبط؟ وكيف تمكَّن الشاب أن يعبر الحدود بهذه السهولة وهي مليئة بالكاميرات وبأجهزة الاستشعار الإلكترونية، وعلى طولها يوجد صفان من السياج وشارع ترابي يكرس آثار أقدام كل غريب يمر فيه. ثم كيف استقل سيارة؟ هل كان ينتظره أحد؟ ولماذا سافر كل هذه الطريق إلى مجدو على بُعد 70 كيلومتراً، في حين كانت أمامه فرصة لتنفيذ عملية في موقع آخر أقرب وأكبر تأثيراً؟
وإذا كان قد وصل إلى سجن مجدو للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين، فلقد كان هناك في الطريق سجن أقرب إليه، هو سجن سلمون. وعندما اختار هذا المكان، هل كانت صدفة أن تفجير العبوة تم في منطقة مفتوحة وغير مأهولة؟ وهل هي مسألة حظ أن يكون الضحية الذي أُصيب في العملية، شاب عربي، طالب جامعي يعمل ليلاً حتى يموّل تعليمه؟
كل هذه الأسئلة تجعل الرواية الإسرائيلية «منقوصة وربما مشبوهة». وتضع الجيش الإسرائيلي في صورة بعيدة عن الصورة التي يرغب في أن يظهر بها أمام الرأي العام، كتاسع أقوى الجيوش في العالم.
المشكلة هي، كيف سيحاول الآن تحسين صورته؟ باقتحام مخيم اللاجئين في جنين وقتل أربعة شبان فلسطينيين؟ بالتهديد والوعيد بالانتقام في عملية اغتيال داخل لبنان أو في مكان آخر؟ أم أنه ما دامت هذه العملية لم تؤدِّ إلى مقتل أي إسرائيلي والمصاب فيها عربي، يمكن السكوت عنها والعودة للانشغال في حرب الليزر والمجاري؟ ففي الأيام الأخيرة يتحدثون في إسرائيل عن أن عناصر من «حزب الله» يُزعجون المواطنين اليهود في البلدات الحدودية، من خلال توجيه أشعة ليزر قوية باتجاه المنازل ومواقع الجيش وسائقي السيارات والمارة الذين يسيرون في الخارج. وحسب القناة 12 العبرية، فإن المواطنين اشتكوا أيضاً من انفجارات مدوية وإلقاء مياه عادمة بالقرب من الحدود. وأن المجلس المحلي بحث الأمر مع الجيش، والجيش أثاره مع وحدات المراقبة التابعة للأمم المتحدة التي تقوم بدوريات في المنطقة، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء.
وفي النهاية، قرر الجيش التعامل مع هذه القضية من تلقاء نفسه وبدأ بإلقاء قنابل كريهة الرائحة على مشغلّي الليزر. وفي مقطع فيديو بُث على شبكات التواصل، يمكن رؤية شخصين إلى جوار سيارة يبدو أنهما يوجّهان شعاع ليزر من لبنان إلى شمال إسرائيل، وبعد لحظات يسقط جسم من السماء ليهبط بالقرب منهما، ويدخل بعدها الشخصان السيارة على الفور ويبتعدان!
هل ستُشعل عملية التسلل «حرب لبنان» ثالثة؟
في إسرائيل غير مقتنعين بالرواية «المنقوصة» للجيش
هل ستُشعل عملية التسلل «حرب لبنان» ثالثة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة