تيسا فونتانيدا... مصممة ألمانية انطلقت من مدريد وعيونها على العالم

المصممة تيسا فونتانيدا
المصممة تيسا فونتانيدا
TT

تيسا فونتانيدا... مصممة ألمانية انطلقت من مدريد وعيونها على العالم

المصممة تيسا فونتانيدا
المصممة تيسا فونتانيدا

في حال صادفتك امرأة أنيقة في إحدى العواصم الأوروبية وهي تحمل حقيبة من الجلد الناعم مطبوع بما يشبه الفقاعات، وتساءلت عمن يكون وراءها، فاعلمي أنها بتوقيع تيسا فونتانيدا. مصممة ألمانية المولد عالمية الهوى. وُلدت علامتها في مدريد، وسافرت إلى كل أنحاء العالم على يد نساء متذوقات لكل ما هو فريد ومميز، من مثيلات الملكة رانيا العبد الله. منذ البداية كانت تيسا تُدرك أن المنافسة شرسة في سوق احتكرته كبريات بيوت الأزياء، مثل «هيرميس» و«شانيل» و«لويس فويتون» وغيرها. فالمرأة تعودت عليها وتتوق لاقتنائها بأي ثمن، لما تعكسه من مكانة اجتماعية واستعراض لقدرتها الشرائية إلى جانب تصاميمها طبعاً. لهذا كان لا بد أن تقدم منتجاً مختلفاً تدخل به سوق المنافسة. وكانت النتيجة إكسسوارات بتصاميم كلاسيكية اعتمدت فيها على خامة مترفة، هي جلد النابا الناعم، أخضعته لتقنية تجعله مكسُواً بما يشبه الفقاعات الصغيرة، أصبحت ماركتها المسجلة. تشرح: «إنها تقنية طويلة ومعقدة تعتمد على البخار وتعطي للجلد شكلاً مميزاً عما هو موجود في السوق».

حقيبة «بينك بانش» باللون المرجاني (خاص)

في لقاء مع «الشرق الأوسط»، تتذكر تيسا فونتانيدا البدايات قائلة: «لقد وقعت في حب الموضة عموماً، والإكسسوارات خصوصاً، وأنا في سن المراهقة. كنت أجلس في ردهة فندق 5 نجوم بجنوب إيطاليا، عندما أثار انتباهي منظر مجموعة من النساء المقيمات فيه. كانت كل واحدة منهن تستعرض أسلوبها الخاص بثقة وجرأة، سواء تعلق الأمر بالأزياء أو حقائب اليد أو القلادات. كان المشهد بالنسبة لي بمثابة عرض أزياء على أرض الواقع، كل واحدة منهن تُعبِر فيه عن شخصيتها واختلافها».

حقيبة بلون مستوحى من القمح

مرت السنوات، وحصلت تيسا على شهادة الدكتوراه في الأدب والفلسفة من جامعة تورين الإيطالية، لكن صورة ذلك المشهد لم تفارقها. كان هناك شيء بداخلها يشدُها إلى الموضة. بعد تردد لم يدم طويلاً، استجمعت شجاعتها وتوجهت إلى باريس لتدخل هذا العالم وتُجرِب حظها فيه. كانت أول تجربة لها مع شركة سواروفسكي، انتقلت بعدها إلى مدريد بعد أن تلقت عرضاً مُغرياً للعمل مع دار «لويفي» الإسبانية. كانت هذ الفترة مهمة في مسيرتها، إذ تعرفت فيها على جلد النابا وتعلمت طُرق تطويعه على يد حرفيين توارثوا فنونه وتقنياته أباً عن جد. فـ«لويفي» بنت سُمعتها ورسخت مكانتها عالمياً بإتقانها التعامل مع هذا النوع من الجلد تحديداً. تقول تيسا: «أدين لحرفيّي الدار بكل الخبرة التي اكتسبتها. كان شغفهم وتفانيهم مُعدياً بشكل كبير».

حقيبة «لونا رافيا هاواي» مناسبة للسفر أو للبحر

بعد أن استحوذت مجموعة «إل في إم آش» على الشركة، عرض عليها رئيسها التنفيذي آنذاك، إيف كارسيل، أن ترأس قسم الإنتاج تحت إشراف المصمم نارسيسو رودريغيز، لكن التجربة لم تدم طويلاً، حيث استيقظت بداخلها مرة أخرى المرأة العاشقة للتغيير والرافضة للتقيد بمكان واحد وبإملاءات الغير. تُوقها للاستقلالية حفزها على إطلاق علامتها الخاصة في عام 2010. كانت الانطلاقة من مدريد، ومع الوقت أصبحت لها فروع في كثير من العواصم الأوروبية. تشير إلى أن فكرتها تركزت منذ البداية على جلد النابا «لنعومته وخفته أولاً، وسهولة تطويعه في أشكال مبتكرة ثانياً». وتتابع: «ثم إني أخذت بعين الاعتبار أنه لا يتعارض مع مفهوم الاستدامة من ناحية أنه مترف، الأمر الذي يزيد من قيمة الحقيبة فتبقى مع المرأة طويلاً». وتتابع: «هنا لا بد أن أنوه أن استعمالنا للجلد الطبيعي لا يتعارض مع مفهوم الاستدامة، بل العكس. فهذه الحيوانات تُذبح أساساً للاستفادة من لحومها، وليس جلودها. دورنا يأتي فيما بعد للاستفادة من جلودها عوض تركها للحرق وغيره من الوسائل التي تُستعمل للتخلص منها».

حقيبة ميكونوس باللونين الأزرق والأخضر الليموني (خاص)

رغم حُبها للترف واعتمادها على الجلد الطبيعي، تكرر أن الاستدامة عنصر لا يمكنها أن تتجاهله، لكن مفهومها واسع، يشمل عدة جوانب. «فأنا لا أعتقد أن صناعة الترف يمكن أن تستغني عن استعمال الجلد الطبيعي تماماً. على الأقل ليس في الوقت الحالي، لكن بإمكاننا التقليل من الأضرار المترتبة عن بعض السلوكيات التي ارتبطت بها طويلاً. أحرص مثلاً أن أتعامل مع شركة متخصصة في دباغة وتلوين هذه الجلود، لا تستعمل أي نوع من الكيماويات المضرة. نرفض كذلك استعمال البلاستيك بأي شكل من الأشكال». تضيف ضاحكة: «أما كوننا نطرحها بتصاميم كلاسيكية لا تعترف بزمن، فذلك بحد ذاته تطبيق لمفهوم الاستدامة، لأن المرأة لن تشعر بالحاجة إلى استعمال غيرها بعد موسم أو اثنين فقط». من هذا المنظور، تُقدم تيسا مجموعتين فقط في السنة بألوان وأشكال جديدة. دائماً بأعداد قليلة جداً، تحرص أن تكون بمثابة إضافات تنضم إلى التصاميم التي قدّمتها في المواسم السابقة، «فأنا لا أؤمن بحرق أي فائض على أساس أنه من موسم مضى، وأكتفي بإضافة عدد قليل ومتميز في كل موسم احتراماً للزبونة والبيئة على حد سواء».


مقالات ذات صلة

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

لمسات الموضة من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

في ظل التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوُّق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً ومشوقاً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أساور من مجموعة «إيسانسييلي بولاري» مزيَّن بتعويذات (أتولييه في إم)

«أتولييه في إم» تحتفل بسنواتها الـ25 بعنوان مستقل

«أتولييه في إم» Atelier VM واحدة من علامات المجوهرات التي تأسست من أجل تلبية جوانب شخصية ونفسية وفنية في الوقت ذاته.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
TT

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

إذا اتفقنا على أن مجلس الموضة البريطاني هو الربان الذي يقود دفة هذا القطاع بتقديم وسائل الدعم والأمان لصناعها والمبدعين فيها، فإن تعيين لورا وير رئيساً له، ذو أهمية قصوى. ربما الآن قبل أي وقت مضى. فهذا القطاع يعاني منذ عدة مواسم. محلات كبيرة أغلقت أبوابها واكتفت بتوفير منتجاتها عبر التسوق الإلكتروني، ومصممون شباب اختفوا من الساحة، أو على الأصح من الواجهة بسبب شح الموارد والإمكانات وغيرها من المشكلات التي لا تزال تبحث عن حلول.

شح الموارد والتغيرات الخارجية

حتى دار «بيربري» التي كانت أكبر قوة جذب لأسبوع لندن تعرضت لمشكلات كثيرة (بيربري)

لهذه الأسباب، كان من البدهي أن يفقد أسبوع لندن وهجه، إلى حد أنه بات يمر مرور الكرام من دون تهليل أو حماس في الآونة الأخيرة. المقياس هنا لا يقتصر على تراجع حجم التغطيات الإعلامية فحسب، بل أيضاً على عدد الحضور العالمي، الذي تقلص بشكل ملحوظ، بسبب الحجر أيام جائحة كورونا ومنع السفر بدايةً، ثم بسبب خفض الميزانيات المخصصة لمجلات الموضة، التي لم تسلم هي الأخرى من تبعات الأزمة الاقتصادية.

في ظل هذا التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً للحماس والفضول. فالمطلوب منها هو تحريك المياه الراكدة وقيادة الدفة بالاتجاه الذي تحتاج إليه الموضة البريطانية لتتجاوز العاصفة إلى بر الأمان.

مَن لورا وير؟

لورا وير الرئيس الجديد لمجلس الموضة البريطانية (مجلس الموضة)

السؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض :هو كيف وصلت وير إلى هذا المنصب المؤثر؟ وما سيرتها الذاتية؟ والجواب أنها حتى عهد قريب عملت في محلات «سيلفردجز» اللندنية رئيساً في قسم الإبداع والتواصل. قبل ذلك ولعقدين من الزمن، عملت محررة أزياء متخصصة في عدة مجلات، نذكر منها «درايبرز» و«فوغ» النسخة البريطانية، وصحيفة «ذي صانداي تايمز». في عام 2015، عُيِنت رئيسة تحرير للملحق الأسبوعي ES لجريدة «إيفنينغ ستاندرد» الذي أعادت تصميمه بالكامل. بعد أن تركت المجلة ES أنشأت وكالة استراتيجية متخصصة في الاتصالات والتوجيه الإبداعي، وفي عام 2023، انضمت إلى محلات «سيلفردجز» للإشراف على فريق الإبداع والتسويق والاتصالات. هذا فضلاً عن مناصب أخرى شغلتها وكانت لها ذات الأهمية. كانت مثلاً عضواً في مجلس الموضة البريطاني قبل أن تكون رئيساً له. كما كانت مستشارة للأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون (بافتا).

هذه المناصب وغيرها فتحت أمامها أبواب التعامل المباشر مع صناع الموضة الكبار والصغار وأيضاً مع المواهب الصاعدة من شتى الفنون. تعرفت على طموحاتهم ومشكلاتهم. على خبايا الأمور وظاهرها. وهذا ما يجعلها خير خلف لكارولاين راش التي تبوأت هذه الوظيفة لـ16 عاماً، وأعلنت مغادرتها له في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

التحديات

كادت «روكساندا» تُعلن إفلاسها لولا تدخل مستثمرين (روكساندا)

رغم أهمية المنصب الذي ستبدأه بشكل فعلي في شهر أبريل (نيسام) المقبل، فإن التوقيت شائك ويحتاج إلى دراية عالية ونَفَس طويل. فصناعة الموضة البريطانية تعاني من تباطؤ وركود منذ سنوات، وأسبوعها الذي يعد الأوكسجين الذي يتنفس منه مبدعوها ويطلون من خلاله على العالم أصابه الوهن بشكل لم يشهده منذ انطلاقه في عام 1984. صحيح أنه مرَّ بعدة أزمات في السابق، لكنها كانت ماليّة في الغالب، إذ كان يشكو من شح التمويل والإمكانات، فيما هي الآن نفسية أيضاً بسبب التراكمات الاقتصادية والسياسية وما نتج عنها من ضغوط وقلق.

من تشكيلة إيرديم الأخيرة (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسبوع لندن لا يزال يتمتع بروح الابتكار، وأنه لا يزال أكثر واحد من بين العواصم العالمية الأخرى، نيويورك وميلانو وباريس، احتضاناً للآخر. يفتح الأبواب على مصراعيها لكل الجنسيات، ويمنح فرصاً لكل من توسّم فيه الإبداع، إلا أنه يتعثَّر منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فنسبة عالية من العاملين في صناعة الموضة من جنسيات مختلفة. كأن هذا لا يكفي، جاءت جائحة كورونا ثم حرب أوكرانيا وغيرها من الأحداث التي كان لها أثر مباشر على كثير من المصممين وبيوت الأزياء. روكساندا إلينشيك، مثلاً، وهي مصممة صربية الأصل ومن أهم المشاركين في أسبوع لندن، كادت تتعرض للإفلاس العام الماضي، لولا تدخل أحد المستثمرين. وإذا كانت «روكساندا» محظوظة في هذا الجانب، فإن غيرها تواروا عن الأنظار بصمتٍ لأنه لا أحد أمدَّهم بطوق نجاة.

دار «بيربري» لم تنجُ من تبعات الأزمة الاقتصادية وتغيرات السوق (بيربري)

بل حتى دار «بيربري» التي كانت تتمتع بأكبر قوة إعلانية في بريطانيا، الأمر الذي يجعلها عنصر جذب مهماً لوسائل إعلام وشخصيات عالمية تحرص على حضور الأسبوع من أجلها، تشهد تراجعاً كبيراً في المبيعات والإيرادات. بدأت مؤخراً تراجع استراتيجياتها وتُعيد النظر في حساباتها.

استثمار في المواهب

ومع ذلك فإن قوة الموضة البريطانية تكمن في شبابها. هم الورقة الرابحة التي تُعوِّل عليها للإبقاء على شعلة الإبداع من جهة، وعلى سمعة أسبوعها العالمي منبعاً للابتكار وتفريخ المصممين من جهة ثانية. قد يجنحون إلى الغرابة أو حتى إلى الجنون أحياناً لكنه جنون يغذّي الخيال ويحرِّك الأفكار الراكدة، وهذا ما تعرفه لورا جيداً بحكم تعاملها الطويل معهم.

من عرض «روكساندا» لربيع وصيف 2025 (روكساندا)

والدليل أن لورا لا تقبل التحدي فحسب، بل تعده مثيراً. في بيان صحفي وزَّعه مجلس الموضة البريطاني قالت: «يشرفني أن أقود الفصل الجديد في وقت مثير ومحوري لصناعة الأزياء البريطانية... إني أتطلع إلى العمل مع فريق المجلس لدعم الثقافة والإبداع، وتحفيز نمو الأزياء البريطانية، محلياً وعالمياً، وكذلك دعم المصممين الناشئين والمخضرمين على حد سواء».

ما مهمات الرئيس؟

رغم موهبة «روكساندا» وبراعتها الفنية تعثّرت مؤخراً وتدخُّل مستثمرين أعاد لها قوتها (روكساندا)

ما خفيَ من مسؤوليات منصب رئيس مجلس الموضة البريطانية أكبر من مجرد دعم الشباب وتحريك السوق. من بين ما على لورا وير فعله، عقد شراكات مجدية مع صناع الموضة، من رجال أعمال وأصحاب مصانع وحرفيين من شتى المجالات، إلى جانب التواصل مع جهات حكومية. فقطاع الموضة من أهم القطاعات الصناعية في بريطانيا، ويعد الثاني بعد صناعة السيارات، وهو ما يجعله من أعمدة الاقتصاد الأساسية.

في دورها الجديد أيضاً، ستشرف لورا على المعاهد الدراسية والأكاديميات المتخصصة، بتوفير منح للمتفوقين أو من ليست لديهم الإمكانات لدفع رسوم الدراسات العليا من خلال برامج عدة جرى إنشاؤها منذ سنوات، وكل ما عليها الآن هو إمدادها بطاقة جديدة تُعيد لها حيويتها وديناميكيتها.