بعد 3 أشهر على وصول أول امرأة إلى رئاسة الحكومة في تاريخ إيطاليا، قرر اليسار الإيطالي يوم الأحد الماضي، وللمرة الأولى في تاريخه، تسليم امرأة أخرى قيادة «الحزب الديمقراطي»، الذي تأسس عام 2007 على أنقاض «الحزب الشيوعي»، الذي كان أكبر الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية، والذي أصبح منذ 3 عقود، أثراً بعد عين في المشهد السياسي الإيطالي.
وكان انتخاب الأمينة العام الجديدة، إيلي شلاين البالغة من العمر 37 عاماً، مفاجأة كبيرة، حيث كانت جميع الاستطلاعات ترجّح فوز منافسها المخضرم ستيفانو بوناتشيني، الذي كانت، حتى أواخر العام الماضي، نائبته في رئاسة إقليم إيميليا رومانيا، أحد معاقل اليسار الإيطالي الذي يجهد منذ سنوات لاستعادة الموقع الريادي الذي خسره في عام 2017، إثر استقالة أمينه العام والرئيس الأسبق للحكومة ماتّيو رنزي وخروجه لاحقاً من الحزب لتأسيس تشكيلة سياسية جديدة فشلت حتى الآن في إيجاد موقع لها بين الصفوف الأمامية.
ونالت إيلي شلاين 54 في المائة من الأصوات، مقابل 46 في المائة لمنافسها، بعد أن حصلت على ضعف أصواته في المدن الكبرى؛ مثل روما وميلانو ونابولي، وفي معظم مناطق الشمال. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتخابات الأولية التي يجريها الحزب الديمقراطي، منذ تأسيسه، لانتخاب أمينه العام، لا تقتصر على المنتسبين للحزب، بل هي مفتوحة أمام جميع المواطنين مقابل رسم رمزي وتعهد بتأييد مرشحي الحزب في الانتخابات التالية.
ويعد فوز شلاين اتجاهاً بـ«الحزب الديمقراطي» نحو اليسار، وعودة إلى جذوره التأسيسية بعد سنوات من الانحراف إلى اعتدال المواقف الاجتماعية الديمقراطية، الأمر الذي تسبب في انشقاق بعض تياراته لتأسيس أحزاب صغيرة على يساره أفقدته كثيراً من حضوره في البرلمان.
ويعوّل كثيرون اليوم على شلاين لإعادة توحيد هذه التيارات تحت راية الحزب الذي تعاقب 9 أمناء عامين على زعامته في السنوات الـ15 الماضية. ولدى إعلان النتائج، صرّح آكيلي أوكيتّو، آخر أمين عام للحزب الشيوعي الإيطالي: «وأخيراً هبّت نسائم جديدة على الحزب الديمقراطي. إنها ساعة الدمج بين الطوباوية والبراغماتية».
وفي أول تصريحات لها بعد فوزها، قالت شلاين: «معاً صنعنا هذه الثورة، وأظهرنا للجميع أن الحزب الديمقراطي ما زال على قيد الحياة وجاهزاً لكي يستعيد دوره الريادي». ثم أضافت: «سنكون حزب الحقوق، ومشكلة لحكومة ميلوني».
وبعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، سارع منافسها ستيفانو بوناتشيني إلى تهنئتها، واضعاً نفسه في تصرفها، وداعياً إلى الالتفاف حولها. وقال: «أظهرت أنها أكفأ مني في إيصال رسالتها إلى الناخبين، وتستحق كل الدعم لمواجهة المسؤوليات الكبيرة التي تنتظرها».
أولى هذه المسؤوليات، وربما الامتحان الأصعب أمامها؛ التحالفات مع الأحزاب اليسارية والقوى التقدمية والوسطية التي فشل الحزب في نسجها قبل الانتخابات الأخيرة التي مني فيها بهزيمة قاسية بعد أن قرر خوضها منفرداً، ومدركاً أن قراره كان بمثابة انتحار سياسي في ظل قانون انتخابي يكافئ التحالفات الكبيرة، مثل التحالف اليميني، هو الذي وضعه عندما كان في الحكومة.
تجدر الإشارة إلى أن «الحزب الديمقراطي» لم ينتصر أبداً في الانتخابات العامة منذ تأسيسه، لكنه أظهر دائماً قدرة فائقة على التوصل إلى اتفاقات وإقامة تحالفات برلمانية سمحت له بالمشاركة في جميع الحكومات التي تشكّلت حتى أواخر العام الماضي، لا بل نجح في تولي رئاسة اثنتين منها.
وتنقسم آراء المراقبين حول مصير الحزب مع زعيمته الجديدة، بين الذين يعتبرون أن انتخابها أشبه بقفزة في الفراغ، خصوصاً إذا انسدّت أمامها آفاق التحالفات لخوض الانتخابات المقبلة، والذين يرون في فوزها استعادة للروح اليسارية التي تخلّى عنها الحزب، وكانت السبب الرئيسي في هزائمه والانشقاقات التي تعرّض لها في السنوات الأخيرة.
ولدت إيلي شلاين في مدينة لوغانو، عاصمة الكانتون السويسري الناطق بالإيطالية، من أم إيطالية وأب أميركي يدرّسان في الجامعة ويتحدّر كلاهما من أصول يهودية.
في الثامنة عشرة من عمرها، انتقلت من لوغانو إلى بولونيا، حيث تخرجت من جامعتها العريقة مجازة في الحقوق قبل أن تتوجه إلى الولايات المتحدة، لتعمل متطوعة في حملات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. وفي عام 2012، عادت إلى إيطاليا، حيث تنقلت بين تنظيمات يسارية عديدة أسسها منشقّون عن الحزب الديمقراطي، ثم انتخبت عضواً في البرلمان الأوروبي في عام 2014، حيث برزت بين زملائها بانتقاداتها الشديدة للأحزاب اليمينية المتطرفة، وبخاصة حزب الرابطة وزعيمه ماتيو سالفيني. وكانت قد استعادت بطاقة انتمائها إلى «الحزب الديمقراطي» مطلع العام الحالي، أي قبل أقل من شهرين على الانتخابات التي حملتها إلى زعامة الحزب، الذي قالت إن «ساعة تغييره قد أزفت، وليس من حقنا أن نخون الثقة التي أعطانا إياها الناخبون لتغييره».
إيطاليا تسلّم قيادتها للنساء
زعيمة جديدة لـ«الحزب الديمقراطي» اليساري من والدين يهوديين
إيطاليا تسلّم قيادتها للنساء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة