وجبات مجانية وعروض ترفيهية... مبادرات في حلب تزرع الأمل بعد الزلزال

متطوعو جمعية ساعد الخيرية وهم يجهزون وجبات لمتضرري الزلزال (حساب الجمعية - فيسبوك)
متطوعو جمعية ساعد الخيرية وهم يجهزون وجبات لمتضرري الزلزال (حساب الجمعية - فيسبوك)
TT

وجبات مجانية وعروض ترفيهية... مبادرات في حلب تزرع الأمل بعد الزلزال

متطوعو جمعية ساعد الخيرية وهم يجهزون وجبات لمتضرري الزلزال (حساب الجمعية - فيسبوك)
متطوعو جمعية ساعد الخيرية وهم يجهزون وجبات لمتضرري الزلزال (حساب الجمعية - فيسبوك)

على وقع قرقعة الأواني المنزلية ورائحة الأرز المطهو مع الدجاج، يتناوب عشرات المتطوعين في مدينة حلب في شمال سوريا على توضيب وجبات طعام ساخنة، بهدف توزيعها على عائلات شردها الزلزال المدمر أو صدع منازلها.
كخلية نحل لا تهدأ، يتقاسم متطوعو جمعية ساعد الخيرية المهام داخل قبو تابع لحديقة عامة في المدينة، في مبادرة من سلسلة مبادرات تطوعية تشهدها حلب ومدن سورية أخرى ضربها الزلزال، ومركزه في تركيا، في السادس من الشهر الحالي، متسبباً بمقتل نحو 46 ألف شخص في البلدين.
محاطين بأكياس من الخضار وصوانٍ من الأرز، يعمل نحو مائة متطوع من مختلف الأعمار بالتناوب داخل المطبخ الجماعي لإعداد وجبات على مدار الساعة، استفاد منها حتى الآن نحو 70 ألف شخص في المدينة.
يقول مؤسس المبادرة عصام حبال لوكالة الصحافة الفرنسية: «نوزع وجباتنا في الغالب على مراكز الإيواء (...) إضافة لفرق جوالة توزع الطعام على الناس المشردة في الحدائق والشوارع».
ويُضيف الرجل الذي تنشط جمعيته، ومقرها في دمشق، في إطعام المحتاجين، خصوصاً خلال شهر رمضان: «كانت الاستجابة هذه المرة مختلفة»، لأنها «طارئة ومستعجلة ولم نكن مستعدين لها».
داخل المطبخ الذي تتوسطه طاولات خشبية متراصة، تنهمك مجموعة من المتطوعين في غسل الأرز والدجاج والخضار. في زاوية أخرى، تستقبل مجموعة مواد غذائية من متبرعين، بينما يعمل آخرون على توضيب وجبات الأرز وتزيينها بالدجاج، تمهيداً لتوزيعها. ويوضح حبال: «نحن في مدينة حلب المشهورة بمطبخها ووجباتها وناسها الذواقة»، مضيفاً: «لذا لا نقبل أن تكون وجباتنا أقل جودة من تلك التي توضع على موائد الحلبيين عادة».
لم تسلم مدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية التي كانت تعد عاصمة البلاد الاقتصادية قبل اندلاع النزاع فيها عام 2011، من تداعيات الزلزال الذي تسبب بمقتل 432 شخصاً فيها، أي ما يعادل نحو ثلث عدد الضحايا الذين وثقتهم الحكومة السورية في مناطق سيطرتها.
وتسبب الزلزال بانهيار 54 مبنى، غالبيتها في الجزء الشرقي من المدينة، وكان قد تضرر خلال معارك شهدتها المدينة بين عامي 2012 و2016، قبل استعادة الجيش السيطرة بشكل كامل على المدينة إثر هجوم واسع وحصار بدعم روسي. إثر الزلزال المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 3600 شخص في أنحاء سوريا، اضطر سكان كثر لإخلاء أبنية كانت الحرب قد صدعتها. وتوجه هؤلاء إلى مراكز إيواء موجودة أساساً أو تم تجهيزها على عجل أو لجأوا إلى أقاربهم.
مع كل هزة ارتدادية، شاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية عشرات العائلات تفترش الحدائق والساحات العامة أو تلجأ مع أطفال مرعوبة إلى سياراتها التي تضيق الشوارع بها خشية من انهيار منازلهم.
رغم نجاة منزله من الزلزال الأول، دفع الخوف إثر الزلزال الثاني ليل الاثنين مصفف الشعر سركيس هاغوبيان (21 عاماً) ووالديه إلى اللجوء إلى مركز إيواء تابع لكنيسة دير الأرض المقدسة في حي الفرقان.
فور وصوله إلى المركز، أخرج هاغوبيان من حقيبة بحوزته عدته من مقص وماكينة وبدأ تقديم الخدمة التي يجيدها مجاناً لمن يرغب: حلاقة الشعر في الباحة الخارجية للمركز.
ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «أنا حلاق ولا أتقن أي شيء آخر، لذا بادرتُ بهذه الخدمة».
منذ الزلزال المدمر، لم يهدأ مقص الحلاق الذي يروي كيف أمضى وقته في التنقل من مركز إيواء إلى آخر، حتى بات معروفاً خلال الأيام الأخيرة بلقب «ساكو الحلاق». وبات كل من يصادفه في الشارع يلقي عليه التحية ويشكره على جهوده. ويوضح: «في أوقات مماثلة، علينا أن نتكافل ونتعاون، وأن يقدم كل شخص ما يستطيع، وبذلك يمكننا النجاة من الكارثة».
بعد مشاهدتها طفلة في السادسة من عمرها ترسم بعد يومين من الزلزال الأول على ورقة أمامها دوائر متداخلة وتقول لمن حولها «أنا أرسم الزلزال»، قررت الفنانة المتخصصة في مسرح الأطفال صونا سلوكجيان أن تخصص وقتها للترفيه عن الأطفال الذين روعهم الزلزال.
وتقول سلوكجيان (38 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «شاهدت الخوف في عيون الطفلة، وشاهدت الخوف في عيون ابنتي، وقررت أن أتطوع في الشيء الذي أحبه، الغناء والرقص مع الأطفال».
منذ نحو أسبوعين، تنتقل السيدة مع ابنتيها ومتطوعين آخرين عصر كل يوم من مركز إيواء لآخر من أجل تقديم عروض ترفيهية. وتوضح: «ثمة مبادرات عدة لتقديم الطعام، لكن ذلك لا يكفي وحده»، لافتة إلى أن «الطفل لا يحتاج إلى الطعام والشراب فحسب، بل يريد أن يلعب وينسى».
على خشبة مسرح تابع لكنيسة مار الياس في حي الفيلات في حلب، قدمت سلوكجيان برفقة مهرج عرضاً فنياً حضره العشرات من كبار وصغار، من المقيمين في مركز إيواء تابع للكنيسة يضم أكثر من 800 شخص شردهم الزلزال. على المسرح، يلتف الأطفال حولها وهي تردد أغانيهم: بعضهم يعانقها بينما لا يترك طفل مُصاب بالتوحد يدها. تنهمر دموعها وهي تغني له وتضع يدها على رأسه.
قرب صونا، تؤدي لِيلا حركات بهلوانية وهي ترتدي زي المهرج. يتجمع عشرات الأطفال حولها ويقهقهون ويطلبون التقاط الصور معها.
وتقول الشابة بتأثر لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذا أقل ما يمكن أن نقدمه ليس الأطفال وحدهم من يفرحون، أشعر كأنني خارج الزمن، أشعر بالأمان» خلال تقديم العرض.



الحوثيون يُصعّدون جنوباً... وواشنطن تدمر مسيّرة ومركبة دعم

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عقب سلسلة هجمات حوثية (أ.ف.ب)
حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عقب سلسلة هجمات حوثية (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يُصعّدون جنوباً... وواشنطن تدمر مسيّرة ومركبة دعم

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عقب سلسلة هجمات حوثية (أ.ف.ب)
حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عقب سلسلة هجمات حوثية (أ.ف.ب)

صعّدت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران من هجماتها باتجاه محافظة لحج اليمنية (جنوباً)، وذلك عقب تهديدات زعيمها عبد الملك الحوثي في أحدث خطبه بما وصفه بـ«المفاجآت البرية».

جاء ذلك في وقت واصل فيه الجيش الأميركي ضرباته الاستباقية ضد الجماعة، في سياق السعي لإضعاف قدراتها على مهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وأوضحت القيادة المركزية الأميركية بأن قواتها نجحت خلال 24 ساعة في تدمير مسيرة للحوثيين المدعومين من إيران، إضافة إلى مركبة دعم واحدة في منطقة يمنية تسيطر عليها الجماعة.

وفي حين لم يتحدث الحوثيون عن هذه الضربات، ولا آثارها، ولا عن المنطقة التي استهدفتها، قال الجيش الأميركي إنه تبيّن أن هذه الأنظمة كانت تُشكل تهديداً واضحاً وشيكاً للقوات الأمريكية وقوات التحالف والسفن التجارية في المنطقة.

وأضاف البيان أنه «تم اتخاذ الإجراء (تدمير المسيرة المركبة) لحماية حرية الملاحة وجعل المياه الدولية أكثر أماناً وأمناً».

وفي مقابل التصعيد الحوثي، أطلقت واشنطن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ما سمّته «تحالف حارس الازدهار» لحماية الملاحة البحرية، قبل أن تبدأ ضرباتها الجوية على الأرض في 12 يناير (كانون الثاني) بمشاركة من بريطانيا.

طائرة وهمية من دون طيار يرفعها أحد عناصر الحوثيين في أحد ميادين صنعاء (إ.ب.أ)

وتلقت الجماعة الحوثية أكثر من 600 غارة منذ ذلك الوقت في مناطق عدة خاضعة لها، بما فيها صنعاء، لكن أكثر الضربات تركّزت على المناطق الساحلية في محافظة الحديدة، التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً لشن الهجمات ضد السفن.

وتشّن الجماعة الحوثية منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، ومنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها، إضافة إلى السفن الأميركية والبريطانية.

وكانت الجماعة قد هاجمت الأسبوع الماضي ناقلة نفط ترفع علم بنما، وتدعى «بلو لاجون 1»، ليرتفع عدد السفن التي أصيبت منذ بدء التصعيد إلى ما يقارب 34 سفينة، من بين نحو 185 سفينة تبنّت الجماعة مهاجمتها.

تعثر إنقاذ «سونيون»

وكان أحدث هجوم مؤثر ضد السفن قد نفّذته الجماعة في البحر الأحمر في 21 أغسطس (آب) الماضي ضد ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عبر سلسلة هجمات؛ ما أدى إلى توقُّف محركها وجنوحها، قبل أن يجري إخلاء طاقمها بواسطة سفينة فرنسية تابعة للمهمة الأوروبية «أسبيدس».

وبعد إخلاء الطاقم، اقتحم المسلحون الحوثيون الناقلة، وقاموا بتفخيخ سطحها وتفجيرها؛ ما أدى إلى اشتعال الحرائق على متنها، وسط مخاوف من انفجارها، أو تسرُّب حمولتها من النفط البالغة مليون برميل.

وأعلنت البعثة البحرية الأوروبية «أسبيدس»، الثلاثاء الماضي أنّ «الظروف غير مواتية» لقطر الناقلة المشتعلة، محذرةً من كارثة بيئية «غير مسبوقة» في المنطقة.

وقالت «أسبيدس» على منصة «إكس»: «إن الشركات الخاصة المسؤولة عن عملية الإنقاذ توصَّلت إلى أن الظروف لم تكن مواتية لإجراء عملية القطر، وأنه لم يكن من الآمن المُضي قدماً، وتدرس الشركات الخاصة الآن حلولاً بديلة».

وأدى هجوم حوثي في 18 فبراير (شباط) الماضي إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استهدفتها الجماعة في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية في خليج عدن.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

تصعيد ميداني

إلى جانب التهديد البحري ضد السفن، ذكرت مصادر محلية يمنية أن الجماعة الحوثية شنّت هجمات على مواقع عسكرية تابعة للقوات الموالية للحكومة اليمنية في محافظة لحج الجنوبية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.

ووفق المصادر، استهدفت الهجمات الحوثية موقعين في منطقة عهامة، التابعة لمديرية المسيمير، واستولت عليهما، قبل تشّن القوات الموالية للحكومة هجمات مضادة في مسعى لاستردادهما.

مسلحون حوثيون ضمن حشد دعا إليه زعيمهم في ميدان السبعين بصنعاء (رويترز)

وتسود مخاوف في الأوساط اليمنية من أن تقوم الجماعة الحوثية بنسف التهدئة الميدانية القائمة منذ أبريل (نيسان) 2022، خصوصاً بعد حديث زعيم الجماعة الحوثية في أحدث خطبه عما وصفه بـ«مفاجآت برية».

ومن وقت لآخر، تهاجم الجماعة الانقلابية مواقع القوات الحكومية في تعز ولحج والضالع ومأرب، واتهمتها الحكومة أخيراً بمحاولة قصف منشأة «صافر» النفطية في مأرب.

وبعد تطلع اليمنيين في آخر العام الماضي إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة اليمنية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، فإن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي أحدث تصريحات رئيس «مجلس القيادة الرئاسي اليمني»، رشاد العليمي، حمل الحوثيين مسؤولية تعطيل مسار السلام، وتطرق إلى المبادرات التي قدمها «المجلس»، وقال: «لم نجد المشترك معهم للتقدم على هذه الطريق؛ إذ ليس لديهم سوى الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».