«فاشن ري إيماجيند»... وثائقي يكشف الوجه المُعقّد للموضة

أسبوع لندن لخريف وشتاء 2023 ينطلق برحلة بحث عن «الاستدامة بمفهومها المتكامل»

المصممة أيمي باوني في بيرو للبحث عن صوف الألبكا
المصممة أيمي باوني في بيرو للبحث عن صوف الألبكا
TT

«فاشن ري إيماجيند»... وثائقي يكشف الوجه المُعقّد للموضة

المصممة أيمي باوني في بيرو للبحث عن صوف الألبكا
المصممة أيمي باوني في بيرو للبحث عن صوف الألبكا

كلمة «استدامة» باتت مستهلكة. الكل يتحدث عنها، والقليل يطبقها. مُشكلتها أن كلاً يفهمها وفق هواه ويُغني عليها بالإيقاع الذي يناسبه. وهذا ما تؤكده المصممة أيمي باوني، مؤسسة علامة «ماذر أوف بيرل»، في فيلم يسجل رحلة بحثها عن «الاستدامة المتكاملة»؛ من المواد والخامات، إلى العمالة، وكيف يتم التعامل معها. بالنسبة إليها؛ من واجب المصمم أو الشركة المُنتجة أن تُعرّف المستهلك بمصادرها وكل مراحل إنتاجها وتوريدها إلى أن تصل إلى المحال لتصبح في متناول يده. مجرد القول إنها مصنوعة من مواد مستدامة أو أعيد استعمالها ليس كافياً. الفيلم الذي استغرق تصويره 5 سنوات، عُرض خلال «أسبوع الموضة البريطاني» في صالة خاصة لباقة من وسائل الإعلام والشخصيات المهتمة بالموضة، على أن يُعرض للجمهور في صالات السينما ابتداء من 3 مارس (آذار) المقبل، كما سيُبث على قناة «سكاي». «فاشن رياماجيند (Fashion Reimagined)» هو عنوان الفيلم، وهو برؤية المصممة أيمي من البداية إلى النهاية. «الشرق الأوسط» حضرت العرض الأول لتُصدم بحقيقة أن زواج «الموضة» و«الاستدامة» مُعقد للغاية. يتخلله كثير من التحديات، إن لم نقل العقبات. يلتقيان في الغاية؛ بحُب كل ما هو أنيق وجذاب، ويتباعدان في الوسيلة؛ أي التطبيق والتنفيذ.

باوني في حقول الأنديز

أيمي باوني حالياً واحدة من بين عدد قليل من المصممات المناهضات للموضة بثقافتها المبنية على الاستغلال. استغلال الطبيعة واليد العاملة على حد سواء، وبالتالي فإنها تعدّ هذا الفيلم جزءاً من مسؤوليتها لزيادة الوعي بمفهوم الاستدامة من كل زواياها ومفاهيمها. النتيجة التي توصلت إليها في هذه الرحلة أن الموضة لا تزال تحبو أولى خطواتها في هذا المجال... تترنح حيناً وتسقط كثيراً. فكرة الفيلم؛ كما تحكيها أيمي باوني، جاءت صدفة عندما فازت في عام 2017 بجائزة «أحسن مصممة صاعدة» من «مجلس الموضة البريطاني» ومجلة «فوغ». عند تسلمها الجائزة؛ تعهدت أمام الجميع بأنها لن تستعمل المنحة لتوسيع علامتها؛ بل لإنتاج تشكيلة مستدامة بالكامل، تتأكد فيها من مصدر الألياف، وطرق رعي ومعاملة الخرفان التي سيُجز صوفها ويغزل؛ إلى مدى توفر ظروف العمل الإنسانية للعاملين في حقول قطف القطن، وفي الغزل والنسيج... وغيرها.

تحرص باوني على أن تأتي كل قطعة بشكل مستدام قدر الإمكان

المخرجة بيكي هانتر، التي كانت تُصوّر الحفل لمصلحة شركة إنتاج، لم تُصدق خبراً. هي الأخرى كانت من أشد المهتمين بـ«الاستدامة» والمطالبين بأن تصبح جزءاً من حياتنا. سألت أيمي إن كان بإمكانها أن تُسجل هذه الرحلة في فيلم وثائقي. من دون تفكير وبعفوية؛ أو ربما كان رد فعل حماسياً بعد فوزها؛ وافقت أيمي. تعترف بأن تسجيل الفيلم لم يكن سهلاً، إلا إنها لم تندم على قرارها. كانت تؤمن بأن دورها في هذه الصناعة هو أن تُحدث تغييراً إيجابياً مهما كان بسيطاً.

أيمي باوني في مشغلها

الطريف في الأمر أن سيرة حياة أيمي ونشأتها لم تكن تشي بأنها ستدخل عالم الموضة. فقد وُلدت في قلب الريف البريطاني وعاشت في «كارافان» لفترة مع أختها. كان والداها ناشطين في مجالات إنسانية وحقوقية، ولا يؤمنان بالرأسمالية والحياة المادية. وهي صغيرة تعرّضت للتنمر بسبب مظهرها، مما دفع بها إلى أن تعمل في المساء بمجرد أن أسعفها الحظ، حتى تشتري ملابس وأحذية عصرية. هنا فقط تقبّلها زملاؤها في المدرسة، وهنا عرفت مدى قوة تأثير الموضة. عندما دخلت عالم الموضة تعرّضت لصراعات من نوع آخر. بغض النظر عن أنها ولدت وترعرعت في بيئة بسيطة للغاية لا تتوفر فيها أي كماليات، فإنها صُدمت لحجم الأضرار الجسيمة التي تُلحقها صناعة الأزياء والإكسسوارات بالعاملين فيها وبالبيئة. كل ذلك من أجل أن تُستهلك لموسم أو موسمين في أحسن تقدير، ثم يجري التخلص منها من دون رحمة. كمية الإنتاج هائلة تُقدر بنحو 150 مليار قطعة في العام، يكون مصير أغلبها إلى النفايات، هذا عدا ما تتطلبه عملية الإنتاج هذه من هدر واستنزاف موارد شتى؛ على رأسها المياه.
في السنوات الأخيرة، ورغم الضغوطات على صناع الموضة ومطالبة جيل الشباب بمراعاة البيئة وغيرها من القضايا الإنسانية، فإن الخطوات بهذا الاتجاه لا تزال في أولها، والطريق لإحداث تغيير شامل لا تزال طويلة؛ وفق الفيلم. كل لقطة فيه كانت مُعبّرة ومُثقلة بالمعاني والرسائل.

معطف من تشكيلتها الأخيرة وتظهر فيه لمسات اللؤلؤ والأكتاف المنسدلة التي تميزها

أخذنا إلى أوروغواي لزيارة عائلة أوتيغو، المعروفة بإنتاج صوف مستدام؛ حيث ترعى الأغنام في الحقول والهواء الطلق، ومنها إلى تلال وهضاب الأنديز في بيرو للتعرف على طرق غزل صوف الألبكا ونسجه. وأخيراً، وليس آخراً، إلى تركيا لزيارة مصنع «دينم» بطريقة مستدامة.
لكن باستثناء مصادر ومصانع قليلة، فإن الفيلم يكشف لنا عن أن كلمة «الاستدامة» أصبحت تستعمل على نطاق واسع وبشكل غير دقيق في كثير من الأحيان. فالكل ركب الموضة؛ بدليل أن عدد الأزياء والإكسسوارات التي تدّعي أنها مستدامة تتضاعف بشكل كبير منذ عام 2020، إلا إن هذا العدد المتزايد يثير الشكوك والتساؤلات... تقول أيمي باوني: «في عام 2017 رأينا بعض العلامات تستعمل عبارات مثل (الشفافية) مركّزين فقط على المصنع الذي يتعاملون معه. لكن ماذا عن المرحلة التي سبقت الوصول إلى المصنع؟ كيف قُطف القطن؟ وعلى يد من وكم أجورهم؟ كيف ترعى الأغنام والأبقار؟ وكيف جرت عملية جز صوفها ثم غزله ودباغة جلودها... وما إلى ذلك؟». هذه المراحل كانت من أكبر التحديات التي واجهت المصممة في رحلة بحثها عن «الاستدامة الكاملة». نجحت في الوصول إلى مصدر لتوفير صوف يخضع لمفهوم «الاستدامة» في أورغواي، إلا إنها فشلت في الوصول إلى من يغزله ويُصنعه في المكان عينه. كان عليها السفر إلى بيرو لتوفير ما تحتاجه، وهذا في حد ذاته مشكلة تُسبب التلوث.
تخرج من صالة العرض وأنت مُحبط؛ لأن طريق التغيير الإيجابي تبدو طويلة ومحفوفة بالتحديات، وفي الوقت ذاته تشعر بالأمل لوجود فئة تؤمن بالتغيير وتناضل من أجله. صحيح أن البنية التحتية لهذه الصناعة لا تزال في طور البناء، لكن في الوقت ذاته لم يعد من السهل الاختباء وراء أعذار واهية بالنظر إلى التطورات التي تشهدها صناعة الخامات والمواد المستدامة وزيادة وعي أصحاب مصانع الإنتاج والموردين بضرورة التغيير.
نقطة مهمة أخرى يثيرها الفيلم بتوجيهه أصابع الاتهام إلى المستهلك، وبأن جزءاً لا يستهان به من المسؤولية يقع عليه؛ لأنه الوحيد الذي بيده بأن يفرض التغيير على صناع الموضة، وأن يُخفف من الاستهلاك والجري وراء شراء الصرعات الموسمية.
لتأكيد صحة رأيها؛ استعانت بالأرقام، وبمقارنة بسيطة مع الجيل السابق، أكدت أننا نشتري ملابس وإكسسوارات أكثر من جيل الثمانينات بثلاث مرات. الخطير في الأمر؛ وفق ما جاء في الفيلم، أننا قد لا نلبس بعضها بتاتاً، أو نستعملها مرة أو مرتين على الأكثر، ليكون مصير 3 من بين 5 قطع نشتريها النفايات.
تقترح؛ في حلول أولية، شراء ما قلّ ودلّ، وارتداءه لمرات أو لسنوات كثيرة، أو شراء ملابس مستعملة. الأهم من هذا؛ أن نغير نظرتنا إلى الموضة بأن نضع الإنسان والبيئة في المرتبة الأولى.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.