في حين هدد رئيس البرلمان الجزائري، إبراهيم بوغالي، بأن بلاده «ستتخذ الموقف المناسب» من «قضية تهريب فرنسا المعارضة الجزائرية أميرة بوراوي»، نفت المعنية بالأمر أن تكون غادرت الجزائر بمساعدة أي شخص أو أي جهة محسوبة على دولة أجنبية. كما اتهمت الرئاسة الجزائرية دبلوماسيين وعناصر مخابرات فرنسيين بـ«الإجلاء سراً» للمعارضة بوراوي من الجزائر إلى تونس، ثم فرنسا.
وصرح بوغالي، أمس، بمقر البرلمان بأن «التحقيقات جارية من طرف السلطات، وتشمل عدة نقاط، وقد تم استدعاء سفيرنا لدى فرنسا للتشاور»، في إشارة إلى اتهامات خطيرة وجهتها الجزائر إلى باريس في هذه القضية المثيرة، والتي تنذر بعودة التوتر إلى العلاقات بين البلدين، بعد انفراجة قصيرة شهدتها على أثر زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الجزائر في أغسطس (آب) الماضي، وإبرام اتفاق يخص إطلاق «شراكة استثنائية» بين البلدين. كما أن باريس ألغت قراراً اتخذته في سنة 2021 بتقليص حصة الجزائر من التأشيرات إلى النصف.
وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان مساء أول من أمس، أنها احتجت لدى السفارة الفرنسية لدى الجزائر «لانتهاك السيادة الوطنية من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية، شاركوا في عملية إجلاء سرية وغير قانونية لرعية جزائرية، يعتبر وجودها على التراب الوطني ضرورياً بقرار من القضاء الجزائري». وقالت الوزارة إن هذه التطورات «غير مقبولة، وتلحق ضرراً كبيراً بالعلاقات الجزائرية - الفرنسية».
وفي اليوم نفسه، قالت الرئاسة الجزائرية إن الرئيس عبد المجيد تبون استدعى سفير البلاد لدى فرنسا، سعيد موسي، «فوراً للتشاور»، وأفادت بأن الجزائر «أعربت في مذكرة رسمية وجهتها إلى فرنسا عن احتجاجها بشدة على عملية الإجلاء السرية وغير القانونية» لبوراوي، المطلوبة لدى القضاء الجزائري، والتي كانت تحت طائلة إجراءات منع من السفر. وكانت السلطات أعلنت الأسبوع الماضي عن زيارة من تبون إلى باريس في مايو (أيار) المقبل؛ تأكيداً على أن العلاقات الثنائية في أفضل أحوالها.
ولاحظ متتبعون أن الحديث عن تورط دبلوماسيين ورجال مخابرات فرنسيين في «الإجلاء السري» للمعارضة بوراوي، وعن «انتهاك السيادة»، يفيد بأن اختراقاً أمنياً أجنبياً وقع فوق التراب الجزائري، كان الهدف منه نقل بوراوي، التي تحمل الجنسية الفرنسية إلى جانب الجزائرية، إلى فرنسا عبر تونس، على أساس أن حياتها كانت ستتعرض للخطر إن جرى ترحيلها إلى بلادها.
وتثير هذه القضية غير المسبوقة نقاط ظل وتساؤلات كثيرة؛ أبرزها: ما الطريقة التي استعملها الدبلوماسيون وعناصر المخابرات الفرنسيون لـ«تهريب» بوراوي (50 سنة) عن طريق الحدود البرية مع تونس، علماً بأن المعارِضة كانت خاضعة لملاحقة أمنية على مدار الساعة ومنذ سنوات؟ وهل للسفارة الفرنسية «يد» في الحادثة؟. كما أن هناك جزئية لافتة في هذه القضية؛ تتمثل في أن الرئيس التونسي قيس سعيد وافق على طلب الممثلية الدبلوماسية الفرنسية لدى تونس على إجلاء بوراوي إلى فرنسا، الاثنين الماضي، وفق ما جاء في صحيفة «لوموند»، بينما كانت الشرطة التونسية بصدد ترحيلها إلى الجزائر. فكيف ستتصرف الجزائر مع الرئيس التونسي بعد هذا التصرف الذي من المؤكد أنها تعدّه «غير ودي»؟
وكانت شرطة الحدود بمطار تونس قد منعت بوراوي، الجمعة الماضي، من السفر على طائرة إلى باريس، بناء على وجود أمر جزائري بمنعها من السفر. ودل ذلك على درجة عالية من التنسيق الأمني بين البلدين الجارين، رغم أن بوراوي لم تكن تحمل معها وثائق تفيد بأنها رعية جزائرية، وكانت مسافرة بجواز سفر فرنسي، بحكم أنها تزوجت من فرنسي قبل 15 سنة، يقيم حالياً بعنابة شرق البلاد.
وكان من تداعيات هذه القضية اعتقال مدير صحيفة «لوبروفانسيال»، الصادرة في عنابة، مصطفى بن جامع، مساء أول من أمس، حيث حضر رجال درك إلى مقر الصحيفة، واقتيد معهم من دون ذكر السبب. وبعد ساعة من اعتقاله، كتبت أميرة بوراوي عبر حسابها على «تويتر» أن بن جامع اتصل بها وهي في فرنسا ليبلغها بأن السلطات تشك في أن له يداً في «تهريبها» عبر الحدود التونسية. علماً بأن بن جامع نفسه يقع تحت طائلة المنع من السفر، وأدانه القضاء بالسجن بتهم مرتبطة بـ«المس بالوحدة الوطنية»، فيما يقول محاموه إنه «ملاحق بسبب تمسكه بحريته بصفته صحافياً». غير أن بوراوي نفت أن تكون تلقت مساعدة من أي شخص، أو جهة محلية أو أجنبية، في خطتها مغادرة البلاد خلسة، وأكدت أنها تعمدت التخلص من قيود المنع من السفر لزيارة ابنها في فرنسا حيث يدرس بالجامعة، وقالت إنها ستعود لأنها «لم تغادر بلدها عن طيب خاطر؛ بل مكرهة».
وفي عام 2021 أدان القضاء المعارضة «الحداثية»، وهي في الأصل طبيبة أمراض نساء، بالسجن عامين مع التنفيذ بتهمة «ازدراء الدين الإسلامي»، كما تعرضت لعقوبة أخرى بالمدة نفسها، بناء على تهمة «الإساءة إلى رئيس الجمهورية»، وذلك على أساس منشورات «مستفزة» على حسابها في وسائل الإعلام الاجتماعي.
وكانت صحف فرنسية أشارت وهي تتفاعل مع «قضية بوراوي»، إلى أنها صحافية بحكم أنها كانت مذيعة لفترة قصيرة ببرنامج سياسي، كان يبثه «راديو أم» الخاص الذي أغلقته السلطات نهاية 2022 وسجنت مديره الصحافي والكاتب البارز إحسان القاضي. ولاحقاً اتهم بـ«شبهة تمويل» منصة رقمية إخبارية كان يديرها، تتكون من صحيفة إلكترونية وإذاعة تبث على الإنترنت. لكن وكالة الأنباء الجزائرية نقلت أمس عن وزير الاتصال محمد بوسليماني أن بوراوي «متابعة في قضية حق عام، وليست لها علاقة بمهنة الصحافة مطلقاً». وقال إنه يستغرب من «الادعاء الكاذب بكونها صحافية».
في المقابل؛ أكدت باريس أنها ترغب في مواصلة تعميق علاقاتها مع الجزائر، رغم الخلاف المرتبط ببوراوي، التي كانت ممنوعة من مغادرة التراب الجزائري.
ورداً على سؤال حول الحادثة التي يحتمل أن تؤدي إلى تدهور العلاقات الثنائية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، فرنسوا ديلماس: «من جانبنا؛ نعتزم مواصلة العمل لتعميق علاقتنا الثنائية». لكنه رفض التعليق على استدعاء السفير الجزائري، قائلاً: «إنه قرار جزائري لا يمكنني التعليق عليه». كما رفض التعليق على «هذه الحالة الفردية»، لكنه أشار إلى أن بوراوي «مواطنة فرنسية، وبناء على ذلك مارست السلطات الفرنسية الحماية القنصلية... وهذا إجراء لا يخرج عن المألوف بأي شكل من الأشكال».
كما رفض المتحدث الرد على سؤال بشأن احتمال أن تؤثر هذه القضية على زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المقررة في مايو المقبل.
«تهريب المعارضة بوراوي» يهدّد بإنهاء انفراجة قصيرة بين الجزائر وباريس
الجزائر استدعت سفيرها... وفرنسا أكدت رغبتها في «مواصلة تعميق العلاقات» بين البلدين
«تهريب المعارضة بوراوي» يهدّد بإنهاء انفراجة قصيرة بين الجزائر وباريس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة