العلاقات الأميركية التركية.. في الميزان

العلاقات الأميركية التركية.. في الميزان
TT

العلاقات الأميركية التركية.. في الميزان

العلاقات الأميركية التركية.. في الميزان

قال تقرير أصدره معهد واشنطن للشرق الأدنى إن الحرب الأهلية في سوريا «وضعت العلاقات الأميركية - التركية تحت ضغط هائل»، واصفًا الواقع بأنه «توتر ناتج عن الأولويات المختلفة لدى الدولتين».
وقال معدو التقرير: «بينما تريد تركيا إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد لأنه (خطر محدق على حدودها)، تركز الولايات المتحدة على الحرب ضد تنظيم داعش. لهذا، تخشى كل دولة أن تتبنى أهداف الدولة الأخرى، فتهمش أهدافها هي».
وذكر التقرير أن رئيسَي الدولتين؛ باراك أوباما ورجب طيب إردوغان «شعرا، شخصيًا، بهذه الضغوط». وبعد أن كانت الاتصالات الهاتفية بينهما منتظمة، صارا يتفاديان التواصل بانتظام.
في يناير (كانون الثاني) الماضي، لم يتوانَ إردوغان عن التعبير علنا عن استيائه من الحرب الجوية المحدودة التي يشنها الولايات المتحدة على «داعش». ومما قاله، مخاطبا الأميركيين بصورة عامة: «إذا فعلتم شيئًا، افعلوه بصورة صحيحة. وإذا كنتم تنوون فعله معنا، فعليكم أن تقدّروا قيمة ما نقول».
وسأل التقرير: «نظرًا إلى هذا الوضع المضطرب، يطرح السؤال نفسه: إلى أي مدى يمكن أن تؤدي هذه الأهداف المتضاربة بين الولايات المتحدة وتركيا إلى تقويض الروابط الثنائية؟».
وأشار التقرير إلى خلفية المشكلات بين البلدين. وقال إنها تعود إلى عقود كثيرة. انضمت تركيا إلى حلف الناتو في عام 1952، وبذلك ترسخ رسميًا التحالف بين الدولتين.
في عام 1964، عندما تدهورت العلاقات التركية اليونانية بسبب قبرص، بعث الرئيس ليندون جونسون رسالة شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء التركي عصمت إينونو يهدد فيها بالتخلي عن تركيا إذا ما أقدمت على استخدام القوة لتقسيم قبرص.
في عام 1974، عندما دخلت القوات التركية قبرص لحماية القبارصة الأتراك، فرضت واشنطن حظرًا على إرسال الأسلحة إلى تركيا. وتبع ذلك «جمودا عميقا» في العلاقات بين الدولتين.
وفي عام 1981، بعد الانقلاب العسكري في تركيا، تحسنت العلاقات بين البلدين، ذلك أن الجنرالات الأتراك تعمدوا الاعتماد على الولايات المتحدة، والسير على سياسة وفاق معها. لأن الولايات المتحدة، في ذلك الوقت، ومع السيطرة الإسلامية على إيران في عام سبقه، استجابت لهذه السياسة التركية الجديدة بإيجابية.
وخلص التقرير إلى القول: «نرى في هذه الحالة كيف أن الفوضى، عندما تعم الدول المجاورة لتركيا، تقوي أهمية تركيا بالنسبة للولايات المتحدة».
ويبدو أن ذلك يستمر حتى اليوم. ذلك لأن تركيا الحالية ترى «أنه قد توجد مصالح مشتركة بين تركيا والولايات المتحدة. لكن، لا تملك الدولتان هوية مشتركة»، مثلما حدث في عام 2003، عندما أظهرت حكومة حزب العدالة والتنمية، المنتخبة حديثا، مؤشرات تدل على بداية تغيير في العلاقات الأميركية التركية:
أولا: رفضت السماح للقوات الأميركية بالعبور إلى العراق عبر الأراضي التركية، أثناء التخطيط لغزو العراق عام 2003.
ثانيا: بينما كان الزعماء الأتراك السابقون يتبنون شعار مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك: «التقرب من الغرب»، يؤمن حزب العدالة والتنمية بأنّ على تركيا أن تصبح قوة مستقلة في الشرق الأوسط. وأن لا تتعاون مع واشنطن إلا عندما كان هذا التعاون يخدم مصالحها.
لهذا، في عام 2010، صوتت تركيا ضد القرار المدعوم من الولايات المتحدة وأوروبا في مجلس الأمن بفرض عقوبات على إيران بهدف ردع مطامعها النووية.
ولهذا، في عام 2013 قرر حزب العدالة والتنمية شراء منظومات دفاع جوية صينية، مبتعدا عن التزام تركيا التقليدي تجاه حلف الناتو.
وعن الوقت الحاضر، قال التقرير: «تمتعت تركيا بتقدم اقتصادي ملحوظ في ظل حكم حزب العدالة والتنمية. لكن، قوضت الحرب الأهلية في سوريا حلم الحزب بتحويل تركيا إلى قوة إقليمية».
بعد ظهور المعارضة السورية في أوائل عام 2011، حاولت تركيا، في البداية، مد يدها إلى نظام الأسد. وأوصته بإجراء الإصلاحات على أمل أن تستفيد من تأثيرها الاقتصادي الجديد على سوريا. لكن، لم يتجاوب الرئيس الأسد مع هذه المناشدة. بل أرسل دباباته إلى المدن السورية، للمرة الأولى، وذلك بعد ساعات فقط من زيارة وزير الخارجية التركي إلى دمشق».
وهكذا، بدأت تركيا دعم الثوار ضد نظام الأسد. وهكذا، صار الأسد يشكل «خطرًا كبيرًا» على تركيا. وفي 2013، وقع تفجير مرتبط بنظامه في بلدة ريحانلي على الحدود التركية وذهب ضحيته 51 شخصًا. وكان «أسوأ اعتداء إرهابي على الأراضي التركية في التاريخ الحديث».
في الوقت نفسه، دخل نحو مليونَي لاجئ سوري تركيا هربًا من مذابح الأسد. وتمركزت أغلبيتهم في المحافظات التركية الجنوبية حيث صاروا يشكلون 20 في المائة من السكان. ثم ظهر تنظيم «داعش». وبحسب التقرير، «قد يشكل أكبر تهديد وجودي لتركيا منذ أن طالب جوزيف ستالين ضم أراضٍ تركية في عام 1946. لهذا، تحتاج تركيا إلى الولايات المتحدة لمواجهة الرئيس الأسد، وتنظيم داعش في الوقت نفسه، وعلى حد سواء. لكن، تتحير نخبة حزب العدالة والتنمية بين حلمها بتحويل تركيا إلى نجم إقليمي يعمل بشكل مستقل عن واشنطن، والإقرار على مضض بزعامة الولايات المتحدة في المنطقة».



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.