حديثة في الأنبار.. يحاصرها مسلحو «داعش» والدخول إليها والخروج منها جوًا فقط

سكانها يعزون صمودها إلى سدها الاستراتيجي المهم وقاعدة عين الأسد الجوية القريبة منها

صبيان في الفلوجة بعد حصولهم على مواد غذائية (واشنطن بوست)
صبيان في الفلوجة بعد حصولهم على مواد غذائية (واشنطن بوست)
TT

حديثة في الأنبار.. يحاصرها مسلحو «داعش» والدخول إليها والخروج منها جوًا فقط

صبيان في الفلوجة بعد حصولهم على مواد غذائية (واشنطن بوست)
صبيان في الفلوجة بعد حصولهم على مواد غذائية (واشنطن بوست)

تساقطت المدن المجاورة لهذه المدينة العراقية واحدة تلو الأخرى، الفلوجة والرمادي وهيت. وذبح مقاتلو «داعش» الآلاف مع إحكامهم قبضتهم على محافظة الأنبار الواقعة غرب العراق. مع ذلك، ظلت حديثة معقلاً للصمود.
ودفاعًا عن المدينة، خاضت قبائلها المحلية والجيش العراقي قتالاً ضاريًا في مواجهة هجمات مستمرة، وقد يكون الأهم من ذلك أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والحكومة العراقية، أبدتا تصميمهما على الحيلولة دون سقوط السد الهيدروكهربائي الضخم الكائن قرب المدينة في أيدي المتطرفين.
لكن في المقابل، يعيش سكان حديثة في ظروف صعبة في ظل انعزالهم عن العالم الخارجي، بينما يركز «داعش» على المدينة باعتبارها هدفهم المقبل.
شكت إسراء محمد، 38 سنة، بينما كانت في انتظار وصول شحنة نادرة من المساعدات الغذائية، الأسبوع الماضي، قائلة: «يبدو وكأننا لا نعيش في العراق، فليس هناك دخول أو خروج من المدينة. ويبدو كما لو أننا نعيش في جزيرة معزولة».
ووجدت أول مجموعة من الصحافيين تتمكن من الدخول إلى حديثة منذ ما يزيد على عام، المدينة المحاصرة في حالة مزرية، فمع ارتفاع أسعار الغازولين لأكثر من أربعة أضعاف السعر الوطني، أصبحت الدراجات أكثر انتشارًا من السيارات في الشوارع. كما فر الأطباء، وأصبح من العسير العثور على عاملين بالحقل الطبي. أما الكهرباء فلا تتوفر بالمدينة سوى ثلاثة ساعات يوميًا فقط.
وبالنسبة لـ«داعش»، تعد حديثة بمثابة جائزة قيمة، مع ما تملكه من سد يمتد لمسافة تقارب 6 أميال؛ مما يجعله ثاني أكبر منتج للطاقة الكهربائية في البلاد. وفي آخر تسجيلاته المسموعة، حث «داعش» أبناء القبائل السنية في المدينة على الاستسلام، محذرًا من أن مسلحيه قد يقتحمون المدينة «في أية لحظة».
في المقابل، يقع المدافعون عن المدينة تحت وطأة ضغوط هائلة. ووصف اللواء علي دبون، من مركز قيادة الجيش عند قاعدة السد، أحدث هجوم شنه مسلحو «داعش» أوائل الشهر الحالي، واختلج صوته بالانفعال، بينما كان يتذكر كيف أن التنظيم المتطرف هاجم بـ37 سيارة مفخخة في المنطقة. وقال: «واجهت جميع القطاعات في المدينة مهمة صعبة، لكننا بذلنا مجهودًا استثنائيًا».
يذكر أن حديثة تقع في أعماق محافظة الأنباء التي يغلب السنة على سكانها، والواقعة على بعد نحو 150 ميلاً إلى الغرب من العاصمة بغداد. وشهدت المسافة بين المدينتين سلسلة من الغزوات الناجحة لـ«داعش»: الرمادي، عاصمة المحافظة، والفلوجة التي تحولت حاليًا لحصن منيع للتنظيم. كما سقطت هيت، أقرب المدن إلى حديثة، منذ 10 شهور؛ مما تسبب في قطع خطوط الإمدادات لحديثة القادمة من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. وإلى الغرب من حديثة، تمتد الصحراء باتجاه الحدود السورية، التي وقعت بأكملها تقريبًا الآن تحت سيطرة «داعش».
قالت إسراء، التي فرت من الفلوجة منذ عام ونصف العام، إنها وعائلتها الكبيرة المؤلفة من 23 شخصًا يحاولون الخروج من حديثة منذ 3 أشهر. إلا أن السبيل الوحيد للخروج من المدينة هو بطائرات عسكرية تنطلق من قاعدة عين الأسد المجاورة التي تمثل شريان الحياة للمدينة - ومن الصعب العثور على أماكن متاحة على متن هذه الطائرات. وقد تمكنت مجموعة من الصحافيين من دخول المدينة برفقة بعثة إغاثة، الأسبوع الماضي، خلال رحلة نظمها مكتب رئيس الوزراء حيدر البغدادي. وحسب عبد الحكيم الجغيفي، رئيس المجلس البلدي في حديثة، تضم المدينة حاليًا نحو 96.000 نسمة.
وقال: «الكثيرون يعانون بشدة جراء الحصار، بجانب الهجمات التي يشنها (داعش) طوال الوقت». وفي أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، وصل سعر جوال القمح الذي يزن 50 كيلوغرامًا إلى مليون دينار، مما يعادل نحو 840 دولارًا.
من ناحيتهم، ذكر مسؤولون محليون أن الأسعار تراجعت مؤخرًا مع نجاح بضعة قوافل مساعدات من الوصول إلى حديثة. وقد تولت طائرة مروحية مرافقة كل قافلة عبر الجزء الأكثر خطورة من الطريق، الذي يمر بمدن يسيطر عليها «داعش».
مع ذلك، يشكو سكان المدينة من أنه لدى وصول المساعدات تحت حماية مقاتلين قبليين أو أفراد من الجيش، فإنها لا تصل إليهم، ويجري بدلاً من ذلك توزيعها على قبائل محلية بعينها أو بيعها في السوق السوداء. وفي هذا الصدد، قال سمير مشعل، 50 سنة: «من وقت لآخر، تصل إمدادات، لكن لا نحصل على أي شيء منها». ولهذا السبب، حرص عمال إغاثة ومسؤولون عراقيون على السفر مع القافلة التي قدمت للمدينة الأسبوع الماضي، حاملة 21 طنًا من الأغذية.
من ناحيته، قال مصطفى العبيدي، 26 سنة، الذي يعمل مع منظمة «متطوعين عراقيين» الخيرية: «جئنا هنا اليوم، رغم كل المخاطر، لرغبتنا في الوصول مباشرة إلى الأسر».
واصطف المئات من الرجال والنساء للحصول على دقيق وأرز ومعجون طماطم وزيت، الخميس الماضي. وكان اليوم شديد الحرارة لدرجة أنه تم إعلانه إجازة وطنية، مع تجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية. وقال حيدر مجيد، مسؤول بمكتب رئيس الوزراء: «إنهم بحاجة لإمدادات غذائية وأدوية، لكن بسبب الحصار، هذه المرة الأولى التي نصل المدينة».
وبعد خسارة القوات الحكومية الرمادي في مايو الماضي، تزايدت الهجمات ضد حديثة بشدة، حسبما أوضح إبراهيم الجغيفي، المتحدث الرئيسي باسم مقاتلي القبائل في المدينة، ومع ذلك، تراجعت الهجمات مؤخرًا، حيث يبدو أن «داعش» انشغل في الدفاع عن الرمادي ضد هجمات مضادة.
يذكر أن قبيلة الجغيفي تزعمت القتال هنا، لكن أبناءها يدركون جيدًا السبب وراء تمكنهم من صد هجمات «داعش»، حيث وفر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والجيش العراقي مساعدة محورية لهم نظرًا لما تحويه المدينة من سد استراتيجي وقربها من قاعدة «عين الأسد»، حيث يتمركز أكثر من 300 من قوات المارينز الأميركية في مهمة تدريبية. ويقول الجغيفي: «يتفق الجميع على أن هناك أمرين ساعدانا: وجود سد حديثة، وقاعدة عين الأسد».
ويتسم السد بأهمية كبيرة دفعت الحكومة الأميركية لتوسيع نطاق حملتها الجوية ضد «داعش» في سبتمبر (أيلول) للحيلولة دون سقوطه في أيدي المسلحين. حتى ذلك الوقت، كانت الضربات الجوية في العراق مقتصرة على المناطق الواقعة قرب جبل سنجار والمنطقة الكردية الواقعة إلى الشمال.
من جهته، يرغب «داعش»، الذي يواجه صعوبة في توفير الخدمات الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها، في السيطرة على السد بهدف توفير إمدادات كهرباء للمناطق الخاضعة لـ«خلافته». وبخلاف الحال مع بعض المناطق الأخرى بالبلاد، أبدى التحالف الذي تقوده واشنطن «جدية» في حماية حديثة، حسبما ذكر الجغيفي، لكنه استطرد قائلاً إنهم «يظهرون فقط عندما تحتدم المعركة ويصبح الخطر وشيكًا للغاية».
من جهته، قال عواد خلف، ضابط بالشرطة المحلية: «لقد تعرضنا للنسيان، لكننا اتفقنا جميعًا على القتال حتى الموت».
وبالفعل، أكد الكثير من سكان المدينة أنه رغم الكثير من الصعاب، فإنهم لا يرغبون في مغادرة المدينة.

* خدمة: «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.