في فبراير (شباط) 1983، حقق برايتون مفاجأة مدوية عندما فاز على ليفربول على ملعب «آنفيلد»، بهدفين مقابل هدف وحيد، في الجولة الخامسة لـ«كأس الاتحاد الإنجليزي». وبعد أقل من عام بقليل، أوقعت القرعة الفريقين معاً مرة أخرى في المسابقة ذاتها. كانت هناك بعض الاختلافات الملحوظة هذه المرة، حيث كان برايتون صاحب الملعب، لكنّ كثيرين ممن ساهموا في وصول النادي إلى المباراة النهائية لـ«كأس الاتحاد الإنجليزي» في عام 1983، لم يكونوا موجودين في النادي هذه المرة، بمن في ذلك المدير الفني جيمي ميليا.
كان برايتون قد هبط إلى دوري الدرجة الأولى قبل أسابيع قليلة فقط من مواجهة مانشستر يونايتد في نهائي «كأس الاتحاد الإنجليزي»، وهي البطولة التي خسرها برايتون في مباراة الإعادة، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة الضغوط على ميليا ورحيله في نهاية المطاف، ثم تولى كريس كاتلين القيادة الفنية للفريق بدلاً منه. وعندما أوقعت القرعة برايتون في مواجهة ليفربول في عام 1984، تحدث ميليا (الذي كان آنذاك يتولى القيادة الفنية لنادي بيلينينسيس في البرتغال)، بصراحة، عن الفترة التي قضاها في برايتون، قائلاً: «شعرت بإحباط شديد عندما أقالني برايتون من منصبي، رغم أنني جعلتُ النادي يربح مليون جنيه إسترليني من الوصول إلى المباراة النهائية للكأس مرتين متتاليتين، ومن بيع اثنين من اللاعبين. آمل أن تهتز شباك برايتون بعدد كبير من الأهداف! لا أتمنى هذا لبعض اللاعبين، مثل ستيف فوستر وجيمي كيس، اللذين دعماني بإخلاص، لكنني أتمناه للآخرين من وراء الكواليس الذين أخرجوني من النادي!».
كان كاتلين يمتلك شخصية مختلفة تماماً عن شخصية ميليا؛ ففي حين كان ميليا يستمتع بتسليط الأضواء عليه من قِبَل وسائل الإعلام، كان كاتلين منضبطاً، ويفضل العمل في هدوء، وقال: «أنا مدير فني غير مشهور. أعتقد أن هذه المباراة تعتمد على اللاعبين والأشخاص الذين يدفعون الأموال لمشاهدتهم».
لم تكن العودة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز سهلة، خصوصاً بعد رحيل غاري ستيفنز إلى توتنهام، ومايكل روبنسون إلى ليفربول، في الصيف. وكان برايتون يحتل المركز العاشر في جدول ترتيب دوري الدرجة الأولى عندما وصل ليفربول إلى الدور الرابع لـ«كأس الاتحاد الإنجليزي». في هذه الأثناء، كان ليفربول يقدم مستويات استثنائية، حتى وفق المعايير العالية لهذا النادي العريق. وكان بوب بيزلي قد رحل عن ليفربول في نهاية الموسم الأسبق، ورغم أن ليفربول كان ينافس على أربع بطولات خلال الموسم، فإن الانتقال إلى المدير الفني الجديد، جو فاغان، بدا سلساً.
وفي ذلك الوقت، كان التلفزيون ينقل مباراة واحدة على الهواء مباشرة من «كأس الاتحاد الإنجليزي»، في نهاية الأسبوع، ولم يكن من الغريب أن يختار مباراة ليفربول. لكن هذا لا يعني أن الجميع كانوا سعداء بهذا الاختيار، حيث كتب ديفيد لاسي في صحيفة «الغارديان»: «التلفزيون يواجه خطر أن يصبح مهووساً بليفربول. عاجلاً أم آجلاً، يجب إذاعة مباراة ليس طرفها ليفربول أو مانشستر يونايتد».
لكن مباراة برايتون، في يناير (كانون الثاني) 1984، نجحت على الأقل في تحقيق مفاجأة. وكان توني غريليش (واحد من خمسة لاعبين فقط تبقوا من التشكيلة الأساسية لبرايتون في المباراة النهائية لـ«كأس الاتحاد الإنجليزي» على ملعب «ويمبلي» في العام الأسبق) واثقاً من قدرة فريقه على تحقيق المفاجأة، حيث قال: «يعرف الناس الآن أن المستحيل يمكن أن يحدث، وأنا أتخيل حقاً أننا سنحقق الفوز مرة أخرى. يجب أن يشعر ليفربول بالقلق من قدرتنا على مفاجأته من جديد؛ فنحن نمتلك سجلاً جيداً ضد أفضل فريق في البلاد».
في حين كان جيمي غريفز، الذي كتب في صحيفة «ميرور»، أقل تفاؤلاً، حيث قال: «الطريقة التي يلعب بها ليفربول تجعله قادراً على تحقيق الفوز بكل شيء هذا الموسم، بما في ذلك سباق القوارب!».
وفي النهاية، تبخرت آمال ليفربول في الحصول على الثنائية. وتلقى الفريق ضربة موجعة بغياب نجمه الأبرز، كيني دالغليش، بسبب الإصابة التي لحقت به أمام مانشستر يونايتد، والتي أبعدته عن الملاعب لمدة ثمانية أسابيع. لعب روبنسون، مهاجم برايتون السابق، مكان دالغليش، وقدم أداء سيئاً للغاية في تلك المباراة. بدأت تغطية قناة «آي تي في» للمباراة في الساعة 2:30 مساء، قبل خمس دقائق فقط من انطلاق المباراة، وكان المدير الفني لمانشستر يونايتد، رون أتكينسون، يساعد الرائع، براين مور، في التعليق على أحداث اللقاء. امتلأ ملعب «غولدستون غراوند» بـ19057 متفرجاً، وسرعان ما أصبح من الواضح أن مهمة ليفربول لن تكون سهلة على الإطلاق.
كان الجناحان، نيل سميلي وستيف بيني، يشكلان تهديداً متواصلاً لظهيري ليفربول، فيل نيل وألان كينيدي. ورغم أن جيمي كيس غاب عن مواجهة فريقه القديم بسبب الإيقاف، فإن غريليش وداني ويلسون قاما بعمل رائع في خط الوسط. وتوالت المصائب على ليفربول، حيث خرج غرايم سونيس قبل نهاية الشوط الأول، بعد تعرضه لإصابة قوية في أوتار الركبة.
شن ليفربول العديد من الهجمات الخطيرة، لكن حارس مرمى برايتون، جو كوريغان، تألق بشدة، ووقف سداً منيعاً أمام هجمات «الريدز». أنقذ الحارس البالغ من العمر 35 عاماً العديد من الكرات الخطيرة من روبنسون، كما تألق خط الدفاع من أمامه. وقبل نهاية الشوط الأول بقليل، أنقذ كوريغان تسديدة خطيرة من إيان راش. وكان راش (الذي سجل 47 هدفاً في جميع المسابقات في ذلك الموسم) على وشك إحراز هدف بعدما تابع الكرة التي أخرجها ستيف فوستر من على خط المرمى، لكنه لم ينجح في ذلك.
وسارت الأمور على النهج ذاته في الشوط الثاني، حيث أنقذ كوريغان هجمة خطيرة أخرى من راش. وبمرور الوقت، اكتسب لاعبو برايتون الثقة، وعندما لعب غريليش كرة طويلة خلف خط دفاع ليفربول المتقدم للأمام، ركض جيري رايان بسرعة فائقة نحو المرمى، ووضع الكرة من فوق بروس غروبيلار، مسجلاً الهدف الأول لبرايتون. وكان رايان هو الذي سجل أيضاً هدف برايتون الافتتاحي في المباراة التي فاز فيها على ليفربول، على ملعب آنفيلد، في العام السابق. وبالتالي، فإن الهدف الذي أحرزه في مرمى ليفربول هذه المرة في الدقيقة 57 أعطى ثقة كبيرة للاعبي برايتون، وجعل لديهم رغبة كبيرة في تكرار الأداء ذاته.
وعندما ضاعف تيري كونور النتيجة بعد دقيقة واحدة فقط، حدث ما يشبه الزلزال في ملعب «غولدستون غراوند»، وصرخ مور قائلاً: «شيء لا يمكن تصديقه! ليفربول يترنح». وكان من الغريب رؤية نجمي ليفربول، آلان هانسن ومارك لورنسون، المعروفين بهدوئهما الشديد وهما في حالة غضب عارم، في مشهد نادر للغاية. أُصيب ليفربول بالصدمة، وبدا عاجزاً تماماً عن العودة إلى أجواء اللقاء، وقدم فوستر والظهير إريك يونغ أداءً رائعاً مع برايتون. وفور انطلاق صافرة النهاية، نزل المشجعون إلى أرض الملعب للاحتفال بانتصار آخر لبرايتون. ولخصت صحيفة «ميرور» ما حدث في عنوانها الرئيسي الذي قال: «كل شيء جميل في برايتون».
وقال المدير الفني لبرايتون، كريس كاتلين، بسعادة بعد نهاية المباراة: «الفرق الأخرى تخسر أمامهم بسبب الخوف، وقد عملت جاهداً على ألا يحدث هذا معنا. لقد تغلبنا على أفضل فريق في أوروبا، وهزمناه بشكل مستحَق». وتوقع كاتلين أن يصل إلى المباراة النهائية لـ«كأس الاتحاد الإنجليزي»، مرة أخرى، أمام المدير الفني لليفربول، فاغان، فقال: «نحن محبطون للغاية. ليس هناك شك في أننا نعاني بشكل خاص أمام برايتون».
لقد بدا ليفربول فجأة ضعيفاً، لكنه سرعان ما استعاد توازنه، وفاز في ذلك الموسم بالدوري و«دوري أبطال أوروبا» و«كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة». أما برايتون، فخسر أمام واتفورد في الجولة التالية بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، وتبخرت أحلامه في الوصول إلى المباراة النهائية على ملعب «ويمبلي». لكن الفوز على ليفربول كان بمثابة ذكرى لا تُنسى في تاريخ برايتون.
بحلول ذلك الوقت، كان النادي يكافح من أجل البقاء في الدوري الممتاز، وبدت ذكرى الفوز على ليفربول وكأنها ضرب من الخيال. ومع ذلك، فبالنسبة لأولئك الذين يتذكرون برايتون وملعبه، «غولدستون غراوند»، وانتصارات الفريق على ليفربول في الكأس، والاضطرابات التي حدثت للنادي في وقت لاحق، فإن الانتصارات التي حققها الفريق في المباريات الأخيرة أمام الفريق الحالي لليفربول، بقيادة يورغن كلوب، لا تقل متعة وإثارة.