رحلة موسيقية كلاسيكية إلى باريس في عصر موسيقى الجاز

آلتا بيانو للعزف.. ثلاثة موسيقيين للتأليف.. ثماني أياد للعازفين

عازف البيانو الفرنسي جان أفلام بافوزيه
عازف البيانو الفرنسي جان أفلام بافوزيه
TT

رحلة موسيقية كلاسيكية إلى باريس في عصر موسيقى الجاز

عازف البيانو الفرنسي جان أفلام بافوزيه
عازف البيانو الفرنسي جان أفلام بافوزيه

في بداية القرن الماضي عد الموسيقار الفرنسي المبدع كلود ديبوسي رمزا للثقافة الفرنسية ردا على نفوذ الموسيقى الألمانية ممثلة بفاغنر، وبعد الحرب العالمية الأولى ترك الأميركان تحفظهم وانغمسوا في اللهو والبحث والاختراع تحت تأثير الفن الفرنسي والطب المتقدم والعلوم الفرنسية، وهذا ما أوحى لعازف البيانو الفرنسي البارع جان أفلام بافوزيه بتنظيم حفل موسيقي فريد في سان دييغو منذ أيام برعاية جمعية لاهويا الموسيقية قدم فيه ألحان الليل والقطعة الصغيرة والقصيدة الراقصة لديبوسي وألعاب الأطفال لبيزيه (مؤلف أوبرا «كارمن» الشهيرة) ثم قطعة «الأميركي في باريس» للموسيقار الأميركي ذي الأصل الروسي جورج غيرشوين. لم يقتصر العزف على بافوزيه وحده بل شاركته ثلاث عازفات على البيانو مرة بشكل ثنائي ومرة بشكل رباعي، فحصد الإعجاب والتقدير والتصفيق العارم.
هناك قصة غرام مستمر يتخللها الحسد أحيانا بين فرنسا وأميركا منذ أيام استقلال الولايات المتحدة، وكان هذا الإعجاب المتبادل جليا في هذه الحفلة الموسيقية. القطعة الأولى عبارة عن ألحان ليلية حالمة (نوكتورن) وكأنها صورة زيتية لرسام انطباعي يصف فيها الغيوم والاحتفال من خلال الضباب ويتلوها طلاء ملون لقارب صغير في البحر ثم القصيدة الراقصة التي كانت فكرة لموسيقى الباليه عام 1913، وتصور لعبة كرة المضرب (التنس) في حديقة قرب وقت الغروب في يوم حار حين يحاول اللاعب التودد إلى اللاعبة أثناء ضرب الكرة وملاحقتها خارج الملعب كي يتمكن من مغازلتها. المدهش أن بافوزيه قام ببحث مستفيض للنسخة الأصلية الضائعة والتي دققها أحد المحققين الموسيقيين الألمان عام 1998 لأن ديبوسي ألفها لآلتين من آلات البيانو قبل تحويلها إلى قطعة للأوركسترا وقام بافوزيه بنسخها بطريقة تلائم عزفها على آلتين من البيانو، وهذا ما سمعناه لأول مرة. كتب بيزيه ألحان «ألعاب الأطفال» العذبة عام 1871 بعد عام على الحرب الألمانية - الفرنسية واحتلال قوات بسمارك لباريس وتتألف من 12 مقطوعة صغيرة لا تتجاوز أي منها الدقيقتين وتصف أحب الأشياء للأطفال مثل الأرجوحة واللعبة ودوامة الخيل وفقاعات الصابون والقفزية.
القطعة الأخيرة المشهورة «الأميركي في باريس» كتبها غيرشوين في الأصل عام 1928 للبيانو يصف فيها زيارته لباريس وضوضاء شوارعها وجوها الفرنسي التقليدي ومزج فيها موسيقى الجاز الأميركي مع أنغام الأغاني الفرنسية الشائقة فكانت عملا ناجحا منذ اللحظة الأولى أجاد فيها التصوير والأداء. كانت ضربة موفقة في «عصر الجاز» كما وصفه الكاتب الأميركي سكوت فيتزجيرالد في قصصه. بدأ استعمال كلمة «جاز» لأول مرة عام 1913 للحديث عن أي نشاط فني يتميز بالحيوية والسعادة والنشاط وحب الحياة ثم اقتصر الموضوع على الموسيقى، وكان غيرشوين يتحدث بالموسيقى عن نزهته في شارع الشانزلزيه وروح التسلية التي أحس بها وهو يستمع إلى صوت أبواق التاكسي التي تطوف المدينة.
شاركت بافوزيه في العزف على البيانو سويون لي وو هان وآن ماري ماك ديرموت، وكانت المفارقة واضحة في طريقة العزف الرقيقة القوية المحنكة لبافوزيه وعزف السيدات الثلاث بالضربات العنيفة على أصابع البيانو رغم إتقانهن مما يدعو للتساؤل حول الباعث الخفي: هل هو محاولة للحاق بالفنان الفرنسي وإثبات المساواة أم إثارة إعجاب الجمهور بالمبالغة في البراعة؟
انتهى الحفل بمقطوعة إضافية لثماني أياد للعازفين وجلس بافوزيه بين السيدات الثلاث وأبهروا جميعا كافة الحضور بالتنسيق المحكم والانضباط الصارم في ما بينهم فوقف الجمهور على قدميه يحييهم ويصفق لهم بحماس منقطع النظير. يذكر بافوزيه المولود عام 1962 وكان آخر اكتشافات قائد الأوركسترا المرموق جورج شولتي للمواهب الصاعدة، أنه لم يكن متحمسا لموسيقى ديبوسي في البداية لكن أستاذه في دراسة الموسيقى تعلم على يد قائد الأوركسترا هنري بروزر الذي قدم موسيقى ديبوسي لأول مرة في الحفلات لذا فقد زوده بالكثير من المعلومات المهمة عن أفكار الموسيقار وطريقة تأليفه وعاطفيته. ويضيف بافوزيه قائلا: «كنت ذات مرة أستعد لحفلة موسيقية في طوكيو وأستمع في غرفتي بالفندق إلى أوبرا (بيلاس وميليزاند) لديبوسي كما سجلها قائد الأوركسترا العملاق كارايان، وفجأة شعرت برغبة في البكاء من دون انقطاع فقد هزتني القوة العاطفية في تلك الموسيقى، ومن وقتها أصبحت من أكثر المعجبين بديبوسي».
جاء بافوزيه من فرنسا هذا الشهر بعد تقديمه عدة حفلات لموسيقى هايدن وبيتهوفن، مؤكدا براعته في قطعة «ليلة في حدائق إسبانيا» لدو فايا، وقد عمل سابقا مع كبار قادة الأوركسترا الأحياء مثل بيير بوليز وفاليري غرغييف ونيمه يارفي وإيفان فيشر وفلاديمير جورافسكي، وأجرت معه مجلة الموسيقى لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مقابلة مطولة نشرت هذا الشهر، ويزور حاليا عدة مدن أميركية وسيقدم في حفلته القادمة بعد أسبوع في مدينة بتسبرغ موسيقى بروكوفييف. يضحك بافوزيه حين يذكر ما قاله غيرشوين حين سمع أن الفتاة التي أعجب بها (ربما في باريس) تزوجت، فقال: لو لم أكن مشغولا للغاية لشعرت بالغضب!



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.