كيف تغلغلت أيديولوجيا «القاعدة» و«داعش» في الحركات الإرهابية الأفريقية؟

وسط تحذيرات من تنامي خطورة التنظيمات المتطرفة بالقارة السمراء

صورة لتفجير إرهابي في أفريقيا (مقديشو-الصومال) في 14 أكتوبر 2017 (crisisgroup.org)
صورة لتفجير إرهابي في أفريقيا (مقديشو-الصومال) في 14 أكتوبر 2017 (crisisgroup.org)
TT

كيف تغلغلت أيديولوجيا «القاعدة» و«داعش» في الحركات الإرهابية الأفريقية؟

صورة لتفجير إرهابي في أفريقيا (مقديشو-الصومال) في 14 أكتوبر 2017 (crisisgroup.org)
صورة لتفجير إرهابي في أفريقيا (مقديشو-الصومال) في 14 أكتوبر 2017 (crisisgroup.org)

وسط تحذيرات من تنامي التنظيمات المتطرفة في القارة الأفريقية، خصوصاً أفرع تنظيم «داعش»، الذي يتمدد بشكل لافت في دول الساحل الغربي، يرى خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن أيديولوجيا «القاعدة» و«داعش» تغلغلت في الحركات الإرهابية الأفريقية، على مدار العقود الماضية، رغم تباين الدوافع والأفكار وخصوصية الحركات الأفريقية في كثير من الأحيان، بسبب تفشي الفساد والاستبداد السياسي، مع هشاشة الأنظمة الأمنية وحرية الحركة بين تلك الدول.
وتنتشر في أفريقيا تنظيمات إرهابية مسلَّحة عدة؛ أبرزها «بوكو حرام» في نيجيريا، و«القاعدة» في المغرب الإسلامي شمال الصحراء الكبرى، وحركة «الشباب المجاهدين» الصومالية، وحركة «أنصار الدين» السلفية الجهادية في مالي، وحركة «التوحيد والجهاد» في غرب أفريقيا، وكذلك «القوات الديمقراطية المتحالفة» في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ووفق تقرير لمؤسسة «ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان»، صدر أخيراً عن أعمال العنف في أفريقيا، فإن «الإرهاب سلب حياة 1566 ضحية»، خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي فقط، 714 منها في إقليم شرق أفريقيا، في حين جاء الصومال التي تنشط فيها «حركة الشباب» الموالية للقاعدة، في المرتبة الأولى من حيث الدول الأكثر دموية في ديسمبر بواقع 505 ضحايا، يليه الإقليم الغربي بنصيب 550 ضحية. واحتلّ إقليم وسط أفريقيا المرتبة الثالثة بواقع 266 ضحية. وسقط إقليم الجنوب الأفريقي كعادته في المرتبة الرابعة بعد تسجيله 41 ضحية. ويختتم إقليم الشمال الأفريقي الأكثر استقراراً نسبياً بواقع 7 ضحايا في شهر ديسمبر.
ويرى المحلل السياسي الصومالي خالد أيجيح، المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، أن الحركات المسلَّحة الموجودة حالياً في الساحة الأفريقية هي حركات نشأت أو ساعد في نشوئها الظروف الاقتصادية والسياسية المتردية في قارة أفريقيا عموماً، معتبراً أن «معظم هذه الحركات نشأت بسبب الطغيان والاستبداد السياسي، وكذلك الظروف الاقتصادية المتردية»، لذلك فإن معظم هذه الحركات تابعة لتنظيمات عالمية مثل «القاعدة» و«داعش»، بعكس الحركات الإسلامية الجهادية التاريخية في أفريقيا مثل حركة المهدية في السودان، وحركة الدراويش في الصومال؛ إذ كانتا حركتين جهاديتين أفريقيتين صميمتين، نشأةً وفكراً وأعضاء.
ورجّح أيجيح، في تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، ألا تنجح أي من هذه الحركات المسلَّحة، المُوالية للقاعدة وداعش، في السيطرة على الحكم في بلدانها، مثلما فعلت حركة «طالبان» الأفغانية؛ لأنها «لا تملك حلولاً وطنية أو أصيلة لمشكلات بلدانها السياسية والاقتصادية»، على حد قوله.
وعلى الرغم من إقراره بتغلغل أيديولوجيا أفكار «داعش» و«القاعدة» في فكر الحركات المسلَّحة الأفريقية، بسبب تقارب التوجهات وحاجات التنظيمات المحلية لخبرة وقدرات التنظيمات العالمية، فإن الخبير المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب يرى أن أغلب مجموعات العنف والتطرف الأفريقية تمتلك في المقابل طابعاً خاصاً، مشيراً إلى أن هذه التنظيمات بعضها تنظيمات محلية، والبعض الآخر ينتمي إلى فصيل أكبر قد يكون عابراً للحدود والقارات. وتلك هي المجموعات التي أعلنت المبايعة، سواء لتنظيم قاعدة الجهاد، أو داعش، لكن هذا لم يمنع خصوصية تلك التنظيمات المحلية والإقليمية؛ فهي تنظيمات محلية أو إقليمية نشأت داخل الإقليم، لكنها بايعت تنظيماً آخر عابراً للقارات.
وقال أديب، لـ«الشرق الأوسط»، إن البعض لم يبايع «القاعدة» و«داعش»، بل إن تنظيماً مثل «بوكو حرام»؛ وهو تنظيم نيجيري محلي جداً، جزء منه بايع «القاعدة»، وجزء بايع «داعش»، مما جعله متفرداً له خصوصية محلية وإقليمية.
ولفت أديب إلى خصوصية قارة أفريقيا من حيث الأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية، ومشكلات الحدود الجغرافية، وحرية التنقل بين دول القارة، وهي أمور تدفع بعملية تأثير بين هذه التنظيمات، فتجدها تنظيمات ملقّحة، وتجد صفات من حركة «الشباب» الصومالية تتمتع بها «بوكو حرام»، وصفات لـ«بوكو حرام» أثّرت في حركة «شباب المجاهدين»، رغم أن «بوكو حرام» يغلب عليها الفكر الداعشي، ورغم أن هوى تنظيم حركة «الشباب» الصومالية قاعدي، لكن التأثير بين كلا التنظيمين ما زال موجوداً وكبيراً، كما يشير الخبير المصري.
ويعتبر الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة أحمد بان أن «الولاء الأيديولوجي للجماعات المسلّحة في أفريقيا هو لاحق على الولاء الإثني، لكن أيضاً أوضح، لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك التحاماً بين الدافعيْن، وأحياناً تغلب الأيديولوجيا والتي لعب فيها فكر القاعدة وداعش دوراً بشكل كبير، وأحياناً تغلب الإثنية المحلية».
ويلفت أحمد بان إلى تراجع البنية التنظيمية للقاعدة في القارة حالياً، في المقابل تحتفظ «داعش» بقوتها ونفوذها بسبب بنيانها.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد إن انتشار الإرهاب في أفريقيا لا يمثل مصدر قلق للدول الأفريقية وحدها، بل هو «تحدّ لنا جميعاً». وأشارت إلى أن أفريقيا تتأثر بالتهديد الذي يشكله الإرهاب أكثر من أية منطقة أخرى في العالم.
وقالت أمينة محمد إن الإرهابيين والمتطرفين العنيفين - بما في ذلك «داعش» و«القاعدة» والجماعات التابعة لهما - استغلوا عدم الاستقرار والصراع بهدف زيادة أنشطتهم وتكثيف الهجمات في جميع أنحاء القارة، مشيرة إلى أن العنف الوحشي لهذه الجماعات تسبَّب في مقتل وجرح الآلاف.
ويبقى الوضع في منطقة الساحل وغرب أفريقيا مُلحّاً بشكل خاص، حيث تنشط بعض الجماعات التابعة لـ«داعش» الأكثر عنفاً في المنطقة. وخلال العامين الماضيين توسعت هذه الجماعات عبر مناطق واسعة من الساحل، مما زاد من وجودها في مالي، بينما توغلت أكثر في بوركينا فاسو والنيجر، وفقاً لأمينة محمد.


مقالات ذات صلة

غوانتانامو... ما سبب بقائه مفتوحاً حتى الآن؟!

تحليل إخباري خفض البنتاغون مؤخراً عدد العاملين في السجن بأكثر من النصف (نيويورك تايمز)

غوانتانامو... ما سبب بقائه مفتوحاً حتى الآن؟!

لم يبق في السجن سوى 15 معتقلاً، بعد أن كان يضم مئات الأشخاص عند افتتاحه قبل 23 عاماً. لكن العملية المكلفة قد تستمر لسنوات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا جنود ماليون خلال تدريبات عسكرية على مواجهة الإرهاب (أ.ف.ب)

تنظيم «القاعدة» يهاجم مدينة مالية على حدود موريتانيا

يأتي الهجوم في وقت يصعّد تنظيم «القاعدة» من هجماته المسلحة في وسط وشمال مالي، فيما يكثف الجيش المالي من عملياته العسكرية ضد معاقل التنظيم.

الشيخ محمد (نواكشوط)
الولايات المتحدة​ سجين في مركز الاحتجاز رقم 6 بخليج غوانتانامو في عام 2019 - يوجد الآن 15 رجلاً متبقين في السجن (نيويورك تايمز)

واشنطن ترسل 11 من سجناء غوانتانامو لعمان

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الاثنين، أن الجيش أرسل 11 سجيناً يمنياً من سجن غوانتانامو إلى عمان، كي يبدأوا حياة جديدة، ليتبقى بذلك 15 رجلاً بالسجن.

كارول روزنبرغ
أفريقيا تييرنو أمادو تال اختطفه تنظيم «القاعدة» وتوفي في ظروف غامضة (صحافة محلية)

وفاة زعيم محلي في مالي اختطفه تنظيم «القاعدة»

أعلن تنظيم «القاعدة» أن زعيم مجموعة محلية يتمتع بنفوذ واسع في مالي وغرب أفريقيا توفي حين كان رهينة بحوزة مجموعة تابعة للتنظيم في حادثة أثارت ردود فعل غاضبة

الشيخ محمد (نواكشوط )
أفريقيا وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)

تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

كشفت مصادر أمنية رسمية تونسية عن أن قوات مكافحة الإرهاب والحرس الوطني أوقفت مؤخراً مجموعة من المتهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي» في محافظات تونسية عدة.

كمال بن يونس (تونس)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.