نشاط «داعش» الإقليمي... تهديدات متجددة وقيادة متطلعة

مراقبون اعتبروا عمليات التنظيم الأحدث «قراراً مركزياً»

عناصر من «تنظيم داعش» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «تنظيم داعش» (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

نشاط «داعش» الإقليمي... تهديدات متجددة وقيادة متطلعة

عناصر من «تنظيم داعش» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «تنظيم داعش» (أرشيفية - أ.ف.ب)

في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أقرّ «تنظيم داعش» بمقتل زعيمه أبو الحسن الهاشمي، بعد نحو 7 أشهر فقط على توليه زمام الأمور، وسرعان ما أعلن التنظيم اسم خليفته الجديد أبو الحسين الحسيني، ومنذ ذلك الحين تبنى مقاتلوه تنفيذ عمليات في العراق، وسوريا، ومصر. الأمر الذي عدّه مراقبون، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، «إشارة إلى قرار تنظيمي مركزي باستعادة الأنشطة، وليس مجرد عمليات فردية».
ومنذ فقدان «داعش» عام 2017 السيطرة على مدينة الموصل العراقية التي كانت معقلاً لوجوده، ينفذ مقاتلوه هجمات مختلفة، ويسيطرون على بعض الجيوب، بينما تعاقب على قيادة التنظيم بعد أبو بكر البغدادي، أبو الحسن الهاشمي، والزعيم الحالي أبو الحسين الحسيني.
وخلال الأيام العشرة الماضية، شنّ مقاتلو «داعش» هجوماً في مدينة الرقة بسوريا استهدف مراكز أمنية، قبل أن تحبطه «قوات سوريا الديمقراطية»، وكذلك هاجمت عناصره في العراق قوات الشرطة بمدينة كركوك، فيما كانت أحدث الهجمات التي تبناها «داعش» في مدينة الإسماعيلية بمصر؛ حيث تم استهداف حاجز أمني.
غير أنه في المقابل، نفذت «قوات التحالف الدولي ضد (داعش)» عملية إنزال جوي (الاثنين)، شرق سوريا، أسفرت عن اعتقال أحد عناصر التنظيم في قرية بريف دير الزور، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
ويعتقد الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، عمرو عبد المنعم، أن «هناك أوامر مركزية بتلك الهجمات صدرت من القيادة العليا الجديدة في (داعش)، ويمثلها أبو الحسين الحسيني»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك طرفين يسعى التنظيم لمخاطبتهما بعملياته الأحدث، الأول تمثله الحكومات والتحالف الدولي الذي يحارب التنظيم، بينما الثاني يتمثل في (تنظيم القاعدة)».
وشرح عبد المنعم أنه «بالنسبة لطرف الحكومات، فإن (داعش) يريد التأكيد على استمرار قوة شوكته، وقدرته على إيقاع الخسائر بمناوئيه عبر تلك العمليات، وكذلك يرغب أن يؤكد لمنافسيه في (القاعدة) صلابته التنظيمية واستمرار تفرده بصدارة المشهد الحركي».
وبشأن تقييم العمليات الأحدث على المستوى العسكري لـ«داعش»، رأى عبد المنعم أنها «تعبر عن فشل عسكري، لأنها تعتمد على أفكار الإغارة واستخدام معدات بدائية وأولية، في ظل غياب التجهيزات الضخمة السابقة على مستوى التسليح أو الانتقال». مستشهداً بـ«الهجوم الأخير في مدينة الإسماعيلية المصرية، الذي اعتمد على طرق هجوم بدائية ومستهدفات عابرة غير مخططة مقارنة بعملياته السابقة».
ويلفت الباحث في قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي إلى أن «استراتيجية (داعش) خلال الفترة الراهنة في مناطق نفوذه التقليدي مثل سوريا، والعراق، باتت مختلفة عن استراتيجية (التمكين) التي غلبت على سنوات العمل السابقة»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «العمل الراهن للتنظيم يعتمد ما يمكن وصفه بـ(استراتيجية النكاية والتنكيل) التي تركز على استنزاف قوات الأمن والجيوش، عبر جيوب صغيرة أو الذئاب المنفردة، وهو ما يحقق فكرة تأكيد الحضور بأقل تكلفة، بعد نكبات متكررة».
ويذهب فوزي أن «هناك هدفاً عاماً يسعى التنظيم لترسيخه عبر الظهور في نطاقاته التقليدية في سوريا والعراق؛ غير أن هناك ثغرات معينة في كل دولة يسعى التنظيم إلى أن ينفذ منها، ففي العراق مثلاً تظهر مشكلة الخلافات السياسية وانعكاسها على الوضع الأمني، وضعف التنسيق بين الحكومة المركزية، وحكومة إقليم كردستان».
وكان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قال قبل أقل من أسبوعين، إن «ما حدث من عمليات لـ(داعش) في محافظتي كركوك وديالى لن يمر من دون قصاص»، ودعا السوداني خلال اجتماع أمني مع رئيس أركان الجيش ونائب قائد العمليات المشتركة وعدد من كبار القادة الأمنيين والعسكريين من مختلف أفرع القوات الأمنية «بإعادة إجراء تقييم شامل للخطط الموضوعة، وتغيير التكتيكات العسكرية المتبعة في المناطق التي تشهد نشاطات لفلول الإرهاب».
ويعود فوزي للتأكيد على أن «(داعش) ينظر إلى سوريا التي يسعى لاستعادة النشاط بها، من منظور يرتبط بتنافسه مع (القاعدة) الذي يعبر عن نفسه بتنظيم (حراس الدين) الموجود في شمال سوريا، وكذلك تنافس (داعش) مع (هيئة تحرير الشام)، الأمر الذي يفسر التركيز على سوريا بشكل أساسي في العمليات».
وبشأن التوقعات لما يمكن أن ينفذه (داعش) خلال الفترة المقبلة، قال عبد المنعم: «من المتوقع بقوة أن تكون هناك عمليات أخرى في العمق داخل دولة أوروبية، لإشعار دول العالم بأنها موجود وقادر رغم ما يعانيه من نضوب الموارد المالية أو العمليات التي تستهدف قياداته». وكانت ألمانيا أعلنت، في 21 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلقاء القبض على رجل يُشْتَبَه في أنه مقاتل سابق ضمن صفوف «تنظيم داعش»، وذلك لدى عودته إلى ألمانيا.
وأوضح الادعاء الألماني أن «أفراداً من الشرطة الاتحادية والمكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة ألقوا القبض على الرجل مباشرة لدى وصوله إلى مطار فرانكفورت».


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».