«نجوم فيسبوك»... دعم لصُناع المحتوى أم للتفوق على المنافسين؟

«نجوم فيسبوك»... دعم لصُناع المحتوى أم للتفوق على المنافسين؟
TT

«نجوم فيسبوك»... دعم لصُناع المحتوى أم للتفوق على المنافسين؟

«نجوم فيسبوك»... دعم لصُناع المحتوى أم للتفوق على المنافسين؟

في حين بدت تحديثات شركة «ميتا» الأميركية العملاقة كأنها تراهن على العام الجديد لتعويض خسائر العام المنصرم، جاء إعلان دعمها لصُناع المحتوى، من خلال طرح طرقٍ جديدة لتحقيق أرباح على «فيسبوك»، إحدى منصات الشركة. وأبرز هذه الطرق «نظام النجوم أو المكافآت» الذي يسمح للمستخدمين بدعم صُناع المحتوى المفضّلين لديهم بهدايا افتراضية، تتحول إلى أموال.
الشركة أعلنت في بيان على المدونة الخاصة بها، في نهاية ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، عن خفض الحد الأدنى الذي يجب على صُناع المحتوى تحقيقه من التفاعل والمشاهدات لتحقيق الأرباح، الأمر الذي يفتح المجال لإنعاش هذه السوق بأنماط متنوعة من المحتوى الرقمي. إلا أن خطوات «ميتا» تثير بعض المخاوف بشأن جودة ما يقدم للجمهور، وتقليص معايير النشر لصالح المكاسب المادية. كذلك تعتري نمط المكافآت شكوك، ويفتح الباب للتلاعب؛ سواء من قبل المنصات أو من قِبل صُناع المحتوى أنفسهم.
الخبير التقني السعودي، خالد أبو إبراهيم، يعتبر أن «ميتا» بهذه الخطوة «تعود إلى الهدف الرئيس لمنصات الشركة، ألا هو تعزيز التواصل من خلال محتوى أكثر جذباً». وتابع في حوار مع «الشرق الأوسط» بأن «ضمان التفاعل هو السبيل لتعويض الخسائر. وهذا لن يتحقق إلا بتوفر محتوى هادف ومثير ومتجدد، وربما ممل حتى! وذلك لكي يستهدف حاجة المتابعين، ومن ثم صناعة المحتوى... التي هي مفتاح القيمة السوقية للمنصات». ويستطرد قائلاً إن «المنافسة المحمومة بين المنصات بعد سنة من الاضطراب الاقتصادي، دفعت إلى الكشف عن وسائل جديدة للأرباح».
الخبير التقني السعودي لا يرهن نجاح المحتوى بالقيمة الهادفة؛ لكنه يرى في التنوع سبيل الاستمرار. وهنا يوضح: «لا يمكن إعلاء محتوى وإهمال آخر، فالمتابع بحاجة إلى توليفة متنوعة تجمع المتعة والتعليم والسفر والحياة في قوالب مختلفة، جميعها نتوق له... لا يمكن حصر احتياجات المستخدمين في أنماط بعينها وتجاهل أخرى». ثم يضيف، متوقعاً أن تتطور خوارزميات منصات التواصل التي تعمل بالذكاء الاصطناعي: «مع انتعاش سوق صناعة المحتوى، ستتجه المنصات إلى ترشيحات أكثر دقة لضمان التفاعل، ومن ثم تحقيق المكاسب».
ويعلق خالد البرماوي، الخبير المصري في الإعلام الرقمي، على الأمر، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «(ميتا) في أزمة حقيقية تدفعها نحو توفير فرص للربح، حتى وإن كانت محفوفة ببعض المخاطر». ويتابع: «(تيك توك) تصعد بسرعة غير متوقعة، تفوق خطط عمل المنصات المنافسة. ومن ثم حكمت المنافسة سرعة التحرك، حتى وإن كان بنسخ تجارب». ثم يضيف: «(فيسبوك) تحت ضغط الخسائر الاقتصادية من ناحية، وتوسع منافسة (تيك توك) التي لا تتوقف عن الشراكات واستحداث المزايا، لن يجد سبيلاً سوى اختبار التجارب». وللعلم، حسب بيان «ميتا»، فإن الشركة أطلقت بالفعل نموذج العمل بـ«النجوم» على مستوى محدود، بمجموعة مختارة من صُناع المحتوى.
ووصفت الشركة الخدمة الجديدة بأنها تحاكي أنظمة الهدايا مثل «توتش بيتس» Twitch’s Bits و«سوبرتشاتس» SuperChats المعروفة على «يوتيوب»؛ إلا أنها لم تذكر نظام المكافآت والهدايا على «تيك توك» الذي فُعّل ودُعم على مدار العام الماضي.

نسخ التجارب
عودة إلى أبو إبراهيم، فإنه -تعليقاً على نسخ التجارب- لا يرى اجتذاب خاصية من تطبيق منافس أمراً يثير المخاوف؛ بل هي في إطار المنافسة السوقية المعتادة. وصحيح أن نظام المكافآت معمول به على «تيك توك»؛ لكن هذا لا يضمن النجاح على «فيسبوك» ولا يعد مؤشراً للتراجع؛ حسب قوله.
ثم يضرب الخبير السعودي مثالاً بتطبيق «كلوب هاوس» الذي أطلق المحادثات الصوتية أول مرة، وصعد إلى الواجهة بمجرد دخوله سوق منصات التواصل الاجتماعي متكئاً على هذه الميزة، ما أثار مخاوف «تويتر» لتتحصن بالخدمة عينها، وتخرج مساحة التواصل الصوتي على المنصة التي أُطلق عليها مسمى «سبيس». ويضيف: «صحيح أنها بدأت كخطة دافعية في خضم المنافسة، إلا أنه بعد شهور تراجع (كلوب هاوس) واستمرت خدمة (سبيس)؛ بل وصارت إحدى خدمات (تويتر) البارزة». جدير بالذكر أنه قبل خروج «سناب شات» و«تيك توك»، كانت منصة «تويتر» قد أطلقت تطبيقاً للفيديوهات القصيرة، سمَّته «فيميو»، وقدم خدمات قريبة لتطبيقات الفيديوهات القصيرة الحالية. غير أنه لم يحقق نجاحاً لافتاً حتى تلاشى نهائياً. ثم ظهر «سناب شات»، ومن بعده «تيك توك» ليتصدرا المشهد، وهذا يعكس أن نسخ التجارب هو سبيل معمول به في عالم الفضاء الإلكتروني القائم على التجربة. وهنا يرى الخبير التقني السعودي أن «رهان النجاح يرتكز على خطة العمل». ويطرح فكرة «الدفع مقابل المتعة»، ويقول: «ربما يرى البعض أنه من الصعب تحول المستخدم الذي اعتاد الحصول على خدمات مجانية إلى مقعد المموّل، غير أن تجارب سابقة تشير إلى النقيض. مثلاً ألعاب الفيديو التي بدأت مجانية، ثم باتت تفرض على المستخدم الدفع، وهو الآن يستجيب دون ملل أو شكوى، ما يعني مبدأ أن الدفع مقابل المتعة وارد، وحان تفعيله على نحو أوسع».

مكاسب الإعلام الرقمي
في سياق متصل، حين أعلنت «ميتا» دعمها لصُناع المحتوى، لوحظ أنها بقيت صامتة فيما يخص صُناع الإعلام. وهنا يقول الخبير المصري إن «موقف (ميتا) المُعلن من المؤسسات الإعلامية يشير إلى الدعم، غير أن ثمة تحركات وقرارات ربما تشير إلى اعتبارات أخرى». ويردف: «نحو 95 في المائة من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، لا يأتي من المؤسسات الصحافية والإعلامية... ويتحكم فيها صانع المحتوى الحُر الذي لا ينتمي لمؤسسة. ثمة آلاف ممن يصفون أنفسهم بـ(صُناع محتوى)، يصل عددهم عالمياً لنحو 50 مليون حساب، وهم الحصان الرابح؛ بلا شك، بينما العلاقة بمنصات الإعلام قد لا تشهد تطوراً قريباً؛ بل أقصى ما يمكن أن تطمح له وسائل الإعلام هو أن تبقى الأمور على حالها».
وحول المؤشرات الصادرة من منصات التواصل الاجتماعي، وتأثيرها على المؤسسات الإعلامية، يقول خالد أبو إبراهيم، إن «ثمة علاقة وثيقة تربط اقتصادات مواقع التواصل الاجتماعي وصناعة الإعلام التقليدية التي باتت تعطي اعتباراً للأنظمة الرقمية... فالفضاء بات مساحة النشر الأشمل لجميع المؤسسات الصحافية والإعلامية». ولذا فهو يتوقع أن «تتمدد مساحات الإعلام الرقمي خلال العام الحالي... ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي مساحة لاستيعاب مزيد من الإعلاميين، وتجربة دعم صُناع المحتوى سترمي بثقلها على نماذج العمل، وتعطي الإعلاميين مؤشراً للتحرك في مساحات مشابهة، بما يتلاءم مع رسالتهم الإعلامية».
أخيراً، عن دفع نموذج «النجوم» لتخفيف معايير صناعة المحتوى، يعتقد البرماوي أنه «لا نية لتخفيف المعايير، فهي فعلاً مُحددة برفض العنصرية والعنف والمحتوى الجنسي؛ لكن ماعدا ذلك، فالساحة مفتوحة وتحتضن أشكالاً عدة من المحتوى... ودعونا نعترف بأن اهتمامات الجمهور هي المحرك الأهم». ومن ثم يشير إلى «أهمية تطوير الخدمات الإعلامية لمواكبة سرعة التطورات المتلاحقة... فصانع المحتوى يقدم الترفيه والجاذبية؛ لكن المعلومة الموثوقة والدقيقة يجب أن تظل لها مصادر معلومة، وهي الإعلام». ويتابع: «يجب أن يحجز الإعلام مكانه في صناعة المحتوى الخاص بالمعلومات والخدمات؛ لا سيما أن ما يقدمه صُناع المحتوى لا يلتزم بمعيار الموضوعية، وهنا تأتي الصحافة المهنية والموثوقة».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.