ارتفاع تسعيرة السيارات العمومية يدفع لبنانيين للجوء إلى الباصات

10 منها قدمتها فرنسا وبدأت العمل في بيروت وضواحيها

TT

ارتفاع تسعيرة السيارات العمومية يدفع لبنانيين للجوء إلى الباصات

10 باصات للنقل العام فقط من أصل 50 تبرعت بها الدولة الفرنسية للبنان، بدأت العمل ضمن نطاق بيروت الكبرى وضواحيها. فنقص الأموال والسائقين حالا دون وضع المزيد من الباصات على الطرقات، في وقت بلغت فيه تسعيرة السيارات العمومية الخاصة مستويات غير مسبوقة باتت ترهق الموظفين الذين لا يملكون سيارات ويضطرون لدفع القسم الأكبر من رواتبهم على المواصلات.
وتأخرت عملية إطلاق هذه الباصات حتى إنجاز صيانتها باعتبارها مستعملة، وكان يتطلب وضعها على الطرقات أعمال صيانة إضافة لأعمال إدارية شتى.
ويشكل النقل المشترك 5 في المائة فقط من حجم السوق في لبنان. وتعتبر نسبة السيارات التي تسير على الطرقات مرتفعة جداً، خاصة أنها لا تحوي عادة أكثر من شخصين. إلا أن غياب وسائل النقل العام يدفع القسم الأكبر من اللبنانيين لاقتناء سيارات والتنقل بها. وقد اضطر معظمهم بعد اندلاع الأزمة المالية في عام 2019 وانهيار سعر صرف الليرة وتجاوز سعر صفيحة البنزين عتبة الـ750 ألف ليرة لبنانية (نحو 17 دولاراً أميركياً)، للبحث عن سبل أخرى للتنقل كالدراجات النارية وغيرها.
وتعمل وزارة الأشغال والنقل بالتعاون والتنسيق مع مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك على نهج جديد في التعاطي مع القطاع، بحيث تكون الدولة هي المنظم والقطاع الخاص هو المشغل للباصات الـ95 التي يمتلكها لبنان.
وبحسب وزير الأشغال والنقل علي حمية، فإن عدد موظفي مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك 2808، فيما يوجد في المصلحة حالياً فقط 28 سائقاً، «ولأجل ذلك اتخذنا قراراً بتسيير الباصات ضمن بيروت الكبرى وجبل لبنان»، مشيراً إلى أن «التعرفة ستكون 20 ألف ليرة للشخص (نحو 0.45 دولاراً)».
وتشدد مصادر وزارة الأشغال على «وجوب تأمين الاعتمادات اللازمة لتسيير هذه الباصات عام 2023 بعدما تم تأمين الأموال اللازمة للشهر الأخير من العام الحالي»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الوزارة التي كانت أكثر الوزارات إنفاقاً وأقلها إدخالاً للإيرادات باتت اليوم أكثر وزارة تدخل أموالاً إلى الخزينة، لكن يتوجب بالمقابل مدها بالأوكسجين لتسير أعمالها».
ويشير رئيس مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك زياد نصر إلى أن «عمل الباصات الـ10 يتم ضمن إطار الإمكانيات المادية والبشرية التي لدى الوزارة والمصلحة»، لافتاً إلى أن «استمرارية العمل بها ستكون مهددة في حال عدم تأمين الأموال اللازمة للصيانة وشراء المازوت». ويعتبر نصر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «إجازة الحكومة بالتعاقد مع القطاع الخاص لتشغيل هذه الباصات، وفق عقد واضح والتزام بقانون الشراء العام، من شأنه أن يشكل عاملاً مساعداً باعتبار أن لدى هذا القطاع مرونة بالشراء الفوري»، معرباً عن أمله بأن «يتقدم العاملون في هذا القطاع للمشاركة في هذه المهمة، باعتبار أننا لمسنا عدم حماسة حين أطلقنا في الصيف مناقصات مرتبطة بالصيانة والفيول والسائقين، أما التردد فناتج عن عدم استقرار سعر الصرف والمطالبة بالتسعير بالدولار، وهو ما لا نستطيع أن نقوم به».
من جهته، أوضح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر أن «مرحلة تسيير الباصات حالياً هي تجريبية»، لافتاً إلى أن «إطلاقها احتاج وقتاً لصيانتها وتأمين السائقين». وشدد الأسمر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على «أهمية هذه الخطوة في ظل الغلاء الفاحش الذي نشهده، ويجعل الكثير من الناس غير قادرة على التنقل»، موضحاً أن «تسعيرة «السرفيس» ضمن بيروت مثلاً تتراوح ما بين 50 و70 ألف ليرة لبنانية (ما بين دولار ودولار ونصف)، ولا إمكانية لتثبيتها، وهو ما يفترض أن تقوم به وزارة النقل بالتنسيق مع اتحادات النقل البري؛ نظراً لعدم ثبات سعر الصرف كما سعر صفيحة البنزين التي تشهد ارتفاعاً متواصلاً». وشهد قطاع النقل البري صفعة قوية مع قرار الحكومة تحويل قرض البنك الدولي الخاص بتطوير النقل المشترك، والذي كانت تبلغ قيمته 295 مليون دولار، لتغطية مصاريف مرتبطة بتأمين مواد أساسية في ظل شح احتياطات مصرف لبنان. وكان من المفترض أن يغطي هذا القرض تكاليف مشروع النقل العام في بيروت الكبرى، والذي يهدف إلى إطلاق أول شبكة مواصلات عامة حديثة في البلاد منذ عقود، وتخفيف التكدس المروري الخانق على الطرق اللبنانية.
وتدخل إلى العاصمة بيروت يومياً 400 ألف سيارة من المناطق المجاورة والبعيدة. وقد تزايد عدد السيارات في لبنان بشكل غير مسبوق في السنوات 20 الماضية، وهو يبلغ حالياً 1.5 مليون سيارة.
ويملك لبنان مساحة 403 كلم مخصصة لسكك حديد لا يستفيد منها أبداً. ففي السابق كانت هناك 3 خطوط عاملة وهي: خط الناقورة - بيروت – طرابلس مع امتداد نحو حمص في سوريا، وخط بيروت - دمشق، وخط رياق - حمص. أما اليوم فقد أصبحت البنية التحتية للسكك الحديد غير قابلة للتشغيل، وتم التعدي بالبناء على أجزاء كبيرة من حرمها.
وقد أعدت مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك «مشروعاً متكاملاً» لإعادة تأهيل هذه السكك وخطي بيروت - طرابلس وطرابلس - العبودية (الحدود السورية)، وتم تنفيذ دراسة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وهي تنتظر التمويل اللازم الذي يبلغ نحو 2.5 مليار دولار.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«عميد المعتقلين السوريين»... من هو رغيد الططري الذي أمضى 43 عاماً خلف القضبان؟

صور متداولة للطيار السوري السابق رغيد الططري الذي أمضى أكثر من 4 عقود في السجن (إكس)
صور متداولة للطيار السوري السابق رغيد الططري الذي أمضى أكثر من 4 عقود في السجن (إكس)
TT

«عميد المعتقلين السوريين»... من هو رغيد الططري الذي أمضى 43 عاماً خلف القضبان؟

صور متداولة للطيار السوري السابق رغيد الططري الذي أمضى أكثر من 4 عقود في السجن (إكس)
صور متداولة للطيار السوري السابق رغيد الططري الذي أمضى أكثر من 4 عقود في السجن (إكس)

أطلقت قوات المعارضة السورية سراح عشرات الآلاف من المعتقلين بالسجون السورية بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وفرار الأخير إلى روسيا.

وبدأت منذ يوم الأحد الماضي تظهر إلى العلن صور وقصص المعتقلين المحررين، حيث قضوا أوقاتاً صعبة وأليمة داخل سجون النظام وسط ظروف إنسانية تدمع لها الأعين.

ومن أكثر الصور المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، تلك التي تظهر الطيار رغيد الططري، الذي اعتقل عام 1981 عن عمر لا يتجاوز 27 سنة، وذاق أخيراً طعم الحرية.

وبعد 43 عاماً، أبصر الططري النور، وخرج لأول مرة من السجن، بعدما شاب شعره ورَسمت تجاعيدُ وجهه لوحةً لعمر ضاع خلف القضبان.

فمن هو الططري؟

وُلد رغيد الططري في دمشق عام 1955، وأصبح طياراً في القوات الجوية السورية عندما كان في العشرينات من عمره.

وتقول التقارير إنه بعدما رفض قصف مواقع بمحافظة حماة، أو الإبلاغ عن زملاء له انشقوا عن الجيش، فصلته الحكومة السورية من عمله ضابطاً وطياراً حربياً، ولم يعد له مورد للعيش مع عائلته، فاضطر للسفر إلى الأردن عام 1980 ومن ثم مصر، وحاول تقديم طلب لجوء لدى الأمم المتحدة عام 1981، لكن الأمر قوبل بالرفض.

وأجبره ذلك على العودة إلى بلاده أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1981، حيث اعتُقل بمطار دمشق الدولي من قبل نظام حافظ الأسد.

وتعدّ منظمات حقوقية أن الططري صاحب «أطول فترة اعتقال سياسي في سوريا»، وهو «عميد السجناء» كما يطلق عليه رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وتعرض الططري للتعذيب بصورة وحشية، وانتُزعت أقواله بالإكراه في سجن المخابرات العامة، ثم في سجن المزة العسكري، ولم تُوجه له أي تهمة، قبل أن يعرض لدقائق على محكمة استثنائية عسكرية في عام 1982، وهي المحكمة الميدانية الثانية بدمشق، التي أصدرت الحكم بالمذكرة رقم «433 - 2»، دون الإعلان عنه أو نشره أو إبلاغ صاحب العلاقة به.

بعد قضاء فترة عصيبة داخل أقبية فروع المخابرات، وصولاً إلى سجن المزة العسكري، بدأت رحلة القسوة الفظيعة؛ حيث انتقل الططري إلى سجن تدمر الصحراوي الرهيب في عام 1982، وبقي هناك 21 عاماً.

بعد ذلك، نُقل إلى سجن صيدنايا العسكري، ليمضي هناك 10 سنوات كانت الأصعب في تاريخ السجن، وفيها حدثت عمليات تمرد السجناء الذين ووجهوا بأقصى درجات الوحشية.

وسنة 2011، نقل الططري إلى سجن دمشق المركزي في عدرا، الخاضع لوزارة الداخلية، حيث مُنع من رؤية أقاربه وأصدقائه، وعاش في ظل ظروف إنسانية رهيبة، مثل باقي المعتقلين الذين انتهي بهم الأمر في سجون نظام الأسد.

واليوم، عاد الططري بعد معاناة طويلة ومريرة إلى شوارع سوريا، وأظهرت صور على موقع «إكس» الطيار السابق وهو يبتسم ويحمل باقة خجولاً من الزهور بعد نيله الحرية.