فرنسا... إعلام رياضي حيوي لكن اهتمامه الأكبر كرة القدم

كان روّاده وراء إطلاق بعض أشهر المسابقات العالمية

قناة «كانال بلوس فوتبول»
قناة «كانال بلوس فوتبول»
TT

فرنسا... إعلام رياضي حيوي لكن اهتمامه الأكبر كرة القدم

قناة «كانال بلوس فوتبول»
قناة «كانال بلوس فوتبول»

معروف عن فرنسا تقليديها الرياضي العريق، فهي موطن الألقاب ورياضيوها يحتلون الريادة في العديد من الرياضات. وهذه النجاحات يرجعها متابعون إلى انتشار ممارسة الرياضة في هذا البلد. وفي دراسة حديثة لوزارة الرياضة بعنوان «الأرقام المهمة عن الرياضة» تبين أن عدد الفرنسيين الذين يمارسون نشاطاً رياضياً بشكل منتظم يبلغ 26 مليون شخص، 14 مليون منهم تحت إشراف أندية على مختلف المستويات.
أما الرياضيون المحترفون على مستوى عالٍ، فهم حسب هذه الدراسة لا يقلّون عن 6 آلاف شخص.
هذا الشغف يقابله حضور واسع لوسائل الإعلام الرياضية، التي تتنوّع بين صحافة مكتوبة وسمعية بصرية وإلكترونية، ولقد عرفت هذه الوسائل كيف تتأقلم مع المنعطف الرقمي، وكيف تلفت الانتباه وتجني المكاسب المادية وتضاعف أرباحها بفضل العلاقة المتينة بين الرياضة والاستثمار، ولا سيما كرة القدم التي تخصّص لها حصّة الأسد في تغطياتها الإعلامية.

«ليكيب» من أشهر الصحف الرياضية

صحافة مكتوبة عريقة

معروف عن الصحافة الرياضية في فرنسا حيويتها وماضيها الحافل، إذ هي كثيرة تلك العناوين التي أسست في بداية القرن الماضي وأولها على الإطلاق كان مجلة «الرياضة في باريس» التي صدرت عام 1854 على يد الصحافي والحكم الهاوي أوجان شابو. ولكن، الأهم من ذلك، أن مؤسسي الصحافة الفرنسية وروّادها كانوا وراء إطلاق عدة مبادرات تحوّلت اليوم إلى أقوى وأبرز المنافسات الرياضية في العالم.
صحيفة «ليكيب» الرياضية الشهيرة، مثلاً، كانت وراء فكرة إطلاق «كأس أوروبا لكرة القدم» التي أصبحت فيما بعد «دوري الأبطال». ومسابقة «الحذاء الذهبي»، التي تكافئ المواهب المتميزة في كرة القدم جاءت بإيعاز من الصحافي في أسبوعية (سابقاً) «فرانس فوت» جاك فيران. ثم إن الصحافيين جول ريميه وروبير غيران من يومية «لوماتان» هما مَن كان وراء فكرة «الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)»، الذي أسس في العاصمة الفرنسية باريس عام 1904، والتي تلاها إنشاء بطولة كأس العالم عام 1924. وفي حين حملت كأس العالم الأصلية لكرة القدم اسم جول ريميه، كان روبير غيران هو مَن حرّر بنود الجمعية التي كانت تنّص حرفياً على «إنشاء بطولة عالمية لكرة القدم وبأن للفيفا وحده الحق في تنظيمها...»، وبعيداً عن كرة القدم، فإن سباق الدراجات الشهير الـ«تور دو فرانس» (طواف فرنسا الكبير) هو الآخر من تنظيم صحافي من جريدة «أوتو» يدعى هنري لاغرانج عام 1936.

 عناوين أبرز المطبوعات الرياضية الفرنسية

وهذا، طبعاً من دون أن ننسى أن بطولة «رولان غاروس» (بطولة فرنسا الدولية المفتوحة لكرة المضرب) - وهي إحدى البطولات الأربع الكبرى في العالم بجانب «ويمبلدون» البريطانية و«فلاشينغ ميدوز» الأميركية و«ملبورن» الأسترالية - كادت أن تختفي بعد الأزمة التي مرت بها في السنوات السبعين لولا جهود الإعلامي فيليب شاترييه ورؤيته... وهو مؤسس مجلة «تنس دو فرانس»، ولقد أنقذ البطولة العريقة بفضل إدارة حكيمة وحصيفة.

إصدارات متنوعة
و{ليكيب} في الصدارة
اليوم تنشر في فرنسا عدة إصدارات تغطي الفعاليات الرياضية على المشهد الإعلامي، أهمها أسبوعية «ليكيب» (الفريق) التي أسست عام 1946، وهي ثالث أهم صحيفة في البلاد بعد «لوموند» و«لوفيغارو» بـ214 ألف نسخة يومية (123 ألف نسخة منها رقمية)، 420 متعاوناً ومخطط طموح للوصول إلى تحقيق 450 ألف نسخة يومية مع مطلع 2025. وتضم مجموعة «ليكيب» أيضاً قناة «ليكيب 21» التي تحظى بنسب مشاهدة في تقدم ملحوظ، إضافة لموقع على الشبكة يعد من بين العشرة المواقع الأكثر زيارة في فرنسا (100 مليون زائر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022)، علماً بأن القناة كانت قد أعلنت عن 4 ملايين يورو كأرباح صافية لعام 2021.
بعد «ليكيب» من حيث الرواج، تأتي صحيفة «فرانس فوت» (فرانس فوتبول) التي شهدت تراجعاً في نسبة المبيعات إلى أقل من 50 ألف نسخة يومية عام 2021 بعدما كانت تتجاوز 190 ألف نسخة في بداية 2006. ولقد دفعت المنافسة الشديدة مع «ليكيب» دفعت بإدارة صحيفة «فرانس فوت» إلى تحويلها لمطبوعة شهرية وتسريح أكثر من نصف الموظفين للصمود أمام حدة الأزمات الإنتاجية والتوزيعية.

 قناة «أر إم سي سبور»

هذا على صعيد كرة القدم، ولكن المشهد الإعلامي الفرنسي يضم أيضاً عدة منشورات رياضية أخرى معظمها متخصّص في رياضات معينة كصحيفة «أوتوبلوس» أو «أرغوس» للسيارات، أو «تنس ماغازين» (لكرة المضرب) ومعظمها في يد مجموعة «أموري»، وهي المجموعة الإعلامية الأولى في مجال الصحافة الرياضية المتخصصّة، وهي تزن 505 مليون يورو وتوظف أكثر من 1000 شخص. وما يجدر ذكره أيضاً أن مجموعة «أموري»، هي صاحبة الحقوق لأكثر من 90 حدثاً رياضياً في 25 دولة بما في ذلك فعاليات مهمة مثل «رالي داكار» للسيارات أو بطولة فرنسا للسفن الشراعية «لوفون دي غلوب»، وسباق الدراجات المشهور الـ«تور دو فرانس».

القنوات وحقوق البّث

على صعيد موازٍ، ورغم تغطيتها الواسعة لمختلف الفعاليات الرياضية في فرنسا، الملاحظ في وسائل الإعلام السمعية البصرية الفرنسية بصفة عامة تركيزها على الرياضات الأكثر شعبية ككرة المضرب وسباقات السيارات والدراجات، على أن حصّة الأسد تعود بلا منازع لكرة القدم.
جيروم كازاديو رئيس تحرير صحيفة «ليكيب» قال ذات يوم في ميكروفون إذاعة «فرانس كولتور» شارحاً: «كرة القدم هي أكثر الرياضات استحواذاً على اهتمام وسائل الإعلام، لدرجة أنها تسحق كل الرياضات الأخرى»، ثم استشهد رئيس التحرير بحادثة فوز بطلة كرة المضرب الفرنسية إميلي موريسمو ببطولة السيدات في ويمبلدون عام 2000. التي تجاهلتها وسائل الإعلام الفرنسية كلياً لأن فوزها صادف، في اليوم نفسه، فوز منتخب فرنسا لكرة القدم بـ«كأس أوروبا»، وهو الحدث الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة جداً في مقابل تجاهل فوز موريسمو.
هذا الاهتمام يُفسر بنسب المشاهدة العالية التي تُميز تغطية مثل هذه الأحداث، والتي تجلب لوسائل الإعلام المعلنين وتسهم في مضاعفة مداخيلها المادية، كما حدث مع قناة «تي إف 1» التي وصلت إلى رقم قياسي في نسب المشاهدة بـ23 مليون شخص تابعوا مباراة نصف نهائي كأس العالم لكرة القدم بين فرنسا والمغرب. وهي ليست الوحيدة في المشهد الإعلامي، الذي يضم أيضاً باقة قنوات «أرمسي سبور» الأرضية والفضائية التابعة لمجموعة «التيس»، التي يملكها رجل الأعمال الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي، التي استثمرت أكثر من 36 مليار يورو في ظرف سنوات قليلة لشراء حقوق بّث أبرز الأحداث الرياضية، وتمكنت أخيراً من الحصول على حقوق بثّ الدوري الإنجليزي التي كانت سابقاً في حوزة مجموعة «كانال بلوس».
وللعلم، فإن مجموعة قنوات قناة «كانال بلوس» المتخصّصة أيضاً في السينما إلى جانب الرياضة والتي تعرض قنوات مدفوعة الثمن هي ملك لشركة فيفاندي. قناة كنال بلوس سبورت التي انطلقت في نشاطها في حقبة الثمانينيات تسّجل أكبر عدد من المشتركين في فرنسا حيث وصل عددهم سنة 2022 حسب تقارير إعلامية إلى 23 مليون مشارك، وهي تملك حقوق بث مباراة الدوري الفرنسي و«دوري الأبطال» لكرة القدم وسباقات سيارات الفورمولا 1.
تقدم الصحافة الإلكترونية
أخيراً، منذ فوز المنتخب الفرنسي لكرة القدم لأول مرة بكأس العالم ظهرت عدة مواقع إلكترونية تهتم بالرياضة، وبكرة القدم بصفة خاصة، معظمها يتميز بالنوعية والتجدد. وهي مواقع أطلقها في البداية مجموعة من الهواة كموقع «سوفوت» و«فوت 365»، وخاصة موقع «فوت ميركاتو»، الذي أطلقه طالب حقوق من كبار هواة كرة القدم عام 2004. وأصبح اليوم واحداً من المواقع الأكثر زيارة في فرنسا، إذ يحقق أكثر من 48 مليون زيارة.
أكبر ميزة لهذه المواقع سرعتها، كما أكد عليه سيبستيان دونيسه، مدير تحرير الموقع الذي صّرح على صفحات دورية «لي زيكو»، موضحاً: «هدفنا هو أن نكون سريعين للغاية، إذا أطلقنا الخبر على الفور فإننا سنُقرأ حتماً أكثر من غيرنا». وبالفعل، دفع رواج هذه المواقع وسائل الإعلام التقليدية إلى التجّدد والاتجاه نحو التنوع للحفاظ على مكانتها. والعديد من هذه الوسائل التقليدية اختار أخيراً الاتجاه إلى تطوير طبعات رقمية، منها صحيفة «ليكيب» وصحيفة «كايي دي فوتبال» التي أصبحت تصدر فقط على موقع إلكتروني.


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.