في بطولة كأس العالم الماضية بروسيا، نجح لاعبو المنتخب الفرنسي في تطبيق الخطة الموضوعة بدقة وإحكام للحد من خطورة النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، وأشادوا بلاعب خط الوسط نغولو كانتي، الذي كان مكلفاً بمراقبة ميسي، وأطلقوا بعد ذلك أغنية جديدة احتفالاً بالنجاح في هذه المهمة تقول: «نغولو كانتي قصير ولطيف، لكنه نجح في إيقاف ليو ميسي، لكننا نعلم جميعاً أنه غشاش». ولم يظهر ميسي كثيراً في هذه المباراة، باستثناء الهدف الذي صنعه لسيرجيو أغويرو قرب نهاية اللقاء بعدما كانت النتيجة قد حسمت بالفعل، وانتهت الليلة بشعور ميسي بالإحباط وصورته الشهيرة وهو ينظر إلى الأرض بعدما تبدد حلم الحصول على كأس العالم، بينما نجحت فرنسا في تحقيق الفوز والوصول إلى الدور ربع النهائي، ثم مواصلة المشوار حتى الحصول على اللقب في نهاية المطاف.
لكن لماذا وصف لاعبو فرنسا، كانتي، في أغنيتهم بأنه غشاش؟ يعود السبب في ذلك إلى أن زملاء كانتي كانوا يمزحون فيما بينهم - الأمر لا يعتمد كله على الخيال كما اعترف كانتي نفسه لاحقاً - ويقولون إنه يغش في «أوراق اللعب». لكن الشيء المؤكد الآن هو أن المنتخب الفرنسي سيكون بحاجة إلى «جوكر» في المباراة النهائية لكأس العالم أمام الأرجنتين، لأن الوصفة التي جربوها وحققت نجاحاً كبيراً - كانتي - ليست متاحة الآن، نظراً لأن اللاعب يغيب بسبب الإصابة، ولم ينضم من الأساس إلى قائمة المنتخب الفرنسي المشاركة في نهائيات كأس العالم بقطر. وهذه المرة، تلعب فرنسا، المونديال، بدون كانتي، ولا تقدم مستويات مقنعة رغم وصولها إلى المباراة النهائية. ويتعين على المدرب ديدييه ديشامب، أن يجد طريقة جديدة لإيقاف ميسي غداً الأحد.
من المؤكد أن لاعبي فرنسا، خصوصاً اللاعبين المخضرمين مثل أوليفييه جيرو، الذي واجه ميسي من قبل في النسخة السابقة من كأس العالم، يعرفون جيداً أنه يجب العمل على إيقاف ميسي بأي شكل. ولم تكن احتفالات الفرنسيين بالفوز على المغرب يوم الأربعاء - على الملأ على الأقل - صاخبة، لأنهم يعرفون أن مهمتهم ستكون صعبة في المباراة النهائية. وكما هي الحال مع الأرجنتين، فإن فرنسا تقدم مستويات جيدة على فترات ولا تقدم أداءً ثابتاً. ويدرك الفرنسيون جيداً أن ميسي هو القلب النابض لمنتخب الأرجنتين، وأن إيقافه سيحد كثيراً من قوة راقصي التانغو.
وقال جيرو عن ذلك: «أتذكر أن نغولو كانتي كان يراقبه كظله طوال المباراة في عام 2018، لكن هذه المرة لا أعرف ما هي الخطة. سنرى ذلك مع المدير الفني». ولا يتبقى أمام ديشامب الكثير لإيجاد خطة مناسبة لإيقاف ميسي. وقال المدير الفني الفرنسي بعد نجاح كانتي في الحد من خطورة ميسي في مونديال روسيا، «لقد كان له دور محدد للغاية. وصحيح أننا لم نشاهد الكثير من ليونيل ميسي عندما لعب ضدنا». ويقدم ميسي مستويات رائعة في بطولة كأس العالم الحالية، ويتحرك بحرية كبيرة وبرشاقة ويصول ويجول في جميع أنحاء المستطيل الأخضر. إنه يبدو واقفاً أو يتمشى داخل الملعب، لكن بمجرد أن يستحوذ على الكرة فإنه يشكل خطورة هائلة على مرمى المنافسين. من المؤكد أنه سوف يستلم الكرة خلال المباراة، لكن المعضلة الأساسية تتمثل في تقليل اللحظات التي يستلم فيها الكرة وحرمانه من الانطلاق للأمام.
لكن الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، ففي بعض الأحيان يخصص المديرون الفنيون أفضل مدافع في الفريق، بل وربما في البطولة بأكملها، لمراقبة ميسي، لكن النجم الأرجنتيني يتلاعب به ويفعل ما يشاء، وهو ما حدث خلال مباراة كرواتيا عندما تلاعب ميسي بالمدافع الصلب جوسكو غفارديول، يوم الثلاثاء الماضي. من المؤكد أن فرنسا تملك خط وسط قوياً يعطيها الأمل في تجاوز هذه العقبة، خصوصاً بعدما نجح أوريلين تشواميني في سد الفجوة التي تركها كانتي وبول بوغبا. لقد ظهر خط الوسط بشكل جيد خلال الشوط الأول أمام المغرب، وكاد الأمر يسفر عن هدف لجيرو أو آخر لكيليان مبابي، لكن الأمور تكون أكثر صعوبة ضد المنافسين الأقوى.
وقال تشواميني عندما سُئل عما إذا كان يقوم بالدور الذي تركه كانتي أو بوغبا: «كلاهما. في بعض الأحيان أعمل على استعادة الكرة، وفي أحيان أخرى تتاح لي الفرصة لتسجيل هدف مثلما حدث في المباراة الأخيرة (ضد إنجلترا)، أو اليوم من خلال صناعة هدف. الأمر مزيج بين هذه الأشياء. إننا نحاول أن نبذل قصارى جهدنا لمساعدة الفريق في منتصف الملعب، وأعتقد أننا قمنا بعمل رائع».
وإذا كان أدريان رابيو لائقاً، وتمكن من المشاركة في المباراة النهائية، فسيتفرغ تشواميني للقيام بواجباته الدفاعية. ومع ذلك، ربما يفضل ديشامب أن يكون خط الوسط بالكامل مسؤولاً عن مراقبة ميسي بدلاً من تخصيص لاعب واحد لهذه المهمة الصعبة. وربما يكون من المفيد في هذا الشأن أن أنطوان غريزمان، الذي يلعب صانع ألعاب، ويقوم بأدواره الدفاعية بشكل مثير للإعجاب، يتحرك في كل مكان داخل الملعب. ورغم أن غريزمان في الحادية والثلاثين من عمره، إلا أنه أعاد تعريف مهام لاعب خط الوسط من خلال العودة كثيراً إلى الخلف للقيام بواجباته الدفاعية، فضلاً عن براعته في الانطلاق في المساحات الخالية لتقديم الدعم الهجومي لزملائه. وربما لا يتمكن ميسي من التراجع للخلف من أجل تسلم الكرة وصناعة اللعب لزملائه بسبب وجود غريزمان في هذا المكان.
وقال جيرو عن ميسي، «لن نسمح له بالاستمتاع بأفضل ليلة يمكن أن يقضيها، فنحن نريد أن نفوز بكأس العالم مرة أخرى، وسنحاول كل شيء لإيقافه». لكن من المؤكد أن هذه المهمة ستكون صعبة، لأن ميسي يقدم أفضل مستوياته في الوقت الحالي. وأشار جيرو إلى أن اللاعبين الأصغر سناً في منتخب فرنسا، مثل تشواميني وزميله السابق في موناكو يوسف فوفانا، يعرفون بالضبط ما يتطلبه الأمر من أجل تحقيق الفوز، خصوصاً أن الجيل الأكبر سناً من اللاعبين يعدون قدوة لهم في الأمام. وخلال الشوط الأول ضد المغرب، تراجع المهاجم المخضرم جيرو كثيراً من أجل الحد من خطورة لاعب خط الوسط المغربي سفيان أمرابط للدرجة التي جعلت اللاعب المغربي يقول له «توقف فقط!»، نظراً لأنه كان يلاحقه في كل مكان داخل الملعب. ويعني هذا أن الجهد الجماعي قد يكون أفضل حل للحد من خطورة ميسي.
وفي المباراة التي فازت فيها فرنسا على الأرجنتين في كأس العالم الماضية، سجل كيليان مبابي هدفين وصنع هدفاً، وهو ما يعني أن منتخب الأرجنتين يجب أن يفكر هو الآخر في إيجاد طريقة مناسبة لإيقاف النجم الفرنسي الشاب. وعندما سُئل مبابي وهو يسير بخطى ثابتة في «استاد البيت» عن اللعب مرة أخرى في المباراة النهائية لكأس العالم، رد قائلاً: «أنا متحمس حقاً». لكن إذا كانت فرنسا تسعى حقاً للحفاظ على اللقب، فيتعين عليها أن تساعد مبابي على التألق وتجد الطريقة المناسبة للحد من خطورة الأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي!