عميل لـ«سي آي إيه» في الاستخبارات الليبية «شاهد» أبو عجيلة مع المقرحي وفحيمة عشية تفجير لوكربي

أدلى بشهادته أمام محكمة «كامب زايست» عام 2000 لكن القضاء الاسكوتلندي شكك في صدقيته

أبو عجيلة مسعود... متهم جديد بتفجير طائرة لوكربي عام 1988 (أ.ف.ب)
أبو عجيلة مسعود... متهم جديد بتفجير طائرة لوكربي عام 1988 (أ.ف.ب)
TT
20

عميل لـ«سي آي إيه» في الاستخبارات الليبية «شاهد» أبو عجيلة مع المقرحي وفحيمة عشية تفجير لوكربي

أبو عجيلة مسعود... متهم جديد بتفجير طائرة لوكربي عام 1988 (أ.ف.ب)
أبو عجيلة مسعود... متهم جديد بتفجير طائرة لوكربي عام 1988 (أ.ف.ب)

عندما وجّه وزير العدل الأميركي ويليام بار، في عام 2020، تهمة التورط بتفجير لوكربي إلى الليبي أبو عجيلة مسعود، لم يكن ذلك يعني أن الأميركيين اكتشفوا فجأة دوره في تفجير طائرة «بان أميركان» فوق اسكوتلندا في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1988. في الواقع، كان الأميركيون يعرفون بدوره المزعوم في التفجير قبل سنوات طويلة من اعتقاله على أيدي الثوار الليبيين بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. أخضعه الحكّام الجدد لليبيا، آنذاك، لتحقيق عن عمله في الاستخبارات الليبية. خلال التحقيق، عام 2012، أقر بوعجيلة بأنه «صانع القنبلة» التي فجّرت طائرة «بان أميركان»، كما أنه أيضاً من صنع قنبلة ملهى «لا بيل» في برلين عام 1986. قال أيضاً إن القذافي هنّأه على دوره في تفجير الطائرة. حصل الأميركيون على نص «الاعترافات» بالعربية عام 2017، فأعادوا فتح «ملف لوكربي»، وقدّموا المتهم في هذه القضية أمام القضاء أمس.
كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، في الحقيقة، تعرف بعلاقة «صانع المتفجرات» بلوكربي منذ تسعينات القرن الماضي، على أقل تقدير. فقد كانت تملك «عميلاً مزدوجاً» داخل جهاز الأمن الخارجي يزودها بالمعلومات عما تقوم به الاستخبارات الليبية، لا سيما انطلاقاً من مالطا. وعندما حان وقت محاكمة المتهمين الليبيين بتفجير «بان أميركان»، عبد الباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة، أمام محكمة اسكوتلندية أُقيمت في «كامب زايست» بهولندا عام 2000، كان هذا العميل الليبي بمثابة «الشاهد الملك» الذي دفع به الادعاء لإثبات التهمة ضدهما.

أبو عجيلة مسعود (وسط) خلال محاكمته في طرابلس عام 2014 (رويترز)

قدّم محامو الادعاء «العميل المزدوج» للشهادة في المحكمة من وراء زجاج مقاوم للرصاص. ظهر في القاعة عبر شاشة تلفزيونية. صوته أُخضع لتغيير وكذلك صورته. وحتى الاسم الذي قُدّم به، عبد المجيد جعايكة، لم يكن حقيقياً. كان الأميركيون بالغي الحرص على حماية شاهدهم. فهو الوحيد القادر على تقديم دليل مباشر على ضلوع المقرحي (المتهم الأول) وفحيمة (المتهم الثاني) في إرسال القنبلة عبر حقيبة «السامسونايت» الشهيرة انطلاقاً من مطار لوقا بمالطا، ومنه إلى مطار فرانكفورت حيث تم تحميلها في طائرة «بان أميركان» إلى هيثرو، قبل انطلاق رحلتها المشؤومة نحو الولايات المتحدة وانفجارها في الجو فوق لوكربي.
عبد المجيد جعايكة، كما تبيّن خلال جلسات المحاكمة، التحق بجهاز أمن الجماهيرية (تغيّر الاسم لاحقاً إلى جهاز الأمن الخارجي) عام 1984. عمل لمدة 18 شهراً بعد التحاقه بالاستخبارات في قسم صيانة السيارات. في ديسمبر (كانون الأول) 1985، عُيّن مساعداً لمدير محطة الخطوط الجوية الليبية في مطار لوقا، وهو منصب «يشغله عادةً عضو في جهاز الاستخبارات». قدّم جعايكة للأميركيين، حسبما جاء في أوراق القضاء الاسكوتلندي، معلومات عن هيكلية جهاز الاستخبارات منذ العام 1985. قال، على وجه الخصوص، إن مدير فرع الأمن المركزي هو عز الدين الهنشيري، فيما يرأس فرع العمليات سعيد راشد، وقسم العمليات الخاصة بفرع العمليات هو ناصر عاشور. قال إن «المتهم الأول» (عبد الباسط المقرحي) تولى رئاسة «فرع أمن الطيران» حتى يناير (كانون الثاني) 1987 حيث تم نقله إلى «معهد الدراسات الاستراتيجية». أما «المتهم الثاني» (فحيمة) فكان مدير محطة الخطوط الليبية في مطار لوقا من العام 1985 حتى أكتوبر (تشرين الأول) 1988.
في أغسطس (آب) 1988، اتصل جعايكة بالسفارة الأميركية في مالطا، مبدياً رغبته في تزويد الأميركيين بمعلومات كونه «غير راضٍ» عن تورط ليبيا في الإرهاب. وأضاف أن «القشة التي قصمت ظهر البعير» كانت استدعاؤه إلى طرابلس بسبب «حادثة في المطار على علاقة بامرأة مصرية». وتابع جعايكة، حسب وثائق القضاء الاسكوتلندي، أنه كان يريد أن يذهب إلى الولايات المتحدة، لكنه يوافق على البقاء في عمله بهدف تقديم معلومات عن «النشاط الإرهابي» لبلاده.
كان جعايكة يلتقي مشغليه في «سي آي إيه» مرة كل شهر. يتلقى منهم ألف دولار شهرياً، قبل أن يرتفع راتبه إلى 1500 دولار. وكان عملاء الاستخبارات الأميركية يرسلون تقريراً إلى قيادتهم بكل ما يقدمه لهم. تضمنت تقارير «سي آي إيه» معلومات مختلفة أبرزها ما يخص هوية الأشخاص الذين يأتون من ليبيا إلى مالطا ويعودون منها إلى بلادهم. لكنَّ الأميركيين قطعوا عنه راتبه، فعاد إلى طرابلس عام 1990. في يوليو (تموز) 1991 ترك الليبي بلاده وعاد إلى مالطا، فنقله الأميركيون إلى سفينة حربية وأخضعوه لتحقيق استمر ثلاثة أسابيع.
تكشف الوثائق القضائية الاسكوتلندية أن جعايكة أبلغ «سي آي إيه»، في لقاء بتاريخ أكتوبر 1988، أن لديه معلومات عن أسلحة ليبية مخزنة في مالطا. قال إنه على دراية بأن 8 كيلوغرامات من المتفجرات كانت محفوظة في مكتب الخطوط الليبية. كشف أن المقرحي هو الذي جلبها إلى مالطا عام 1985، وأنها كانت موضوعة في درج بالمكتب، مضيفاً أنه طُلب منه أن يُساعد في نقلها إلى «المكتب الشعبي» (السفارة). في يوليو 1991، أبلغ جعايكة الأميركيين بمعلومة إضافية وهي أن «المتهم الثاني» (فحيمة) هو الذي يحوز هذه المتفجرات، وأن فحيمة نفسه هو من أبلغه بأن المقرحي كان وراء جلب المتفجرات إلى مالطا.

أبو عجيلة مسعود في صورة جديدة له وزعها مكتب الشرطة في الكسندريا بولاية فيرجينيا حيث يتم احتجازه حالياً (أ.ب)

قدّم جعايكة للمحققين أيضاً، في يوليو 1991، معلومة جديدة وهي أنه شاهد «المتهم الأول» و«المتهم الثاني» وهما يصلان إلى مطار لوقا في وقت ما بين أكتوبر وديسمبر (كانون الأول) 1988. هذه الإشارة السريعة إلى رؤيتهما في المطار تطورت تدريجياً إلى مرحلة «أدلى فيها بشهادته» بأنه شاهدهما ليس فقط في المطار بل عند حزام نقل الأمتعة، وأن المتهم الثاني «تسلم حقيبة سامسونايت بُنيّة اللون ومر بها عبر الجمارك»، وأنه التقاهما (المقرحي وفحيمة) مع شخصين آخرين كانا برفقتهما «أحدهما تم تقديمه له من قبل المتهم الأول (المقرحي) باسم أبو عجيلة مسعود، هو شخص تقني». كانت تلك الإشارة الأولى علناً في المحكمة إلى علاقة «التقني» مسعود بالمتهمين المقرحي وفحيمة ووجوده معهما في المطار المالطي. قال جعايكة، في شهادته، إن شخصاً آخر يدعى «فنسنت فاسالو»، على معرفة بفحيمة، كان حاضراً أيضاً بعدما وصل بسيارة «المتهم الثاني» و«غادر الجميع بالسيارة».
عندما نظر قضاة محكمة «كامب زايست» في شهادة جعايكة خلصوا إلى أنها لا تمثل دليلاً قاطعاً ضد المتهمين الليبيين. لكنهم حكموا في نهاية المطاف، وبناءً على أدلة أخرى، بأن المتهم الأول (المقرحي) متورط فعلاً في تفجير لوكربي، فيما نال المتهم الثاني (فحيمة) البراءة.
وانطلاقاً من تشكيك القضاء الاسكوتلندي في صدقية «الشاهد الملك» لـ«سي آي إيه»، لا يُعتقد أن الأميركيين سيحاولون الاعتماد فقط على شهادة جعايكة من جديد في محاكمة أبو عجيلة مسعود الآن، حتى ولو كان قد رآه بنفسه، كما زعم، في مطار لوقا عشية تفجير لوكربي. وكما كان واضحاً من ملف الإدعاء الجديد ضده، سيقدم الادعاء الأميركي خلال محاكمته «اعترافاته» في ليبيا عام 2012، وهي اعترافات سيدفع محاموه بلا شك بأنها انتُزعت منه تحت التعذيب. وليس واضحاً هل ينوي الأميركيون أن يعرضوا عليه التعاون معهم، فيكشف هو ما يملك من معلومات لقاء حصوله على حكم مخفف.


مقالات ذات صلة

بعد الهجوم المسلح في كشمير... باكستان تستعد لردّ هندي

آسيا أفراد الأمن خارج المفوضية العليا الباكستانية في نيودلهي بعد يوم من إطلاق مسلحين النار على سياح في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير (أ.ب)

بعد الهجوم المسلح في كشمير... باكستان تستعد لردّ هندي

أعلنت الحكومة الباكستانية عدم رغبتها في تصعيد، لكن في أعقاب الهجوم الدامي الذي شنه مسلحون في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، حذّر محللون: الوضع قد يصبح غير مستقر

«الشرق الأوسط» ( إسلام آباد)
أوروبا منظر للمدخل الرئيسي لمركز تسوق «شلوس بارك سنتر» حيث وقع هجوم قاتل بسكين على أفغاني يبلغ من العمر 17 عاماً في 4 فبراير 2025 (د.ب.أ)

الشرطة البريطانية تلقي القبض على أفغاني متهم بطعن آخر في ألمانيا

ألقت السلطات البريطانية القبض على شخص يشتبه في أنه منفذ هجوم الطعن القاتل الذي وقع منذ شهرين ونصف الشهر بمدينة شفيرين في شمال ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (شفيرين (ألمانيا) )
آسيا يقف مسؤولو الأمن الباكستانيون حراساً خارج كنيسة بينما تحتفل الأقلية المسيحية بعيد الفصح في كويتا عاصمة إقليم بلوشستان المضطرب في 20 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

مقتل شرطيين باكستانيين خلال مرافقتهما فريق تطعيم ضد شلل الأطفال

أفاد مسؤولون باكستانيون، الأربعاء، بأن شرطيين قتلا خلال مرافقتهما فريق تطعيم ضد شلل الأطفال في إقليم بلوشستان المضطرب في جنوب غربي البلاد.

«الشرق الأوسط» (كويتا (باكستان))
آسيا في هذه الصورة التي التقطها ونشرها مكتب رئيس الوزراء الباكستاني يوم 24 أبريل 2025 يتحدث شهباز شريف خلال اجتماع أمني رفيع المستوى إلى قادة القوات الباكستانية ومسؤولين حكوميين آخرين بمقر رئاسة الوزراء في إسلام آباد (أ.ف.ب)

رئيس وزراء باكستان يترأس اجتماعاً للجنة الأمن الوطني لبحث إجراءات الهند إثر هجوم كشمير

يترأس رئيس وزراء باكستان، شهباز شريف، اجتماعاً للجنة الأمن الوطني، الخميس؛ لبحث الوضع في أعقاب الإجراءات التي أعلنت عنها الهند بعد هجوم كشمير.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد )
آسيا تظهر هذه الصورة الملتقطة في 15 مارس موظفاً من إدارة الثقافة والسياحة يحمل تمثالاً لبوذا في متحف في مهترلام بولاية لغمان (أ.ف.ب)

«طالبان» تغيّر موقفها تجاه المواقع التراثية الأفغانية

أحدثت حركة «طالبان» صدمةً كبيرةً في العالم عندما فجرت في مارس 2001 تمثالَي بوذا عملاقين في باميان. لكن الحركة، التي تسيطر على أفغانستان تمثال إنها أحرزت تقدماً.

«الشرق الأوسط» (غوارجان (أفغانستان))

رئيس وزراء غرينلاند يعتزم زيارة الدنمارك

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
TT
20

رئيس وزراء غرينلاند يعتزم زيارة الدنمارك

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

يعتزم رئيس وزراء غرينلاند الجديد زيارة الدنمارك يومي 27 و28 أبريل (نيسان)، وفقاً لما أعلنته الحكومة، الأربعاء، لبحث الأزمة الناشئة عن طموح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالسيطرة على الإقليم الدنماركي الذي يتمتع بحكم ذاتي.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، يصر ترمب على حاجة بلاده إلى ضم غرينلاند لأسباب أمنية، رافضاً استبعاد احتمال استخدام القوة لتحقيق ذلك، ما أدى إلى توتر العلاقات بين واشنطن وكوبنهاغن.

وتوجهت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميته فريدريكسن، التي زارت غرينلاند مطلع أبريل (نيسان) لإظهار وحدة الموقف، إلى الولايات المتحدة بالقول «لا يمكنكم ضم دولة أخرى».

ويقود ينس فريدريك نيلسن الحكومة الائتلافية الجديدة في غرينلاند بعد فوز حزبه الديمقراطي من يمين الوسط في الانتخابات التشريعية التي جرت في مارس (آذار).

وستكون هذه أول زيارة له إلى الدنمارك منذ توليه منصبه. وقالت فريدريكسن في بيان قبل الزيارة: «نعيش في زمن يتطلب الوحدة».

وأضافت: «علينا أن ندعم بعضنا بعضاً في ظل الوضع السياسي الخارجي الصعب الذي تمر به غرينلاند والمملكة الدنماركية حالياً».

وخلال زيارته، سيلتقي نيلسن أيضاً ملك الدنمارك فريدريك، وممثلين للبرلمان الدنماركي.

وأعلن القصر الملكي، في بيان منفصل، أن الملك سيرافق نيلسن بعد ذلك إلى غرينلاند لزيارة الجزيرة القطبية الشمالية.