ماذا يعني أن يظهر الرئيس بوتين ثلاث مرات في أسبوع واحد؟ ماذا يعني أن يقول، وفي رد على سؤال صحافي: «لا يمكن لك أن تثق بأحد، يمكنك الوثوق بي أنا فقط»؟ لمن يوجه الرئيس بوتين هذه الرسالة؟ فهل هناك ما يزعجه في الداخل؟ وهل هناك تململ في محيطه المباشر؟ يؤكد العارفون بالشأن الروسي، أنه وحتى الآن، لا يزال الرئيس بوتين هو الأقوى والأول بين متساوين في حكم وإدارة روسيا، كما قيادة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. لماذا يزور الرئيس بوتين جسر كيرش مؤخراً؟ ولماذا يُكرر مجدداً ما أراده القيصر الراحل والأيقونة بالنسبة للروس بطرس الأكبر؟ ولماذا يُبرر الرئيس بوتين ما يقوم به بالاستناد إلى التاريخ بدل القانون الدولي؟ كأن يقول مرة إن المكاسب التي حققها القيصر بطرس الأكبر في البلطيق، كانت في البدء مرفوضة من العالم الأوروبي، لكنه فرضها كأمر واقع. لماذا يُعلن الرئيس بوتين أنه حقق حلم بطرس الأكبر عندما ضم بحر آزوف ليصبح بحراً روسياً داخلياً؟ لماذا يُكرر دائماً الرئيس بوتين أنه لا بد من الحوار لوقف الحرب، وهو يعرف مسبقاً الجواب الأوكراني، كما الغربي، خصوصاً الأميركي؟ لماذا لا يذكر الرئيس بوتين حتى ولو مرة واحدة أوكرانيا كدولة ذات سيادة؟
- المعضلة العملانية للرئيس بوتين
بعد أقل من عشرة أشهر تقريباً على اندلاعها، تحولت الحرب إلى ما يُسمى بالروتنة (من روتين). وصل المتحاربون إلى نقطة الذروة. فالعسكر قد استنزف، والعتاد قد استهلك، حتى مخازن الذخيرة لم تعد كما كانت، إن كان لدى المتقاتلين أو حتى عند الداعمين لهما. فهل يعني هذا الوضع أنه لا بد من توقف عملاني؟ في الحروب يكون التوقف العملاني ضرورة حتمية. لكن التوقف العملاني حالياً في الحرب الأوكرانية سيخلق المعضلة التالية لكل من الفريقين:
* حتى الآن، الاندفاعة العملانية كما زمام المبادرة هما بيد الجيش الأوكراني. والتوقف العملاني يعني إعطاء مزيد من الوقت للجيش الروسي كي يستعيد زمام المبادرة.
* من الجهة الروسية، الوقفة العملانية حالياً تعني أن بديل الانسحاب من مدينة خيرسون لم يتجسد بعد كتعويض. من هنا التركيز الروسي على مدينة بخموت في إقليم الدونباس. ومن يدري ما سيكون عليه الجيش الأوكراني في حال وقف العمليات العسكرية؟
- الجديد مع بوتين
تحدث الرئيس بوتين مؤخراً عن تغيير العقيدة النووية الروسية، وذلك باعتماد الضربات الاستباقية النووية بدل التمسك بالرد فقط بعد الاعتداء النووي على روسيا. برر الرئيس بوتين قوله بأن الغرب أيضاً، خصوصاً أميركا، تعتمد هذه المقاربة. لكن السؤال يبقى: ضربة نووية استباقية ضد من؟ هل ستكون ضد أوكرانيا؟ وما هي قيمة الهدف التي قد تبرر هذا المستوى من التصعيد؟ هل هي ضد دولة من حلف الناتو؟ فهل يُغامر الرئيس بوتين؟ وهل هي من ضمن الحرب الإعلامية لزيادة قيمة الردع الروسي ضد الناتو؟
- الجديد مع أوكرانيا
قصف الجيش الأوكراني أهدافاً عسكرية روسية ذات قيمة استراتيجية كبيرة، وذلك داخل الأراضي الروسية بمسافات كبيرة جداً.
فما معنى هذا الأمر؟
* إن قصف البنى التحتية الأوكرانية، يُبرر الرد بالمثل، وضد المركز الذي يتم القصف منه.
* قصف المطارات التي تحتضن القاذفات الاستراتيجية، التي تمتلك قدرات حمل الرؤوس النووية لهو أمر خطير جداً. فهذه القاذفات تشكل البُعد الثالث لوسائل القصف النووي الروسي، وذلك إلى جانب الغواصات في البحر، كما الصواريخ العابرة للقارات والتي تطلق من البر (2nd Strike Capabilities). فكيف يهدد الرئيس بوتين بالنووي وهو ليس قادراً على حماية وسائله النووية؟
* لكن الغريب بالأمر، وحسب معهد الدراسات للحرب، أن مصدراً في وزارة الدفاع الأميركية، كان قد صرح، بأن البنتاغون لم يعد يشدد على أوكرانيا لعدم قصف أهداف داخل الأراضي الروسية. فهل هناك شروط من البنتاغون لغض النظر؟ ممكن، وإلا ماذا يعني تسريب وزارة الدفاع الأميركية خبراً إلى مجلة «وول ستريت جورنال» أن البنتاغون كان قد عدل منظومة الراجمات «هايمارس» قبل تسليمها إلى أوكرانيا، وبشكل لا تكون هذه الراجمات قادرة على ضرب العمق الروسي؟ فهل يعني هذا التسريب أن أميركا لا تمانع في ضرب العمق الروسي، خصوصاً إذا كانت الوسيلة من صنع أوكراني محلي؟